و عقد اليمين لما فيه من الحظر و الايجاب تعظيما لحرمة اسم الله تعالى و الكافر ليس بأهل له قال لله تعالى فقاتلوا أئمة الكفر أنهم لا ايمان لهم و الاستحلاف في المظالم و الخصومات لانه من أهل مقصودها و هو النكول أو الاقرار و انعقاد يمينه بالطلاق و العتاق لانه من أهلها تنجيزا فأما هذه اليمين موجبها البر لتعظيم اسم الله و الكافر ليس من أهل و بعد الحنث موجبها الكفارة و الكافر ليس بأهل لها لان الكفارة كاسمها ستارة للذنب قال الله تعالى ان الحسنات يذهبن السيئات و معنى العقوبة في الكفارة صورة فأما من حيث المعنى و الحكم المقصود منها العبادة ألا ترى أنه يأنى بها من أن تقام عليه كرها و انها تتأدى بالصوم الذي هو محض العبادة و لا تأدى الابنية العبادة و المقصود بها التطهر كما بينا بخلاف الحدود فانها تقام خزيا و عذابا و نكالا و معنى التكفير بها إذا جاء تائبا مستسلما مؤثرا عقوبة الدنيا على عقوبة الآخرة كما فعله ماعز رضى الله عنه فلهذا يستقيم اقامتها على الكافر بطريق الخزى و النكال رجل أعتق رقبة عن كفارة يمينه ينوى ذلك بقلبه و لم يتكلم بلسانه و قد تكلم بالعتق أجزأه لان النية عمل القلب و يتأدى به سائر العبادات فكذلك الكفارات لان اشتراط النية فيها لمعنى العبادة و هو معنى قوله صلى الله عليه و سلم ان الله لا ينظر إلى صوركم و أعمالكم و انما ينظر إلى قلوبكم ( قال ) و لا يجوز التكفير بعد اليمين قبل الحنث عندنا و قال الشافعي رحمه الله تعالى يجوز بالمال دون الصوم و ان كان يمينه على معصية فله في جواز التكفير قبل الحنث وجهان احتج بقوله تعالى و لكن يؤاخذ كم بما عقدتم الايمان فكفارته و حرف الفآء للتعقيب مع الوصل فيقتضى جواز أداء الكفارة موصولا بعقد اليمين و قال صلى الله عليه و سلم من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليكفر يمينه و ليأت الذي هو خير و في رواية فليكفر ثم ليأت بالذي هو خير و هذا تنصيص على الامر بالتكفير قبل الحنث و أقل أحواله أن يفيد الجواز و لان السبب للكفارة اليمين فانها تضاف إلى اليمين و الواجبات تضاف إلى أسبابها حقيقة و من قال على يمين تلزمه الكفارة باعتبار أن التزام السبب يكون كناية عن الواجب به و الدليل عليه اليمين بالطلاق فالسبب هناك اليمين دون الشرط حتى يكون الضمان على شهود اليمين دون شهود الشرط فكذلك اليمين بالله تعالى و إذا ثبت هذا فنقول أداء الحق المالي بعد وجود سبب الوجوب قبل الوجوب جائز كأداء الزكاة بعد كمال النصاب قبل الحول و أما البدني لا يجوز الابعد تقرر
(148)
الوجوب لان التكفير بالصوم للضرورة و لا ضرورة قبل تقرر الوجوب و لان هذه كفاره مالية توقف وجوبها على معنى فيجوز أداؤها قبله ككفارة القتل في الآدمى و الصيد إذا جرح مسلما ثم كفر بالمال قبل زهوق الروح أو جرح المحرم صيدا ثم كفر قبل موته يجوز بالمال بالاتفاق ( و حجتنا ) في ذلك قوله صلى الله عليه و سلم لا تسأل الامارة فانك ان أعطيتها عن مسألة وكلت إليها و ان أعطيتها من مسألة أعنت عليها و إذا حلفت على يمين و رأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير و كفر عن يمينك و ما رواه الشافعي رحمه الله تعالى محمول على التقديم و التأخير بدليل ما روينا و هذا لمعنيين أحدهما أن الامر يفيد الوجوب حقيقة و لا وجوب قبل الحنث بالاتفاق و الثاني ان قوله فليكفر أمر بمطلق التكفير و لا يجوز مطلق التكفير الابعد الحنث اما قبل الحنث يجوز عنده بالمال دون الصوم و ليس من باب التخصيص لان ما يكفر به ليس في لفظه و التخصيص في الملفوظ الذي له عموم دون ما يثبت بطريق الاقتضاء و المعنى فيه أن مجرد اليمين ليس بسبب لوجوب الكفارة لان أدنى حد السبب أن يكون مؤديا إلى الشيء طريقا له و اليمين مانعة من الحنث محرمة له فيكف تكون موجبة لما يجب بعد الحنث ألا ترى أن الصوم و الاحرام لما كان مانعا مما يجب به الكفارة و هو ارتكاب المحظور لم يكن نفسه سببا لوجوب الكفارة بخلاف الجرح فانه طريق يقضى إلى زهوق الروح و بخلاف كمال النصاب فانه تحقق الغنى المؤدي إلى النماء الذي به يكون المال سببا لوجوب الزكاة و لان الكفارة لا تجب الا بعد ارتفاع اليمين فان بالحنث اليمين يرتفع و ما يكون سببا للشيء فالوجوب يترتب على تقرره لا على ارتفاعه و الدليل عليه أن اليمين ليست بسبب التكفير بالصوم حتى لا يجوز اداؤه قبل الحنث و بعد وجوب السبب الاداء جائز ماليا كان أو بدنيا الا ترى أن صوم المسافر في رمضان يجوز لوجود السبب و ان كان الاداء متأخرا إلى أن يدرك عدة من أيام أخر و اضافة الكفارة إلى اليمين لانها تجب بحنث بعد اليمين كما تضاف الكفارة إلى الصوم و الاحرام بهذا الطريق و لئن سلمنا أن اليمين سبب فالكفارة انما تجب خلفا عن البر الواجب ليصير عند أدائها كانه تم على بره و لا معتبر بالخلف في حال بقاء الواجب و قبل الحنث ما هو الاصل باق و هو البر فلا تكون الكفارة خلفا كما لا يكون التيمم طهاره مع القدرة على الماء يقرره أن الكفارة توبة كما قال الله تعالى في كفارة القتل توبة من الله و التوبة قبل الذنب لا تكون و هو في عقد اليمين معظم حرمة
(149)
اسم الله تعالى فأما الذنب في هتك حرمة اسم الله تعالى فالتكفير قبل الحنث بمنزلة الطهارة قبل الحدث بخلاف كفارة القتل فانه جزاء جنايته و جنايته في الجرح اذن لاصنع له في زهوق الروح و بخلاف الزكاة لانه شكر النعمة و النعمة المال دون مضى الحول فكان حولان الحول تأجيلا فيه و التأجيل لا ينفي الوجوب فكيف ينفي تقرر السبب ( قال ) و إذا أعتق عبدا عند الموت عن كفارة يمينه و ليس له مال غيره عتق من ثلثه و يسعى في ثلثي قيمته لان ما يباشره المريض من العتق كالمضاف إلى ما بعد الموت و لو أوصى به بعد الموت كان معتبرا من ثلثه على ما بيناه في الزكاة و سائر الحقوق الواجبة لله تعالى و إذا لم يكن له له مال سواه فقد لزمه السعاية في ثلثي قيمته و كان هذا عتقا بعوض فلا يجزيه عن الكفارة و كذلك ان أعتقه في صحته على مال قليل أو كثير لان العتق بمال لا تمحض قربة و الكفارة لا تتأدى الا بما هو قربة فان أبرأه من المال بعد ذلك لم يجز عن كفارته لان أصل العتق وقع مجزئ عن الكفار و الابراء عن المال بعد ذلك إسقاط للدين و لا مدخل له في الكفارت فهلذا لا يجزيه و الله سبحانه و تعالى أعلم بالصواب ( باب الاطعام في كفارة اليمين ) ( قال ) رضى الله تعالى عنه بلغنا عن عمر رضى الله عنه انه قال لمولى له أرقا و فى رواية ( 1 ) برقا انى أحلف على قوم ان لا أعطيهم ثم يبدو لي فأعطيهم فإذا أنا فعلت ذلك فأطعم عني عشرة مساكين كل مسكين نصف صاع من حنطة أو صاعا من تمر و فى هذا دليل انه لا بأس للانسان ان يحلف مختارا بخلاف ما يقوله المتشفعة ان ذلك مكروه بظاهر قوله و لا تجعلوا الله عرضة لايمانكم و لكنا نقول قد حلف رسول الله صلى الله عليه و سلم مرة من ضرورة كانت له في ذلك و تأويل تلك الآية انه يجازف في الحلف من مراعاة البر و الحنث و فيه دليل على ان الحالف إذا رأى الحنث خيرا يجوز له ان يحنث نفسه و قد روينا فيه حديث عبد الرحمن بن سمرة و فى حديث أبى مالك الاشعرى رحمه الله تعالى قال اتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في نفر من الاشعريين نستحمله فحلف أن لا يحملنا ثم رجع قوم من عنده بخمس ذود و قالوا حملنا عليها فقلت لعله نسى يمينه فاتيته فاخبرته بذلك فقال انى أحلف ثم أري غيره خيرا منه فاتحلل يمينى و فيه دليل ان أو ان التكفير ما بعد الحنث كما هو مذهبنا و أن
(150)
ما روى فليكفر يمينه و ليأت الذي هو خير محمول على التقديم و التأخير و كذلك قوله ثم يأت بالذي هو خير لان ثم قد تكون بمعنى الواو قال الله تعالى ثم كان من الذين آمنوا أى و كان ثم الله شهيد أى و الله شهيد و فيه دليل أن التوكيل بالتكفير جائز بخلاف ما يقوله بعض الناس أنه لا توكيل في العبادة أصلا لظاهر قوله تعالى و ان ليس للانسان لا ما سعى و لكنا نقول المقصود فيما هو مالى الابتداء بإخراج جزء من المال عن ملكه و ذلك يتحقق بالنائب و فيه دليل أن الوظيفة لكل مسكين نصف صاع من حنطة أو صاع من تمر أو صاع من شعير و هكذا روى عن عائشة و ابن عباس رضى الله عنهم و ذكر بعده عن على رضى الله عنه نصف صاع من حنطة و قد بينا هذه المسألة في كتاب الظهار و كفارة ليمين مثله و قد بينا ان دقيق الحنطة nو سويقها بمنزلة الحنطة لان ما هو المقصود يحصل للفقير بهما مع سقوط مؤنة الطحن عنه و قد بينا ان طعام الاباحة تتأدى به الكفارة عندنا و المعتبر فيه اكلتان مشبعتان سواء كان خبز البر مع الطعام أو بغير ادام و ان أعطى قيمة الطعام يجوز فكذلك في كفارة اليمين و كذلك ان غدا هم و أعطاهم قيمة العشاء اعتبارا للبعض بالكل و هذا لان المقصود واحد و قد أتى من كل وظيفة بنصفه و ان غدا هم و عشاهم و فيهم صبي فطم أو فوق ذلك شيئا لم يجز لانه لا يستوفى كمال الوظيفة كما يستوفيه البالغ و عليه طعام مسكين واحد مكانه فان أعطى عشرة مساكين كل مسكين مدا من حنطة فعليه ان يعيد عليهم مدا مداوان لم يقدر عليهم استقبل الطعام لان الواجب لا يتأدي الابايصال وظيفة كاملة إلى كل مسكين و ذلك نصف صاع من حنطة و ذكر هشام عن محمد رحمهما الله أنه لو أوصى بأن يطعم عنه عشرة مساكين في كفارة يمينه فغدى الوصي عشرة مساكين ثم ماتوا قبل ان يعشيهم فعليه الاستقبال لان الوظيفة في طعام الاباحة الغداء و العشاء فلا يتأدى الواجب الاباتصال وظيفة كاملة إلى كل مسكين و لا يكون الوصي ضامنا لما أطعم لانه فيما صنع كان ممتثلا لامره و كان بقاؤهم إلى أن يعشيهم ليس في وسعه و لو كان أوصى بأن يطعم عنه عشرة مساكين غداء و عشاء و لم يذكر الكفارة فغدى الوصي عشرة فماتوا فانه يعشى عشرة أخرى و يكفي ذلك لان الموصى به أكلتان فقط دون إسقاط الكفارة بهما و قد وجد بخلاف الاول ثم قد بينا في باب الظهار أن المسكين الواحد في الايام المتفرقة كالمساكين عندنا و عند تفريق الدفعات في يوم واحد فيه اختلاف بين المشايخ فكذلك في اليمين و بينا هناك أن إطعام فقراء أهل
(151)
الذمة في الكفارة يجوز في قول أبى حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى خلافا لابى يوسف و الشافعي رحمهما الله تعالى و قد روى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى الفرق بين المنذور و الكفارة فقال إذا نذر إطعام عشرة مساكين فله أن يطعم فقراء أهل الذمة انما ليس له أن يطعم في الكفارة فقراء أهل الذمة اعتبارا لما أوجب الله عليه من الكفارة بالزكاة و قد بينا أنه يجوز صرف الكفارة إلى من يجوز صرف الزكاة اليه و لو أطعم خمسة مساكين و كسا خمسة مساكين أجزأه ذلك من الطعام ان كان الطعام أرخص من الكسوة و ان كانت الكسوة أرخص من الطعام لم يجزأ ما لا يجزئ كل واحد منهما عن نفسه لان المنصوص عليه ثلاثة أنواع فلو جوزتا إطعام خمسة مساكين و كسوة خمسة مساكين كان نوعا رابعا فيكون زيادة على المنصوص و هذا بخلاف ما اذ أدى إلى كل مسكين مدا من حنطة و نصف صاع من شعير لان المقصود واحد و هو سد الجوعة فلا يصير نوعا رابعا فأما المقصود من الكسوة المقصود من الطعام ألا يرى أن الاباحة تجزي في أحدهما دون الآخر و لو جوزنا النصف من كل واحد منهما كان نوعا رابعا ثم مراده من هذه المسألة إذا أطعم خمسة مساكين بطريق الاباحة و التمكين دون التمليك فان التمليك فوق التمكين و إذا كان الطعام أرخص من الكسوة أمكن اكمال التمكين بالتمليك فتجوز السكوة مكان الطعام و ان كانت الكسوة أرخص لا يمكن اقامة الطعام مقام السكوة لان التمكين دون التمليك و فى الكسوه التمليك معتبر فلا يمكن اقامة الكسوة مقام الطعام لانه ليس فيهما وفاء بقيمة الطعام فأما إذا ملك الطعام خسمة مساكين و كسا خمسة مساكين فانه يجوز على اعتبار انه ان كان الطعام ارخص تقام الكسوة مقام الطعام و ان كانت الكسوة أرخص يقام الطعام مقام الكسوة لوجود التمليك فيها اليه أشار في باب الكسوة بعد هذا و لو أطعم خمسة مساكين ثم افتقر كان عليه أن يستقبل الصيام لان الكمال الاصل بالبدل ممكن فانهما لا يجتمعان و ليس له أن يسترد من المساكين الخمسة ما أعطاهم لانها صدقة قد تمت بالوصول إلى يد المساكين و من كانت له دار يسكنها أو ثوب يلبسه و لا يجد شيئا سوى ذلك اجزأه الصوم في الكفارة لان المسكن و الثياب من أصول حوائجه و ما لا بد منه فلا يصير به واجدا لما يكفر به بخلاف ما لو كان له عبد يخدمه فان ذلك ليس من أصول الحوائج ألا ترى ان كثيرا من الناس يتعيش من
(152)
خادم له و لان الرقبة منصوص عليها فمع وجود المنصوص عليه في ملكه لا يجزيه الصوم و في الكتاب علل فقال لان الصدقة تحل له و هذا يؤيد مذهب أبى يوسف رحمه الله الذي ذكره في الامالي أنه إذا كان الفاضل من حاجته دون ما يساوي مائتين يجوز له التكفير بالصوم لان الصدقة تحل له فلا يكون موسرا و لا غنيا فاما ظاهر المذهب أنه إذا كان يملك فضلا عن حاجته مقدار ما يكفر به لا يجوز له التكفير بالصوم لان المنصوص عليه الوجود دون الغنى و اليسار قال الله تعالى فمن لم يجد و هذا واجد و قد بينا في كتاب الاعتاق أن المعتبر في وجوب الضمان ملكه مقدار ما يؤدى به الضمان و ان كان اليسار منصوصا عليه هناك فهنا أولى و بينا في الظهار أنه لو أعطى كل مسكين صاعا عن ظهارين لا يجزيه إلا عن أحدهما في قول أبى حنيفة و أبى يوسف رحمهما الله تعالى بخلاف ما إذا اختلف جنس الكفارة فكذلك في كفارة اليمين و ان أعطي عشرة مساكين ثوبا عن كفارة يمين لم يجزه عن الكسوة لان الواجب عليه لكل مسكين كسوته و هو ما يصير به مكتسيا و بعشر الثوب لا يكون مكتسيا و يجزى من الطعام إذا كان الثوب يساويه و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يجزيه الا بالنية لانه يجعل الكسوة بدلا عن الطعام و هو انما نواه بدلا عن نفسه فلا يمكن جعله يد لا عن غيره الابنية وجه ظاهر الرواية أنه ناو للتكفير به و ذلك يكفيه كما لو أدى الدراهم بنية الكفارة يجزيه و ان لم ينو أن يكون بدلا عن الطعام الا أن أبا يوسف يقول الدارهم ليست بأصل فأداؤها بنية الكفارة يكون قصدا إلى البدل فاما الكسوة أصل فأداؤها بنية الكفارة لا يكون قصدا إلى جعلها بدلا عن الطعام و لكنا نقول عشر الثوب ليس بأصل في الكسوة لكل مسكين فهو و اداء الدراهم سواء مسلم حلف على يمين ثم ارتد ثم أسلم فحنث فيها لم يلزمه شيء لانه بالردة التحق بالكافر الاصلى و لهذا حبط عمله قال الله تعالى و من يكفر بالايمان فقد حبط عمله و كما ان الكفر الاصلى ينافى الاهلية لليمين الموجبة للكفارة فكذلك الردة تنافي بقاء اليمين الموجبة للكفارة و إذا جعل الرجل لله على نفسه إطعام مسكين فهو على ما نوى من عدد المساكين وكيل الطعام لان المنوي من محتملات لفظه و هو شيء بينه و بين ربه و ان لم يكن له نيه فعليه طعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من حنطة اعتبارا لما يوجبه على نفسه بما أوجب الله عليه من إطعام المساكين و أدنى ذلك عشرة مساكين في كفارة اليمين الا انه ان قال في نذره إطعام المساكين فليس له ان
(153)
يصرف الكل إلى مسكين واحد جملة و ان قال طعام المساكين فله ذلك لان بهذا اللفظ يلتزم مقدارا من الطعام و باللفظ الاول يلتزم الفعل لان الاطعام فعل فلا يتأدى الا بأفعال عشرة و يعطى من الكفارة من له الدار و الخادم لانهما يزيدان في حاجته فالدار تسترم و الخادم يستنفق و قد بينا انه يجوز صرف الزكاة إلى مثله فكذلك الكفارة و ان أوصى بأن يكفر عنه يمينه بعد موته فهو من ثلثه لانه لا يجب أداؤه بعد الموت الا بوصية و محل الوصية الثلث ثم ذكر الاختلاف في مقدار الصاع و قد بيناه في صدق الفطر و الله سبحانه و تعالى أعلم بالصواب ( باب الكسوة ) ( قال ) رضى الله تعالى و الكسوة ثوب لكل مسكين إزار أو رداء أو قميص أو قباء أو كساء هكذا نقل عن الزهري في قوله تعالى أو كسوتهم أنه الازار فصاعدا من ثوب تام لكل مسكين و عن ابن عباس رضى الله عنه قال لكل مسكين ثوب و يعطى في الكسوة القباء و الذى روى عن أبى موسي الاشعرى أنه كان يعطى في كفارة اليمين لكل مسكين ثوبين فانما يقصد التبرع بأحدهما فأما الواحد يتأدى به الواجب هكذا نقل عن مجاهد رحمه الله تعالي قال أدناه ثوب لكل مسكين و أعلاه ما شئت و هذا لان الكسوة ما يكون المرء به مكتسيا و بالثوب الواحد يكون مكتسيا حتى يجوز له أن يصلى في ثوب واحد و إذا كان في ثوب واحد فالناس يسمونه مكتسيا لا عاريا و المراد بالازار الكبير الذي هو كالرداء فأما الصغير الذي لا يتم به ستر العورة لا يجزى و لو كسا كل مسكين سراويل ذكر في النوادر عن محمد رحمه الله تعالى أنه يجزئه لانه يكون به مكتسيا شرعا حتى تجوز صلاته فيه و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يجزئه من الكسوة لان لابس السراويل وحده يسمى عريانا لا مكتسيا الا أن تبلغ قيمته قيمة الطعام فيحئد يجزئه من الطعام إذا نواه و لو أعطي كل مسكين نصف ثوب لم يجزه من الكسوة لان الاكتساء به لا يحصل و لكنه يجزى من الطعام إذا كان نصف ثوب يساوى نصف صاع من حنطة و لو كسا كل مسكين قلنسوة أو أعطاه نعلين أو خفين لا يجزيه من الكسوة لان الاكتساء به لا يحصل و ان أعطى كل واحد منهم عمامة فان كان ذلك يبلغ قميصا أو رداء أجزأه و الا لم يجزه من الكسوة لان العمامة كسوة