في دار لكم فيها من طعامكم غصص، و منشرابكم شرق، لا تصفو لكم نعمة تسرون بهاإلّا بفراق أخرى تكرهون فراقها فاعملوالما أنتم صائرون إليه، و خالدون فيه. ثمغلبه البكاء و نزل
و قال على كرم الله وجهه في خطبته.
أوصيكم بتقوى الله، و الترك للدنياالتاركة لكم و إن كنتم لا تحبون تركها،المبلية أجسامكم، و أنتم تريدون تجديدها.فإنما مثلكم و مثلها كمثل قوم في سفر،سلكوا طريقا و كأنهم قد قطعوه، و أفضوا إلىعلم فكأنهم بلغوه. و كم عسى أن يجرى المجرىحتى ينتهى إلى الغاية، و كم عسى أن يبقى منله يوم في الدنيا و طالب حثيث يطلبه حتىيفارقها. فلا تجزعوا لبؤسها و ضرائها فإنهإلى انقطاع، و لا تفرحوا بمتاعها ونعمائها فإنه إلى زوال. عجبت لطالب الدنياو الموت يطلبه، و غافل و ليس بمغفول عنه
و قال محمد بن الحسين.
لما علم أهل الفضل و العلم و المعرفة والأدب أن الله عز و جل قد أهان الدنيا، وأنه لم يرضها لأوليائه، و أنها عنده حقيرةقليلة، و أن رسول الله صلّى الله عليهوسلّم زهد فيها، و حذر أصحابه من فتنتها،أكلوا منها قصدا، و قدموا فضلا و أخذوامنها ما يكفي، و تركوا ما يلهى. لبسوا منالثياب ما ستر العورة، و أكلوا من الطعامأدناه مما سد الجوعة، و نظروا إلى الدنيابعين أنها فانية، و إلى الآخرة أنهاباقية، فتزودوا من الدنيا كزاد الراكب،فخربوا الدنيا، و عمروا بها الآخرة. ونظروا إلى الآخرة بقلوبهم، فعلموا أنهمسينظرون إليها بأعينهم، فارتحلوا إليهابقلوبهم، لما علموا أنهم سيرتحلون إليهابأبدانهم. تعبوا قليلا، و تنعموا طويلا. كلذلك بتوفيق مولاهم الكريم، أحبوا ما أحبلهم و كرهوا ما كره لهم
بيان صفة الدنيا بالأمثلة
اعلم أن الدنيا سريعة الفناء، قريبةالانقضاء، تعد بالبقاء، ثم تخلف فيالوفاء. تنظر إليها فتراها ساكنة مستقرة،و هي سائرة سيرا عنيفا، و مرتحلة ارتحالاسريعا. و لكن الناظر إليها قد لا يحسبحركتها، فيطمئن إليها. و إنما يحس عندانقضاها
و مثالها الظل.
فإنه متحرك ساكن متحرك في الحقيقة، ساكنفي الظاهر، لا تدرك حركته بالبصر الظاهر،بل بالبصيرة الباطنة. و لما ذكرت الدنياعند الحسن البصري رحمه الله، أنشد و قال: