شرح نهج البلاغة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شرح نهج البلاغة - جلد 2

ابن ابی الحدید المعتزلی؛ محقق: محمد ابوالفضل ابراهیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


قال نصر و أقبل الأشتر على فرس كميتمحذوف و قد وضع مغفره على قربوس السرج و هو ينادي اصبروا يا معشر المؤمنين فقد حميالوطيس و رجعت الشمس من الكسوف و اشتد القتال و أخذت السباع بعضها بعضا فهم كماقال الشاعر :

مضت و استأخر القرعاء عنها ** و خلي بينهم إلا الوريع

قال يقول واحد لصاحبه في تلك الحال أيرجل هذا لو كانت له نية فيقول له صاحبه و أي نية أعظم من هذه ثكلتك أمك و هبلتك إنرجلا كما ترى قد سبح في الدم و ما أضجرته الحرب و قد غلت هام الكماة من الحر وبلغت القلوب الحناجر و هو كما تراه جزعا يقول هذه المقالة اللهم لا تبقنا بعد هذا.

قلت لله أم قامت عن الأشتر لو أن إنسانا يقسم أن الله تعالى ما خلق في العرب

[214]

و لا في العجم أشجع منه إلا أستاذه (ع) لما خشيت عليهالإثم و لله در القائل و قد سئل عن الأشتر ما أقول في رجل هزمت حياته أهل الشام وهزم موته أهل العراق.

و بحق ما قال فيه أميرالمؤمنين (ع) : كان الأشتر لي كما كنت لرسول الله (ص) .

قال نصر و روى الشعبي عن صعصعة قال و قدكان الأشعث بن قيس بدر منه قول ليلة الهرير نقله الناقلون إلى معاوية فاغتنمه وبنى عليه تدبيره و ذلك أن الأشعث خطب أصحابه من كندة تلك الليلة فقال الحمد للهأحمده و أستعينه و أومن به و أتوكل عليه و أستنصره و أستغفره و أستجيره و أستهديهو أستشيره و أستشهد به فإن من هداه الله فلا مضل له و من يضلل الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ص. ثم قالقد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي و ما قد فني فيه منالعرب فو الله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قطألا فليبلغ الشاهد الغائب إنا نحن إن تواقفنا غدا إنه لفناء العرب و ضيعة الحرماتأما و الله ما أقول هذه المقالة جزعا من الحرب و لكني رجل مسن أخاف على النساء والذراري غدا إذا فنينا اللهم إنك تعلم أني قد نظرت لقومي و لأهل ديني فلم آل و ماتوفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب و الرأي يخطئ و يصيب

[215]

و إذا قضى الله أمرا أمضاه على ما أحب العباد أو كرهوا أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي و لكم. قال الشعبي قال صعصعة فانطلقت عيون معاوية إليهبخطبة الأشعث فقال أصاب و رب الكعبة لئن نحن التقينا غدا لتميلن على ذراري أهلالشام و نسائهم و لتميلن فارس على ذراري أهل العراق و نسائهم إنما يبصر هذا ذووالأحلام و النهى ثم قال لأصحابه اربطوا المصاحف على أطراف القنا.

فثار أهل الشامفي سواد الليل ينادون عن قول معاوية و أمره يا أهل العراق من لذرارينا إن قتلتموناو من لذراريكم إذا قتلناكم الله الله في البقية و أصبحوا و قد رفعوا المصاحف على رءوسالرماح و قد قلدوها الخيل و الناس على الرايات قد اشتهوا ما دعوا إليه و مصحف دمشقالأعظم يحمله عشرة رجال على رءوس الرماح و هم ينادون كتاب الله بيننا و بينكم.

و أقبل أبو الأعور السلمي على برذون أبيض و قد وضع المصحف على رأسه ينادي يا أهلالعراق كتاب الله بيننا و بينكم. قال فجاء عدي بن حاتم الطائي فقال يا أميرالمؤمنين إنه لم يصب منا عصبة إلا و قد أصيب منهم مثلها و كل مقروح و لكنا أمثلبقية منهم و قد جزع القوم و ليس بعد الجزع إلا ما نحب فناجزهم.

و قام الأشتر فقاليا أمير المؤمنين إن معاوية لا خلف له من رجاله و لكن

[216]

بحمد الله لك الخلف و لو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك و لا نصرك فاقرعالحديد بالحديد و استعن بالله الحميد.

ثم قام عمرو بن الحمق فقال يا أمير المؤمنينإنا و الله ما أجبناك و لا نصرناك على الباطل و لا أجبنا إلا الله و لا طلبنا إلاالحق و لو دعانا غيرك إلى ما دعوتنا إليه لاستشرى فيه اللجاج و طالت فيه النجوى وقد بلغ الحق مقطعه و ليس لنا معك رأي.

فقام الأشعث بن قيس مغضبا فقال يا أميرالمؤمنين إنا لك اليوم على ما كنا عليه أمس و ليس آخر أمرنا كأوله و ما من القومأحد أحنى على أهل العراق و لا أوتر لأهل الشام مني فأجب القوم إلى كتاب الله عز وجل فإنك أحق به منهم و قد أحب الناس البقاء و كرهوا القتال.

فقال علي (ع) هذا أمرينظر فيه. فتنادى الناس من كل جانب الموادعة.

فقال علي (ع) أيهاالناس إني أحق من أجاب إلى كتاب الله و لكن معاوية و عمرو بن العاص و ابن أبي معيطو ابن أبي سرح و ابن مسلمة ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن إني أعرف بهم منكم صحبتهمصغارا و رجالا فكانوا شر صغار و شر رجال ويحكم إنها كلمة حق يراد بها باطل إنهم مارفعوها أنهم يعرفونها و يعملون بها و لكنها الخديعة و الوهن و المكيدة أعيرونيسواعدكم و جماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ الحق مقطعه و لم يبق إلا أن يقطع دابر الذين ظلموا .

فجاءه من أصحابه زهاء عشرين ألفا مقنعينفي الحديد شاكي السلاح سيوفهم على

[217]

عواتقهم و قداسودت جباههم من السجود يتقدمهم مسعر بن فدكي و زيد بن حصين و عصابة من القراءالذين صاروا خوارج من بعد فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين يا علي أجب القوم إلىكتاب الله إذ دعيت إليه و إلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان فو الله لنفعلنها إن لمتجبهم فقال لهم ويحكم أنا أول من دعا إلى كتاب الله و أول من أجاب إليه و ليس يحللي و لا يسعني في ديني أن أدعى إلى كتاب الله فلا أقبله إني إنما قاتلتهم ليدينوابحكم القرآن فإنهم قد عصوا الله فيما أمرهم و نقضوا عهده و نبذوا كتابه و لكني قدأعلمتكم أنهم قد كادوكم و أنهم ليس العمل بالقرآن يريدون قالوا فابعث إلى الأشترليأتينك و قد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير أشرف على عسكر معاوية ليدخله.

قال نصر فحدثني فضيل بن خديج عن رجل من النخع قال سأل مصعب إبراهيم بن الأشتر عن الحال كيفكانت فقال كنت عند علي (ع) حين بعث إلى الأشتر ليأتيه و قد كان الأشتر أشرف علىمعسكر معاوية ليدخله فأرسل إليه علي (ع) يزيد بن هانئ أن ائتني فأتاه فأبلغه فقالالأشتر ائته فقل له ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني عن موقفي

[218]

إني قد رجوت الفتح فلا تعجلني فرجع يزيد بن هانئ إلىعلي (ع) فأخبره فما هو إلا أن انتهى إلينا حتى ارتفع الرهج و علت الأصوات من قبلالأشتر و ظهرت دلائل الفتح و النصر لأهل العراق و دلائل الخذلان و الإدبار على أهلالشام فقال القوم لعلي و الله ما نراك أمرته إلا بالقتال قال أ رأيتموني ساررترسولي إليه أ ليس إنما كلمته على رءوسكم علانية و أنتم تسمعون قالوا فابعث إليهفليأتك و إلا فو الله اعتزلناك فقال ويحك يا يزيد قل له أقبل إلي فإن الفتنة قدوقعت فأتاه فأخبره فقال الأشتر أ برفع هذه المصاحف قال نعم قال أما و الله لقدظننت أنها حين رفعت ستوقع خلافا و فرقة إنها مشورة ابن النابغة ثم قال ليزيد بنهانئ ويحك أ لا ترى إلى الفتح أ لا ترى إلى ما يلقون أ لا ترى الذي يصنع الله لناأ ينبغي أن ندع هذا و ننصرف عنه فقال له يزيد أ تحب أنك ظفرت هاهنا و أن أميرالمؤمنين بمكانه الذي هو فيه يفرج عنه و يسلم إلى عدوه قال سبحان الله لا و اللهلا أحب ذلك قال فإنهم قد قالوا له و حلفوا عليه لترسلن إلى الأشتر فليأتينك أولنقتلنك بأسيافنا كما قتلنا عثمان أو لنسلمنك إلى عدوك.

فأقبل الأشتر حتى انتهىإليهم فصاح يا أهل الذل و الوهن أ حين علوتم القوم و ظنوا أنكم لهم قاهرون رفعواالمصاحف يدعونكم إلى ما فيها و قد و الله تركوا ما أمر الله به فيها و تركوا سنةمن أنزلت عليه فلا تجيبوهم أمهلوني فواقا فإني

[219]

قد أحسست بالفتح قالوا لا نمهلك قال فأمهلوني عدوة الفرس فإني قد طمعت في النصر قالواإذن ندخل معك في خطيئتك.

قال فحدثوني عنكم و قد قتل أماثلكم و بقي أراذلكم متىكنتم محقين أ حين كنتم تقتلون أهل الشام فأنتم الآن حين أمسكتم عن قتالهم مبطلونأم أنتم الآن في إمساككم عن القتال محقون فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم وأنهم خير منكم في النار قالوا دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في الله و ندع قتالهم فيالله إنا لسنا نطيعك فاجتنبنا فقال خدعتم و الله فانخدعتم و دعيتم إلى وضع الحربفأجبتم يا أصحاب الجباه السود كنا نظن صلاتكم زهادة في الدنيا و شوقا إلى لقاءالله فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت ألا فقبحا يا أشباه النيب الجلالة ماأنتم براءين بعدها عزا أبدا فابعدوا كما بعد القوم الظالمون. فسبوه و سبهم و ضربوابسياطهم وجه دابته و ضرب بسوطه وجوه دوابهم و صاح بهم علي (ع) فكفوا و قال الأشتر ياأمير المؤمنين احمل الصف على الصف تصرع القوم فتصايحوا أن أمير المؤمنين قد قبلالحكومة و رضي بحكم القرآن فقال الأشتر إن كان أمير المؤمنين قد قبل و رضي فقدرضيت بما رضي به أمير المؤمنين فأقبل الناس يقولون قد رضي أمير المؤمنين قد قبلأمير المؤمنين و هو ساكت لا يبض بكلمة مطرق إلى الأرض.

ثم قال فسكت الناس كلهم :

فقال أيها الناس إنأمري لم يزل معكم على ما أحب إلى أن أخذت منكم الحرب و قد و الله أخذت منكم و تركتو أخذت من عدوكم فلم تترك و إنها فيهم أنكى و أنهك ألا إني كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم

[220]

مأمورا و كنت ناهيا فأصبحت منهيا و قدأحببتم البقاء و ليس لي أن أحملكم على ما تكرهون ثم قعد .

قال نصر ثم تكلم رؤساء القبائل فكل قالما يراه و يهواه إما من الحرب أو من السلم فقام كردوس بن هانئ البكري فقال أيهاالناس إنا و الله ما تولينا معاوية منذ تبرأنا منه و لا تبرأنا من علي منذ توليناهو إن قتلانا لشهداء و إن أحياءنا لأبرار و إن عليا لعلى بينة من ربه و ما أحدث إلاالإنصاف فمن سلم له نجا و من خالفه هلك ثم قام شقيق بن ثور البكري فقال أيها الناسإنا دعونا أهل الشام إلى كتاب الله فردوه علينا فقاتلناهم عليه و إنهم قد دعونااليوم إليه فإن رددناه عليهم حل لهم منا ما حل لنا منهم و لسنا نخاف أن يحيف اللهعلينا و رسوله ألا إن عليا ليس بالراجع الناكس و لا الشاك الواقف و هو اليوم علىما كان عليه أمس و قد أكلتنا هذه الحرب و لا نرى البقاء إلا في الموادعة.

قال نصرثم إن أهل الشام لما أبطأ عنهم علم حال أهل العراق هل أجابوا إلى الموادعة أم لاجزعوا فقالوا يا معاوية ما نرى أهل العراق أجابوا إلى ما دعوناهم إليه فأعدها جذعةفإنك قد غمرت بدعائك القوم و أطمعتهم فيك.

فدعا معاوية عبد الله بن عمرو بن العاصفأمره أن يكلم أهل العراق و يستعلم له ما عندهم فأقبل حتى إذا كان بين الصفين نادىيا أهل العراق أنا عبد الله بن

[221]

عمرو بن العاص إنه قدكانت بيننا و بينكم أمور للدين أو الدنيا فإن تكن للدين فقد و الله أعذرنا وأعذرتم و إن تكن للدنيا فقد و الله أسرفنا و أسرفتم و قد دعوناكم إلى أمر لودعوتمونا إليه لأجبناكم فإن يجمعنا و إياكم الرضا فذاك من الله فاغتنموا هذهالفرصة عسى أن يعيش فيها المحترف و ينسى فيها القتيل فإن بقاء المهلك بعد الهالكقليل. فأجابه سعد بن قيس الهمداني فقال أما بعد يا أهل الشام إنه قد كانت بيننا وبينكم أمور حامينا فيها على الدين و الدنيا و سميتموها غدرا و سرفا و قد دعوتمونااليوم إلى ما قاتلناكم عليه أمس و لم يكن ليرجع أهل العراق إلى عراقهم و أهل الشامإلى شامهم بأمر أجمل من أن يحكم فيه بما أنزل الله سبحانه فالأمر في أيدينا دونكمو إلا فنحن نحن و أنتم أنتم. فقام الناس إلى علي (ع) فقالوا له أجب القوم إلىالمحاكمة قال و نادى إنسان من أهل الشام في جوف الليل بشعر سمعه الناس و هو :

رءوس العراق أجيبوا الدعاء ** فقد بلغت غاية الشده

و قد أودت الحرب بالعالمين ** و أهل الحفائظ و النجده

فلسنا و لستم من المشركين ** و لا المجمعين على الرده

و لكن أناس لقوا مثلهم ** لنا عدة و لكم عده

[222]

فقاتل كل على وجهه يقحمه الجد و الحده فإن تقبلوها ففيها البقاء و أمنالفريقين و البلده و إن تدفعوها ففيها الفناء و كل بلاء إلى مده فحتى متى مخض هذاالسقاء و لا بد أن تخرج الزبده ثلاثة رهط هم أهلها و إن يسكتوا تخمد الوقده سعيدبن قيس و كبش العراق و ذاك المسود من كنده .

قال فأما المسود من كندة و هو الأشعثفإنه لم يرض بالسكوت بل كان من أعظم الناس قولا في إطفاء الحرب و الركون إلىالموادعة و أما كبش العراق و هو الأشتر فلم يكن يرى إلا الحرب و لكنه سكت على مضضو أما سعيد بن قيس فكان تارة هكذا و تارة هكذا.

و ذكر ابن ديزيل الهمداني في كتابصفين قال خرج عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و معه لواء معاوية فارتجز فخرج إليهجارية بن قدامة السعدي فارتجز أيضا مجيبا له ثم اطعنا فلم يصنعا شيئا و انصرف كلواحد منهما عن صاحبه فقال عمرو بن العاص لعبد الرحمن اقحم يا ابن سيف الله فتقدمعبد الرحمن بلوائه و تقدم أصحابه فأقبل علي (ع) على الأشتر فقال له قد بلغ لواءمعاوية حيث

[223]

ترى فدونك القوم فأخذ الأشتر لواء علي (ع) و قال :

إني أنا الأشتر معروف الشتر **إني أنا الأفعى العراقي الذكر

لست ربيعيا و لست من مضر ** لكنني من مذحج الشم الغرر

فضارب القوم حتى ردهم فانتدب له همام بنقبيصة الطائي و كان مع معاوية فشد عليه في مذحج فانتصر عدي بن حاتم الطائي للأشتر فحمل عليه في طي ء فاشتد القتال جدا .

فدعا علي ببغلة رسول الله (ص) فركبها ثمتعصب بعمامة رسول الله و نادى أيها الناس من يشري نفسه لله إن هذا يوم له ما بعدهفانتدب معه ما بين عشرة آلاف إلى اثني عشر ألفا فتقدمهم علي (ع) و قال :

دبوا دبيب النمل لا تفوتوا ** و أصبحوا أمركم أو بيتوا

حتى تنالوا الثأر أو تموتوا

و حمل و حمل الناس كلهم حملة واحدة فلم يبق لأهل الشام صف إلاأزالوه حتى أفضوا إلى معاوية فدعا معاوية بفرسه ليفر عليه.

و كان معاوية بعد ذلكيحدث فيقول لما وضعت رجلي في الركاب ذكرت قول عمرو بن الإطنابة:

أبت لي عفتي و أبى بلائي ** و أخذي الحمد بالثمن الربيح

[224]

و إقدامي على المكروه نفسي ** و ضربي هامة البطل المشيح

و قولي كلما جشأت و جاشت ** مكانك تحمدي أو تستريحي

فأخرجت رجلي من الركاب و أقمت و نظرتإلى عمرو فقلت له اليوم صبر و غدا فخر فقال صدقت. قال إبراهيم بن ديزيل روى عبدالله بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن حاطب عن معاوية قال أخذت بمعرفة فرسي و وضعترجلي في الركاب للهرب حتى ذكرت شعر ابن الإطنابة فعدت إلى مقعدي فأصبت خير الدنياو إني لراج أن أصيب خير الآخرة.

قال إبراهيم بن ديزيل فكان ذلك يوم الهرير ثم رفعتالمصاحف بعده.

و روى إبراهيم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ربيعة بن لقيطقال شهدنا صفين فمطرت السماء علينا دما عبيطا.

و قال و في حديث الليث بن سعد أنكانوا ليأخذونه بالصحاف و الآنية و في حديث ابن لهيعة حتى إن الصحاف و الآنيةلتمتلئ و نهريقها.

قال إبراهيم و روى عبد الرحمن بن زياد عن الليث بن سعد عن يزيدبن أبي حبيب عمن حدثه ممن حضر صفين أنهم مطروا دما عبيطا فتلقاه الناس بالقصاع والآنية و ذلك في يوم الهرير و فزع أهل الشام و هموا أن يتفرقوا فقام عمرو بن العاصفيهم فقال أيها الناس إنما هذه آية من آيات الله فأصلح امرؤ ما بينه و بين الله ثملا عليه أن ينتطح هذان الجبلان فأخذوا في القتال

[225]

قال إبراهيم و روى أبو عبد الله المكي قال حدثنا سفيان بن عاصم بن كليب الحارثي عنأبيه قال أخبرني ابن عباس قال لقد حدثني معاوية أنه كان يومئذ قد قرب إليه فرسا لهأنثى بعيدة البطن من الأرض ليهرب عليها حتى أتاه آت من أهل العراق فقال له إنيتركت أصحاب علي في مثل ليلة الصدر من منى فأقمت قال فقلنا له فأخبرنا من هو ذلكالرجل فأبى و قال لا أخبركم من هو.

قال نصر و إبراهيم أيضا و كتب معاوية إلى علي (ع) أما بعد فإن هذا الأمر قد طال بيننا و بينك و كل واحد منا يرى أنه على الحق فيمايطلب من صاحبه و لن يعطي واحد منا الطاعة للآخر و قد قتل فيما بيننا بشر كثير وأنا أتخوف أن يكون ما بقي أشد مما مضى و إنا سوف نسأل عن ذلك الموطن و لا يحاسب بهغيري و غيرك و قد دعوتك إلى أمر لنا و لك فيه حياة و عذر و براءة و صلاح للأمة وحقن للدماء و ألفة للدين و ذهاب للضغائن و الفتن أن نحكم بيني و بينكم حكمينمرضيين أحدهما من أصحابي و الآخر من أصحابك فيحكمان بيننا بما أنزل الله فهو خيرلي و لك و أقطع لهذه الفتن فاتق الله فيما دعيت إليه و ارض بحكم القرآن إن كنت من أهله و السلام.

فكتب إليه علي (ع) منعبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإن أفضل ما شغل بهالمرء نفسه اتباع ما حسن به فعله و استوجب فضله و سلم من عيبه

[226]

و إن البغي و الزور يزريان بالمرء في دينه و دنياه فاحذر الدنيا فإنه لافرح في شي ء وصلت إليه منها و لقد علمت أنك غير مدرك ما قضى فواته و قد رام قومأمرا بغير الحق و تأولوه على الله جل و عز فأكذبهم و متعهم قليلا ثم اضطرهم إلى عذابغليظ فاحذر يوما يغتبط فيه من حمد عاقبة عمله و يندم فيه من أمكن الشيطان من قيادهو لم يحاده و غرته الدنيا و اطمأن إليها ثم إنك قد دعوتني إلى حكم القرآن و لقدعلمت أنك لست من أهل القرآن و لا حكمه تريد و الله المستعان فقد أجبنا القرآن إلىحكمه و لسنا إياك أجبنا و من لم يرض بحكم القرآن فقد ضل ضلالا بعيدا .

فكتب معاوية إلى علي (ع) أما بعد عافاناالله و إياك فقد آن لك أن تجيب إلى ما فيه صلاحنا و ألفة بيننا و قد فعلت الذيفعلت و أنا أعرف حقي و لكني اشتريت بالعفو صلاح الأمة و لم أكثر فرحا بشي ء جاء ولا ذهب و إنما أدخلني في هذا الأمر القيام بالحق فيما بين الباغي و المبغي عليه والأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فدعوت إلى كتاب الله فيما بيننا و بينك فإنه لايجمعنا و إياك إلا هو نحيي ما أحيا القرآن و نميت ما أمات القرآن و السلام.

قال نصر فكتب علي (ع) إلى عمرو بن العاص يعظه و يرشده

[227]

أما بعد فإن الدنيامشغلة عن غيرها و لن يصيب صاحبها منها شيئا إلا فتحت له حرصا يزيده فيها رغبة و لنيستغني صاحبها بما نال عما لم يبلغ و من وراء ذلك فراق ما جمع و السعيد من وعظبغيره فلا تحبط أبا عبد الله أجرك و لا تجار معاوية في باطله و السلام .

فكتب إليه عمرو الجواب أما بعد أقولفالذي فيه صلاحنا و ألفتنا الإنابة إلى الحق و قد جعلنا القرآن بيننا حكما و أجبناإليه فصبر الرجل منا نفسه على ما حكم عليه القرآن و عذره الناس بعد المحاجزة و السلام.

فكتب إليه علي (ع) أمابعد فإن الذي أعجبك من الدنيا مما نازعتك إليه نفسك و وثقت به منها لمنقلب عنك ومفارق لك فلا تطمئن إلى الدنيا فإنها غرارة و لو اعتبرت بما مضى لحفظت ما بقي وانتفعت منها بما وعظت به و السلام .

فأجابه عمرو أما بعد فقد أنصف من جعلالقرآن إماما و دعا الناس إلى أحكامه فاصبر أبا حسن فإنا غير منيليك إلا ما أنالكالقرآن و السلام.

قال نصر و جاء الأشعث إلى علي (ع) فقال يا أمير المؤمنين ما أرىالناس إلا قد رضوا و سرهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن

[228]

فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد و نظرت ما الذييسأل قال فأته إن شئت فأتاه فسأله يا معاوية لأي شي ء رفعتم هذه المصاحف قال لنرجعنحن و أنتم إلى ما أمر الله به فيها فابعثوا رجلا منكم ترضون به و نبعث منا رجلا ونأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله و لا يعدوانه ثم نتبع ما اتفقا عليه فقال الأشعثهذا هو الحق.

و انصرف إلى علي (ع) فأخبره فبعث علي (ع) قراء من أهل العراق و بعثمعاوية قراء من أهل الشام فاجتمعوا بين الصفين و معهم المصحف فنظروا فيه و تدارسواو اجتمعوا على أن يحيوا ما أحيا القرآن و يميتوا ما أمات القرآن و رجع كل فريق إلىصاحبه فقال أهل الشام إنا قد رضينا و اخترنا عمرو بن العاص و قال الأشعث و القراءالذين صاروا خوارج فيما بعد قد رضينا نحن و اخترنا أبا موسى الأشعري فقال لهم عليع فإني لا أرضى بأبي موسى و لا أرى أن أوليه فقال الأشعث و زيد بن حصين و مسعر بنفدكي في عصابة من القراء إنا لا نرضى إلا به فإنه قد كان حذرنا ما وقعنا فيه فقالعلي (ع) فإنه ليس لي برضا و قد فارقني و خذل الناس عني و هرب مني حتى أمنته بعد أشهرو لكن هذا ابن عباس أوليه ذلك قالوا و الله ما نبالي أ كنت أنت أو ابن عباس و لانريد إلا رجلا هو منك و من معاوية سواء ليس إلى واحد منكما بأدنى من الآخر قال عليع فإني أجعل الأشتر فقال الأشعث و هل سعر الأرض علينا إلا الأشتر و هل نحن إلا فيحكم الأشتر قال علي (ع) و ما حكمه قال حكمه أن يضرب بعضنا بعضا بالسيف حتى يكون ماأردت و ما أراد.

[229]

قال نصر و حدثناعمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي قال لما أراد الناس عليا أن يضعالحكمين قال لهم إن معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحدا هو أوثق برأيه و نظره منعمرو بن العاص و إنه لا يصلح للقرشي إلا مثله فعليكم بعبد الله بن العباس فارموهبه فإن عمرا لا يعقد عقدة إلا حلها عبد الله و لا يحل عقدة إلا عقدها و لا يبرمأمرا إلا نقضه و لا ينقض أمرا إلا أبرمه فقال الأشعث لا و الله لا يحكم فينامضريان حتى تقوم الساعة و لكن اجعل رجلا من أهل اليمن إذ جعلوا رجلا من مضر فقالعلي (ع) إني أخاف أن يخدع يمنيكم فإن عمرا ليس من الله في شي ء إذا كان له في أمرهوى فقال الأشعث و الله لأن يحكما ببعض ما نكره و أحدهما من أهل اليمن أحب إلينامن أن يكون بعض ما نحب في حكمهما و هما مضريان .

قال و ذكر الشعبي أيضا مثل ذلك.

قال نصر فقال علي (ع) قد أبيتم إلا أبا موسى قالوا نعم قال فاصنعوا ما شئتم فبعثوا إلى أبي موسىو هو بأرض من أرض الشام يقال لها عرض قد اعتزل القتال فأتاه مولى له فقال إن الناسقد اصطلحوا فقال الحمد لله رب العالمين قال و قد جعلوك حكما فقال إنا لله و إنا إليه راجعون.

فجاء أبو موسى حتى دخل عسكر علي (ع) و جاء الأشتر عليا فقال يا أميرالمؤمنين ألزني بعمرو بن العاص فو الذي لا إله غيره لئن ملأت عيني منه لأقتلنه

[230]

و جاء الأحنف بن قيس عليا فقال يا أمير المؤمنين إنكقد رميت بحجر الأرض و من حارب الله و رسوله أنف الإسلام و إني قد عجمت هذا الرجليعني أبا موسى و حلبت أشطره فوجدته كليل الشفرة قريب القعر و إنه لا يصلح لهؤلاءالقوم إلا رجل يدنو منهم حتى يكون في أكفهم و يتباعد منهم حتى يكون بمنزلة النجممنهم فإن شئت أن تجعلني حكما فاجعلني و إن شئت أن تجعلني ثانيا أو ثالثا فإن عمرالا يعقد عقدة إلا حللتها و لا يحل عقدة إلا عقدت لك أشد منها. فعرض علي (ع) ذلك علىالناس فأبوه و قالوا لا يكون إلا أبا موسى. قال نصر مال الأحنف إلى علي (ع) فقال ياأمير المؤمنين إني خيرتك يوم الجمل أن آتيك فيمن أطاعني أو أكف عنك بني سعد فقلتكف قومك فكفى بكفك نصيرا فأقمت بأمرك و إن عبد الله بن قيس رجل قد حلبت أشطره فوجدتهقريب القعر كليل المدية و هو رجل يمان و قومه مع معاوية و قد رميت بحجر الأرض وبمن حارب الله و رسوله و إن صاحب القوم من ينأى حتى يكون مع النجم و يدنو حتى يكونفي أكفهم فابعثني فو الله لا يحل عنك عقدة إلا عقدت لك أشد منها فإن قلت إني لستمن أصحاب رسول الله فابعث رجلا من أصحاب رسول الله و ابعثني معه.

/ 22