المناقشة مع الوهابيين
إن مقتضى الآية الأولى ثبوت الشفاعة لمناتخذ عند الرحمن عهداً، أي إيماناً،فالمؤمنون يملكون الشفاعة، كما أن مقتضىالآية الثانية ثبوت الشفاعة بعد الإذنوالرضا من الله تعالى، ونحن نقول بهللأنبياء والأولياء، ولو كان شركا لما جازالإذن والرضا بالشفاعة، نعم لا يجوز القولبأنه: يا محمد يا رسول الله اغفرلي ذنبي.وذلك لأنه لا يغفر الذنوب إلا الله، وجميعالمسلمين على ذلك، وأما القول بأنه: يامحمد اشفع لي عند ربك. فليس من الشرك، إذالشرك هو أن تدعوه مع الله في حاجتك، لا أنتسأله أن يدعو الله في غفران ذنوبك.ثم إن ابن عبد الوهاب لما لم يعلم حقيقةالعبادة توهم أن طلب الشفاعة من الشافعينيكون من عبادة الصالحين، وهذه غفلة منه عنأن العبادة عبارة عن وقوف العبد بين يديمعبوده، وإظهار غاية الخضوع والخشوع، لامطلق التعظيم والخضوع، ولذا لم يذهب أحدمن المسلمين بأن تعظيم المؤمنين أوالأنبياء والمرسلين حال حياتهم من عبادةالصالحين، ومثل هذا الاستشفاع بهم إلىالله حال حياتهم وبعد مماتهم، فمن يعبدالله ويوحده لا يجد من نفسه حين ما يطلب منالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الشفاعةأن يعبده في ذلك، ولعل ابن عبد الوهاب رأىأن رواج مذهبه منوط برمي المسلمين بالشركدون من ينسب إليه، فرماهم بما لا يتفوه بهإلا جامد أو معاند، فقال في رسالته «كشفالشبهات» ما حاصله: إن الطلب من الشفيعينافي الإخلاص في التوحيد الواجب علىالعباد بقوله تعالى: (مخلصين له الدين)،وقوله سبحانه: (ادعوا ربكم تضرعا).