و قال أيضا من أقبل على الدنيا أحرقتهنيرانها، يعنى الحرص، حتى يصير رمادا. و منأقبل على الآخرة صفته بنيرانها، فصارسبيكة ذهب ينتفع به. و من أقبل على الله عزو جل، أحرقته نيران التوحيد، فصار جوهرالأحد لقيمته و قال على كرم الله وجهه، إنماالدنيا ستة أشياء، مطعوم، و مشروب، وملبوس، و مركوب، و منكوح، و مشموم. فأشرفالمطعومات العسل، و هو مذقة ذباب. و أشرفالمشروبات الماء، و يستوي فيه البر والفاجر. و أشرف الملبوسات الحرير، و هو نسجدودة و أشرف المركوبات الفرس، و عليه يقتلالرجال. و أشرف المنكوحات المرأة، و هيمبال في مبال.
و ان المرأة لتزين أحسن شيء منها، و يرادأقبح شيء منها. و أشرف المشمومات المسك،و هو دم
بيان المواعظ في ذم الدنيا و صفتها
قال بعضهم، يا أيها الناس اعملوا على مهل،و كونوا من الله على و جل، و لا تغتروابالأمل و نسيان الأجل، و لا تركنوا إلىالدنيا فإنها غدّارة خدّاعة، قد تزخرفتلكم بغرورها و فتنتكم بأمانيها، و تزينتلخطابها، فأصبحت كالعروس المجلية، العيونإليها ناظرة، و القلوب عليها عاكفة، والنفوس لها عاشقة. فكم من عاشق لها قتلت، ومطمئن إليها خذلت. فانظروا إليها بعينالحقيقة، فإنها دار كثير بوائقها، و ذمهاخالقها، جديدها يبلى، و ملكها يفنى، وعزيزها يذل، و كثيرها يقل، ودها يموت، وخيرها يفوت. فاستيقظوا رحمكم الله منغفلتكم، و انتبهوا من رقدتكم، قبل أن يقالفلان عليل، أو مدنف ثقيل، فهل على الدواءمن دليل؟ أو هل إلى الطبيب من سبيل؟ فتدعىلك الأطباء، و لا يرجى لك الشفاء. ثم يقالفلان أوصى، و لماله أحصى. ثم يقال قد ثقللسانه، فما يكلم إخوانه، و لا يعرف جيرانه.و عرق عند ذلك جبينك، و تتابع أنينك، و ثبتيقينك، و طمحت جفونك، و صدقت ظنونك، وتلجلج لسانك، و بكى إخوانك، و قيل لك هذاابنك فلان و هذا أخوك فلان، و منعت منالكلام فلا تنطق، و ختم على لسانك فلاينطلق. ثم حل بك القضاء، و انتزعت نفسك منالأعضاء، ثم عرج بها إلى السماء، فاجتمععند ذلك