و كان الأشتر يستأذنه أن يبيت معاويةفيقول
[314]
إن رسول الله (ص) نهى أن يبيت المشركون و توارث بنوه (ع) هذا الخلق الأبي. أرادالمضاء أن يبيت عيسى بن موسى فمنعه إبراهيم بن عبد الله. و أرسل لما ظهر بالبصرةإلى محمد بن قحطبة مولى باهلة و كان قد ولي لأبي جعفر المنصور بعض أعمال بفارسفقال له هل عندك مال قال لا قال آلله قال آلله قال خلوا سبيله فخرج ابن قحطبة و هويقول بالفارسة ليس هذا من رجال أبي جعفر و قال لعبد الحميد بن لاحق بلغني أن عندكمالا للظلمة يعني آل أبي أيوب المورياني كاتب المنصور فقال ما لهم عندي مال قالتقسم بالله قال نعم فقال إن ظهر لهم عندك مال لأعدنك كذابا.و أرسل إلى طلحةالغدري و كان للمنصور عنده مال بلغنا أن عندك مالا فأتنا به فقال أجل إن عندي مالافإن أخذته مني أغرمنيه أبو جعفر فأضرب عنه. و كان لغير إبراهيم (ع) من آل أبي طالبمن هذا النوع أخبار كثيرة و كان القوم أصحاب دين ليسوا من الدنيا بسبيل و إنمايطلبونها ليقيموا عمود الدين بالإمرة فيها فلم يستقم لهم و الدنيا إلى أهلها أميل[315]
الأخبار و الأحاديث و الآيات الواردة فيمدح الوفاء و ذم الغدر :
و من الأخبارالنبوية المرفوعة في ذم الغدر ذمة المسلمين واحدة فإن جارت عليهم أمة منهم فلاتخفروا جوارها فإن لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة .و روى أبو هريرة قالمر رسول الله (ص) برجل يبيع طعاما فسأله كيف تبيع فأخبره فأمر أبا هريرة أن يدخل فيهيده فأدخلها فإذا هو مبلول فقال رسول الله (ص) ليس منا من غش .قال بعض الملوك لرسول ورد إليه من ملكآخر أطلعني على سر صاحبك فقال أيها الملك إنا لا نستحسن الغدر و إنه لو حول ثوابالوفاء إليه لما كان فيه عوض من قبحه و لكان سماجة اسمه و بشاعة ذكره ناهيين عنه.مالك بن دينار كفى بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة.وقع جعفر بن يحيى على ظهركتاب كتبه علي بن عيسى بن ماهان إلى الرشيد يسعى فيه بالبرامكة فدفعه الرشيد إلىجعفر يمن به عليه و قال أجبه عنه فكتب في ظاهره حبب الله إليك الوفاء يا أخي فقدأبغضته و بغض إليك الغدر فقد أحببته إني نظرت إلى الأشياء حتى أجد لك فيها مشبهافلم أجد فرجعت إليك فشبهتك بك و لقد بلغ من حسن ظنك بالأيام أن أملت السلامة معالبغي و ليس هذا من عاداتها و السلام.كان العهد في عيسى بن موسى بن محمد بعدالمنصور بكتاب كتبه السفاح فلما طالت أيام المنصور سامه أن يخلع نفسه من العهد ويقدم محمدا المهدي عليه فكتب إليه عيسى :بدت لي أمارات من الغدر شمتها ** أرى مابدا منها سيمطركم دما
[316]
و ما يعلم العالي متى هبطاته ** و إن سار في ريح الغرور مسلما أبو هريرة يرفعهاللهم إني أعوذ بك من الجوع فبئس الضجيع و أعوذ بك من الخيانة فبئست البطانة . و عنه مرفوعا المكر و الخديعة و الخيانة في النار . قال مروان بن محمد لعبد الحميد الكاتبعند زوال أمره أرى أن تصير إلى هؤلاء فلعلك أن تنفعني في مخلفي فقال و كيف لي بعلمالناس جميعا أن هذا عن رأيك إنهم ليقولون كلهم إني غدرت بك ثم أنشد : و غدري ظاهر لا شك فيه ** لمبصره و عذريبالمغيب فلما ظفر به عبد الله بن علي قطع يديه ورجليه ثم ضرب عنقه. كان يقال لا يغدر غادر إلا لصغر همته عن الوفاء و اتضاع قدرهعن احتمال المكاره في جنب نيل المكارم. من كلام أميرالمؤمنين (ع) الوفاء لأهل الغدر غدر و الغدر بأهل الغدر وفاء عند الله تعالى قلت هذا إنما يريد به إذا كان بينهماعهد و مشارطة فغدر أحد الفريقين و خاس بشرطه فإن للآخر أن يغدر بشرطه أيضا و لايفي به. و من شعر الحماسة و اسم الشاعر العارق الطائي :[317]
من مبلغ عمرو بن هند رسالة ** إذا استحقبتها العيس جاءت من البعد أيوعدني و الرمل بيني و بينه ** تبين رويدا ما أمامه من هند و من أجأ حولي رعان كأنها ** قنابل خيل من كميت و من ورد غدرت بأمر كنت أنت اجتررتنا ** إليه و بئس الشيمة الغدر بالعهد قال أبو بكر الصديق ثلاث من كن فيه كنعليه : البغي و النكث و المكر قال سبحانهيا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْعَلى أَنْفُسِكُمْ و قال فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ و قال
وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ .
[318]
42- و من خطبة له (ع) :
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَاأَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَ طُولُ الْأَمَلِ فَأَمَّااتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَ أَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِيالآْخِرَةَ أَلَا وَ إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ حَذَّاءَ فَلَمْ يَبْقَمِنْهَا إِلَّا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الْإِنَاءِ اصْطَبَّهَا صَابُّهَا أَلَا وَإِنَّ الآْخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْأَبْنَاءِ الآْخِرَةِ وَ لَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ كُلَّوَلَدٍ سَيُلْحَقُ بِأُمِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ إِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ وَ غَداً حِسَابٌ وَ لَا عَمَلَ قال الرضي رحمه اللهأقول الحذاء السريعة و من الناس من يرويه جذاء بالجيم و الذال أي انقطع درها و خيرها .الصبابة بقية الماء في الإناء و اصطبهاصابها مثل قولك أبقاها مبقيها أو تركها تاركها و نحو ذلك يقول أخوف ما أخافه عليكماتباع الهوى و طول الأمل أما اتباع الهوى فيصد عن الحق و هذا صحيح لا ريب فيه لأنالهوى يعمي البصيرة و قد قيل
[319]
حبك الشي ء يعمي و يصمو لهذا قال بعض الصالحين رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي و ذاك لأن الإنسان يحب نفسهو من أحب شيئا عمي عن عيوبه فلا يكاد الإنسان يلمح عيب نفسه و قد قيل :أرى كل إنسان يرى عيب غيره ** و يعمى عنالعيب الذي هو فيه فلهذا استعان الصالحون على معرفة عيوبهمبأقوال غيرهم علما منهم أن هوى النفس لذاتها يعميها عن أن تدرك عيبها و ما زالالهوى مرديا قتالا و لهذا قال سبحانه وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى .و قال (ص) ثلاث مهلكاتشح مطاع و هوى متبع و إعجاب المرء بنفسه . و أنت إذا تأملت هلاك من هلك من المتكلمينكالمجبرة و المرجئة مع ذكائهم و فطنتهم و اشتغالهم بالعلوم عرفت أنه لا سببلهلاكهم إلا هوى الأنفس و حبهم الانتصار للمذهب الذي قد ألفوه و قد رأسوا بطريقه وصارت لهم الأتباع و التلامذة و أقبلت الدنيا عليهم و عدهم السلاطين علماء و رؤساءفيكرهون نقض ذلك كله و إبطاله و يحبون الانتصار لتلك المذاهب و الآراء التي نشئواعليها و عرفوا بها و وصلوا إلى ما وصلوا إليه بطريقها و يخافون عار الانتقال عنالمذهب و أن يشتفي بهم الخصوم و يقرعهم الأعداء و من أنصف علم أن الذي ذكرناه حق وأما طول الأمل فينسي الآخرة و هذا حق لأن الذهن إذا انصرف إلى الأمل و مد الإنسانفي مداه فإنه لا يذكر الآخرة بل يصير مستغرق الوقت بأحوال الدنيا و ما يرجو حصولهمنها في مستقبل الزمان.[320]
و من كلام مسعر بن كدام كممن مستقبل يوما ليس يستكمله و منتظر غدا ليس من أجله و لو رأيتم الأجل و مسيرهأبغضتم الأمل و غروره. و كان يقال تسويف الأمل غرار و تسويل المحال ضرار. و من الشعر المنسوبإلى علي (ع) : غر جهولا أمله ** يموت من جا أجله و من دنا من حتفه ** لم تغن عنه حيله و ما بقاء آخر ** قد غاب عنه أوله و المرء لا يصحبه ** في القبر إلا عمله و قال أبو العتاهية :لا تأمن الموت في لحظ و لا نفس ** و لو تمنعت بالحجاب و الحرس و اعلم بأن سهام الموت قاصدة ** لكل مدرع منا و مترس ما بال دينك ترضى أن تدنسه ** و ثوب لبسك مغسول من الدنس ترجو النجاة و لم تسلك مسالكها ** إن السفينة لا تجري على اليبس و من الحديث المرفوع : أيها الناس إن الأعمال تطوى و الأعمار تفنى و الأبدان تبلى في الثرى و إن الليل والنهار يتراكضان تراكض الفرقدين يقربان كل بعيد و يخلقان كل جديد و في ذلك ما ألهىعن الأمل و أذكرك بحلول الأجل . و قال بعض الصالحين بقاؤك إلى فناء وفناؤك إلى بقاء فخذ من فنائك الذي لا يبقى لبقائك الذي لا يفنى.و قال بعضهم اغتنمتنفس الأجل و إمكان العمل و اقطع ذكر المعاذير و العلل و دع تسويف الأماني و الأملفإنك في نفس معدود و عمر محدود ليس بممدود. و قال بعضهم اعمل عمل المرتحل فإن حاديالموت يحدوك ليوم لا يعدوك[321]
ثم قال (ع) ألا إن الدنياقد أدبرت حذاء بالحاء و الذال المعجمة و هي السريعة و قطاة حذاء خف ريش ذنبها ورجل أحذ أي خفيف اليد و قد روي قد أدبرت جذاء بالجيم أي قد انقطع خيرها و درها. ثم قال إن كل ولد سيلحق بأمه يوم القيامة فكونوا من أبناء الآخرة لتلحقوا بها وتفوزوا و لا تكونوا من أبناء الدنيا فتلحقوا بها و تخسروا.ثم قال اليوم عمل و لاحساب و غدا حساب و لا عمل و هذا من باب المقابلة في علم البيان .[322]
43- و من كلام له (ع) :
و قد أشار عليه أصحابه بالاستعداد لحرب أهل الشام بعد إرساله إلى معاوية بجرير بن عبدالله البجلي .إِنَّ اسْتِعْدَادِي لِحَرْبِ أَهْلِالشَّامِ وَ جَرِيرٌ عِنْدَهُمْ إِغْلَاقٌ لِلشَّامِ وَ صَرْفٌ لِأَهْلِهِ عَنْخَيْرٍ إِنْ أَرَادُوهُ وَ لَكِنْ قَدْ وَقَّتُّ لِجَرِيرٍ وَقْتاً لَا يُقِيمُبَعْدَهُ إِلَّا مَخْدُوعاً أَوْ عَاصِياً وَ الرَّأْيُ مَعَ الْأَنَاةِفَأَرْوِدُوا وَ لَا أَكْرَهُ لَكُمُ الْإِعْدَادَ وَ لَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَهَذَا الْأَمْرِ وَ عَيْنَهُ وَ قَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَ بَطْنَهُ فَلَمْ أَرَ فِيهِإِلَّا الْقِتَالَ أَوِ الْكُفْرَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ (ص) إِنَّهُ قَدْكَانَ عَلَى الْأُمَّةِ وَالٍ أَحْدَثَ أَحْدَاثاً وَ أَوْجَدَ النَّاسَ مَقَالًافَقَالُوا ثُمَّ نَقَمُوا فَغَيَّرُوا .أرودوا أي ارفقوا أرود في السير إرواداأي سار برفق و الأناة التثبت و التأني و نهيه لهم عن الاستعداد و قوله بعد و لاأكره لكم الإعداد غير متناقض لأنه كره منهم إظهار الاستعداد و الجهر به و لم يكرهالإعداد في السر و على وجه الخفاء
[323]
و الكتمان و يمكنأن يقال إنه كره استعداد نفسه و لم يكره إعداد أصحابه و هذان متغايران و هذا الوجهاختاره القطب الراوندي. و لقائل أن يقول التعليل الذي علل به (ع) يقتضي كراهيةالأمرين معا و هو أن يتصل بأهل الشام الاستعداد فيرجعوا عن السلم إلى الحرب بلينبغي أن تكون كراهته لإعداد جيشه و عسكره خيولهم و آلات حربهم أولى لأن شياع ذلكأعظم من شياع استعداده وحده لأنه وحده يمكن أن يكتم استعداده و أما استعدادالعساكر العظيمة فلا يمكن أن يكتم فيكون اتصاله و انتقاله إلى أهل الشام أسرعفيكون إغلاق الشام عن باب خير إن أرادوه أقرب و الوجه في الجمع بين اللفظتين ماقدمناه. و أما قوله (ع) ضربت أنف هذا الأمر و عينه فمثل تقوله العرب إذا أرادتالاستقصاء في البحث و التأمل و الفكر و إنما خص الأنف و العين لأنهما صورة الوجه والذي يتأمل من الإنسان إنما هو وجهه. و أما قوله ليس إلا القتال أو الكفر فلأنالنهي عن المنكر واجب على الإمام و لا يجوز له الإقرار عليه فإن تركه فسق و وجبعزله عن الإمامة. و قوله أو الكفر من باب المبالغة و إنما هو القتال أو الفسق فسمىالفسق كفرا تغليظا و تشديدا في الزجر عنه. و قوله (ع) أوجد الناس مقالا أي جعلهمواجدين له. و قال الراوندي أوجد هاهنا بمعنى أغضب و هذا غير صحيح لأنه لا شي ءينصب به مقالا إذا كان بمعنى أغضب و الوالي المشار إليه عثمان .[324]
ذكر ما أورده القاضي عبد الجبار من دفعما تعلق به الناس على عثمان من الأحداث :
يجب أن نذكر هاهنا أحداثه و ما يقولهأصحابنا في تأويلاتها و ما تكلم به المرتضى في كتاب الشافي في هذا المعنى فنقول إنقاضي القضاة رحمه الله تعالى قال في المغني قبل الكلام في تفصيل هذه الأحداث كلامامجملا معناه أن كل من تثبت عدالته و وجب توليه إما على القطع و إما على الظاهرفغير جائز أن يعدل فيه عن هذه الطريقة إلا بأمر متيقن يقتضي العدول عنها يبين ذلكأن من شاهدناه على ما يوجب الظاهر توليه و تعظيمه يجب أن يبقى فيه على هذه الطريقةو إن غاب عنا و قد عرفنا أنه مع الغيبة يجوز أن يكون مستمرا على حالته و يجوز أنيكون منتقلا و لم يقدح هذا التجويز في وجوب ما ذكرناه. ثم قال فالحدث الذي يوجبالانتقال عن التعظيم و التولي إذا كان من باب محتمل لم يجز الانتقال لأجله و الأحوالالمتقررة في النفوس بالعادات و الأحوال المعروفة فيمن نتولاه أقوى في باب الإمارةمن الأمور المتجددة فإن مثل فرقد السبخي و مالك بن دينار لو شوهدا في دار فيهامنكر لقوي في الظن حضورهما للتغيير و الإنكار
[325]
أو علىوجه الإكراه أو الغلط و لو كان الحاضر هناك من علم من حاله الاختلاط بالمنكر لجوزحضوره للفساد بل كان ذلك هو الظاهر من حاله. ثم قال و اعلم أن الكلام فيما يدعى منالحدث و التغير فيمن ثبت توليه قد يكون من وجهين أحدهما هل علم بذلك أم لا. والثاني أنه مع يقين حصوله هل هو حدث يؤثر في العدالة أم لا.و لا فرق بين تجويزألا يكون حدث أصلا و بين أن يعلم حدوثه و يجوز ألا يكون حدثا. ثم قال كل محتمل لوأخبر الفاعل أنه فعله على أحد الوجهين و كان يغلب على الظن صدقه لوجب تصديقه فإذاعرف من حاله المتقررة في النفوس ما يطابق ذلك جرى مجرى الإقرار بل ربما كان أقوى ومتى لم نسلك هذه الطريقة في الأمور المشتبهة لم يصح في أكثر من نتولاه و نعظمه أنتسلم حاله عندنا فإنا لو رأينا من يظن به الخير يكلم امرأة حسناء في الطريق لكانذلك من باب المحتمل فإذا كان لو أخبر أنها أخته أو امرأته لوجب ألا نحول عن توليهفكذلك إذا كان قد تقدم في النفوس ستره و صلاحه فالواجب أن نحمله على هذا الوجه. ثمقال و قول الإمام له مزية في هذا الباب لأنه آكد من غيره و أما ما ينقل عن رسولالله (ص) فإنه و إن لم يكن مقطوعا به يؤثر في هذا الباب و يكون أقوى مما تقدم. ثمقال و قد طعن الطاعنون فيه بأمور متنوعة مختلفة و نحن نقدم على تلك المطاعن كلامامجملا يبين بطلانها على الجملة ثم نتكلم عن تفصيلها.[326]
قال و ذلك أن شيخنا أبا علي رحمه الله تعالى قد قال لو كانت هذه الأحداثمما توجب طعنا على الحقيقة لوجب من الوقت الذي ظهر ذلك من حاله أن يطلب المسلمونرجلا ينصب للإمامة و أن يكون ظهور ذلك عن عثمان كموته فإنه لا خلاف أنه متى ظهر منالإمام ما يوجب خلعه أن الواجب على المسلمين إقامة إمام سواه فلما علمنا أن طلبهملإقامة إمام إنما كان بعد قتله و لم يكن من قبل و التمكن قائم علمنا بطلان ما أضيفإليه من الأحداث. قال و ليس لأحد أن يقول إنهم لم يتمكنوا من ذلك لأن المتعالم منحالهم أنهم حصروه و منعوه من التمكن من نفسه و من التصرف في سلطانه خصوصا و الخصوميدعون أن الجميع كانوا على قول واحد في خلعه و البراءة منه. قال و معلوم من حال هذهالأحداث أنها لم تحصل أجمع في الأيام التي حوصر فيها و قتل بل كانت تحصل من قبلحالا بعد حال فلو كان ذلك يوجب الخلع و البراءة لما تأخر من المسلمين الإنكار عليهو لكان كبار الصحابة المقيمون بالمدينة أولى بذلك من الواردين من البلاد لأن أهلالعلم و الفضل بإنكار ذلك أحق من غيرهم. قال فقد كان يجب على طريقتهم أن تحصلالبراءة و الخلع من أول الوقت الذي حصل منه ما أوجب ذلك و ألا ينتظر حصول غيره منالأحداث لأنه لو وجب انتظار ذلك لم ينته إلى حد إلا و ينتظر غيره. ثم ذكر أنإمساكهم عن ذلك إذا تيقنوا الأحداث منه يوجب نسبة الجميع إلى الخطإ و الضلال و لايمكنهم أن يقولوا إن علمهم بذلك إنما حصل في الوقت الذي حصر و منع لأن من جملةالأحداث التي يذكرونها ما تقدم عن هذه الحال بل كلها أو جلها تقدم هذا الوقت وإنما يمكنهم أن يتعلقوا فيما حدث في هذا الوقت بما يذكرونه من[327]
حديث الكتاب النافذ إلى ابن أبي سرح بالقتل و ما أوجب كون ذلك حدثنا يوجبكون غيره حدثا فكان يجب أن يفعلوا ذلك من قبل و احتمال المتقدم للتأويل كاحتمالالمتأخر. ثم قال و بعد فليس يخلو من أن يدعوا أن طلب الخلع وقع من كل الأمة أو منبعضهم فإن ادعوا ذلك في بعض الأمة فقد علمنا أن الإمامة إذا ثبتت بالإجماع لم يجزإبطالها بلا خلاف لأن الخطأ جائز على بعض الأمة و إن ادعوا في ذلك الإجماع لم يصحلأن من جملة أهل الإجماع عثمان و من كان ينصره و لا يمكن إخراجه من الإجماع بأنيقال إنه كان على باطل لأن بالإجماع يتوصل إلى ذلك و لم يثبت. ثم قال على أنالظاهر من حال الصحابة أنها كانت بين فريقين أما من نصره فقد روي عن زيد بن ثابتأنه قال لعثمان و من معه من الأنصار ائذن لنا بنصرك و روي مثل ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة و المغيرة بن شعبة و الباقون ممتنعون انتظارا لزوال العارض إلا أنه لوضيق عليهم الأمر في الدفع ما قعدوا بل المتعالم من حالهم ذلك. ثم ذكر ما روي منإنفاذ أمير المؤمنين (ع) الحسن و الحسين (ع) إليه و أنه لما قتل لامهما (ع) على وصولالقوم إليه ظنا منه أنهما قصرا. و ذكر أن أصحابالحديث يروون عن النبي (ص) أنه قال ستكون فتنة و اختلاف و أن عثمان و أصحابه يومئذعلى الهدى . و ما روي عن عائشة من قولها قتل و اللهمظلوما. قال و لا يمتنع أن يتعلق بأخبار الأحاديث في ذلك لأنه ليس هناك أمر ظاهريدفعه نحو دعواهم أن جميع الصحابة كانوا عليه لأن ذلك دعوى منهم و إن كان فيهرواية من جهة الآحاد و إذا تعارضت الروايات سقطت و وجب الرجوع إلى ما ثبت منأحواله السليمة و وجوب توليه.[328]
قال و لا يجوز أن يعدلعن تعظيمه و صحة إمامته بأمور محتملة فلا شي ء مما ذكروه إلا و يحتمل الوجهالصحيح. ثم ذكر أن للإمام أن يجتهد برأيه في الأمور المنوطة به و يعمل فيها علىغالب ظنه و قد يكون مصيبا و إن أفضت إلى عاقبة مذمومة. فهذه جملة ما ذكره قاضيالقضاة رحمه الله تعالى في المغني من الكلام إجمالا في دفع ما يتعلق به على عثمانمن الأحداث .
رد المرتضى على ما أورده القاضي عبدالجبار من الدفاع عن عثمان :
و اعترض المرتضى رحمه الله تعالى فيالشافي فقال أما قوله من تثبت عدالته و وجب توليه إما قطعا أو على الظاهر فغيرجائز أن يعدل فيه عن هذه الطريقة إلا بأمر متيقن فغير مسلم لأن من نتولاه علىالظاهر و ثبتت عدالته عندنا من جهة غالب الظن يجب أن نرجع عن ولايته بما يقتضيغالب الظن دون اليقين و لهذا يؤثر في جرح الشهود و سقوط عدالتهم أقوال الجارحين وإن كانت مظنونة غير معلومة و ما يظهر من أنفسهم من الأفعال التي لها ظاهر يظن معهالقبيح بهم حتى نرجع عما كنا عليه من القول بعدالتهم و إن لم يكن كل ذلك متيقنا وإنما يصح ما ذكره فيمن ثبتت عدالته على القطع و وجب توليه على الباطن فلا يجوز أنيؤثر في حاله ما يقتضي الظن لأن الظن لا يقابل العلم و الدلالة لا تقابل الأمارة.فإن قال لم أرد بقولي إلا بأمر متيقن أن كونه حدثا متيقن و إنما أردت تيقن وقوعالفعل نفسه. قلنا الأمران سواء في تأثير غلبة الظن فيهما و لهذا يؤثر في عدالة منتقدمت