بسم اللّه الرحمن الرحيم من عبداللّه علي امير المؤمنين الى طلحة والزبير وعائشة سلام عليكم اما بعد يا طلحة والزبير فـان كنتما بايعتما طائعين فتوبا الى اللّه تعالى , وارجعا عما انتما عليه , وان كنتما بايعتما مكرهين ,
فـقـد جـعـلـتـمـا لي السبيل عليكما باظهاركما الطاعة وكتمانكما المعصية وانت يا طلحة المهاجرين مـن خـروجـكـما منه بعد اقراركما, وانت يا عائشة تـطلبين امرا كان عنك موضوعا, ثم تزعمين ان تريدين الاصلاح بين المسلمين فخبريني ما للنساء
وقـود الـجيوش والبروز للرجال والوقوع بين اهل القبلة , وسفك الدماء المحترمة ؟ على زعمك دم عثمان , وما انت وذاك وعثمان رجل من بني امية وانت من تيم ؟ في ملا من اصحاب رسول اللّه : اقتلوا نعثلا فقد كفر, ثم تطلبين اليوم بدمه بيتك , واسبلي عليك سترك والسلام .
فما اجابوه بشي ء.
وفي رواية اخرى ((395)) فاجابت :.
(يا ابن ابي طالب وفـي تاريخ ابن اعثم : ان طلحة والزبير لم يكتبا اليه ولكنهما اجاباه (انك سرت مسيرا له ما بعده ,
ولست راجعا وفي نفسك منه حاجة , فامض لامرك .
اما انت فلست راضيا دون دخولنا في طاعتك , ولسنا بداخلين فيها ابدا فاقض ما انت قاض ).
وقـد روى الـمـؤرخ الـواسـع الاطـلاع بـاخـبـار الـعراق ـ ابو مخنف لوط بن يحيى في كتابه
(الجمل ) ((396)) تفصيلا وافيا عن ورود عائشة وطلحة والزبير البصرة حيث قال : ان الزبير
وطـلـحة اغذا السير بعائشة حتى انتهوا الى حفر ابي موسى الاشعري ((397)) وهو قريب من
الـبصرة , وكتبا الى عثمان بن حنيف الانصاري وهوعامل علي على البصرة ان اخل لنا دار الامارة ,
فـلـمـا وصل كتابهما اليه بعث الى الاحنف بن قيس ((398)) فقال له : ان هؤلاء القوم قدموا علينا,
ومعهم زوجة رسول اللّه , والناس اليها سراع كما ترى .
فقال الاحنف : انهم جاءوك للطلب بدم عثمان , وهم الذين البوا على .
عثمان الناس وسفكوا دمه , اراهم واللّه لايزايلونا حتى يلقوا العداوة بيننا, ويسفكوا دماءنا, واظنهم
واللّه سـيـركـبـون منك خاصة ما لا قبل لك به ان لم تتاهب لهم بالنهوض اليهم في من معك من اهل
البصرة , فانك اليوم الوالي عليهم , وانت فيهم مطاع , فسر اليهم بالناس وبادرهم قبل ان يكونوا معك
في دار واحدة , فيكون الناس لهم اطوع منهم لك .
فقال عثمان بن حنيف : الراي ما رايت لكنني اكره الشر, وان ابداهم به , وارجو العافية والسلامة الى
ان يـاتيني كتاب امير المؤمنين ورايه فاعمل به ثم اتاه بعد الاحنف حكيم بن جبلة من بني عمرو بن
وديعة , فاقراه كتاب طلحة والزبير, فقال له : مثل قول الاحنف , واجابه عثمان بمثل جوابه للاحنف
فقال له حكيم : فاذن لي حتى اسير اليهم بالناس , فان دخلوا في طاعة امير المؤمنين والا نابذتهم على
سواء.
فقال عثمان : لو كان ذلك رايي لسرت اليهم بنفسي .
قـال حـكـيـم : واللّه لـو دخلوا عليك هذا المصر لينتقلن قلوب كثير من الناس اليهم وليزيلنك عن
مجلسك هذا, وانت اعلم فابى عليه عثمان .
قال : وكتب علي الى عثمان لما بلغه مشارفة القوم البصرة :.
مـن عـبـداللّه عـلـي امـير المؤمنين الى عثمان بن حنيف اما بعد فان البغاة عاهدوا اللّه , ثم نكثوا,
وتوجهوا الى مصرك , وساقهم الشيطان لطلب مالا يرضى اللّه به , واللّه اشد باسا واشد تنكيلا, فاذا
قدموا عليك فادعهم الى الطاعة والرجوع الى الوفاء بالعهد, والميثاق الذي فارقونا عليه , فان اجابوا
فـاحـسن جوارهم ماداموا عندك , وان ابوا الا التمسك بحبل النكث والخلاف , فناجزهم القتال حتى
يـحكم اللّه بينك وبينهم , وهو خير الحاكمين وكتبت كتابي هذا اليك من الربذة وانا معجل المسير
اليك ان شاء اللّه .
وكتب عبيد اللّه بن ابي رافع في سنة ست وثلاثين ((399)) :.
فـلـمـا وصـل كتاب علي الى عثمان ارسل الى ابي الاسود الدؤلي ((400)) وعمران بن الحصين
الـخزاعي فامرهما ان يسيرا حتى ياتياه بعلم القوم , وما الذي اقدمهم , فانطلقا حتى اذا اتيا حفر ابي
مـوسـى , وبـه معسكر القوم , فدخلا على عائشة , فسالاها, ووعظاها, واذكراها, وناشداها اللّه ,
فـقـالت لهما: القيا طلحة والزبير, فقاما من عندها ولقيا الزبير فكلماه , فقال لهما: انا جئنا للطلب بدم
عـثمان , وندعو الناس الى ان يردوا امر الخلافة شورى ليختار الناس لانفسهم , فقالا له : ان عثمان
لـم يقتل بالبصرة ليطلب دمه فيها, وانت تعلم قتلة عثمان من هم , واين هم , وانك وصاحبك وعائشة
كنتم ا4شد الناس عليه , واعظمهم اغراء بدمه فاقيدوا من انفسكم , واما اعادة امر الخلافة شورى ,
فـكـيـف وقـد بايعتم عليا طائعين غير مكرهين , وانت يا ابا عبداللّه لم يبعد العهد بقيامك دون هذا
الـرجـل يـوم مـات رسـول اللّه آخذ قائم سيفك تقول : ما احد احق بالخلافة منه , ولا اولى بها منه
وامـتـنعت عن بيعة ابي بكر ((401)) , فاين ذلك الفعل من هذا القول , فقال لهما: اذهبا فالقيا طلحة ,
فـقـامـا الـى طلحة فوجداه خشن الملمس , شديد العريكة , قوي العزم في اثارة الفتنة واضرام نار
الحرب , فانصرفا الى عثمان بن حنيف , فاخبراه وقال له ابو الاسود الدئلي :.
ياابن حنيف قد اتيت فانفر
وطاعن القوم , وجالد, واصبر.
وطاعن القوم , وجالد, واصبر.
وطاعن القوم , وجالد, واصبر.
فقال ابن حنيف : اي والحرمين لافعلن, وامر مناديه , فنادى الناس :
السلاح , السلاح فاجتمعوا اليه وقال ابو الاسود الدؤلي :.
اتيـنا الزبير فداني الكلام
واحسـن قوليهمـا فـادح
وقد اوعدونا بجـهد الوعيد
فاهـون علينا بما اوعدوا
وطلحة كالنجم او ابعـد.
يضيق به الخطـب مسـتنكد.
فاهـون علينا بما اوعدوا
فاهـون علينا بما اوعدوا
فاقبل القوم فلما انتهوا الى المربد ((403)) قام رجل من بني جشم ((404)) فقال :.
ايها الناس خائفين , لقد اتوكم من المكان الذي يامن فيه الطير والوحش والسباع ((405)) , وان اتوكم للطلب
بـدم عثمان , فغيرنا ولي قتله , فاطيعوني ايها الناس تـسـلموا من الحرب الضروس والفتنة الصماء ((406)) التي لاتبقي ولا تذر فحصبه ناس من اهل
البصرة فامسك .
وقـال : اجـتـمـع اهـل الـبصرة الى المربد حتى ملاوه مشاة وركبانا, فقام طلحة فاشار الى الناس
بالسكوت ليخطب فسكتوا بعد جهد فقال :.
امـا بعد, فان عثمان بن عفان كان من اهل السابقة والفضيلة ومن المهاجرين الاولين الذين رضي اللّه
عـنـهم ورضوا عنه , ونزل القرآن ناطقا بفضلهم , واحد ائمة المسلمين الوالين عليكم بعد ابي بكر
وعمر صاحبي رسول اللّه (ص ) وقد كان احدث احداثا نقمناها عليه فاتيناه فاستعتبناه فاعتبنا, فعدا
عـليه امرؤ ابتز هذه الامة امرها غصبا بغير رضا منها ولا مشورة , فقتله ((407)) وساعده على
ذلـك قـوم غـيـر اتقياء ولا ابرار فقتل محرما بريئا تائبا, وقد جئناكم ايها الناس ونـدعوكم الى الطلب بدمه , فان نحن امكننا اللّه من قتلته قتلناهم به , وجعلنا هذا الامر شورى بين
الـمـسـلـمـين , وكانت خلافة رحمة للامة جميعا فان كل من اخذ الامر من غير رضا من العامة ولا
مشورة منها ابتزازا كان ملكه عضوضا وحدثا كبيرا ((408)) .
ثم قام الزبير فتكلم بمثل كلام طلحة , فقام اليهما ناس من اهل البصرة فقالوا لهما: الم تبايعا عليا في
من بايعه , ففيم بايعتما ثم نكثتما؟.
فقالا: ما بايعناه , وما لاحد في اعناقنا بيعة , وانما استكرهنا على بيعته .
فقال ناس : قد صدقا, واحسنا القول , وقطعنا بالثواب , وقال ناس : ما.
صدقا, ولا اصابا في القول , حتى ارتفعت الاصوات , قال : ثم اقبلت عائشة على جملها, فنادت بصوت
مرتفع , ايها الناس ان امير المؤمنين عثمان قد كان غير وبدل ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوما تائبا, وانما
نقموا عليه ضربة بالسوط وتاميره الشبان , وحمايته موضع الغمامة , فقتلوه محرما في حرمة الشهر,
وحـرمة البلد ذبحا كما يذبح الجمل , الا وان قريشا رمت غرضها بنبالها, وادمت افواهها بايديها, وما
نـالـت بـقتلها اياه شيئا, ولا سلكت به سبيلا قاصدا اما واللّه ليرونها بلايا عقيمة تنبه النائم , وتقيم
الـجـالـس , وليسلطن عليهم قوم لا يرحمونهم يسومونهم سوء العذاب , ايها الناس عـثمان مايستحل به دمه , مصتموه كما يماص الثوب الرحيض ((409)) ثم عدوتم عليه , فقتلتموه
بـعـد تـوبته وخروجه من ذنبه , وبايعتم ابن ابي طالب بغير مشورة من الجماعة , ابتزازا وغصبا,
اتـرونـني اغضب لكم من سوط عثمان ولسانه , ولا اغضب لعثمان من سيوفكم ؟ مـظـلـومـا, فـاطـلبوا قتلته , فاذا ظفرتم بهم فاقتلوهم , ثم اجعلوا الامر شورى بين الرهط الذين
اختارهم امير المؤمنين عمر بن الخطاب , ولا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان .
قال : فماج الناس واختلطوا, فمن قائل يقول : القول ما قالت , ومن قائل يقول : وما هي وهذا الامر؟ انما
هـي امـراة مـامـورة بلزوم بيتها, وارتفعت الاصوات , وكثر اللغط, حتى تضاربوا بالنعال , وتراموا
بـالـحـصـا ثـمـ ان الـناس تمايزوا فصاروا فريقين : فريق مع عثمان بن حنيف , وفريق مع عائشة
واصحابها ((410)) .
قـال ابو مخنف : فلما اقبل طلحة والزبير من المربد يريدان عثمان بن حنيف , فوجداه واصحابه قد
اخذوا بافواه السكك , فمضوا حتى انتهوا الى موضع الدباغين فاستقبلهم اصحاب ابن حنيف فشجرهم
طـلحة والزبير واصحابهما بالرماح , فحمل عليهم حكيم بن جبلة , فلم يزل هو واصحابه يقاتلونهم
حـتى اخرجوهم من جميع السكك , ورمتهم النساء من فوق البيوت بالحجارة فاخذوا الى مقبرة بني
مـازن , فوقفوا بها مليا حتى ثابت اليهم خيلهم , ثم اخذوا على مسناة البصرة حتى انتهوا الى الزابوقة
ثـم سبخة دار الرزق ((411)) فنزلوها واتاهما عبداللّه بن حكيم التميمي لما نزلا السبخة بكتب
كانا كتباها اليه , فقال لطلحة : يا ابا محمد قال : بلى .
قـال : فـكـتـبت امس تدعونا الى خلع عثمان وقتله حتى اذا قتلته اتيتنا ثائرا بدمه ؟ فلعمري ما هذا
رايـك , لا تـريـد الا هذه الدنيا مهلا اذا كان هذا رايك فلم قبلت من علي ما عرض عليك من البيعة ,
فبايعته طايعا راضيا, ثم نكثت بيعتك , ثم جئت لتدخلنا في فتنتك ؟ فقال : ان عليا دعاني الى بيعته بعدما
بايع الناس , فعلمت اني لو لم اقبل ما عرضه علي لم يتم لي , ثم يغري بي من معه .
قـال : ثـم اصـبحا من غد, فصفا للحرب , وخرج عثمان بن حنيف اليهما في اصحابه , فناشدهما اللّه
والاسلام واذكرهما بيعتهما عليا, فقالا: نطلب بدم عثمان .
فـقـال لـهما: وما انتما وذاك , اين بنوه ؟ اين بنو عمه الذين هم احق به منكم ((412)) ؟ كلا واللّه ,
ولـكنكما حسدتماه حيث اجتمع الناس عليه , وكنتما ترجوان هذا الامر وتعملان له , وهل كان احد
اشـد عـلـى عثمان قولا منكما؟ ومـكانها من رسول اللّه فانها ادنتك الى الظل وان الامر بيني وبينك يا ابن الصعبة ((413)) ـ يعني
طلحة ـ اعظم من القول , لاعلمتكما من امركما ما يسوءكما اللّه م اني قد اعذرت الى هذين الرجلين .
ثم حمل عليهم واقتتل الناس قتالا شديدا ثم تحاجزوا واصطلحوا على ان يكتب بينهم كتاب الصلح ,
فكتب :.
هذا ما اصطلح عليه عثمان بن حنيف الانصاري ومن معه من المؤمنين من شعية امير المؤمنين علي بن
ابي طالب , وطلحة والزبير ومن معهما من المؤمنين والمسلمين من شيعتهما ان لعثمان بن حنيف دار
الامارة , والرحبة , والمسجد, وبيت المال , والمنبر وان لطلحة والزبير ومن معهما ان ينزلوا حيث
شاءوا من البصرة ولا يضار بعضهم بعضا في طريق , ولا فرضة ((414)) ولا سوق , ولا شريعة ,
ولا مرفق , حتى يقدم امير المؤمنين علي بن ابي طالب فان احبوا دخلوا في ما دخلت فيه الامة , وان
احـبوا لحق كل قوم بهواهم وما احبوا من قتال او سلم او خروج او اقامة , وعلى الفريقين بما كتبوا
عهد اللّه وميثاقه واشد ما اخذه على نبي من انبيائه من عهد وذمة وختم الكتاب .
ورجع عثمان بن حنيف حتى دخل دار الامارة , وقال لاصحابه : الحقوا رحمكم اللّه باهلكم , وضعوا
سـلاحـكـم وداووا جرحاكم , فمكثوا اياما ثم ان طلحة والزبير قالا: ان قدم علي ونحن على هذا
الحال من القلة والضعف لياخذن باعناقنا, فاجمعا على مراسلة القبائل , واستمالة العرب , فارسلا الى
وجـوه الـنـاس واهل الرياسة والشرف , يدعوانهم الى الطلب بدم عثمان , وخلع علي , واخراج ابن
حـنـيـف مـن الـبـصـرة , فبايعهم على ذلك الازد وضبة وقيس عيلان ((415)) , كله الا الرجل
والرجلين من القبيلة كرهوا امرهم فتواروا عنهم , وارسلوا الى هلال بن وكيع التميمي ((416))
فـلـم يـاتهم فجاءه طلحة والزبير الى داره , فتوارى عنهما, فقالت له امه : ما رايت مثلك قريش , فتواريت عنهما, فلم تزل به حتى ظهر لهما, وبايعهما, ومعه بنو عمرو بن تميم كلهم وبنو
حـنظلة الا بني يربوع , فان عامتهم كانوا شيعة لعلي , وبايعهم بنو دارم كلهم الا نفر من بني مجاشع
ذوي دين وفضل ((417)) .
فـلما استوثق لطلحة والزبير امرهما خرجا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر, ومعهما اصحابهما قد
الـبـسـوهـم الدروع وظاهروا فوقها بالثياب , فانتهوا الى المسجد وقت صلاة الفجر, وقد سبقهم
عـثـمـان بـن حـنيف اليه , واقيمت الصلاة فتقدم عثمان ليصلي بهم فاخره اصحاب طلحة والزبير
وقدموا الزبير, فجاءت السبابجة ((418)) وهم الشرط حرس بيت المال , فاخروا الزبير وقدموا
عثمان , فغلبهم اصحاب الزبير فقدموا الزبير واخروا عثمان , ولم يزالوا كذلك حتى كادت الشمس
ان تطلع , وصاح بهم اهل المسجد: الا تتقون اللّه يا اصحاب محمد, وقد طلعت الشمس فغلب الزبير
فـصـلـى بـالـناس , فلما انصرف من صلاته صاح باصحابه المستسلحين : ان خذوا عثمان بن حنيف ,
فـاخـذوه بـعـد ان تضارب هو ومروان بن الحكم بسيفيهما, فلما اسر ضرب ضرب الموت , ونتف
حـاجـبـاه واشـفـار عـينيه وكل شعرة في راسه ووجهه , واخذوا السبابجة وهم سبعون رجلا,
فـانـطـلقوا بهم وبعثمان بن حنيف الى عائشة , فقالت : لابان بن عثمان : اخرج اليه فاضرب عنقه فان
الانصار قتلت اباك , واعانت على قتله , فنادى عثمان : يا عائشة بن حنيف خليفة علي بن ابي طالب على المدينة واقسم باللّه ان قتلتموني ليضعن السيف في بني ابيكم ,
واهـلـكـم , ورهـطـكم , فلا يبقي منكم احدا, فكفوا عنه وخافوا ان يوقع سهل بن حنيف بعيالاتهم
واهلهم بالمدينة , فتركوه , وارسلت عائشة الى الزبير:.
ان اقتل السبابجة , فانه قد بلغني الذي صنعوا بك , قال : فذبحهم واللّه الزبير كما يذبح الغنم ولي ذلك
مـنـهـم عبداللّه ابنه , وهم سبعون رجلا, وبقيت منهم طائفة مستمسكين ببيت المال قالوا: لن ندفعه
الـيـكـم حتى يقدم امير المؤمنين , فسار اليهم الزبير في جيش ليلا, فاوقع بهم واخذ منهم خمسين
اسيرا, فقتلهم صبرا.
قال ابو مخنف : فحدثنا الصقعب بن زهير قال : كانت السبابجة القتلى يومئذ اربعمائة رجل , قال : فكان
غـدر طـلحة والزبير بعثمان بن حنيف اول غدر كان في الاسلام , وكان السبابجة اول قوم ضربت
اعناقهم من المسلمين صبرا, قال :.
وخيروا عثمان بن حنيف بين ان يقيم او يلحق بعلي , فاختار الرحيل , فخلوا سبيله فلحق بعلي , فلما
رآه بكى , وقال : فارقتك شيخا وجئتك امرد, فقال علي: انا للّه وانا اليه راجعون , قالها ثلاثا,.
فـلـمـا بـلغ حكيم بن جبلة ماصنع القوم بعثمان بن حنيف خرج في ثلاثمائة من عبدالقيس مخالفا لهم
ومـنابذا, فخرجوا اليه , وحملوا عائشة على جمل , فسمي ذلك اليوم يوم الجمل الاصغر ويوم علي
يوم الجمل الاكبر, وتجالد الفريقان بالسيوف , فشد رجل من الازد من عسكر عائشة على حكيم بن
جبلة , فضرب رجله فقطعها, ووقع الازدي عن فرسه , فجثا حكيم فاخذ رجله فرمى بها الازدي ,
فـصـرعه , ثم دب اليه , فقتله متكئا عليه , خانقا له حتى زهقت نفسه , فمر بحكيم انسان وهو يجود
بـنفسه , فقال : من فعل بك ؟ قال : وسادي , فنظر فاذا الازدي تحته وكان حكيم شجاعا مذكورا قال :
وقتل مع حكيم اخوة له ثلاثة , وقتل اصحابه كلهم وهم ثلاثمائة من عبدالقيس , والقليل منهم من بكر
بن وائل ((419)) .
فـلـمـا صـفـت البصرة لطلحة والزبير بعد قتل حكيم واصحابه وطرد ابن حنيف عنها, اختلفا في
الـصلاة , واراد كل منهما ان يؤم بالناس , وخاف ان تكون صلاته خلف صاحبه تسليما ورضاء بتقدمه ,
فـاصـلـحت بينهما عائشة , بان جعلت عبداللّه بن الزبير ومحمد بن طلحة يصليان بالناس هذا يوما,
وهذا يوما وروى المعتزلي ((420)) : ان طلحة والزبير تدافعا الصلاة , فامرت عائشة عبداللّه ان
يصلي قطعا لمنازعتهما, فان ظهروا كان الامر الى عائشة , تستخلف من شاءت .
واخـتلفت الروايات في كيفية السلام على الزبير وطلحة , فروي انه كان يسلم على الزبير وحده
بالامرة , فيقال : السلام عليك , ايها الامير, لان عائشة ولته امر الحرب .
وروي انه كان يسلم على كل واحد منهما بالامرة .
قـال ابـو مخنف : ثم دخلا بيت المال في البصرة , فلما راوا ما فيه من الاموال , قال الزبير: (وعدكم
اللّه مغانم كثيرة تاخذونها فعجل لكم هذه ((421)) فنحن احق بها من اهل البصرة فاخذا ذلك المال
كـله : فلما غلب علي رد تلك الاموال الى بيت المال وقسمها في المسلمين , انتهت رواية ابي مخنف في
كتابه : (الجمل ) ((422)) .
استمداد علي من الكوفة وخطبته فيهم :
.
اما علي كان ارسل ابنه الحسن الى اهل الكوفة يستنفرهم , فلما قدموا اليه قام فيهم خطيبا فقال :.
الحمدللّه رب العالمين , وصلى اللّه على سيدنا محمد خاتم النبيين وآخر المرسلين , اما بعد فان اللّه
بعث محمدا (ص ) الى الثقلين كافة , والناس في اختلاف والعرب بشر المنازل , مستضعفون لما بهم ,
فراب اللّه به الثاي ((423)) , ولام به الصدع ((424)) , ورتق به الفتق , وامن به السبيل , وحقن
بـه الدماء, وقطع به العداوة الموغرة ((425)) للقلوب , والضغائن المشحنة ((426)) للصدور,
ثـم قـبـضـه اللّه تعالى مشكورا سعيه , مرضيا عمله , مغفورا ذنبه , كريما عند اللّه نزله فيا لها من
مـصـيـبـة عـمـت المسلمين , وخصت الاقربين , وولي ابو بكر فسار فينا بسيرة رضا, رضي بها
الـمسلمون ثم ولي عمر فسار بسيرة ابي بكر رضي اللّه عنهما ثم ولي عثمان فنال منكم ونلتم منه
ثم كان من امره ما كان , اتيتموه فقتلتموه , ثم اتيتموني فقلتم : لو بايعتنا؟ فقلت : لا افعل , وقبضت يدي
فبسطتموها, ونازعتكم كفي فجذبتموها وقلتم : لا نرضى الا بك , ولا نجتمع الا عليك , وتراكمتم
عـلـيـ تراكم الابل الهيم على حياضها يوم ورودها, حتى ظننت انكم قاتلي وان بعضكم قاتل بعضا,
فبايعتموني , وبايعني طلحة والزبير, ثم مالبثا ان استاذناني الى العمرة فسارا الى البصرة فقاتلا بها
المسلمين , وفعلا بها الافاعيل , وهما يعلمان واللّه اني لست بدون من مضى , ولو اشاء ان اقول لقلت :
اللّه م انهما قطعا قرابتي , ونكثا بيعتي , والبا علي عدوي اللّه م فلا تحكم لهما ما ابرما وارهما المساءة
فيما عملا ((427)) .
تلاقي الجيشين والمراسلة :
. وروى الـطـبري ((428)) وقال : سار علي من الزاوية ((429)) يريد طلحة والزبير وعائشة
وساروا يريدون عليا فالتقوا عند موضع قصر عبيد اللّه بن زياد.
فاقاموا ثلاثة ايام لم يكن بينهم قتال , يرسل اليهم علي ويكلمهم ويردعهم , انتهى .
ولـم يـذكـر الـطـبـري مادار بينهم من كتب ومحاججات , وانما ذكر بعضها ابن قتيبة وابن اعثم
والـرضي في نهج البلاغة ومنها الكتاب الاتي ((430)) الذي كتبه الى طلحة والزبير مع عمران
بـن الحصين الخزاعي قال فيه : اما بعد فقد علمتما ـ وان كتمتما ـ اني لم ارد الناس حتى ارادوني ,
ولـم ابـايـعـهـم حتى بايعوني وانكما ممن ارادني وبايعني , وان العامة لم تبايعني لسلطان غالب , ولا
لعرض حاضر.
وان ((431)) كـنـتـمـا بـايـعتماني طائعين فارجعا وتوبا الى اللّه من قريب , وان كنتما بايعتماني
كـارهـيـن فـقـد جـعلتما لي عليكما السبيل ((432)) باظهاركما الطاعة , واسراركما المعصية ,
ولـعـمـري مـا كـنتما باحق المهاجرين بالتقية والكتمان , وان دفعكما هذا الامر من قبل ان تدخلا
فـيـه ((433)) كـان اوسـع عليكما من خروجكما منه بعد اقراركما به , وقد زعمتما اني قتلت
عـثـمـان , فبيني وبينكما من تخلف عني وعنكما من اهل المدينة , ثم يلزم كل امرئ بقدر ما احتمل ,
فـارجـعـا ايـهـا الـشيخان عن رايكما, فان الان اعظم امركما العار من قبل ان يجتمع العار والنار
والسلام .
ثم ارسل علي ابن عباس الى الزبير خاصة وقال له : لا تلقين طلحة فانك ان تلقه تجده كالثور عاقصا
قـرنـه يـركـب الصعب ويقول : هو الذلول , ولكن الق الزبير فانه الين عريكة فقل له : يقول لك ابن
((434))؟.
وفـي رواية ابن عساكر: يقول لك علي: نشدتك اللّه الست بايعتني طائعا غير مكره فما الذي احدثت
فاستحللت به قتالي قـال ابـن عـبـاس : قـلـت الـكـلـمـة لـلزبير فلم يزدني على ان قال : قل له : انا مع الخوف الشديد
لنطمع ((435)) .
وقـال لي ابنه عبداللّه : قل له : بيننا وبينك دم خليفة ووصية خليفة , واجتماع اثنين , وانفراد واحد,
وامـ مـبرورة , ومشاورة العامة , قال : فعلمت انه ليس وراء هذا الكلام الا الحرب , فرجعت الى علي
(ع ) فاخبرته ((436)) .
ثم ارسل عبداللّه بن عباس وزيد بن صوحان الى عائشة ((437)) وقال لهما ما خلاصته : اذهبا الى
عـائشـة وقـولا لـها: ان اللّه امرك ان تقري في بيتك والاتخرجي منه , وانك لتعلمين ذلك غير ان
جـمـاعـة قد اغروك , فخرجت من بيتك , فوقع الناس لاتفاقك معهم في البلاء والعناء, وخير لك ان
تعودي الى بيتك ولا تحومي حول الخصام والقتال , وان لم تعودي ولم تطفئي هذه النائرة فانها سوف
يـعـقـب الـقتال , ويقتل فيها خلق كثير فاتقي اللّه يا عائشة عباده ويعفو واياك ان يدفعك حب عبداللّه بن الزبير وقرابة طلحة الى امر تعقبه النار.
فـجاءا الى عائشة وبلغا رسالة علي اليها, فقالت : اني لا اردعلى ابن ابي طالب بالكلام , لاني لا ابلغه
في الحجاج , فرجعا اليه واخبراه بما قالت .
وفي رواية اخرى ان طلحة نادى باصحابه : ناجزوا القوم فانكم لا تقومون لحجاج ابن ابي طالب .
وخطب عبداللّه بن الزبير وقال :.
ايـهـا الناس ويـاخـذ مـديـنتكم , فكونوا رجالا تطالبون بثار خليفتكم , واحفظوا حريمكم , وقاتلوا عن نسائكم
وذراريـكم واحسابكم وانسابكم , اترضون لاهل الكوفة ان يردوا بلادكم , اغضبوا فقد غوضبتم ,
وقاتلوا فقد قوتلتم , الا وان عليا لا يرى ان معه في هذا الامر احدا سواه , واللّه لئن ظفر بكم ليهلكن
دينكم ودنياكم .
واكـثر من هذا القول ونحوه , فبلغ ذلك عليا, فقال لولده الحسن : قم يابني فاخطب فقام الحسن خطيبا
فحمد اللّه واثنى عليه وصلى على نبيه , ثم قال :.
ايـهـا الناس والانـصـار وغـيـرهم من المسلمين علمتم بقول الزبير في عثمان , وما كان اسمه عنده , وما كان
يتجنى عليه .
وان طلحة يومذاك راكز رايته على بيت ماله , وهو حي, فانى لهم ان يرموا ابي بقتله وينطقوا بذمه ,
ولو شئنا القول فيهم لقلنا.
واما قوله : ان عليا ابتز الناس امرهم , فان اعظم حجة لابيه زعم انه بايعه بيده ولم يبايعه بقلبه , فقد
اقر بالبيعة وادعى الوليجة فليات على ما ادعاه ببرهان , وانى له ذلك .
واما تعجبه من تورد اهل الكوفة على اهل البصرة , فما عجبه من اهل حق توردوا على اهل باطل .
اما انصار عثمان فليس لنا معهم حرب ولا قتال , ولكننا نحارب راكبة الجمل واتباعها ((438)) .
ولما رجعت رسل علي (ع ) من عند طلحة والزبير وعائشة يؤذنونه .
((439)) اني قد
, قـام فحمد اللّه واثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال : (ايها الناس راقبت هؤلاء القوم كي يرعووا او يرجعوا, ووبختهم بنكثهم , وعرفتهم بغيهم , فلم يستحيوا, وقد
بـعـثـوا الي ان ابرز للطعان , واصبر للجلاد, وانما تمنيك نفسك اماني الباطل , وتعدك الغرور, الا
((440)) ولقد انصف القارة من
لقد كنت وما اهدد بالحرب , ولا ارهب بالضرب راماها ((441)) .
فليرعدوا وليبرقوا, فقد راوني قديما وعرفوا نكايتي , فكيف راوني الـمشركين , وفرقت جماعتهم , وبذلك القلب القى عدوي اليوم واني لعلى ما وعدني ربي من النصر
والـتـاييد وعلى يقين من امري , وفي غير شبهة من ديني , ايها الناس : ان الموت لايفوته المقيم ولا
يعجزه الهارب .
ليس عن الموت محيد ولا محيص من لم يقتل مات ان افضل الموت القتل والذي نفس علي بيده , لالف
ضـربة بالسيف اهون من موتة واحدة على الفراش ثم مديده بالدعاء وقال : اللّه م ان طلحة نكث بيعتي
والب على عثمان حتى قتله ثم عضهني به ((442)) ورماني اللّه م فلا تمهله اللّه م ان الزبير قطع
رحمي ونكث بيعتي , وظاهر علي عدوي فاكفنيه اليوم بما شئت ) ثم نزل .
قـال ابـن اعـثـم : ثـمـ دنت العساكر بعضها الى بعض واستعرض علي جيوشه فبلغوا عشرين الفا,
واستعرض طلحة والزبير فبلغوا ثلاثين الفا.
الاعذار قبل الحرب :
. قال الطبري ((443)) : والتقوا في النصف من جمادى الاخرة سنة 36 يوم الخميس .
وروى الحاكم ((444)) عن عم يحيى بن سعيد انه قال :.
لما كان يوم الجمل نادى علي في الناس :.
(لا يـرمـيـن رجـل بسهم , ولا يطعن برمح , ولا يضرب بسيف , ولا تبداوا القوم بالقتال , وكلموهم
بالطف الكلام , فان هذا مقام من افلح فيه فلح يوم القيامة ).
قـال : فـلم نزل وقوفا حتى تعالى النهار, ونادى القوم باجمعهم : (يالثارات عثمان ), قال وابن الحنفية
امامنا بربوة معه اللواء: يا امير المؤمنين , فناداه علي, قال : فاقبل علينا يعرض بوجهه , فقال له علي: ما
يقولون ؟ فقال : يقولون : (يالثارات عثمان ) فرفع يديه فقال : اللّه م اكبب اليوم قتلة عثمان بوجوههم .
وقال غيرهم من اهل السير والاخبار ((445)) لما تزاحف الناس يوم الجمل والتقوا قال علي:.
لا تـقـاتـلـوا الـقوم حتى يبداوكم , فانكم بحمد اللّه على حجة , وكفاكم عنهم حتى يبداوكم حجة
اخـرى , واذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح , واذا هزمتموهم فلا تتبعوا مدبرا, ولا تكشفوا
عـورة , ولا تـمـثـلوا بقتيل , واذا وصلتم الى رحال القوم فلا تهتكوا سترا, ولا تدخلوا دارا, ولا
تاخذوا من اموالهم شيئا.
وفي رواية المسعودي بعده : ولا تقربوا من اموالهم الا ما تجدونه في عسكرهم من سلاح او كراع
او عبد او امة , وما سوى ذلك فهو لورثتهم على كتاب اللّه ((446)) , ولا تهيجوا امراة ياذى وان
شتمن اعراضكم وسببن امراءكم وصلحاءكم , فانهن ضعاف القوى والانفس والعقول , ولقد كنا نؤمر
بالكف عنهن وانهن لمشركات وان كان الرجل ليتناول المراة بالهراوة والجريدة فيعير بها عقبة من
بعده ((447)) .
وروى الـحـاكـم ان الـزبير قال للاساورة ـ الذين كانوا معه ـ ارموهم برشق كانه اراد ان ينشب
القتال ((448)) .
وقـال ابـن اعثم وغيره : ان عائشة قالت : ناولوني كفا من الحصاة , وحصبت بها وجوه اصحاب علي ,
وصاحت باعلى صوتها: شاهت الوجوه علي وما رميت اذ رميت ولكن الشيطان رمى ((449)) .
وذكـر الـطـبري وغيره واللفظ للطبري ((450)) قال : اخذ علي مصحفا يوم الجمل فطاف به في
اصـحابه وقال : من ياخذ هذا المصحف يدعوهم الى ما فيه وهو مقتول ؟ فقام اليه فتى من اهل الكوفة
عـليه قباء ابيض محشو, فقال : انا, فاعرض عنه , ثم قال : من ياخذ هذا المصحف يدعوهم الى ما فيه
وهـو مـقـتول فقال الفتى : انا, فدفعه اليه , فدعاهم فقطعوا يده اليمنى فاخذه بيده اليسرى , فدعاهم
فقطعوا يده اليسرى , فاخذه بصدره والدماء تسيل على قبائه , فقتل وفي رواية اخرى للطبري : فقال علي لاصحابه : ايكم يعرض عليهم هذا المصحف وما فيه فان قطعت
يـده , اخذه بيده الاخرى , وان قطعت اخذه باسنانه قال فتى شاب: انا, فطاف علي على اصحابه يعرض
عـليهم ذلك فلم يقبله الا ذلك الفتى , فقال له علي: اعرض عليهم هذا, وقل : هو بيننا وبينكم من اوله
الى آخره , واللّه في دمائنا ودمائكم , فحمل على الفتى وفي يده المصحف .
فقطعت يداه فاخذه باسنانه حتى قتل .
فـقال علي: الان وجب قتالهم , فقالت ام الفتى ـ ام ذريح العبدية ـ بعد ذلك فيما ترثى : وقال ابو مخنف :
فقالت ام ذريح العبدية في ذلك :.
لا هـم وامـهــم قـائمــة تـراهــم
يـاتـمـرون الـغــيـلا تـنهاهـم
يـاتـمـرون الـغــيـلا تـنهاهـم
يـاتـمـرون الـغــيـلا تـنهاهـم
وقال ابن اعثم : ان الفتى كان من مجاشع , وتقدم احد خدم عائشة فضربه بالسيف وقطع يده .
قـال المسعودي : وقام عمار بن ياسر بين الصفين وقال : ايها الناس تلك الخدور, وابرزتم عقيلته للسيوف وعائشة على جمل في هودج من دفوف الخشب ((452))
وقـد الـبسوه المسوح ((453)) وجلود البقر وجعلوا دونه اللبود ((454)) قد عشي على ذلك
بالدروع , فدنا عمار من موضعها فنادى : الى ماذا تدعينني ؟ قالت : الى الطلب بدم عثمان فقال : قتل اللّه
في هذا اليوم الباغي والطالب بغير الحق , ثم قال : ايها الناس ثم انشا يقول وقد رشقوه بالنبل :.
فمنـك البـداء ومنـك العـويل
وانت امـرت بقتـل الامـام
وقاتلـه عنـدنا مـن امـر.
ومنـك الرياح ومنـك المطـر.
وقاتلـه عنـدنا مـن امـر.
وقاتلـه عنـدنا مـن امـر.
وليس لك عند القوم الا الحرب وقال ابو مخنف وغيره واللفظ لابي مخنف ((455)) :.
فـرمـى اصـحـاب الـجمل عسكر علي بالنبل رميا شديدا متتابعا فضج اليه اصحابه وقالوا: عقرتنا
سـهـامهم يا امير المؤمنين فقال : اللّه م اشهد, ثم قال :.
اعـذروا الـى القوم , فاتي برجل آخر, فقيل : وهذا قد قتل , فقال : اللّه م اشهد, اعذروا الى القوم , ثم
اقـبـل عـبـداللّه بـن بـديـل بـن ورقـاء الخزاعي وهو من اصحاب رسول اللّه (ص ) يحمل اخاه
((456))
قد اصابه سهم فقتله , فوضعه بين يدي علي وقال : يا امير المؤمنين هـذا اخي قد قتل , فعند ذلك استرجع علي ودعا بدرع رسول اللّه (ص ) ذات الفضول فلبسها فتدلت
عـلى بطنه فرفعها بيده , وقال بعض اهله فحزم وسطه بعمامة وتقلد ذا الفقار ورفع الى ابنه محمد
راية رسول اللّه (ص ) السوداء وتعرف بالعقاب , وقال لحسن وحسين : انما رفعت الراية الى اخيكما
وتـركتكما لمكانكما من رسول اللّه (ص ) وفي تاريخ ابن اعثم 176, انه ركب (دلدل ) بغلة رسول
اللّه (ص ) وروى الـبـلاذري فـي الانساب 1/511 انها كانت هدية المقوقس ملك الاسكندرية الى
رسول اللّه (ص ), وانها بقيت الى زمان معاوية , والطبري (1/1783)ط اوربا في ذكر اسماء بغال
رسـول اللّه (ص ), وطـبقات ابن سعد (1/491) في ذكر خيل رسول اللّه (ص ) ط داري صادر
وبيروت .
قال ابو مخنف : وطاف علي على اصحابه وهو يقرا (ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما ياتكم مثل الذين
خلوا من قبلكم مستهم الباساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر اللّه
الا ان نصر اللّه قريب ).
ثم قال : افرغ اللّه علينا وعليكم الصبر, واعز لنا ولكم النصر, وكان لنا ولكم ظهيرا في كل امر.
.
مقتل الزبير:
.
وقال الطبري : فلما تواقفوا خرج علي على فرسه فدعا الزبير فتواقفا فقال علي للزبير: ما جاء بك ؟ قال : انت , ولا اراك لهذا الامر اهلا ولا اولى به منا, فقال له علي: لست له اهلا بعد عثمان (رض )؟
قـد كـنـا نعدك من بني عبدالمطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء, ففرق بيننا وبينك , وعظم عليه اشياء,
فذكر ان النبي (ص ) مر عليهما فقال لعلي : ما يقول ابن عمتك ؟ ليقاتلنك وهو لك ظالم , فانصرف عنه
الزبير, وقال : فاني لا اقاتلك فرجع الى ابنه عبداللّه فقال : ما لي في هذه الحرب بصيرة فقال له ابنه :
قـد خـرجـت عـلـى بـصيرة , ولكنك رايت رايات ابن ابي طالب , وعرفت ان تحتها الموت فجبنت ,
فـاحفظه حتى ارعد وغضب وقال : ويحك بعتق غلامك سرجس , فاعتقه وقام في الصف معهم وكان علي قال للزبير: اتطلب مني دم عثمان وانت
قتلته ؟ سلط اللّه على اشدنا عليه اليوم ما يكره ((457)) .
قـد اورد الطبري في هذه الرواية ملخص ما دار بين علي والزبير بين الصفين , واورد تفصيله في
الـرواية الاتية حيث قال فيها: خرج الزبير على فرس عليه سلاح , فقيل لعلي : هذا الزبير قال : اما
انه احرى الرجلين ان ذكر باللّه ان يذكر, وخرج طلحة فخرج اليهما علي, فدنا منهما حتى اختلف
اعـنـاق دوابـهم , فقال علي: لعمري لقد اعددتما سلاحا وخيلا ورجالا, ان كنتما اعددتما عند اللّه
عـذرا فـاتـقـيا اللّه سبحانه ولا تكونا كالتي (نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا), الم اكن اخاكما في
ديـنـكـما تحرمان دمي واحرم دماءكما؟ فهل من حدث احل لكما دمي ؟ قال طلحة : البت الناس على
عثمان (رض ), قال علي: (يومئذ يوفيهم اللّه دينهم الحق ويعلمون ان اللّه هو الحق المبين ) (النور /
25), يـا طـلـحة رسول اللّه (ص ) في بني غنم فنظر الي فضحك وضحكت اليه , فقلت : لا يدع ابن ابي طالب ؟ زهوه
فقال لك رسول اللّه (ص ): (صه انه ليس به زهو ولتقاتلنه وانت له ظالم ) ((458)) .
وفي تاريخ ابن اعثم (فقال له : ما حملك يا ابا عبداللّه على ما صنعت ؟ فقال : الزبير حملني الطلب بدم
عـثمان , فقال له : انت وطلحة وليتماه , وانما نوبتك من ذلك ان تقيد به نفسك وتسلمها الى ورثته , ثم
قال : نشدتك اللّه اتذكر) الحديث ((459)) .
وفي رواية الطبري بعده ((460)) :.
فـقال : اللّه م نعم , ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا, واللّه لا اقاتلك ابدا, فانصرف علي الى اصحابه ,
فـقـال : امـا الزبير فقد اعطى عهد اللّه الا يقاتلكم , ورجع الزبير الى عائشة , فقال لها: ما كنت في
مـوطن منذ عقلت الا وانا اعرف فيه امري غير موطني هذا قالت : فما تريد ان تصنع , قال : اريد ان
ادعهم واذهب , فقال له ابنه عبداللّه : جمعت بين هذين الغارين حتى اذا حدد بعضهم لبعض اردت ان
تتركهم وتذهب ؟ قال : اني قد حلفت الا اقاتله واحفظه ما قال له .
فقال له : كفر عن يمينك وقاتله , فدعا بغلام له يقال له : (مكحول ) فاعتقه .
فقال عبدالرحمن بن سليمان التميمي :.
لم ار كاليوم اخا اخوان
بالعتق في معصية الرحـمان
يعتق مكحولا لصون دينه
والنكث قـد لاح على جبينه
انتهى حديث الطبري .
اعجب من مكفر الايمان .
وقال رجل من شعرائهم :.
كفارة اللّه عن يمينه .
انتهى حديث الطبري .
انتهى حديث الطبري .
وفي مروج المسعودي ((461)) : وخرج علي بنفسه حاسرا على بلغة رسول اللّه (ص ) لا سلاح
عـليه , فنادى يا زبير اخرج الي لها: ان عليا حاسر فاطمانت , واعتنق كل واحد منهما صاحبه .
فقال له علي: ويحك يا زبير قال : دم عثمان .
قال : قتل اللّه اولانا بدم عثمان اما تذكر الحديث .
فقال الزبير: استغفر اللّه , ولو ذكرتها ما خرجت .
فقال : يا زبير فقال : يا زبير اخترت عارا على نار مؤججة
ما ان يقوم لها خلق من الطين .
نادى علي بامر لست اجهله
فقلت حسبك من عذل ابا حسن
بعض الذي قلت منذ اليوم يكفيني .
عار لعمرك في الدنيا وفي الدين .
بعض الذي قلت منذ اليوم يكفيني .
بعض الذي قلت منذ اليوم يكفيني .
فقال : لا واللّه ولكنك فررت من سيوف بني عبدالمطلب فانها طوال حداد, تحملها فتية انجاد.
فـي روايـة ابـن اعـثـم وشـرح الـنـهـج بـعـده : (فـقـال الـزبير: مالك اشامك ((462)) .
وفي رواية المسعودي :.
قال الزبير: لا واللّه , ولكني ذكرت ما انسانيه الدهر, فاخترت العار على النار ابالجبن تعيرني ؟ لا
ابا لك