التـقـيّـة في القرآن والسنّة بين السائل والمجيب
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيّين أحمد المجتبى أبي القاسم محمّد المصطفى وآله الطيّبين الطاهرين .
أمّا بعد: فقد قال الله سبحانه تبارك وتعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاِْيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(1) .
تشير هذه الآية الكريمة إلى الواقعة المعروفة للصحابيّ الجليل عمّار بن ياسر رضي الله تعالى عنهما ، حينما صار مضطراً إلى التفوّه بكلمات باطلة كفريّة للتخلّص من أيدي مشركي قريش; فإنّهم قتلوا أباه وأُمّه وأخاه بأفظع قتلة وأبشع تعذيب ، ثمّ طلبوا من عمّار(رضي الله عنه) أن يتبرّأ من الإسلام وإلاّ فيقتلونه ـ أيضاً ـ تحت التعذيب .
فالآية صريحة في جواز إعلان الكفرلمن اضطرّ ، بشرط أن يبقى قلبه مطمئناً بالإيمان حفاظاً على حياته من أعداء الدين بإخفاء عقيدته الأصليّة باطناً ، والتظاهر بالباطل ، وهذا الإخفاء يسمّى بالتقيّة .
وقد كان في هذا القرار الإلهي نجاةُ كثير من المؤمنين المخلصين من الموت المحتوم الذي كان ينتظرهم على أيدي الكفرة الملحدين ، ولهذا عارض المنافقون هذا القرار واعتبروه انهزاماً وفراراً وارتداداً من الحقّ; لأنّهم وجدوا المؤمنين يتخلّصون من أيديهم بالتقيّة ، ثمّ بعد الخلاص يعودون إلى عملهم للإسلام .
وكذلك صار هذا القرار قاعدةً إسلاميّةً عامّةً للمسلمين في كلّ الأجيال; حيث وضعت أمام كلّ مؤمن يجد ضغطاً أو ضرورةً تُلجؤه إلى إظهار غير ما في باطنه ، يتخلّص بذلك من القتل أو التعذيب أو ما لايُطاق; فله ذلك مع الحفاظ على الشرط الأساسيّ وهو أن يبقى قلبه مطمئنّاً بالإيمان .
وهذا القرار العامّ ـ أيضاً ـ أثار المنافقين الذين سيطروا على رقاب المسلمين وباسم الإسلام وراحوا يبغون لهم الغوائل ويكيدون لهم المكائد ، في طول التاريخ الإسلاميّ وحتى اليوم ، فراحوا يُثيرون الشُبُهات ضدّ التقية ، وأنّها هي عين الكذب وهي النفاق ، وهي وهي . . .
وقد رأينا أن نقدّم ما أثير في وجه التقية بشكل أسئلة ،والإجابة على ذلك; لنزيح عنها تلك الإثارات ، والله المستعان: