شرح نهج البلاغة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شرح نهج البلاغة - جلد 2

ابن ابی الحدید المعتزلی؛ محقق: محمد ابوالفضل ابراهیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


شرح نهج البلاغة(2)


[3]

الجزء الثاني

تتمة الخطب و الأوامر


تتمة خطبة 25


بسم الله الرحمن الرحيم


بعث معاوية بسر بن أرطاة إلى الحجاز واليمن :


فأما خبر بسر بن أرطاة العامري من بنيعامر بن لؤي بن غالب و بعث معاوية له ليغير على أعمال أمير المؤمنين (ع) و ما عملهمن سفك الدماء و أخذ الأموال فقد ذكر أرباب السير أن الذي هاج معاوية على تسريحبسر بن أرطاة و يقال ابن أبي أرطاة إلى الحجاز و اليمن أن قوما بصنعاء كانوا منشيعة عثمان يعظمون قتله لم يكن لهم نظام و لا رأس فبايعوا لعلي (ع) على ما في أنفسهمو عامل علي (ع) على صنعاء يومئذ عبيد الله بن عباس و عامله على الجند سعيد بن نمران.

فلما اختلف الناس على علي (ع) بالعراق و قتل محمد بن أبي بكر بمصر و كثرت غارات أهلالشام تكلموا و دعوا إلى الطلب بدم عثمان فبلغ ذلك عبيد الله بن عباس فأرسل إلىناس من وجوههم فقال ما هذا الذي بلغني عنكم قالوا إنا لم نزل ننكر قتل عثمان و نرىمجاهدة من سعى عليه فحبسهم فكتبوا إلى من بالجند من أصحابهم فثاروا بسعيد بن نمرانفأخرجوه من الجند و أظهروا أمرهم و خرج إليهم من كان بصنعاء و انضم إليهم كل منكان على رأيهم و لحق بهم قوم لم يكونوا على رأيهم إرادة أن يمنعوا الصدقة و التقىعبيد الله بن عباس و سعيد بن نمران و معهما شيعة علي (ع) فقال ابن عباس لابن نمران و الله لقد اجتمع هؤلاء و إنهم لنا

[4]

لمقاربون و إنقاتلناهم لا نعلم على من تكون الدائرة فهلم لنكتب إلى أمير المؤمنين (ع) بخبرهم و قدحهمو بمنزلهم الذي هم به. فكتبا إلى أمير المؤمنين (ع) أما بعد فإنا نخبر أمير المؤمنينأن شيعة عثمان وثبوا بنا و أظهروا أن معاوية قد شيد أمره و اتسق له أكثر الناس وأنا سرنا إليهم بشيعة أمير المؤمنين و من كان على طاعته و أن ذلك أحمشهم و ألبهمفعبئوا لنا و تداعوا علينا من كل أوب و نصرهم علينا من لم يكن له رأي فيهم إرادةأن يمنع حق الله المفروض عليه و ليس يمنعنا من مناجزتهم إلا انتظار أمر أميرالمؤمنين أدام الله عزه و أيده و قضى له بالأقدار الصالحة في جميع أموره و السلام.

فلما وصل كتابهما ساء عليا (ع) و أغضبه و كتب إليهما :

من علي أمير المؤمنين إلى عبيد الله بن العباس و سعيد بن نمران سلام الله عليكما فإنيأحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنه أتاني كتابكما تذكران فيه خروجهذه الخارجة و تعظمان من شأنها صغيرا و تكثران من عددها قليلا و قد علمت أن نخبأفئدتكما و صغر أنفسكما و شتات رأيكما و سوء تدبيركما هو الذي أفسد عليكما من لميكن عليكما فاسدا و جزأ عليكما من كان عن لقائكما جبانا فإذا قدم رسولي عليكمافامضيا إلى القوم حتى تقرءا عليهم كتابي إليهم و تدعواهم إلى حظهم و تقوى ربهم فإنأجابوا حمدنا الله و قبلناهم و إن حاربوا استعنا بالله عليهم و نابذناهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين .

قالوا و قال علي (ع) ليزيد بن قيس الأرحبي أ لا ترى إلى ما صنع قومك

[5]

فقال إن ظني يا أمير المؤمنين بقومي لحسن في طاعتك فإن شئت خرجت إليهم فكفيتهم و إن شئتكتبت إليهم فتنظر ما يجيبونك .

فكتب علي (ع) إليهم :

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلىمن شاق و غدر من أهل الجند و صنعاء أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هوالذي لا يعقب له حكم و لا يرد له قضاء و لا يرد بأسه عن القوم المجرمين و قد بلغنيتجرؤكم و شقاقكم و إعراضكم عن دينكم بعد الطاعة و إعطاء البيعة فسألت أهل الدينالخالص و الورع الصادق و اللب الراجح عن بدء محرككم و ما نويتم به و ما أحمشكم لهفحدثت عن ذلك بما لم أر لكم في شي ء منه عذرا مبينا و لا مقالا جميلا و لا حجةظاهرة فإذا أتاكم رسولي فتفرقوا و انصرفوا إلى رحالكم أعف عنكم و أصفح عن جاهلكم وأحفظ قاصيكم و أعمل فيكم بحكم الكتاب فإن لم تفعلوا فاستعدوا لقدوم جيش جم الفرسانعظيم الأركان يقصد لمن طغى و عصى فتطحنوا كطحن الرحى فمن أحسن فلنفسه
وَ مَنْأَساءَ فَعَلَيْها وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ .

و وجه الكتاب مع رجل من همدان فقدمعليهم بالكتاب فلم يجيبوه إلى خير فقال لهم إني تركت أمير المؤمنين يريد أن يوجهإليكم يزيد بن قيس الأرحبي في جيش كثيف فلم يمنعه إلا انتظار جوابكم فقالوا نحنسامعون مطيعون إن عزل عنا هذين الرجلين عبيد الله و سعيدا .

فرجع الهمداني من عندهمإلى علي (ع) فأخبره خبر القوم.

قالوا و كتبت تلك العصابة حين جاءها كتاب علي (ع) إلىمعاوية يخبرونه و كتبوا في كتابهم .

معاوي إلا تسرع السير نحونا ** نبايع عليا أو يزيد اليمانيا

[6]

فلما قدم كتابهم دعا بسر بن أبي أرطاة و كان قاسي القلب فظا سفاكا للدماءلا رأفة عنده و لا رحمة فأمره أن يأخذ طريق الحجاز و المدينة و مكة حتى ينتهي إلىاليمن و قال له لا تنزل على بلد أهله على طاعة علي إلا بسطت عليهم لسانك حتى يرواأنهم لا نجاء لهم و أنك محيط بهم ثم اكفف عنهم و ادعهم إلى البيعة لي فمن أبىفاقتله و اقتل شيعة علي حيث كانوا. و روى إبراهيم بن هلال الثقفي في كتاب الغاراتعن يزيد بن جابر الأزدي قال سمعت عبد الرحمن بن مسعدة الفزاري يحدث في خلافة عبدالملك قال لما دخلت سنة أربعين تحدث الناس بالشام أن عليا (ع) يستنفر الناس بالعراقفلا ينفرون معه و تذاكروا أن قد اختلفت أهواؤهم و وقعت الفرقة بينهم قال فقمت فينفر من أهل الشام إلى الوليد بن عقبة فقلنا له إن الناس لا يشكون في اختلاف الناسعلى علي (ع) بالعراق فادخل إلى صاحبك فمره فليسر بنا إليهم قبل أن يجتمعوا بعدتفرقهم أو يصلح لصاحبهم ما قد فسد عليه من أمره فقال بلى لقد قاولته في ذلك وراجعته و عاتبته حتى لقد برم بي و استثقل طلعتي و ايم الله على ذلك ما أدع أنأبلغه ما مشيتم إلي فيه. فدخل عليه فخبره بمجيئنا إليه و مقالتنا له فأذن لنافدخلنا عليه فقال ما هذا الخبر الذي جاءني به عنكم الوليد فقلنا هذا خبر في الناسسائر فشمر للحرب و ناهض الأعداء و اهتبل الفرصة و اغتنم الغرة فإنك لا تدري متىتقدر على عدوك على مثل حالهم التي هم عليها و أن تسير إلى عدوك أعز لك من أنيسيروا إليك و اعلم

[7]

و الله أنه لو لا تفرق الناس عنصاحبك لقد نهض إليك فقال لنا ما أستغني عن رأيكم و مشورتكم و متى أحتج إلى ذلكمنكم أدعكم إن هؤلاء الذين تذكرون تفرقهم على صاحبهم و اختلاف أهوائهم لم يبلغ ذلكعندي بهم أن أكون أطمع في استئصالهم و اجتياحهم و أن أسير إليهم مخاطرا بجندي لاأدري علي تكون الدائرة أم لي فإياكم و استبطائي فإني آخذ بهم في وجه هو أرفق بكم وأبلغ في هلكتهم قد شننت عليهم الغارات من كل جانب فخيلي مرة بالجزيرة و مرةبالحجاز و قد فتح الله فيما بين ذلك مصر فأعز بفتحها ولينا و أذل به عدونا فأشرافأهل العراق لما يرون من حسن صنيع الله لنا يأتوننا على قلائصهم في كل الأيام و هذامما يزيدكم الله به و ينقصهم و يقويكم و يضعفهم و يعزكم و يذلهم فاصبروا و لاتعجلوا فإني لو رأيت فرصتي لاهتبلتها.

فخرجنا من عنده و نحن نعرف الفصل فيما ذكرفجلسنا ناحية و بعث معاوية عند خروجنا من عنده إلى بسر بن أبي أرطاة فبعثه فيثلاثة آلاف و قال سر حتى تمر بالمدينة فاطرد الناس و أخف من مررت به و انهب أموالكل من أصبت له مالا ممن لم يكن دخل في طاعتنا فإذا دخلت المدينة فأرهم أنك تريدأنفسهم و أخبرهم أنه لا براءة لهم عندك و لا عذر حتى إذا ظنوا أنك موقع بهم فاكففعنهم ثم سر حتى تدخل مكة و لا تعرض فيها لأحد و أرهب الناس عنك فيما بين المدينة ومكة و اجعلها شردا حتى تأتي صنعاء و الجند فإن لنا بهما شيعة و قد جاءني كتابهم.فخرج بسر في ذلك البعث حتى أتى دير مروان فعرضهم فسقط منهم أربعمائة فمضى في ألفينو ستمائة فقال الوليد بن عقبة أشرنا على معاوية برأينا أن يسير

[8]

إلى الكوفة فبعث الجيش إلى المدينة فمثلنا و مثله كما قال الأول :

أريها السها و تريني القمر.

فبلغ ذلك معاوية فغضب و قال و الله لقد هممت بمساءة هذاالأحمق الذي لا يحسن التدبير و لا يدري سياسة الأمور ثم كف عنه قلت الوليد كانلشدة بغضه عليا (ع) القديم التالد لا يرى الأناة في حربه و لا يستصلح الغارات علىأطراف بلاده و لا يشفي غيظه و لا يبرد حزازات قلبه إلا باستئصاله نفسه بالجيوش وتسييرها إلى دار ملكه و سرير خلافته و هي الكوفة و أن يكون معاوية بنفسه هو الذييسير بالجيوش إليه ليكون ذلك أبلغ في هلاك علي (ع) و اجتثاث أصل سلطانه و معاوية كانيرى غير هذا الرأي و يعلم أن السير بالجيش للقاء علي (ع) خطر عظيم فاقتضت المصلحةعنده و ما يغلب على ظنه من حسن التدبير أن يثبت بمركزه بالشام في جمهور جيشه ويسرب الغارات على أعمال علي (ع) و بلاده فتجوس خلال الديار و تضعفها فإذا أضعفتهاأضعفت بيضة ملك علي (ع) لأن ضعف الأطراف يوجب ضعف البيضة و إذا أضعفت البيضة كان علىبلوغ إرادته و المسير حينئذ إن استصوب المسير أقدر.

و لا يلام الوليد على ما فينفسه فإن عليا (ع) قتل أباه عقبة بن أبي معيط صبرا يوم بدر و سمي الفاسق بعد ذلك فيالقرآن لنزاع وقع بينه و بينه

[9]

ثم جلده الحد في خلافةعثمان و عزله عن الكوفة و كان عاملها و ببعض هذا عند العرب أرباب الدين و التقىتستحل المحارم و تستباح الدماء و لا تبقى مراقبة في شفاء الغيظ لدين و لا لعقاب ولا لثواب فكيف الوليد المشتمل على الفسوق و الفجور مجاهرا بذلك و كان من المؤلفةقلوبهم مطعونا في نسبه مرميا بالإلحاد و الزندقة. قال إبراهيم بن هلال روى عوانةعن الكلبي و لوط بن يحيى أن بسرا لما أسقط من أسقط من جيشه سار بمن تخلف معه وكانوا إذا وردوا ماء أخذوا إبل أهل ذلك الماء فركبوها و قادوا خيولهم حتى يردواالماء الآخر فيردون تلك الإبل و يركبون إبل هؤلاء فلم يزل يصنع ذلك حتى قرب إلىالمدينة. قال و قد روي أن قضاعة استقبلتهم ينحرون لهم الجزر حتى دخلوا المدينة قالفدخلوها و عامل علي (ع) عليها أبو أيوب الأنصاري صاحب منزل رسول الله (ص) فخرج عنها هارباو دخل بسر المدينة فخطب الناس و شتمهم و تهددهم يومئذ و توعدهم و قال شاهت الوجوهإن الله تعالى يقول
وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةًمُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها

الآية و قد أوقع الله تعالى ذلك المثل بكم وجعلكم أهله كان بلدكم مهاجر النبي (ص) و منزله و فيه قبره و منازل الخلفاء من بعدهفلم تشكروا نعمة ربكم و لم ترعوا حق نبيكم و قتل خليفة الله بين أظهركم فكنتم بينقاتل و خاذل و متربص و شامت إن كانت للمؤمنين قلتم أ لم نكن معكم و إن كانللكافرين نصيب قلتم أ لم نستحوذ عليكم و نمنعكم من

[10]

المؤمنين ثم شتم الأنصار فقال يا معشر اليهود و أبناء العبيد بني زريق وبني النجار و بني سلمة و بني عبد الأشهل أما و الله لأوقعن بكم وقعة تشفي غليلصدور المؤمنين و آل عثمان أما و الله لأدعنكم أحاديث كالأمم السالفة. فتهددهم حتىخاف الناس أن يوقع بهم ففزعوا إلى حويطب بن عبد العزى و يقال إنه زوج أمه فصعدإليه المنبر فناشده و قال عترتك و أنصار رسول الله و ليسوا بقتلة عثمان فلم يزل بهحتى سكن و دعا الناس إلى بيعة معاوية فبايعوه و نزل فأحرق دورا كثيرة منها دارزرارة بن حرون أحد بني عمرو بن عوف و دار رفاعة بن رافع الزرقي و دار أبي أيوبالأنصاري و تفقد جابر بن عبد الله فقال ما لي لا أرى جابرا يا بني سلمة لا أمانلكم عندي أو تأتوني بجابر فعاذ جابر بأم سلمة رضي الله عنها فأرسلت إلى بسر بنأرطاة فقال لا أؤمنه حتى يبايع فقالت له أم سلمة اذهب فبايع و قالت لابنها عمراذهب فبايع فذهبا فبايعاه.

قال إبراهيم و روى الوليد بن كثير عن وهب بن كيسان قالسمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول لما خفت بسرا و تواريت عنه قال لقومي لا أمانلكم عندي حتى يحضر جابر فأتوني و قالوا ننشدك الله لما انطلقت معنا فبايعت فحقنتدمك و دماء قومك فإنك إن لم تفعل قتلت مقاتلينا و سبيت ذرارينا فاستنظرتهم الليلفلما أمسيت دخلت على أم سلمة فأخبرتها الخبر فقالت يا بني انطلق فبايع احقن دمك ودماء قومك فإني قد أمرت ابن أخي أن يذهب فيبايع و إني لأعلم أنها بيعة ضلالة.

[11]

قال إبراهيم فأقام بسر بالمدينة أياما ثم قال لهم إنيقد عفوت عنكم و إن لم تكونوا لذلك بأهل ما قوم قتل إمامهم بين ظهرانيهم بأهل أنيكف عنهم العذاب و لئن نالكم العفو مني في الدنيا إني لأرجو ألا تنالكم رحمة اللهعز و جل في الآخرة و قد استخلفت عليكم أبا هريرة فإياكم و خلافه ثم خرج إلى مكة.

قال إبراهيم روى الوليد بن هشام قال أقبل بسر فدخل المدينة فصعد منبر الرسول (ص) ثمقال يا أهل المدينة خضبتم لحاكم و قتلتم عثمان مخضوبا و الله لا أدع في المسجدمخضوبا إلا قتلته ثم قال لأصحابه خذوا بأبواب المسجد و هو يريد أن يستعرضهم فقامإليه عبد الله بن الزبير و أبو قيس أحد بني عامر بن لؤي فطلبا إليه حتى كف عنهم وخرج إلى مكة فلما قرب منها هرب قثم بن العباس و كان عامل علي (ع) و دخلها بسر فشتمأهل مكة و أنبهم ثم خرج عنها و استعمل عليها شيبة بن عثمان.

قال إبراهيم و قد روىعوانة عن الكلبي أن بسرا لما خرج من المدينة إلى مكة قتل في طريقه رجالا و أخذأموالا و بلغ أهل مكة خبره فتنحى عنها عامة أهلها و تراضى الناس بشيبة بن عثمانأميرا لما خرج قثم بن العباس عنها و خرج إلى بسر قوم من قريش فتلقوه فشتمهم ثم قالأما و الله لو تركت و رأيي فيكم لتركتكم و ما فيكم روح تمشي على الأرض فقالواننشدك الله في أهلك و عترتك فسكت ثم دخل و طاف بالبيت و صلى ركعتين ثم خطبهم فقالالحمد لله الذي أعز دعوتنا و جمع ألفتنا و أذل عدونا بالقتل و التشريد هذا ابن أبيطالب بناحية العراق في ضنك و ضيق قد ابتلاه الله بخطيئته و أسلمه بجريرته

[12]

فتفرق عنه أصحابه ناقمين عليه و ولي الأمر معاوية الطالب بدم عثمانفبايعوا و لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا فبايعوا. و تفقد سعيد بن العاص فطلبه فلميجده و أقام أياما ثم خطبهم فقال يا أهل مكة إني قد صفحت عنكم فإياكم و الخلاف فوالله إن فعلتم لأقصدن منكم إلى التي تبير الأصل و تحرب المال و تخرب الديار.

ثم خرج إلى الطائف فكتب إليه المغيرة بن شعبة حين خرج من مكة إليها أما بعد فقد بلغنيمسيرك إلى الحجاز و نزولك مكة و شدتك على المريب و عفوك عن المسي ء و إكرامك لأوليالنهى فحمدت رأيك في ذلك فدم على صالح ما كنت عليه فإن الله عز و جل لن يزيدبالخير أهله إلا خيرا جعلنا الله و إياك من الآمرين بالمعروف و القاصدين إلى الحقو الذاكرين الله كثيرا قال و وجه رجلا من قريش إلى تبالة و بها قوم من شيعة علي (ع) و أمره بقتلهم فأخذهم و كلم فيهم و قيل له هؤلاء قومك فكف عنهم حتى نأتيك بكتاب منبسر بأمانهم فحبسهم و خرج منيع الباهلي من عندهم إلى بسر و هو بالطائف يستشفع إليهفيهم فتحمل عليه بقوم من الطائف فكلموه فيهم و سألوه الكتاب بإطلاقهم فوعدهم ومطلهم بالكتاب حتى ظن أنه قد قتلهم القرشي المبعوث لقتلهم و أن كتابه لا يصل إليهمحتى يقتلوا ثم كتب لهم فأتى منيع منزله و كان قد نزل على امرأة بالطائف و رحلهعندها فلم يجدها في منزلها فوطئ على ناقته بردائه و ركب فسار يوم الجمعة و ليلةالسبت لم ينزل عن راحلته قط فأتاهم ضحوة و قد أخرج القوم ليقتلوا و استبطئ كتاببسر فيهم فقدم رجل منهم فضربه رجل من أهل الشام فانقطع سيفه فقال الشاميون بعضهملبعض شمسوا سيوفكم حتى تلين فهزوها و تبصر منيع

[13]

الباهلي بريق السيوف فألمع بثوبه فقال القوم هذا راكب عنده خير فكفوا و قام بهبعيره فنزل عنه و جاء على رجليه يشتد فدفع الكتاب إليهم فأطلقوا و كان الرجلالمقدم الذي ضرب بالسيف فانكسر السيف أخاه.

قال إبراهيم و روى علي بن مجاهد عن ابنإسحاق أن أهل مكة لما بلغهم ما صنع بسر خافوه و هربوا فخرج ابنا عبيد الله بنالعباس و هما سليمان و داود و أمهما جويرية ابنة خالد بن قرظ الكنانية و تكنى أمحكيم و هم حلفاء بني زهرة و هما غلامان مع أهل مكة فأضلوهما عند بئر ميمون بنالحضرمي و ميمون هذا هو أخو العلاء بن الحضرمي و هجم عليهما بسر فأخذهما و ذبحهما فقالت أمهما :

ها من أحس بابني اللذين هما ** كالدرتين شظى عنهما الصدف

ها من أحس بابني اللذين هما ** سمعي و قلبي فقلبي اليوم مختطف

ها من أحس بابني اللذين هما ** مخ العظام فمخي اليوم مزدهف

نبئت بسرا و ما صدقت ما زعموا ** من قولهم و من الإفك الذي اقترفوا

أنحى على ودجي ابني مرهفة ** مشحوذة و كذاك الإثم يقترف

من دل والهة حرى مسلبة ** على صبيين ضلا إذ مضى السلف

[14]

و قد روي أن اسمهما قثم و عبد الرحمن و روي أنهما ضلا في أخوالهما من بنيكنانة و روي أن بسرا إنما قتلهما باليمن و أنهما ذبحا على درج صنعاء. و روى عبدالملك بن نوفل بن مساحق عن أبيه أن بسرا لما دخل الطائف و قد كلمه المغيرة قال لهلقد صدقتني و نصحتني فبات بها و خرج منها و شيعه المغيرة ساعة ثم ودعه و انصرف عنهفخرج حتى مر ببني كنانة و فيهم ابنا عبيد الله بن العباس و أمهما فلما انتهى بسرإليهم طلبهما فدخل رجل من بني كنانة و كان أبوهما أوصاه بهما فأخذ السيف من بيته وخرج فقال له بسر ثكلتك أمك و الله ما كنا أردنا قتلك فلم عرضت نفسك للقتل قال أقتلدون جاري أعذر لي عند الله و الناس ثم شد على أصحاب بسر بالسيف حاسرا و هو يرتجز :


آليت لا يمنع حافات الدار

و لا يموت مصلتا دون الجار

إلا فتى أروع غير غدار


فضارب بسيفه حتى قتل ثم قدم الغلامان فقتلافخرج نسوة من بني كنانة فقالت امرأة منهن هذه الرجال يقتلها فما بال الولدان والله ما كانوا يقتلون في جاهلية و لا إسلام و الله إن سلطانا لا يشتد إلا بقتلالضرع الضعيف و الشيخ الكبير و رفع الرحمة و قطع الأرحام لسلطان سوء فقال بسر والله لهممت أن أضع فيكن السيف قالت و الله إنه لأحب إلي إن فعلت.

قال إبراهيم و خرج بسر من الطائف فأتى نجران فقتل عبد الله بن عبد المدان و ابنه مالكا و كان عبدالله هذا صهرا لعبيد الله بن العباس ثم جمعهم و قام فيهم و قال :

[15]

يا أهل نجران يا معشر النصارى و إخوان القرود أما و الله إن بلغني عنكمما أكره لأعودن عليكم بالتي تقطع النسل و تهلك الحرث و تخرب الديار.

و تهددهم طويلا ثم سار حتى بلغ أرحب فقتل أبا كرب و كان يتشيع و يقال إنه سيد من كانبالبادية من همدان فقدمه فقتله.

و أتى صنعاء و قد خرج عنها عبيد الله بن العباس وسعيد بن نمران و قد استخلف عبيد الله عليها عمرو بن أراكة الثقفي فمنع بسرا مندخولها و قاتله فقتله بسر و دخل صنعاء فقتل منها قوما و أتاه وفد مأرب فقتلهم فلمينج منهم إلا رجل واحد و رجع إلى قومه فقال لهم أنعى قتلانا شيوخا و شبانا.

قال إبراهيم و هذه الأبيات المشهورة لعبد الله بن أراكة الثقفي يرثي بها ابنه عمرا :

لعمري لقد أردى ابن أرطاة فارسا ** بصنعاء كالليث الهزبر أبي الأجر

تعز فإن كان البكا رد هالكا ** على أحد فاجهد بكاك على عمرو

و لا تبك ميتا بعد ميت أجنه ** علي و عباس و آل أبي بكر

قال و روى نمير بن وعلة عن أبي وداك قالكنت عند علي (ع) لما قدم عليه سعيد بن نمران الكوفة فعتب عليه و على عبيد الله ألايكونا قاتلا بسرا

[16]

فقال سعيد قد و الله قاتلت و لكنابن عباس خذلني و أبى أن يقاتل و لقد خلوت به حين دنا منا بسر فقلت إن ابن عمك لايرضى مني و منك بدون الجد في قتالهم قال لا و الله ما لنا بهم طاقة و لا يدان فقمتفي الناس فحمدت الله ثم قلت يا أهل اليمن من كان في طاعتنا و على بيعة أميرالمؤمنين (ع) فإلي إلي فأجابني منهم عصابة فاستقدمت بهم فقاتلت قتالا ضعيفا و تفرقالناس عني و انصرفت.

قال ثم خرج بسر من صنعاء فأتى أهل جيشان و هم شيعة لعلي (ع) فقاتلهم و قاتلوه فهزمهم و قتلهم قتلا ذريعا ثم رجع إلى صنعاء فقتل بها مائة شيخمن أبناء فارس لأن ابني عبيد الله بن العباس كانا مستترين في بيت امرأة من أبنائهمتعرف بابنة بزرج.

و قال الكلبي و أبو مخنف فندب علي (ع) أصحابه لبعث سرية في إثر بسرفتثاقلوا و أجابه جارية بن قدامة السعدي فبعثه في ألفين فشخص إلى البصرة ثم أخذطريق الحجاز حتى قدم اليمن و سأل عن بسر فقيل أخذ في بلاد بني تميم فقال أخذ فيديار قوم يمنعون أنفسهم و بلغ بسرا مسير جارية فانحدر إلى اليمامة و أغذ جارية بنقدامة السير ما يلتفت إلى مدينة مر بها و لا أهل حصن و لا يعرج على شي ء إلا أنيرمل بعض أصحابه من الزاد فيأمر أصحابه بمواساته أو يسقط بعير رجل أو تحفى دابتهفيأمر أصحابه بأن يعقبوه حتى انتهوا إلى أرض اليمن فهربت شيعة عثمان حتى لحقوابالجبال و اتبعهم شيعة علي (ع) و تداعت عليهم من كل جانب و أصابوا منهم و صمد نحوبسر و بسر بين يديه يفر من جهة إلى جهة أخرى حتى أخرجه من أعمال علي (ع) كلها.

فلما فعل به ذلك أقام جارية بحرس نحوا من شهر حتى استراح و أراح أصحابه و وثب الناسببسر في طريقه لما انصرف من بين يدي جارية لسوء سيرته و فظاظته و ظلمه و غشمه وأصاب بنو تميم ثقلا من ثقله في بلاده و صحبه إلى معاوية ليبايعه على الطاعة ابنمجاعة

[17]

رئيس اليمامة فلما وصل بسر إلى معاوية قال ياأمير المؤمنين هذا ابن مجاعة قد أتيتك به فاقتله فقال معاوية تركته لم تقتله ثمجئتني به فقلت اقتله لا لعمري لا أقتله ثم بايعه و وصله و أعاده إلى قومه.

و قال بسر أحمد الله يا أمير المؤمنين أني سرت في هذا الجيش أقتل عدوك ذاهبا جائيا لمينكب رجل منهم نكبة فقال معاوية الله قد فعل ذلك لا أنت.

و كان الذي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين ألفا و حرق قوما بالنار فقال يزيد بن مفرغ :

تعلق من أسماء ما قد تعلقا ** و مثل الذي لاقى من الشوق أرقا

سقى هزم الأرعاد منبعج الكلى ** منازلها من مسرقان فسرقا

إلى الشرف الأعلى إلى رامهرمز ** إلى قريات الشيخ من نهر أربقا

إلى دشت بارين إلى الشط كله ** إلى مجمع السلان من بطن دورقا

إلى حيث يرفا من دجيل سفينه ** إلى مجمع النهرين حيث تفرقا

إلى حيث سار المرء بسر بجيشه ** فقتل بسر ما استطاع و حرقا

و روى أبو الحسن المدائني قال اجتمععبيد الله بن العباس و بسر بن أرطاة يوما عند معاوية بعد صلح الحسن (ع) فقال له ابنعباس أنت أمرت اللعين السيئ الفدم أن يقتل ابني فقال ما أمرته بذلك و لوددت أنه لميكن قتلهما فغضب بسر و نزع سيفه فألقاه و قال لمعاوية اقبض سيفك قلدتنيه و أمرتنيأن أخبط به الناس ففعلت حتى إذا بلغت ما أردت قلت لم أهو و لم آمر فقال خذ سيفكإليك فلعمري

[18]

إنك ضعيف مائق حين تلقي السيف بين يديرجل من بني عبد مناف قد قتلت أمس ابنيه.

فقال له عبيد الله أ تحسبني يا معاويةقاتلا بسرا بأحد ابني هو أحقر و ألأم من ذلك و لكني و الله لا أرى لي مقنعا و لاأدرك ثأرا إلا أن أصيب بهما يزيد و عبد الله.

فتبسم معاوية و قال و ما ذنب معاوية وابني معاوية و الله ما علمت و لا أمرت و لا رضيت و لا هويت و احتملها منه لشرفه و سؤدده.

/ 22