بيان الغضب هل يمكن إزالة أصله بالرياضةأم لا
اعلم أنه ظن ظانون أنه يتصور محو الغضببالكلية، و زعموا أن الرياضة إليه تتوجه وإياه تقصد. و ظن آخرون أنه أصل لا يقبلالعلاج، و هذا رأى من يظن أن الخلق كالخلقو كلاهما لا يقبل التغيير. و كلا الرأيينضعيف. بل الحق فيه ما نذكره، و هو أنه مابقي الإنسان يحب شيئا و يكره شيئا، فلايخلو من الغيظ و الغضب. و ما دام يوافقهشيء، و يخالفه آخر، فلا بد من أن يحب مايوافقه، و يكره ما يخالفه: و الغضب يتبعذلك.
فإنه مهما أخذ منه محبوبه غضب لا محالة، وإذا قصد بمكروه غضب لا محالة. إلا أن
ما يحبه الإنسان ينقسم إلى ثلاثة أقسام
الأول: ما هو ضرورة في حق الكافة.
كالقوت، و المسكن، و الملبس، و صحة البدنفمن قصد بدنه بالضرب و الجرح، فلا بد و أنيغضب. و كذلك إذا أخذ منه ثوبه الذي يسترعورته، و كذلك إذا أخرج من داره التي هيمسكنه، أو أريق ماؤه الذي لعطشه.
فهذه ضرورات لا يخلو الإنسان من كراهةزوالها، و من غيظ على من يتعرض لها
القسم الثاني: ما ليس ضروريا لأحد منالخلق.
كالجاه، و المال الكثير، و الغلمان والدواب. فإن هذه الأمور صارت محبوبةبالعادة، و الجهل بمقاصد الأمور، حتى صارالذهب و الفضة محبوبين في أنفسهمافيكنزان، و يغضب على من يسرقهما، و إن كانمستغنيا عنهما في القوت. فهذا الجنس ممايتصور أن ينفك الإنسان عن أصل الغيظ عليه.فإذا كانت له دار زائدة على مسكنه، فهدمهاظالم، فيجوز أن لا يغضب. إذ يجوز أن يكونبصيرا بأمر الدنيا، فيزهد في الزيادة علىالحاجة، فلا يغضب بأخذها، فإنه لا يحبوجودها و لو أحب وجودها لغضب على الضرورةبأخذها، و أكثر غضب الناس على ما هو غيرضروري، كالجاه، و الصيت، و التصدر فيالمجالس، و المباهاة في العلم. فمن غلب هذاالحب عليه، فلا محالة يغضب إذا زاحمهمزاحم على التصدر في المحافل. و من لا يحبذلك