الموضع خروجا من الدار على ما بينا ان الواصل إلى هذا الموضع يكون داخلا في الدار فلا تصير هى خارجة من الدار بالوصول اليه و الله أعلم بالصواب ( باب الاكل ) ( قال ) و إذا حلف لا يأكل طعاما أولا يشرب شرابا فذاق شرابا من ذلك و لم يدخله حلقه لم يحنث لانه عقد يمينه على فعل الاكل و الشرب و الذوق ليس بأكل و لا شرب فان الاكل إيصال الشيء إلى جوفه بفيه مهشوما أو مهشوم أو غيره مهشوم ممضوغا أو ممضوغ مما يتأتى فيه الهشم و المضغ و الشرب أيضا إيصال الشيء إلى جوفه بفيه مما لا يتأتى فيه الهشم و المضغ في حال اتصاله و الذوق معرفة طعم الشيء بفيه من إدخال عينه في حلقه ألا ترى أن الصائم إذا ذاق شيئا لم يفطره و الاكل و الشرب مفطر له و متى عقد يمينه على فعل فاتى بما هو دونه لم يحنث و ان أتي بما هو فوقه حنيث لانه أتى بالمحلوف عليه و زيادة و ان كان قال لا أذوق حنث لوجود الذوق حقيقة و ان لم يدخله حلقه الا اذا تمضمض بماء فحينئذ لا يحنث لان قصده التطهير لا معرفة طعام الماء فلم يكن ذلك ذوقا و ان عني بالذوق الاكل في المأكول و الشرب في المشروب لم يحنث ما لم يدخله في حلقه لان المنوي من محتملات لفظه و فيه عرف ظاهر فان الرجل يقول ما ذقت اليوم شيئا أى ما أكلت و جاء في الحديث أنهم كانوا لا يتفرقون إلا عن ذوق فان نوى ذلك عملت نيته و ان لم تكن له نية فيمينه على حقيقة ذلك لان ذلك متعارف أيضا الا أنه روى هشام عن محمد رحمه الله تعالى أنه إذا تقدم ما يدل على ان مراده الاكل لا يحنث ما لم يأكل بأن قال تغد معي فحلف ان لا يذوق طعامه فيمينه على الاكل لان ما تقدم دليل عليه و ذلك فوق نيته و ان قال لا أذوق طعاما و لا شرابا بافذاق أحدهما حنث لانه كرر حرف النفي فتبين ان مراده نفى كل واحد منهما على الانفراد كما قال تعالى لا يسمعون فيها لغوا و لا تأثيما و كذلك لو قال لا آكل كذا و لا كذا أولا أكلم فلانا و لا فلانا و كذلك ان أدخل حرف أو بينهما لان في موضع النفي حرف أو بمعنى و لا قال الله تعالى و لا تطع منهم آثما أو كفورا يعنى و لا كفورا فصار كل واحد منهما كانه عقد عليه اليمين بانفراده بخلاف ما إذا ذكر حرف الواو بينهما و لم يعد حرف النفي لان الواو للعطف فيصير في المعنى جامعا بينهم و لا يتم الحنث الا بوجودهما و ان حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا
(176)
طريا أو مالحا لم يحنث الاعلى قول مالك رحمه الله تعالى فانه يحمل الايمان على ألفاظ القرآن و قد قال الله تعالى لتأكلوا منه لحما طريا و قد بينا بعد هذا و الدليل عليه أن من حلف لا يركب دابة ركب كافرا لا يحنث و قد قال ان شر الدواب عند الله الذين كفروا ثم معني اللحمية ناقص في السمك لان اللحم ما يتولد من الدم و ليس في السمك دم و مطلق الاسم يتناول الكامل و كذلك من حيث العرف لا يستعمل السمك استعمال اللحم في اتخاذ الباحات منه و بائع السمك لا يسمى لحاما و العرف في اليمين معتبر الا أن يكون نوى السمك فحينئذ تعمل نيته لانه لحكم من وجه و فيه تشديد عليه و هو نظير قوله كل إمرأة له طالق لا تدخل المختلعة فيه الا بالنية و كل مملوك له لا يدخل فيه المكاتب قال ألا ترى أنه أكل رئة أو كبدا لم يحنث و في رواية أبى حفص رضى الله تعالى عنه أو طحالا و ان أكل لحم غنم أو طير مشوى أو مطبوخ أو قديد حنث لان الماكول لحم مطلق ألا ترى أن معنى الغذاء تام فيه و يستوى في ذلك الحرام و الحلال حتى لو أكل لحم خنزير أو إنسان حنث لانه لا نقصان في معنى اللحمية فيه فان كمال معنى اللحمية بتولده من الدم و ما يحل و ما يحرم من الحيوانات و الطيور فيها دم ( قال ) و كذلك لو أكل شيئا من الرؤس فانما على الرأس لحم لا يقصد بأكله سوى أكل اللحم بخلاف ما لو حلف لا يشترى لحما فاشترى رأسا لم يحنث لان فعل الشراء لا يتم به بدون البائع و بائع الرأس يسمى رآسا لا لحاما فكذلك هولا يسمى مشتريا للحم بشراء الرأس فأما الاكل يتم به وحده فيعتبر فيه حقيقة المأكول و كذلك ان أكل شيئا من البطون كالكرش و الكبد و الطحال قيل هذا بناء على عادة أهل الكوفة فانهم يبيعون ذلك مع اللحم فأما في البلاد التي لا يباع مع اللحم عادة لا يحنث بكل حال و قيل بل يحنث بكل حال لانه يستعمل استعمال اللحم لاتخاذ المرقة و اللحم ما يتولد من الدم و الكبد و الطحال عينه دم فمعني اللحمية فيها أظهر و كذلك ان أكل شحم الظهر فانه لحم الا أنه سمين الا ترى أنه يباع مع اللحم و انه سمى سمين اللحم و لا يحنث في شحم البطن و الالية لانه ينفي عنه اسم اللحم و يقال انه شحم و ليس بلحم و لا يستعمل استعمال اللحم في اتخاذ الباحات و الالية كذلك فانه ليس بلحم و لا شحم بل له اسم خاص و فيه مقصود لا يحصل بغيره الا أن ينوى ذلك فيحنئذ عمل نيته لانه من محتملات لفظه و فيه تشديد عليه و لو حلف لا يأكل اداما و لا نية له فالادام الخل و الزيت و اللبن و الزبد و أشباه ذلك مما يصطبغ الخبز به و يختلط
(177)
به فأما الجبن و المسك و البيض و اللحم فانه ليس بادام في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و هو الظاهر من قول أبى يوسف رحمه الله تعالى و على قول محمد رحمه الله تعالى و هو رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى في الامالي و روى هشام عنه أن الجواز اليابس إدام كالجبن وجه قول محمد رحمه الله تعالى أن الا دام ما يؤكل مع الخبز غالبا فانه مشتق من المؤادمة و هو الموافقة قال صلى الله عليه و سلم للمغيرة بن شعبة لو نظرت إليها فانه أحرى أن يؤدم بينكما أى يوفق فما يؤكل مع الخبز غالبا فهو موافق له فيكون اداما و قال صلى الله عليه و سلم سيد ادام أهل الجنة اللحم و أخذ لقمة بيمينه و تمرة بشماله و قال هذه ادام هذه فعرفنا أن ما يوافق الخبز في الاكل فهو ادام الا أنا خصصنا ما يؤكل غالبا وحده كالبطيخ و التمر و العنب لان الا دام تبع فما يؤكل وحده غالبا لا يكون تبعا فأما الجبن و البيض و اللحم لا يؤكل وحده غالبا فكان اداما و لكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى قال الا دام تبع و لكن حقيقة التبعية فيما يختلط بالخبز و لا يحتاج إلى أن يحمل معه كالخل فان النبي صلى الله عليه و سلم قال نعم الا دام الخل فما يصطبغ به فهو بهذه الصفة فأما اللحم و الجبن و البيض يحمل مع الخبز فلا يكون إداما و ان كان قد يؤكل معه كالعنب توضيحه أن الا دام ما لا يتأتى أكله وحده كالملح فانه ادام و الخل و اللبن لا يتأتى فيه الاكل وحده لان ذلك يكون شربا لا أكلا فعرفنا أنه ادام فأما اللحم و الجبن و البيض يتأتي الاكل فيها وحدها فلم تكن اداما الا ان ينوى ذلك فتعمل نيته لما فيه من التشديد عليه و لو حلف لا يأكل طعاما ينوى طعاما بعينه أو حلف لا يأكل لحما ينوى لحما بعينه فأكل ذلك لم يحنث الا انه إذا كانت يمينه بالطلاق يدين فيما بينه و بين الله تعالى و لا يدين في القضاء لانه نوى التخصيص في اللفظ العام لانه ذكر الطعام منكرا في موضع النفي و النكرة في موضع النفي تعم و ان قال لا آكل و عني طعاما دون طعام لم يدين في القضاء و لا فيما بينه و بين الله تعالى عندنا و عند الشافعي رحمه الله تعالى هذا و الاول سواء لان الاكل يقتضى مأكولا فكأنه صرح بذكر الطعام و هو بناء على أصله ان الثابت بمقتضى اللفظ كالملفوظ فأما عندنا لا عموم للمقتضي و نية التخصيص انما تصح فيما له عموم دون ما لا عموم له فالأَصل عندنا أنه متى ذكر الفعل و نوى التخصيص في المفعول أو الحال أو الصفة كانت نيته لغوا لانه تخصيص ما لا لفظ له أما نية التخصيص في المفعول كما بينا و نية التخصيص في الحال بأن يقول لا أكلم هذا الرجل و هو قائم بين يديه و نوي
(178)
حال قيامه فنيته لغو بخلاف ما لو قال هذا الرجل القائم و هو ينوي حال قيامه فان نيته تعمل فيما بينه و بين الله تعالى و تخصيص الصفة ان يقول لا أتزوج إمرأة و هو ينوى كوفية أو بصرية فان نيته لغو و لو نوى عربية أو حبشية عملت نيته فيما بينه و بين الله تعالى لانه نوى التخصيص في الجنس و ذلك في لفظه و لو حلف لا يأكل شواء و لا نية له فهو على اللحم خاصة ما لم ينو غيره لان الناس يطلقون هذه اللفظة على اللحم عادة دون الفجعل و الجزر المشوي ألا ترى أن الشوا اسم لمن يبيع اللحم المشوي فمطلق لفظه ينصرف اليه للعرف الا أن ينوى كل ما يشوى من بيض أو غيره فتعمل نيته لما فيه من التشديد عليه و لو حلف لا يأكل رأسا قال فهذا على رؤوس البقر و الغنم و هذا لانا نعلم أنه لم يرد رأس كل شيء و ان رأس الجراد و العصفور لا يدخل في هذا و هو رأس حقيقة فإذا علمنا أنه لم يرد الحقيقة وجب اعتبار العرف و هو الرأس الذي يشوى في التنانير و يباع مشويا فكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أولا يدخل فيه رأس الابل و البقر و الغنم لانه رأس عادة أهل الكوفة فانهم يفعلون ذلك في هذه الرؤس الثلاثة ثم تركوا هذه العادة فرجع و قال يحنث في رأس البقر و الغنم خاصة ثم ان أبا يوسف و محمد رحمهما الله تعالى شاهدا عادة أهل بغداد و سائر البلدان أنهم لا يفعلون ذلك الا في رأس الغنم خاصة فقالا لا يحنث الا في رؤوس الغنم فعلم أن الاختلاف اختلاف عصر و زمان لا اختلاف حكم و بيان و العرف الظاهر أصل في مسائل الايمان و ان حلف لا يأكل بيضا فهو على بيض الطير من الدجاجة و الاوز و غيرهما و لا يدخل بيض المسك و نحوه فيه الا ان ينويه لانا نعلم أنه لا يراد بهذا بيض كل شيء فان بيض الدود لا يدخل فيه فانما يحمل على ما يطلق عليه اسم البيض و يؤكل عادة و هو كل بيض له قشر كبيض الدجاجة و نحوها و ان حلف لا يأكل طبيخا فهو على اللحم خاصة ما لم ينو استحسانا و فى القياس يحنث في اللحم و غيره مما هو مطبوخ و لكن الاخذ بالقياس يفحش فان المسهل من الدواء مطبوخ و نحن نعلم أنه لم يرد ذلك فحملناه علي أخص الخصوص و هو اللحم لانه هو الذي يطبخ في العادات الظاهرة فان الطبيخ في العادة ما يتخذ من الالوان و الباحات و هو الذي يسمى متخذ ذلك طباخا فأما من يطبخ الآجر لا يسمى طباخا قالوا و انما يحنث إذا إذا أكل اللحم المطبوخ فأما المقلية اليابسة فلا و ما طبخ بالماء إذا أكل المرقة مع الخبز يحنث و ان لم يأكل عين اللحم لان أجزاء اللحم فيه و لان تلك المرقة تسمى طبيخا و إذا حلف لا يأكل
(179)
فاكهة فأكل عنبا أو رطبا أو رمانا لم يحنث في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و يحنث قول أبى يوسف و محمد رحمهما الله تعالي لان الفاكهة ما يؤكل على سبيل التفكه و هو التنعم و هذه الاشياء أكمل ما يكون من ذلك و مطلق الاسم يتناول الكامل و كذلك الفاكهة ما يقدم بين يدى الضيفان للتفكه به لا للشبع و الرمان و الرطب من أنفس ذلك كالتين و أبو حنيفة رحمها الله تعالى يقول هذه الاشياء الفاكهة قال الله تعالى فيهما فاكهة و نخل و رمان و قال الله تعالى و قضبا و زيتونا و نخلا و حدائق غلبا و فاكهة و أبا فتارة عطف الفاكهة على هذه الاشياء و تارة عطف هذه الاشياء على الفاكهة و الشئ لا يعطف على نفسه مع أنه مذكور في موضع المنة و لا يليق بالحكمة ذكر الشيء الواحد في موضع المنة بلفظين ثم الاسم مشتق من التفكه و هو التنعم قال الله تعالى انقلبوا فكهين أى متنعمين و ذلك معنى زائد على ما به القوام و البقاء و العنب و الرطب يتعلق بهما القوم و قد يجتزى بهما في بعض المواضع و الرمان كذلك في الادوية فلا يتناولها مطلق اسم الفاكهة ألا ترى أن يابس هذه الاشياء ليس من الفواكة فان الزبيب و التمر قوت وحب الرمان من التوابل دون الفواكة و ما يكون رطبه من الفواكة فيابسه من الفواكة أيضا كالتين و المشمش و الخوخ و ما لا يكون يابسه من الفواكة فرط به لا يكون من الفواكة كالبطيخ فانه يقدم مع الفواكة بين يدى الضيفان و لا يتناوله اسم الفاكهة و أما القثاء و الفول و الجزر ليس من الفواكة انما هى من البقول و التوابل بعضها يوضع على المائدة مع البقل و بعضها يجعل في القدر مع التوابل قال و يدخل في الفاكهة اليابسة اللوز و الجوز و أشباه ذلك و قد بينا أن أبا يوسف رحمه الله تعالى يجعل الجواز اليابس من الا دام دون الفاكهة لانه لا يتفكه به عادة انما يأكل مع الخبز كالجبن أو يجعل مع التوابل في القدر و لكن في ظاهر الرواية يقول رطب الجوز من الفواكة فكذلك يابسه للاصل الذي بينا و ان حلف لا يأكل طعاما فأكل خبزا أو فاكهة أو ذلك حنث و مراده أو ذلك مما يسمى طعاما عادة دون ماله طعم حقيقة فان كل أحد يعلم أنه لا يريد السقمونيا بهذا اللفظ و له طعم عرفنا أن مراده ما يسمى في العدة طعاما و يؤكل على سبيل التطعم و لو حلف ليأكلن هذا الطعام اليوم فأكله غيره في اليوم لم يحث في قول أبى حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و قال أبو يوسف رضي الله تعالى عنه يحنث إذا غابت الشمس و الاصل فيه أن اليمين إذا كانت مؤقتة بوق فانعقادها موجبا للبر في آخر
(180)
ذلك اليوم الا ان عند أبى يوسف رحمه الله تعالى وجود ما حلف عليه ليس بشرط لانعقاد اليمين حتى إذا قال لا شربن الماء الذي في هذا الكوز و لا ماء فيه تنعقد اليمين فكذلك هنا انعدام الطعام في آخر اليوم عنده لا يمنع انعقاد اليمين فإذا انعقدت و تحقق فوت شرط البر حنث فيها و عند أبى حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى انعدام ما حلف عليه يمنع انعقاد اليمين كما في مسألة الشرب فلا ينعقد اليمين هنا لما انعدم الطعام في آخر الوقت و هذا لان شرط حنثه ترك أكل الطعام في آخر جزء من أجزاء اليوم و لا يتصور ذلك إذا لم يبق الطعام و قد بينا ان بدون توهم البر لا ينعقد اليمين و ان لم يكن وقت فيه وقتا حنث لان اليمين انعقدت في الحال لتوهم البر فيها لكون الطعام قائما في الحال ثم فات شرط البر بأكل الغير إياه فيحنث ( قال ) و كذلك ان مات الحالف قبل أن يأكله و الطعام قائم بعينه لان شرط البر قد فات بموته و كذلك ان مضت المدة و هي حى و الطعام قائم لان شرط البر فعل الاكل في الوقت و قد تحقق فوته بمضي الوقت فحنث في يمينه و على هذا لو حلف ليقضين حق فلان غدا فقضاه اليوم لم يحنث في قوم أبى حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و يحنث عند أبى يوسف رحمه الله تعالى كما جاء الغد لان عنده كما جاء الغد انعقدت اليمين فان عدم المحلوف عليه لا يمنع انعقاد اليمين عنده و ان حلف لا يأكل من طعام اشتراه فلان فأكل من طعام اشتراه فلان مع آخر حنث لان ما اشتراه فلان من ذلك طعام و قد أكله فان كل جزء من الطعام يسمى طعاما بخلاف ما لو حلف لا يسكن دارا اشتراها فلان فسكن دارا اشتراها فلان و آخر معه لان نصف الدار لا يسمى دارا الا أن يكون نوى في الطعام أن يشترى هو وحده فتعمل نيته لانه نوى التخصيص في اللفظ العام فان شراء الطعام قد يكون وحده و قد يكون مع غيره و كذلك لو حلف لا يأكل من طعام يملكه فلان بخلاف ما لو حلف لا يلبس ثوبا لفلان أو ثوبا اشتراه فلان لان اسم الثوب للكل و بعض الثوب ليس بثوب ألا ترى أنه لو قال هذا الثوب لفلان و هو بينه و بين آخر كان كذبا و لو قال هذا الطعام لفلان و هو يعنى نصفه كان صدقا و لو حلف لا يأكل من هذا الدقيق شيئا فأكل خبزه حنث لان عين الدقيق لا يؤكل عادة فتنصرف يمينه إلى ما يتخذ منه كما لو حلف لا يأكل من هذه النخلة و اختلف مشايخنا فيما لو أكل عين الدقيق فمنهم من يقول يحنث لانه أكل الدقيق حقيقة و العرف و ان اعتبر فالحقيقة لا تسقط به و هذا لان عين الدقيق مأكول و الاصح أنه
(181)
لا يحنث لان هذه حقيقة مهجورة و لما انصرفت اليمين إلى ما يتخذ منه للعرف يسقط اعتبار الحقيقة كمن قال للاجنبية ان نكحتك فعبدي حر فزنى بها لم يحنث لانه لما انصرف إلى العقد لم يتناول حقيقة الوطء و ان كان عني أكل الدقيق بعينه لم يحنث بأكل الخبز لانه نوى حقيقة كلامه و لو حلف لا يأكل من هذه الحنطة شيئا فان نوى يأكلها حبا كما هو فأكل من خبزها أو سويقها لم يحنث لان المنوي حقيقة كلامه فهو كالملفوظ و ان لم يكن له نية فأكل من خبزها لم يحنث في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى و يحنث في قول أبى يوسف و محمد رحمهما الله تعالى قال في الكتاب يمينه على ما يصنع منها و هذا اشارة إلى أن عندهما لو أكل من عينها لم يحنث و لكن ذكر في الجامع الصغير و ان أكل من خبزها يحنث عندهما أيضا فهذا يدل على أنه يحنث بتناول عين الحنطة عندهما و هو الصحيح وجه قولهما ان أكل الحنطة في العادة هكذا يكون فانك تقول أكلنا أ وجود حنطة في الارض تريد الخبز و يقال أهل بلدة كذا يأكلون الحنطة و أهل بلده كذا يأكلون الشعير و المراد الخبز الا أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى يقول عين الحنطة مأكول عادة فانها تقلى فتؤكل و تغلى فتوكل و يتخذ منها الهريسة و من انعقدت يمينه على أكل عين مأكولة ينصرف يمينه إلى أكل عينه دون ما يتخذ منه كالعنب و الرطب و هذا لان لكلامه حقيقة مستعملة و مجازا متعارفا و لا يراد باللفظ الواحد الحقيقة و المجاز لان المجاز مستعار و الثوب الواحد في حالة واحدة لا يتصور ان يكون ملكا و عارية فإذا كانت الحقيقة مرادة هنا يتنحى المجاز و هما لا ينكران هذا الاصل و لكنهما يقولان إذا أكل الحنطة انما يحنث باعتبار عموم المجاز لا باعتبار الحقيقة و قد بينا نظائره في وضع القدم و غيره ( قال ) و إذا أكل من سويقها لم يحنث في قول أبى حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى و كذلك قول محمد أيضا لان الموجود في الحنطة لبها و هو ما يصير بالطحن دقيقا و من أصل أبى يوسف و محمد رحمهما الله تعالى ان السويق جنس آخر و لهذا جواز بيع السويق بالدقيق متفاضلا فما تناول ليس من جنس ما كان موجودا في الحنطة التي عينها فلا يحنث و عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يمينه تناولت الحقيقة فلا يحنث بأكل السويق و ان حلف لا يأكل من هذا الطلع شيئا فأكل منه بعد ما صار بسرا لم يحنث لان الطلع عينه ماكول و متى عقد يمينه على أكل ما تؤ كل عينه لا ينصرف يمينه إلى ما يكون منه ثم البسر ليس من جنس الطلع ألا تري أن بيع البسر