و سعدا آخر رضى الله عنهما ليبيعا غنائم بذهب فباعاها كل أربعة مثاقيل ذهب تبرأ بثلاث مثاقيل عينا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه و سلم اريتما فردا و فيه دليل ان للامام ولاية بيع الغنائم و قسمة الثمن بين الغانمين إذا رأى النظر فيه و ان له أن يوكل غيره في ذلك و ان التفاضل حرام في بيع الغنائم و مال بيت المال كغيرها و ان العقد الفاسد يستحق فسخه ورده لان مباشرته معصية و الاصرار على المعصية معصية فلهذا قال صلى الله عليه و سلم أربيتما فردا و لم يعاتبهما على ما صنعا لان نزول تحريم الربا كان يومئذ لم يكن اشتهر بعد فعذرهما بالجهل به و عن سليمان بن بشير قال أتانى الاسود بن يزيد فصرفت له الدراهم وافية بدنانير ثم دخل المسجد فصلى ركعتين فيما أظن ثم جاءني فقال اشتر بها غلة فجعلت أطلب الرجل الذي صرفت عنده فقال لا عليك ان لا تجده و ان وجدته فلا أبالي و فيه دليل جواز التوكيل بالصرف و ان التفاضل حرام عند إنفاق الجنس لانه كان مقصود الاسود ان يشترى بالدراهم الجياد الغلة و علم أن الفضل حرام فأمره ان يشترى بها دنانير ثم أمره بأن يشترى بالدنانير الغلة و كان هذا الوكيل اشتغل بطلب ذلك الرجل لانه ظهر عنده أمانته و مسامحته في المعاملة و بين له الاسود أنه كغيره فيما هو مقصودي فلا يتكلف في طلبه و عن أبان بن عباس عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال بعت جام فضة بورق بأقل من ثمنه فبلغ ذلك عمر رضى الله عنه فقال ما حملك على ذلك قلت الحاجة قال رد الورق إلى أهلها و خذا إناءك و عارض به ففيه دليل حرمة الفضل وجوب الرد عن فساد العقد و ان بسبب الحاجة لا يحل الربا لان الحاجة ترتفع من ارتكاب الحرام كما هداه عمر رضي الله عنه بقوله و خذ إناءك و عارض به و لكنه عذره للحاجة و لم يؤد به و كان قصده بالسؤال في الابتداء أن يعلم سبب اقدامه على هذا العقد حتى إذا باشره مع العلم به من حاجة أدبه عليه و قد كان مؤدبا يؤدب على ما هو دون ذلك و عن أبى رافع قال سألت عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن الصوغ أصوعه فأبيعه قال وزنا يوزن فقلت انى أبيعه وزنا بوزن و لكن آخذ فيه أجر عمل فقال انما عملك لنفسك و لا تردد شيئا فان رسول الله صلى الله عليه و سلم نهانا أن نبيع الفضة الا وزنا بوزن ثم قال يا أبا رافع ان الآخذ و المعطى و الشاهد و الكاتب شركاء و فيه دليل حرمة الفضل و انه لا قيمة للصنعة فيما هو مال الربا فان عمر رضي الله عنه بين له أنه في الابتداء عمل لنفسه فلا يستوجب الاجر به على غيره ثم ما يأخذه من الزيادة عوضا عن الصنعة
(8)
و لا قيمة للصنعة في البيع ثم بين شدة الحرمة في الربا بقوله الآخذ و المعطى و الكاتب و الشاهد فيه سواء أى في الماثم و هو نظير ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم لعن الله في الخمر عشرة و قال صلى الله عليه و سلم الراشي و المرتشي و الرايش في النار و لعن الله من أعان الظلمة أو كتب لهم و الاصل في الكل قوله و لا تعاونوا على الاثم و العدوان و عن أبى الوداك عن أبى سعيد الخدري رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الذهب بالذهب الكفة بالكفة و الفضة بالفضة الكفة بالكفة و لا خير فيما بينهما فقلت انى سمعت ابن عباس رضى الله عنهما يقول ليس في يد بيد ربا فمشي اليه أبو سعيد رضى الله عنه و أنا معه فقال له أسمعت من النبي صلى الله عليه و سلم ما لم نسمع فقال لا فحدثه أبو سعيد رضى الله عنه الحديث فقال ابن عباس رضى الله عنهما لا أفتى به أبدا و فيه دليل على ان بيع الذهب و الفضة بجنسهما إذا اعتدل البد لان في كفة الميزان جاز البيع و ان لم يعلم مقدار كل واحد منهما لتيقننا بالمماثلة وزنا و المماثلة اذ وزن أحدهما بصاحبه أظهر منه إذا وزن كل واحد منهما بالصنجات و فيه دليل رجوع عبد الله بن عباس رضى الله عنهما عن فتواه في إباحة التفاضل و ان الحديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد انقاد لهم ابن عباس رضى الله عنهما و هذا لان أبا سعيد رضى الله عنه كان من كبار الصحابة رضوان الله عليهم معروفا بينهم بالعدالة و الورع و انما مشي إلى ابن عباس رضى الله عنهما بطريق الخشية لاظهار الشفقة و ان كان لو دعاه إلى نفسه لاتاه و هذا هو الاحسن للكبير في معاملة من هو أصغر منه و عن عمر رضى الله عنه قال لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين فانى أخاف عليكم الربا و قد نقل هذا اللفظ بعينه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فانى أخاف عليكم الارباء و عن ابن مسعود رضى الله عنه انه كان يبيع بقايا بيت المال يدا بيد بفضل فخرج خرجة إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فسأله عن ذلك فقال هو ربا و كان ابن مسعود رضي الله عنه استخلف على بيت المال عبد الله بن سخبرة الاسدى فلما قدم ابن مسعود رضى الله عنه نهاه عن بيع الدراهم بالدراهم بينهما فضل و كان ابن مسعود رضي الله عنه عامل عمر رضى الله عنه بالكوفة على بيت المال فكان من مذهبه في الابتداء ان اختلاف الصنعة كاختلاف النوع و كان يجعل البقاية مع الجيد نوعين فيجوز التفاضل بينهما عملا بقوله صلى الله عليه و سلم إذا اختلفا النوعان فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدا بيد ثم سأل عمر رضى الله عنه بين له أن الكل نوع واحد فان الكل فضة
(9)
و قال صلى الله عليه و سلم الفضة بالفضة مثل بمثل يدا بيد و الفضل ربا فرجع ابن مسعود إلى قوله لانه بين له الحق في مقالته و من هذا يقال عالم الكوفة كان يحتاج إلى عالم المدينة يراد به ابن مسعود رضى الله عنهما و قد نقل نحو هذا عن على بن أبى طالب رضى الله عنه فان أبا صالح السمان يقول سألت عليا رضي الله عنه عن الدراهم تكون معي لا تنفق في حاجتي فأشترى بها دراهم تنفق في حاجتي و اهضم منها قال لا و لكن بع دراهمك بدنانير ثم اشتر بالدناينر دراهم تنفق في حاجتك و فيه دليل على أن الجياد و الزيوف نوع واحد فحرم التفاضل بينهما و هذا لانه لا قيمة للجودة هنا مع قول رسول الله صلى الله عليه و سلم جيدها و رديئها سواء فلا يجوز الاعتياض عنها و عن القاسم بن صفوان قال أكريت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ابلا بدنانير فأتيته أنقاضاه و بين يديه دراهم فقال لمولى له انطلق معه إلى السوق فإذا قامت على سعر فان أحب أن يأخذ و الا فاشتر له دنانير فاعطها إياه فقلت يا أبا عبد الرحمن أ يصلح هذا قال نعم لا بأس بهذا انك ولدت و أنت صغير و فيه دليل جواز استبدال الاخر قبل القبض و الآخر كالثمن و قد بينا ان ابن عمر رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن استبدال الثمن قبل القبض فجوز له ذلك فلهذا جواز ابن عمر الاستبدال بالاجر و لكن بشرط أن يرضى به صاحب الحق و لكن لما أشكل على صاحب الحق سأله بقوله أ يصلح هذا فقال نعم انك ولدت و أنت صغير أى جاهل لا تعلم حتى تعلم و هكذا حال كل واحد منا فانه لا يعلم حتى يعلم فكانه مازحه بهذه الكلمة و كنى بالصغر عن الجهل ثم ذكر حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه في الربا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في الاشياء الستة و قال في آخره إذا اشتريتم بعضه ببعض فاشتروه كيف شئتم يدا بيد يعنى بذلك إذا اختلف النوعان و قال معاوية رضي الله عنها ما بال أقوام يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أحاديث لم نسمعها فقال عبادة رضي الله عنه أشهد انى سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أعاد الحديث ثم قال لاحدثن به و ان رغم أنف معاوية و كان معاوية رضى الله عنه ممن يجوز التفاضل في الابتداء ثم رجع إلى الحديث فلهذا قال ما قال و قيل انه أراد أن يستثبته في روايته و معاوية رضى الله عنه من رواة حديث الربا فيحتمل أن يكون مراده بقوله آحاديث لم نسمعها ما ذكره في آخر الحديث و ان اشتريتم بعضه ببعض فأكد عبادة رضي الله عنه روايته بيمينه فان قوله أشهد بمعنى أحلف ثم قال لاحدثن به لانى أتيقن بسماعه من
(10)
رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالتبليغ فلا أدعه بقول معاوية رضى الله عنه بل أحدث به و ان رغم أنف معاوية و عن أبى الاشعث الصنعاني قال خطبنا عبادة بن الصامت رضى الله عنه بالشام فقال أيها الناس انكم أحدثتم بيوعا لا يدرى ما هي ألا و ان الذهب بالذهب وزنا بوزن تبره و عينه ألا و ان الفضة بالفضة تبرها و عينها سواء و لا بأس ببيع الذهب بالفضة يدا بيد و الفضة أكثر و لا يصلح نسيئة ألا و ان الحنطة بالحنطة مدين بمدين ألا و ان الشعير بالشعير مدين بمدين و لا بأس ببيع الشعير بالحنطة يدا بيد و الشعير أكثرهما و لا يصلح نسيئة ثم ذكر في التمر و الملح مثل ذلك ثم قال من زاد أو استزاد فقد أربى و فيه دليل ان الفاسد بيع فانه قال انكم أحدثتم بيوعا و مراده ما كانوا يباشرونه من عقود الربا و فيه دليل على أن ما يجرى فيه الربا من الاشياء المكيلة نصف صاع لان قوله مدين بمدين عبارة عن ذلك و فيه دليل أنه كما يحرم أخذ الربا يحرم اعطاؤه فالمستزيد آخذ و الزائد معطى و قد سوى بينهما في الوعيد و عن عمر رضي الله عنه أنه قال الذهب بالذهب مثل بمثل و الورق بالورق مثل بمثل لا تفضلوا بعضها على بعض لا يباع منها غائب بناجز فانى أخاف عليكم الرما و الرما هو الربا و ان استنظرك إلى أن تدخل بيته فلا تنتظره و معنى قوله لا يباع غائب بناجز أى نسيئة بنقد و فيه دليل الربا كما يثبت بالتفاوت في البدلين في القدر يثبت بتفاوتهما بالنقد و النسيئة و ان القبض قبل الافتراق لابد منه في عقد الصرف و كنى عنه بقوله فان استنظرك إلى أن يدخل بيته و عن الشعبي رضي الله عنه قال لا بأس ببيع السيف المحلى بالدراهم لان فيه حماثله و جفنه و نصله و مراده إذا كان وزن الحلية أقل من وزن الدارهم ليكون الفضل بازاء الجفن و الحمائل و عن الحسن أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و رضى الله عنهم كانوا يتبعايعون فيما بينهم السيف المحلى و المنطقة المفضضة و به نأخذ فنقول يجوز بيع ذلك بالعروض و بالنقد بخلاف الجنس بشرط قبض حصة الحلية في المجلس و بالنقد من جنس الحلية بشرط أن يكون وزنه أكثر من وزن الحلية و عن إبراهيم قال الاقالة بيع و هكذا عن شريح معناه كالبيع في الحكم و به نأخذ فنقول الاقالة في الصرف كالبيع يعنى يشترط التقابض من الجانبين قبل الافتراق كما في عقد الصرف و هو معنى قول علمائنا رحمهم الله ان الاقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق غيرهما و وجوب التقابض في المجلس من حق الشرع فالإِقالة فيه كالبيع و عن عبد الرحمن بن أبى ليلي قال
(11)
سمعت عمر رضى الله عنه على المنبر يقول أيها الناس لا تبيعوا الدراهم بالدرهمين فان ذلك ربا العجلان و لكن من كان عنده سحق درهم فليخرج به إلى السوق و ليقل من يبتاع سحق هذا الدرهم فليبتع به ما شاء و المراد بقوله فان ذلك ربا العجلان أى ربا النقد و هو اشارة إلى ان الربا نوعان في النقد و النسيئة و المراد بقوله سحق درهم البقاية التي لا تنفق في حاجة يقال ثوب سحق أى خلق و فيه دليل أنه لا بأس بالشراء بالزيوف و لكن بعد بيان عينها لينتفى الغرر و التدليس كما ذكره عمر رضي الله عنه و عن إبراهيم انه لم يكن يرى بأسا باقتضاء الورق من الذهب و الذهب من الورق بيعا كان أو قرضا أو كان بسعر يومه و به نأخذ فيجوز الاستبدال بثمن المبيع و في بدل القرض قبل القبض و ذكر الطحاوي أن الاستبدال قبل القبض لا يجوز و كأنه ذهب بذلك إلى انه لما كان لا يثبت فيه الاجل فهو بمنزلة ما لا يجوز الاستبدال به قبل القبض و بمنزلة دين لا يقبل الاجل كبدل الصرف و هو و هم منه فان القرض انما لا يقبل الاجل لانه بمنزلة العارية و ما يسترد في حكم عين المقبوض على ما نبينه في بابه و الاستبدال بالمستعار قبل الاسترداد جائز و عن إبراهيم أنه كان يكره أن يشترى الرجل الثوب بدينار الا درهم و به نأخذ فان الدرهم انما يستثنى من الدينار بالقيمة و طريق معرفة القيمة الحزر و الظن فكان المستثنى مجهولا و بجهالته يصير المستثنى منه مجهولا أيضا و البيع بثمن مجهول لا يجوز و إذا اشترى الرجل الدراهم بدراهم أجود منها و لا يصلح له إلا وزنا بوزن جيدها و رديئها nو مصوغها و تبرها و ابيضها و اسودها في ذلك سواء للاحاديث التي رويناها فقد ذكر فيها صاحب الشرع صلى الله عليه و سلم مقابلة الفضة بالفضة و اسم الفضة يتناول كل ذلك و كذلك الذهب بالذهب جيده و رديئه و تبره و مصوغه نافقه و غير نافقه في ذلك سواء لانه لا قيمة للجودة و الصنعة فيها عند مقابلتها بجنسها فوجود ذلك كعدمه و لا يجوز فيه شيء من الاجل لما بينا أن التقابض واجب في مجلس العقد و ترك أحد البدلين في المجلس مبطل للعقد فالتأجيل مناف لما هو مقتضى هذا العقد و اشتراط ما ينافى مقتضي العقد مبطل له و إذا اشتري فضة بيضاء جيدة بفضة سوداء بأكثر منها و مع البيضاء ذهب أو فلوس أو عروض فهو جائز عندنا و عند الشافعي رحمه الله لا يجوز لان الانقسام على مذهبه باعتبار القيمة فيصيب البيضاء أكثر من وزنها من الفضة السوداء و عندنا يجعل من السوداء بازاء البيضاء مثل وزنها و الباقى بازاء ما زاد ترجيحا لجهة الجواز على جهة الفساد و قد
(12)
قررنا هذا الفصل في البيوع و على هذا لو اشتري منطقة أو سيفا محلى بدراهم أكثر منها وزنا يجوز عندنا و لا يجوز عند الشافعي و استدل فيه بحديث فضالة بن عبيد قال أصبت قلادة يوم خيبر فيها خرز و ذهب فبعتها باثنى عشر دينارا ثم سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لا حتى يفصل و تأويل ذلك عندنا إذا كان يعلم أيهما أكثر وزنا أو يعلم أن وزن الذهب الذي في القلادة أكثر أو مثل المنفصل و في هذه الوجوه عندنا لا يجوز العقد و إذا اشترى لجاما مموها بفضة بدراهم بأقل مما فيه أو أكثر فهو جائز لان التموية لون الفضة و ليس بعين الفضة ألا ترى أنه لا يتخلص منه شيء فلا يجرى الربا باعتباره و على هذا لو اشترى دارا مموهة بالذهب بثمن مؤجل فانه يجوز و ان كان بسقوفهامن التموية بالذهب أكثر من الفضة أو الذهب لانه لا يتخلص منه شيء فلا يعتبر ذلك في حكم الربا و لا في وجوب التقابض في المجلس و إذا اشترى الرجل عشرة دراهم بدينار من رجل فانتقد أحدهما و أخذ الآخر رهنا بحقه فيه فهلك الرهن قبل الافتراق فهو جائز و الرهن بما فيه لان عقد الرهن يثبت يد الاستيفاء و يتم ذلك بهلاك الرهن من المالية دون العين حتى كانت العين هالكة على ملك الراهن فيجعل استيفاؤه قبل الافتراق بهلاك الرهن بمنزلة الاستيفاء حقيقة و قد بينا في السلم الاختلاف في الرهن و الكفالة برأس المال فهو كذلك يبدل في الصرف و إذا كان حلى ذهب فيه لؤلؤ و جوهر لا يستطيع أن يخلصه منه الابضرر فاشتراه رجل بدينار لم يجز حتى يعلم أن الدينار فيه أكثر مما فيه من الذهب و على قول زفر إذا لم يعلم أيهما أكثر فالعقد جائز أيضا و قد بينا نظيره في السيف المحلى فان باعه بدينار نسيئة لم يجز فان في حصة الحلية العقد صرف فيفسد شرط الاجل و اللؤلؤ و الجوهر لا يمكن تخليصه و تسليمه الابضرر فإذا فسد العقد في بعضه فسد في كله و لا يجوز شراء الفضة بالفضة مجازفة لا يعرف وزنها أو وزن أحدهما لقوله صلى الله عليه و سلم الفضة بالفضة مثل بمثل و المراد المماثلة في الوزن فاما أن يكون المراد أن يكون مثلا بمثلا عند الله أو عند المتعاقدين و نحن نعلم أن الاول ليس بمراد فالأَحكام لا تبنى على ما لا طريق لنا إلى معرفته عرفنا أن المراد العلم بالمماثلة عند المتعاقدين فصار هذا شرط جواز العقد و ما هو شر جواز العقد إذا لم يقترن بالعقد يفسد العقد فان وزنا بعد العقد و كانا متساويين فان كانا بعد في مجلس العقد فجواز العقد استحسانا لان مجلس العقد جعل كحالة العقد ألا ترى ان انعدام الدينية في البدلين شرط جواز العقد ثم إذا
(13)
انعدم ذلك بالتقابض في المجلس جعل كالمقترن بالعقد فكذلك العلم بالمماثلة و ان وزنا بعد الافتراق عن المجلس جعل كالمقترن بالعقد فكذلك العلم بالمماثلة فالعقد فاسد عندنا و قال زفر ان كانا متساويين فالعقد جائز لانه قد تبين أن شرط الجواز و هي المماثلة كان موجودا عند العقد فانه لا تأثير للوزن في احداث المماثلة و انما يظهر به مماثلة كانت موجودة و علم المتعاقدين بوجود الشرط جواز العقد ليس بشرط لصحة العقد كما لو تزوج إمرأة بمحضر من الشاهدين و لا يعلم بهما المتعاقدان و لكنا نقول قد بينا أن العلم بالمماثلة شرط الجواز هنا و ذلك لا يحصل الا بالوزن فيصير الوزن الذي هو فعل المتعاقدين من شرط جواز العقد كالايجاب و القبول شرط انعقاد العقد فكما يفصل هناك بين المجلس و ما بعده فكذلك يفصل هنا ثم الفصل موهوم و الموهوم فيما يبنى على الاحتياط كالمتحقق و تأثير الفضل في إفساد العقد كتاثير عدم القبض و أقوى فكما أن ترك القبض حتى افترقا مفسد لهذا العقد فكذلك توهم الفضل بترك الوزن حتى افترقا يكون مفسدا و ان اشترى سيفا محلى بفضة بدراهم بأكثر مما فيه ثم تفرقا قبل التقابض فسد البيع كله لانه شيء واحد لا يتبعض معناه ان العقد فسد في حصة الحلية بترك التقابض و لا يمكن إبقاؤه صحيحا في حصة الجفن و الحمائل كما لا يجوز ابتداء البيع في الجفن و الحمايل و النصل دون الفضة فان قبض السيف و نقد من الثمن حصة الحلية في المجلس جاز لان قبض حصة الحلية في المجلس مستحق و قبض حصة الجفن و الحمايل مستحق فيصرف المقبوض إلى ما كان القبض فيه مستحقا لان ما ليس بمستحق لا يعارض المستحق و إذا انصرف اليه فانما وجد الافتراق بعد التقابض فيما هو صرف و كذلك ان أجر البقية إلى أجل معلوم فهو جائز لانه ثمن مبيع لا يشترط فيه القبض في المجلس فيصح التأجيل فيه و إذا اشترى عشرة دراهم بدينار فتقابضا ثم وجد فيها درهما ستوقا أو رصاصا فان كانا لم يتفرقا استبدله لان المقبوض ليس من جنس حقه فكانه لم يقبضه أصلا و تأخير القبض إلى آخر المجلس لا يصير و ان كانا قد افترقا فليس له أن يتجوز به لان الستوق و الرصاص ليس من جنس الدراهم فيكون مستبدلا به لا مستوفيا و لكن يرده و كان شريكا في الدينار بحصته لانه تبين أنه كان قبض في المجلس تسعة دراهم و لم يقبض درهما حتى افترقا طعن عيسى في هذا اللفظ فقال قوله كان شريكا في الدينار بحصته غلط و الصحيح انه شريك في مثل ذلك الدينار بالعشر لان النقود عندنا لا تتعين في العقود و الفسوخ ألا ترى انهما بعد التقابض لو