فقال علي: افرجوا له فقد هاجوه , ثم رجع فشد في الميسرة , ثم رجع فشد في القلب ثم عاد الى ابنه فـقال : ايفعل هذا جبان ؟ ثم مضى منصرفا حتى اتى وادي السباع والاحنف بن قيس معتزل في قومه
مـن بني تميم , فاتاه آت فقال : هذا الزبير مار, فقال : ما اصنع بالزبير وقد جمع بين فئتين عظيمتين
من الناس يقتل بعضهم بعضا وهو مار الى منزله سالما, فلحقه نفر من بني تميم فسبقهم اليه عمرو بن
جـرموز وقد نزل الزبير الى الصلاة فقال : اتؤمني او اؤمك ؟ فامه الزبير فقتله عمرو بن جرموز
في الصلاة ((463)) .
هـكـذا انـتـهت حياة الامير الاول لجيش ام المؤمنين , ثم صفت امارة الجيش لابن عمها (اي ابن عم
عائشة ) طلحة .
مقتل طلحة :
.
قال ابن عساكر: وبعث علي الى طلحة ان القني , فلقيه فقال له : انشدك اللّه اسمعت رسول اللّه (ص ) يقول : (من كنت مولاه فعلي مولاه اللّه م وال من والاه وعاد من عاداه ) قال : نعم فقال له : فلم تقاتلني وقـال الطبري : قال علي ياطلحة اما بايعتني ؟ قال : بايعتك وعلى عنقي اللج ((464)) .
وروى ابـن عـسـاكر والذهبي عن ابي رجاء قال : رايت طلحة على دابته وهو يقول : يا ايها الناس انصتوا, فجعلوا يركبونه ولا ينصتون , فقال : اف فراش النار وذئاب طمع .
وفـي تـاريـخ ابـن اعـثم : ان طلحة نادى باعلى صوته : يا عباد اللّه قرينان , وان اجر الصابرين كثير, وانما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب .
وروى ابـو مـخنف بسنده الى جندب بن عبداللّه قال : مررت بطلحة وان معه عصابة يقاتل بهم وقد
فـشت فيهم الجراح وكثرهم الناس فرايته جريحا والسيف في يده واصحابه يتصدعون عنه رجلا
فـرجـلا واثـنـيـن فـاثنين وانا اسمعه وهو يقول : عباد اللّه الصبر الصبر فان بعد الصبر النصر
والاجر) الحديث .
وقـال ابـن عبد البر واليعقوبي وابن عساكر وابن عبد ربه وابن الاثير وابن حجر: فلما اشتبكت
الحرب قال مروان : لا اطلب بثاري بعد اليوم , ثم رماه بسهم فاصاب ركبته فما رقي الدم ((465))
حتى مات , وقال : لا يختلف العلماء الثقات : في ان مروان قتل طلحة يومئذ وكان في حزبه .
وفي طبقات ابن سعد قال طلحة : واللّه مابلغت الينا سهامهم .
وروى الـمسعودي ان مروان قال لما راى طلحة : ما ابالي رميت هاهنا ام هاهنا ـ جيش علي او جيش
البصرة ـ فرماه في اكحله فقتله ((466)) .
وروى ابـن سـعد وقال : كان مروان مع طلحة في الخيل فراى فرجة في درع طلحة فقتله وروى
ايـضـا وقال : فلما راى انكشاف الناس نظر الى طلحة واقفا, فقال : واللّه ان دم عثمان عند هذا, هو
كان اشد الناس عليه , وما اطلب اثرا بعد عين ففوق له سهما فقتله ((467)) .
وفي المستدرك وابن عساكر واسد الغابة :.
فـالـتـفـت الى ابان بن عثمان وهو معه , فقال : لقد كفيتك احد قتلة ابيك وروى ابن اعثم تفصيل قتل
طلحة هكذا قال : قال مروان لغلامه : اني لاعجب من طلحة فانه لم يكن اشد منه على عثمان , فقد كان
يـحرض اعداءه ويسعى حثيثا في اراقة دمه واليوم جاء يطلب ثاره مـن شـره فلو تقدمت امامي وحجبتني كي لا ارى فيعلم اني رميته , فانت حر, ففعل , فاخرج مروان
سـهما مسموما من كنانته فرماه فشك قدمه الى ركابه ((468)) فقال ـ طلحة ـ لغلامه : خذني الى
الظل , فقال : لا ارى هاهنا ظلا , فقال طلحة : سبحان اللّه ادري من رماني وكان امر اللّه قدرا مقدورا.
وروى الـمـدائنـي وقال : لما ادبر طلحة وهو جريح يرتاد مكانا ينزله جعل يقول : لمن يمر به من
اصحاب علي : انا طلحة من يجيرني يكررها.
قال : فكان الحسن البصري اذا ذكر ذلك يقول : لقد كان في جوار عريض .
وقالوا: ثم مات ودفنوه بالسبخة .
وقال ابن عبد ربه وابن عبد البر والذهبي :.
انه كان اول قتيل ((469)) .
قـتل امير جيش ام المؤمنين ولم يؤثر ذلك في نفوس جيشها فقد كان الجمل رايتهم فازداد التفافهم
حوله واستماتوا دونه واشتد الحرب ضراما.
لواء الجيشين :
.
ثم خرج علي وقد تعمم بعمامة سوداء, فعبا اصحابه , وخرجت ام.
المؤمنين راكبة على الجمل الذي اشتراه لها يعلى بن امية , وعبات اصحابها ((470)) .
وكـان الجمل لواء اهل البصرة لم يكن لواء غيره ((471)) واعطى علي رايته في اول الحرب الى
ابنه محمد بن الحنفية قال محمد ((472)) : دفع الي ابي الراية يوم الجمل وقال : تقدم , فتقدمت حتى
لـم اجـد مـتقدما الا على رمح , قال تقدم لا ام لك فتكا كات ((473)) وقلت : لا اجد متقدما الا على
سنان رمح فتناول الراية من يدي متناول لا ادري من هو فنظرت فاذا ابي بين يدي وهو يقول :.
انت التي عرك مني الحسنى
يا عيش ان القوم قوم اعدا.
الخفض خير مـن قتال الابنا.
الخفض خير مـن قتال الابنا.
الخفض خير مـن قتال الابنا.
الموت حول الخطام :
.
وكـان كعب بن سور يوم الجمل آخذا بخطام جمل عائشة وفي عنقة المصحف وفي يده عصا فجاءه سهم غرب فقتله ((474)) .
ولم يكن لكعب راي في القتال , فقد روى الطبري عنه : انه قال يومذاك :.
انا واللّه كما قالت القائلة : (يابني لاتبن ولا تقاتل ).
وروى ابن سعد: ان كعب بن سور لما قدم طلحة والزبير وعائشة البصرة دخل في بيت وطين عليه
بـابـه , وجـعل فيه كوة يناول منه طعامه وشرابه اعتزالا للفتنة , فقيل لعائشة : ان كعب بن سور ان
خرج معك لم يتخلف من الازد احد, فركبت اليه فنادته وكلمته , فلم يجبها فقالت : يا كعب الست امك :.
ولي عليك ؟ حق فكلمها الحديث .
ان ابـن سـعد لم يعين القائل لعائشة : (ان كعب بن سور ان خرج لم يتخلف عنك الازد), والمفيد قد
نسبه الى طلحة والزبير ورواه هكذا:.
وتاخر عنهما الازد لقعود كعب بن سور القاضي عنهما وكان سيد الازد واهل اليمن بالبصرة , فانفذا
اليه رسوليهما يسالانه النصرة لهما, والقتال معهما فابى عليهما, وقال : انا اعتزل الفريقين , فقالا: لئن
قـعـد عـنـا كـعـب خذلنا الازد باسرها ولا غنى لنا عنه , فصارا اليه واستاذنا عليه فلم ياذن لهما
وحـجبهما, فصارا الى عائشة فخبراها خبره , وسالاها ان تسير اليه فابت وارسلت اليه تدعوه الى
الحضور عندها فاستعفاها من ذلك .
فـقـال طـلحة والزبير: يا ام فانك ان فعلت لم يخالفك وانقاد لرايك , فركبت بغلا واحاط بها نفر من اهل البصرة وذهبت الى كعب
الحديث .
وقـال : الـمبرد في الكامل : فلما كان يوم الجمل خرج مع اخوة له , قالوا: ثلاثة وقالوا: اربعة , وفي
عنقه مصحف فقتلوا جميعا فجاءت امهم حتى وقفت عليهم فقالت :.
يا عين جودي بدمع سرب
وما لهم غير حين النفوس
اي اميري قريش غلب .
على فتية من خيار العرب .
اي اميري قريش غلب .
اي اميري قريش غلب .
الخطام بيد قريش :
.
واخذ الخطام عبدالرحمن بن عتاب وارتجز يقول :.
انا بن عتاب وسيفي ولول
والموت عند الجمل المجلل .
والموت عند الجمل المجلل .
والموت عند الجمل المجلل .
واخذ خطام الجمل سبعون من قريش , قتلوا كلهم , ولم يكن ياخذ بخطام الجمل احد الا سالت نفسه ,
او قـطعت يده ((476)) , وجاءت بنو ناجية , فاخذوا بخطام الجمل , ولم يكن ياخذ الخطام احد الا
سـالت عائشة من هذا؟ فسالت عنهم , فقيل بنو ناجية , فقالت عائشة : صبرا يابني ناجية : ((477))
فاني اعرف فيكم شمائل قريش قالوا: وبنو ناجية مطعون في نسبهم الى قريش , فقتلوا حولها جميعا.
الخطام بيد ضبة :
.
واخذ عمرو بن يثربي خطام الجمل وكان فارس اصحاب الجمل .
وشجاعهم ثم دفعها الى ابنه وبرز للقتال وارتجز, وقتل اثنين من جيش علي ثم رجع الى الخطام ثم
اراد ان يخرج لطلب البراز فقال الازد: يا معشر الازد انكم قوم لكم حياء وباس , واني وترت القوم
وهم قاتلي , وهذه امكم نصرها دين وخذلانها عقوق ) الحديث ثم برز وقاتل , فقتل ((478)) .
وروى الـطـبـري ((479)) وقال : كان عمرو بن يثربي يحضض قومه يوم الجمل وقد تعاوروا
الخطام ((480)) يرتجزون :.
نحن بنو ضبة لا نفر
حتى نرى جماجما تخر.
حتى نرى جماجما تخر.
حتى نرى جماجما تخر.
يا امنا يا عيش لن تراعى
يا امنا يا زوجة النبي
يا زوجة المبارك المهدي .
كل بنيك بطل شجاع .
يا زوجة المبارك المهدي .
يا زوجة المبارك المهدي .
وقالت عائشة (رض ): مازال جملي معتدلا حتى فقدت اصوات بني ضبة الحديث .
وروى الـطـبري ايضا ((482)) : ان ضبة والازد اطافت بعائشة يوم الجمل واذا رجال من الازد
يـاخـذون بـعـر الـجمل فيفتونه ((483)) ويشمونه ويقولون : بعر جمل امنا ريحه ريح المسك
الحديث .
الافتراس عند الموت :
. ذكر المدائني ((484)) انه راى بالبصرة رجلا مصطلم الاذن فساله عن قصته فذكر انه خرج
يوم الجمل ينظر الى القتلى , فنظر الى رجل يخفض راسه ويرفعه وهو يقول :.
لقد اوردتنا حومة الموت امنا
لقد كان عن نصر ابن ضبة امه
اطعنا بني تيم بن مرة شقوة
وهل تيم الا اعبد واماء
فلم ننصرف الا ونحن رواء.
وشيعتها مندوحة وغناء.
وهل تيم الا اعبد واماء
وهل تيم الا اعبد واماء
فقلت : سبحان اللّه اتقول هذا عند الموت ؟ قل : لا اله الا اللّه .
فقال : يا ابن اللخناء الـشهادة , فصرت اليه فلما قربت منه استدناني , ثم التقم اذني فذهب بها, فجعلت العنه وادعو عليه ,
فـقال : اذا صرت الى امك , فقالت : من فعل هذا بك ؟ فقل عمير بن الاهلب الضبي مخدوع المراة التي
ارادت ان تكون اميرة المؤمنين .
وفـي رواية الطبري : قال : ادن مني ولقني فان في اذني وقرا فدنوت منه , فقال ممن انت ؟ قلت : رجل
من اهل الكوفة فوثب علي فاصطلم اذني .
وفي رواية اخرى للطبري (فمر به رجل من اصحاب علي وهو في الجرحي ) الحديث .
اراجيز ضبة والازد:
. وروى ابـن ابـي الـحديد ((486)) عن المدائني والواقدي انهما قالا: ما حفظ رجز قط اكثر من
رجز قيل يوم الجمل , واكثره لبني ضبة والازد, الذين كانوا حول الجمل يحامون عنه .
ونقل من اراجيز اهل البصرة قول بعضهم :.
يا امنا يكفيك منا دنوه
وحولك اليوم رجال شنوه
والمالكيون القليلو الكبوة
والازد حي ليس فيهم نبوه
لن يؤخذ الدهر الخطام عنوه .
وحي همدان رجال الهبوه .
والازد حي ليس فيهم نبوه
والازد حي ليس فيهم نبوه
قـالوا: وخرج من اهل البصرة شيخ صبيح الوجه , نبيل , عليه جبة وشي , يحض الناس على الحرب ,
ويقول :.
يا معشر الازد عليكم امكم .
والحرمة العظمى التي تعمكم
لا يغلبن سم العدو سمكم
ان العدو ان علاكم زمكم
فانها صلاتكم وصومكم .
فاحضروها جدكم وحزمكم .
ان العدو ان علاكم زمكم
ان العدو ان علاكم زمكم
وخصكم بجوره وعمكم
لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم .
لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم .
لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم .
ان يـظفر فهو فناؤكم يا اهل البصرة , فاحموا حقيقتكم , فانه لا يبقي حرمة الا انتهكها, ولا حريما
الا هـتـكـه , ولا ذريـة الا قتلها, ولا ذوات خدر الا سباهن , فقاتلوا مقاتلة من يحمي عن حريمه ,
ويختار الموت على الفضيحة يراها في اهله .
وقـال ابـو مـخـنف : لم يقل احد من رجاز البصرة قولا كان احب الى اهل الجمل من قول هذا الشيخ
اسـتـقتل الناس عند قوله , وثبتوا حول الجمل وانتدبوا, وخرج عوف بن قطن الضبي , وهو ينادي
ليس لعثمان ثارر الا علي ابن ابي طالب وولده , فاخذ خطام الجمل وقال :.
يا ام يا ام خلا مني الوطن
من ها هنا محشر عوف بن قطن
او فاتنا ابناه حسين وحسن
اذا امت بطول هم وحزن .
لا ابتغي القبر ولا ابغي الكفن .
ان فاتنا اليوم علي فالغبن .
اذا امت بطول هم وحزن .
اذا امت بطول هم وحزن .
الازد حول الخطام :
.
قـتـل بنو ضبة حول الجمل , فلم يبق فيهم الا من لا نفع عنده واخذت الازد بخطامه فقالت عائشة :
(من انتم ؟) قالوا: الازد قالت : (فانما يصبر الاحرار.
مـازلـت ارى الـنـصـر مـع بـنـي ضـبة , فلما فقدتهم انكرته ) فحرضت الازد بذلك فقاتلوا قتالا
شديدا ((489)) .
واخـذ الـخـطام عمرو بن الاشرف الازدي العتكي وكان لايدنو منه احد الاخبطه بسيفه , اذ اقبل
الحارث بن زهير الازدي وهو يقول :.
يا امنا ياخير ام نعلم
اما ترين كم شجاعا يكلم .
اما ترين كم شجاعا يكلم .
اما ترين كم شجاعا يكلم .
فـاختلفا ضربتين فسقطا يفحصان الارض برجليهما حتى ماتا قتل عمرو وقتل معه ثلاثة عشر من
اهل بيته ((490)) .
مقتل صاحب دار ام المؤمنين في البصرة :
.
قال ابو مخنف : وخرج عبداللّه بن خلف الخزاعي , وهو رئيس اهل البصرة , واكثرها مالا وضياعا, فطلب البراز, وسال الا يخرج الا علي وارتجز فقال :.
.
ابا تراب ادن مني فترا
فانني دان اليك شبرا.
فانني دان اليك شبرا.
فانني دان اليك شبرا.
فخرج اليه علي فلم يمهله ان ضربه ففلق هامته ((491)) .
مبارزة ابن الزبير والاشتر:
.
وروى الطبري عن ابن الزبير قال : مشيت يوم الجمل وبي سبع وثلاثون جراحة من ضربة وطعنة , ومـا رايت مثل يوم الجمل قط ما ينهزم منا احد, وما نحن الا كالجبل الاسود وما ياخذ بخطام الجمل
احد الا قتل , فجئت فاخذت بالخطام .
فقالت عائشة : من انت ؟
قلت : عبداللّه بن الزبير.
قلت : عبداللّه بن الزبير.
قلت : عبداللّه بن الزبير.
وناديت : اقتلوني ومالكا, فجاءنا ناس منا ومنهم , فقاتلوا عنا حتى .
تحاجزنا, وضاع الخطام ((492)) .
وقـال الواقدي : دعا عبداللّه بن الزبير الى المبارزة , فبرز اليه الاشتر, فقالت عائشة : من برز الى
عـبداللّه , قالوا: الاشتر, فقالت : وا ثكل اسماء, فضرب كل منهما صاحبه فجرحه , ثم اعتنقا فصرع
الاشتر عبداللّه وقعد على صدره واختلط الفريقان هؤلاء لينقذوا عبداللّه , وهؤلاء ليعينوا الاشتر
وكـان الاشـتـر طـاويا ثلاثة ايام لم يطعم , وهذه عادته في الحرب , وكان ايضا شيخا عالي السن ,
فـجعل عبداللّه ينادي : اقتلوني ومالكا, فلو قال : اقتلوني والاشتر لقتلوهما الا ان اكثر من كان يمر
بـهما لا يعرفهما لكثرة من وقع في المعركة صرعى بعضهم فوق بعض , وافلت ابن الزبير من تحته
ولم يكد.
وفي العقد الفريد عن ابن الزبير قال : ثم جر برجلي فالقاني بالخندق , وقال :.
لولا قربك من رسول اللّه (ص ) ما اجتمع فيك عضو الى آخر لـلاشتر: قد كنت كارها لقتل عثمان (رض ) فما اخرجك بالبصرة ؟ قال : ان هؤلاء بايعوه ثم نكثوا
وكـان ابن الزبير هو الذي اكره عائشة على الخروج فكنت ادعو اللّه عز وجل ان يلقينيه , فلقيني
كفة لكفة فما رضيت بشدة ساعدي ان قمت في الركاب فضربته على راسه فصرعته .
قلنا: فهو القائل : اقتلوني ومالكا.
قـال : لا مـاتـركته وفي نفسي منه شي ء ذاك عبدالرحمن بن عتاب بن اسيد لقيني فاختلفنا ضربتين
فصرعني وصرعته فجعل يقول : اقتلوني ومالكا, ولا يعلمون من مالك , فلو يعلمون لقتلوني .
وفي رواية اخرى للطبري فجرح ابن الزبير فالقى نفسه في الجرحى فاستخرج فبرا ((493))
وهذا ثالث الرؤوس يسقط من جيش الجمل , والحرب مع ذلك قائمة على قدم وساق جمل ام المؤمنين
عائشة , والموت والدماء حوله , والابطال تتساقط امامه كما تساقط اوراق الشجر في الخريف .
اشتداد الحرب :
. وروى الـطـبـري ((494)) وقـال : حـمـلت ميمنة امير المؤمنين علي على ميسرة اهل البصرة
فاقتتلوا, ولاذ الناس بعائشة (رض ) اكثرهم ضبة والازد.
قال ابو مخنف ((495)) : وبعث علي الى الاشتر: ان احمل على ميسرتهم , فحمل عليها وفيها هلال
بـن وكيع , فاقتتلوا قتالا شديدا, وقتل هلال , قتله الاشتر, فمالت الميسرة الى عائشة , فلاذوا بها,
واعظمهم بنو ضبة وبنو عدي ((496)) , ثم.
عطفت الازد, وضبة , وناجية , وباهلة ((497)) الى الجمل فاحاطوا به , واقتتل الناس حوله قتالا
شديدا.
وروى الـمدائني والواقدي ((498)) عن ضبة والازد: انهم كانوا حول الجمل يحامون عنه ولقد
كـانت الرؤوس تندر عن الكواهل ((499)) , والايدي تطيح من المعاصم , واقتاب البطن تندلق من
الاجـواف , وهـم حـول الـجـمل كالجراد الثابتة لا تتحلحل ولا تتزلزل حتى لقد صرخ علي باعلى
صـوته : ويلكم وراكعا حتى يهوي هذا البعير الى الارض .
قـالـوا ((500)) : واسـتدار الجمل كما تدور الرحاة , وتكاثف الرجال حوله واشتد رغاؤه واشتد
زحام الناس عليه , ونادى الحتات المجاشعي ((501)) : ايها الناس امكم امكم , واختلط الناس وضرب
بـعـضهم بعضا, وتقصد اهل الكوفة قصد الجمل , ودونه كالجبال كلها خف قوم جاء اضعافهم , فنادى
عـلي: ويحكم وكان متجفجفا ((502)) فتعلقت السهام به فصارت كالقنفذ.
ونـادت الازد, وضبة : يا لثارات عثمان شعارا, واختلط الفريقان , ونادى علي بشعار رسول اللّه (ص ): يا منصور امت
عقر الجمل وانتهاء الحرب :
. وروى الـطـبري ((503)) عن احدهم انه قال : حاص الناس حيصة , ثم رجعنا وعائشة على جمل
احمر في هودج ما شبهته الا القنفذ من النبل .
وقـال ابو مخنف ((504)) : ورمي الجمل بالنبل حتى صارت القبة عليه كهيئة القنفذ, وقال علي: لما
فـنـي الناس على خطام الجمل , وقطعت الايدي وسالت النفوس : ادعوا لي الاشتر, وعمارا, فجاءا فقال : اذهبا فاعقرا هذا الجمل , فان الحرب لايبوخ ضرامها ((505)) ما دام حيا, انهم اتخذوه قبلة .
وقال الطبري : ونادى علي ان اعقروا الجمل , فانه ان عقر تفرقوا, فضربه رجل فسقط, فما سمعت
صوتا اشد من عجيج الجمل .
وفـي روايـة اخـرى لابي مخنف ((506)) : فلما راى علي ان الموت عند الجمل , وانه مادام قائما
فالحرب لا تطفا, وضع سيفه على عاتقه , وعطف نحوه , وامر اصحابه بذلك , ومشى نحوه والخطام
مـع بني ضبة , فاقتتلوا قتالا شديدا, واستحر القتل في بني ضبة , فقتل منهم مقتلة عظيمة , وخلص
عـلـيـ فـي جماعة من النخع وهمدان ((507)) الى الجمل , وقال لرجل من النخع اسمه (بجير):
دونـك الـجـمل يا بجير عـجـيـجا لم يسمع باشد منه , فما هو الا ان صرع الجمل حتى فرت الرجال كما يطير الجراد في
الريح الشديدة الهبوب , فنادى علي: اقطعوا انساع الهودج , واحتملت عائشة بهودجها, وامر بالجمل
ان يـحـرق ثـمـ يذرى في الريح , وقال : لعنه اللّه من دابة , فما اشبهه بعجل بني اسرائيل , ثم قرا:
(وانظر الى الهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا).
رعاية ام المؤمنين :
.
ثم امر علي محمد بن ابي بكر, فضرب عليها قبة , وقال : انظر هل وصل اليها شي ء: فادخل راسه .
فقالت : من انت ؟.
فقال : ابغض اهلك اليك .
قالت : ابن الخثعمية ؟.
قال : نعم .
قالت : بابي انت وامي , الحمدللّه الذي عافاك .
وفي مروج الذهب للمسعودي : قال لها: اقرب الناس قرابة , وابغضهم اليك , انا محمد اخوك , يقول لك
امير المؤمنين : هل اصابك شي ء؟.
قالت : ما اصابني شي , الا سهم لم يضرني .
فـجـاء علي حتى وقف عليها, فضرب الهودج بقضيب , وقال : يا حميراء يامرك ان تقري في بيتك ؟ واللّه ما انصفك الذين صانوا عقائلهم وابرزوك .
وفـي روايـة اخرى للطبري : واحتمل محمد بن ابي بكر عائشة فضرب عليها فسطاطا فوقف علي
عـلـيـها, فقال لها: استفززت الناس وقد فزوا, والبت بينهم حتى قتل بعضهم بعضا في كلام كثير,
فقالت : ملكت فاسجح ((508)) .
وقال عمار بن ياسر لعائشة (رض ) ـ حين فرغ القوم ـ: يا ام المؤمنين الذي عهد اليك .
قالت : ابو اليقظان ؟.
قال : نعم .
قالت : واللّه انك ـ ما علمت ـ قوال بالحق .
قال : الحمد للّه الذي قضى لي على لسانك ((509)) .
العفو العام :
.
ثم نادى منادي علي الا يجهر على جريح , ولا يتبع مول, ولا يطعن في وجه مدبر, ومن القى السلاح فهو آمن , ومن اغلق بابه فهو آمن ثم امن الاسود والاحمر.
وفـي الـكـنـز بـعده : ولا يستحلن فرج ولا مال ((510)) , وانظروا ماحضر به الحرب من آنية
فـاقـبـضوه , وما كان سوى ذلك فهو لورثته , ولا يطلبن عبد خارجا من العسكر وما كان من دابة او
سلاح فهو لكم , وليس لكم ام ولد, والمواريث على فرائض اللّه , واي امراة قتل زوجها فلتعتد اربعة
اشهر وعشرا.
قالوا: يا امير المؤمنين فقال : كذلك السيرة في اهل القبلة , فخاصموه .
قـال : فهاتوا سهامكم واقرعوا على عائشة فهي راس الامر وقائدهم , فعرفوا وقالوا: نستغفر اللّه ,
فخصمهم علي.
وقال علي يوم الجمل : نمن عليهم بشهادة ان لا اله الا اللّه ونورث .
الابناء من الاباء.
واورد فـي الكنز ايضا تفصيل هذه المخاصمة بين علي وجيشه هكذا ((511)) وقال : وخطب علي
فـي الـبـصرة بعد حرب الجمل وفيما هو يخطب قام اليه عمار, فقال : يا امير ـ المؤمنين يذكرون الفي ء ويزعمون ان من قاتلنا فهو وماله واهله في لنا وولده .
فقام رجل من بكر بن وائل يدعى عباد بن قيس ـ وكان ذا عارضة ولسان شديدـ.
فقال : يا امير المؤمنين فقال علي: ولم ويحك قال : لانك قسمت ما في المعسكر, وتركت الاموال والنساء والذرية .
فـقـال عـلـيـ: (يـا اخـا بـكـر الـكبير ((512)) , وان الاموال كانت لهم قبل الفرقة , وتزوجوا على رشده , وولدوا على الفطرة ,
وانـمـا لـكم ما حوى عسكرهم , وما كان في دورهم فهو ميراث لذريتهم , فان عدا علينا احد منهم
اخذناه بذنبه , وان كف عنا لم نحمل عليه ذنب غيره , يا اخا بكر (ص ) في اهل مكة , قسم ما حوى العسكر, ولم يعرض لما سوى ذلك , وانما اتبعت اثره حذو النعل
بالنعل يا اخا بكر مهلا رحمكم اللّه , فان انتم لم تصدقوني واكثرتم علي ـ وذلك انه تكلم في هذا وغير واحد ـ فايكم
ياخذ امه عائشة بسهمه ).
قـالـوا: لا ايـنـا يا امير المؤمنين الناس من كل جانب : اصبت يا امير المؤمنين فـقـام عمار, فقال : يا ايها الناس شعرة , وكيف يكون ذلك وقد استودعه رسول اللّه (ص ) المنايا والوصايا وفصل الخطاب على منهاج
هـارون بـن عـمـران , اذ قال له رسول اللّه (ص ): انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي
بعدي .
فضلا خصه اللّه به اكراما منه لنبيه (ص ) حيث اعطاه مالم يعطه احدا من خلقه .
ثـم قال علي: (انظروا رحمكم اللّه ما تؤمرون به فامضوا له فاني حاملكم ان شاء اللّه ان اطعتموني
على سبيل الجنة , وان كانت ذا مشقة شديدة ومرارة عتيدة ((513)) واما عائشة فقد ادركها راي
الـنساء, وشي كان في نفسها علي يغلي في جوفها كالمرجل , ولو دعيت لتنال من غير ما اتت به الي لم
تفعل , ولها بعد ذلك حرمتها الاولى والحساب على اللّه يعفو عمن يشاء, ويعذب من يشاء, فرضي بعد
ذلك اصحابه , وسلموا لامره بعد اختلاط شديد ((514)) فقالوا:.
يـا امـيـر الـمـؤمـنـين حكمت واللّه فينا بحكم اللّه غير انا جهلنا ومع جهلنا لم نات ما يكره امير
المؤمنين , وقال ابن يساف الانصاري :.
ان رايا رايتموه سـفاها
ليس زوج النبي تقسم فيـئا
فاقبلوا اليوم ما يقـول علي
ليس ما ضمت البيوت بفـي ء
من كراع في عسـكر وسـلاح
ليس في الحق قسـم ذات نـطاق
ذاك هو فيئـكم خذوه وقـولوا
انما امكم وان عظم الخطــب
فلها حـرمة النبي وحقـان
علينا من سـترها ووقـار.
لخطا الايراد والاصـدار.
ذا كزيغ القلوب والابصـار.
لا تناجوا بالاثم في الاسـرار.
انما الفـي ء ما تضم الاوار.
ومتاع يبيع ايدي التجـار.
لا ولا اخـذكم لذات خمـار.
قد رضينا لا خير في الاكـثار.
وجاءت بزلة وعثـار.
علينا من سـترها ووقـار.
علينا من سـترها ووقـار.
والـسبابجة , والاساورة بلا حق استوجبوه منهما, ولا كان ذلك لهما دون الامام ولو انهما فعلا ذلك
بـابي بكر وعمر لقاتلاهما, ولقد علم من ههنا من اصحاب النبي (ص ) ان ابا بكر وعمر لم يرضيا
مـمـن امـتـنع من بيعة ابي بكر حتى بايع وهو كاره , ولم يكونوا بايعوه بعد الانصار فما بالي بايعاني طائعين غير مكرهين , ولكنهما طمعا مني في ولاية البصرة .
والـيـمـن , فـلما لم اولهما, وجاءهما الذي غلب عليهما من حبهما للدنيا وحرصهما عليهما, خفت ان
يـتـخـذا عباد اللّه خولا, ومال المسلمين لانفسهما, فلما زويت ذلك ((515)) عنهما وذلك بعد ان
جربتهما واحتججت عليهما) الحديث .
ثم خطب علي في اهل البصرة وقال في خطبته :.
(كـنـتـم جند المراة واتباع البهيمة , رغا فاجبتم , وعقر فهربتم , اخلاقكم دقاق , وعهدكم شقاق ,
ودينكم نفاق , وماؤكم زعاق , والمقيم بين اظهركم مرتهن بذنبه , والشاخص عنكم متدارك برحمة
من ربه ) الخطبة ((516)) .
اعادة ام المؤمنين الى بيتها:
.
في فتوح ابن اعثم قال :.
دعـا عـلـي ببغلة رسول اللّه (ص ) فاستوى عليها, واقبل الى منزل عائشة , ثم استاذن ودخل , فاذا
عائشة جالسة حولها نسوة من نساء اهل البصرة وهي تبكي وهن يبكين معها قال : ونظرت صفية بنت
الـحـارث الـثقفية ((517)) امراة عبداللّه ابن خلف الخزاعي فصاحت هي ومن كان معها هناك من
الـنـسـوة وقـلن باجمعهن : يا قاتل الاحبة عبداللّه بن خلف فنظر اليها علي فعرفها فقال : اما اني لا الومك ان تبغضيني .
وقـد قـتـلـت جدك يوم بدر وقتلت عمك يوم احد, وقتلت زوجك الان , ولو كنت قاتل الاحبة كما
تقولين , لقتلت من في هذا البيت ومن في هذه الدار.
قال : فاقبل علي على عائشة فقال : الا تنحين كلابك هؤلاء عني .
اما اني قد هممت ان افتح باب هذا البيت فاقتل من فيه , ولولا حبي .
للعافية , لاخرجتهم الساعة فضربت اعناقهم صبرا.
قال : فسكتت عائشة وسكتت النسوة فلم تنطق واحدة منهن ((518)) .
قال علي لابن عباس : ائت هذه المراة فلترجع الى بيتها الذي امرها اللّه ان تقر فيه قال ـ ابن عباس ـ
فجئت فاستاذنت عليها, فلم تاذن لي , فدخلت بلا اذن ومددت يدي الى وسادة في البيت فجلست عليها.
فقالت : تاللّه يا ابن عباس وفـي رواية اخرى : (قالت : اخطات السنة مرتين دخلت بيتي بغير اذني , وجلست على متاعي بغير
امري , قال : نحن علمناك السنة ) ((519)) واللّه ما هو بيتك , ولا بيتك الا الذي امرك اللّه ان تقري
فيه فلم تفعلي , ان امير المؤمنين يامرك ان ترجعي الى بلدك الذي خرجت منه .
قالت : رحم اللّه امير المؤمنين , ذاك عمر بن الخطاب .
قلت : نعم وهذا امير المؤنين علي بن ابي طالب .
قالت : ابيت ابيت .
قـلـت : مـا كان اباؤك الا فواق ناقة بكيئة ((520)) ثم صرت ما تحلين ولا تمرين ((521)) ولا
تامرين ولا تنهين .
قال : فبكت حتى علا نشيجها ((522)) ثم قالت : نعم , ارجع , فان ابغض البلدان الي بلد انتم فيه .
قلت : اما واللّه ما كان ذلك جزاؤنا منك اذ جعلناك للمؤمنين اما, وجعلنا اباك لهم صديقا.
قالت : اتمن علي برسول اللّه يا ابن عباس فقلت : نعم , نمن عليك بمن لو كان منك بمنزلته منا لمننت به علينا.
قال ابن عباس : فاتيت عليا فاخبرته , فقبل بين عيني , وقال : بابي ذرية بعضها من بعض ((523)) .
وقال ابن عبد ربه : فجهزها باحسن الجهاز, وبعث معها اربعين امراة وقيل سبعين حتى قدمت المدينة .
وفـي فـتوح ابن اعثم (2/341): وقد كان علي (رض ) اوصاهن وامرهن ان يتزيين بزي الرجال
عـلـيهن العمائم فجعلت عائشة تقول في طريقها فعل بي علي وفعل ثم وجه معي رجالا يردوني الى
الـمـدينة , فسمعتها امراة فحركت بعيرها حتى دنت منها ثم قالت : ويحك يا عائشة اما كفاك ما فعلت
حتى انك لتقولين في ابي الحسن ما تقولين ثم تقدمت النسوة وسفرن عن وجوههن فاسترجعت عائشة
واستغفرت .
وقال الطبري : فسرحها علي وارسل معها جماعة من رجال ونساء,.
وجهزها وامر لها باثني عشر الفا من المال , فاستقل ذلك عبداللّه بن جعفر ((524)) .
فـاخـرج لـها مالا عظيما وقال : ان لم يجزه امير المؤمنين فهو علي وقال المسعودي : وقد بعث علي
اخـاهـا عـبـدالـرحمن بن ابي بكر وثلاثين رجلا وعشرين امراة من ذوات الدين من عبد القيس
وهمدان , وقريب منه ما قاله اليعقوبي وابن اعثم , غير انهما لم يذكرا ارسال عبدالرحمن معها.
حصيلة الحـرب :
.
ذكروا من هول هذه الحرب الضروس وشدته ما رواه الطبري وغيره عنهم انهم قالوا: لما كان يوم الـجـمـل ترامينا بالنبل حتى فنيت , وتطاعنا بالرماح حتى تشبكت في صدورنا وصدورهم حتى لو
سيرت عليها الخيل لسارت .
وقـال بـعـضـهـم : مـا مـررت بـدار الـوليد قط, فسمعت اصوات القصارين يضربون , الا ذكرت
قتالهم ((525)) .
ومـر قـولـهم : ولقد كانت الرؤوس تندر عن الكواهل والايدي تطيح عن المعاصم , واقتاب البطون
تـندلق من الاجواف , وكانت حصيلة هذه الحرب من الايدي المقطوعة والعيون المفقوءة ما لم يحص
عددها, اما القتلى فقد عدهم الطبري في بعض رواياته ما يزيد على ستة آلاف .
وقال ابن اعثم في تاريخه : قتل من جيش علي الف وسبعمائة ومن اصحاب الجمل تسعة آلاف .
وقال ابن عبد ربه في العقد الفريد: قتل يوم الجمل من جيش عائشة .
عشرون الفا, ومن اصحاب علي خمسمائة .
وفي تاريخ اليعقوبي : قتل في ذلك نيف وثلاثون الفا ((526)) .
كـانـت هذه حصيلة المسلمين من الحرب يومذاك , وما انتجت لهم بعده فكثيرة لا تحصى , وهائلة لا
تقدر.
وان من نتائجها القريبة اشعال معاوية الحرب بصفين , فانها في حقيقتها كانت امتدادا لحرب الجمل , اذ
انـ قيام ام المؤمين التيمية بالحرب على علي باسم الطلب بثار عثمان مهد السبيل لمعاوية الاموي ان
يـقـيـمـهـا عليه كذلك , كما مهدت له السبيل ايضا لان يجعل الخلافة ملكا وراثيا في آل امية اسرة
الخليفة القتيل يورثها الاباء الابناء.
وكـان من نتائج الحربين (الجمل وصفين ) خروج الخوارج على علي وحربهم بنهروان , فان هاتين
الـحـربـيـن شوشتا على جماعة من المتنطعين امرهم , فخرجوا على المسلمين كافة , يكفرونهم ,
ويـريـقـون دمـاءهـم ويقطعون السبيل ويسلبون الامن بما اقاموا من حروب امتد مداها الى عصر
الخلافة العباسية .
وي كان حرب الجمل لم تقع في فترة قصيرة من الزمن بل امتدت الى آماد بعيدة في الدهر.
التحزب والحرب الكلامية :
.
وكـان طـبيعيا ان يستتبع ذلك تفريق كلمة المسلمين وانقسامهم الى شيع واحزاب فاصبحوا علوية وعـثـمـانـية وخوارج وبكرية الى غير ذلك من طوائف متخاصمة تقوم بينها حروب دموية احيانا
وكلامية اخرى ((527)) .
وكان من مجالات حروبهم الكلامية واقعة الجمل نفسها ومن قام بها.
ورضي عنها, فقد قالت الخوارج فيها:.
ان عـائشـة وطـلحة والزبير كفروا بمقاتلتهم عليا, وقالوا: ان عليا كان يوم ذاك على الحق ولكنه
كفر بعد التحكيم ((528)) .
ولعنوا عليا في تركه اغتنام اموالهم وسبي ذراريهم ونسائهم ((529)) .
وقـال فـريق من المعتزلة بفسق كلا الفريقين من اصحاب حرب الجمل وانهم خالدون مخلدون في
النار ((530)) .
وقـال آخـرون مـنـهـم : ان احـد الـفـريـقـيـن فاسق لا محالة واقل درجات الفريقين انه لا تقبل
شهادته ((531)) وان لو شهدوا جميعا على باقة بقل لم تقبل ((532)) .
وقـال فريق ثالث منهم : كل اهل الجمل هالكون الا من ثبتت توبته وكذلك طلحة والزبير, اما عائشة
فانها اعترفت لعلي يوم الجمل بالخطا وسالته العفو ((533)) .
وروى الـجـاحظ عن بعض السلف : انهم كانوا يقولون اذا ذكروا يوم الجمل : (هلكت الاتباع ونجت
القادة ((534)) .
وقال اكثر الاشاعرة : ان اصحاب الجمل اخطاوا ولكنه خطا مغفور كخطا المجتهد في بعض مسائل
الفروع ولا يلزم به الكفر ولا الفسق ولا التبري ولا العداوة ((535)) .
وقال قسم منهم : ان عائشة وطلحة رجعوا عن الخطا ((536)) .
وقال غيرهم : انهم اجتهدوا فلا اثم عليهم ولا نحكم بخطاهم وخطا علي واصحابه ((537)) .
وان اكـرم الـقـول فـي ام الـمـؤمـنين واطيبه ما قاله فيها علي حيث قال : (ولها بعد حرمتها الاولى
والحساب على اللّه ) ((538)) .
ام المؤمنين من خلال هذه الحرب :
.
استعرضنا من حرب الجمل ما يساعدنا على دراسة شخصية ام المؤمنين من قريب او بعيد.
فوجدناها في هذه الحرب تجمع الناس على حرب علي بعدما بويع بالخلافة باسم الطلب بثار عثمان ,
وتؤمر على جيشها اشد المؤلبين على عثمان (طلحة والزبير) من بعد بيعتهما لعلي وعلي ينادي في
خـطبه ويقول : (بايعني طلحة والزبير ثم ما لبثا ان استاذناني الى العمرة , فسارا الى البصرة فقاتلا
فيها المسلمين وفعلا بها الافاعيل , ونكثا بيعتي , والبا عدوي ) ويقول لهما: انكما بايعتماني , ونكثتما
بيعتي , وزعمتما اني قتلت عثمان , فبيني وبينكما من تخلف عني وعنكما من اهل المدينة , ثم يلزم كل
امرئ ما احتمل .
يقول هذا وامثال هذا في كل مجتمع ويتبرا من دم عثمان , والناس يصدقون التهمة عليه , وذلك لمكانة
ام المؤمنين في النفوس على ان براءة علي من دم عثمان وتبعة طلحة والزبير وعائشة في دم عثمان
كانتا معروفتين يوم ذاك .
فقد قال ابن سيرين : ما علمت ان عليا اتهم بدم عثمان حتى بويع , فلما بويع اتهمه الناس ((539)) .
وقال ابو الاسود لطلحة والزبير: انكما وعائشة كنتم اشد الناس عليه .
واعظمهم اغراء بدمه فاقيدوا من انفسكم , واما اعادة الخلافة شورى فكيف وقد بايعتم عليا طائعين
غير مكرهين .
وقال عمار لعائشة :.
ومنك الرياح ومنك المطر
وانت امرت بقتل الامام .
وانت امرت بقتل الامام .
وانت امرت بقتل الامام .
مـحـمد اتيتنا ثائرا بدمه ؟ وقـال سعيد بن العاص الاموي لمروان بعد خروج الجيش من مكة : اين تذهبون وثاركم على اعجاز
الابـل ؟ الجيشان في البصرة رمى مروان طلحة بسهم فقتله .
وانما تمكنت من تجهيز جيش لجب لمقاتلة علي البري ء من دم عثمان باسم الطلب بدم عثمان لمكانتها
في النفوس , وطواعية الناس لها, ومقدرتها السياسية والخطابية , وادراكها ما يؤثر في النفوس .
واما مقدرتها الخطابية ـ بلاغتها في المحاورات ـ فمن مواردها جوابها لام سلمة عندما احرجتها ام
سـلـمـة بـخطابها الطويل تلومها فيه على خروجها, فقالت عائشة في جوابها: (لنعم المطلع مطلعا
اصـلـحـت فـيه بين فئتين متناجزتين ) وليست شعري اين كان التناجز لو جلست هي في بيتها ولم
تـتـجـشـم الاهـوال لاقـامة الحرب على علي بـخـروجـهـا الى البصرة والزبير ـ (قتلتموه بعد توبته ) وهي في هذا القول كما قالت القائلة : رمتني بدائها وانسلت فمن قتل
عثمان ان لم يكن بنو تيم البوا عليه وجلبوا حتى قتلوه