و روى البلاذري في كتابأنساب الأشراف قال قيل لعبد الله بن عباس
[247]
ما منع عليا أن يبعثك مع عمرو يوم التحكيم فقال منعه حاجز القدر و محنة الابتلاء و قصرالمدة أما و الله لو كنت لقعدت على مدارج أنفاسه ناقضا ما أبرم و مبرما ما نقضأطير إذا أسف و أسف إذا طار و لكن قد سبق قدر و بقي أسف و مع اليوم غد و الآخرةخير لأمير المؤمنين . و ذكر البلاذري أيضا قال قام عمرو بن العاص بالموسم فأطرىمعاوية و بني أمية و تناول بني هاشم و ذكر مشاهده بصفين و يوم أبي موسى فقام إليهابن عباس فقال يا عمرو إنك بعت دينك من معاوية فأعطيته ما في يدك و مناك ما في يدغيره فكان الذي أخذه منك فوق الذي أعطاك و كان الذي أخذت منه دون ما أعطيته و كلراض بما أخذ و أعطى فلما صارت مصر في يدك تتبعك بالنقض عليك و التعقب لأمرك ثمبالعزل لك حتى لو أن نفسك في يدك لأرسلتها و ذكرت يومك مع أبي موسى فلا أراك فخرتإلا بالغدر و لا منيت إلا بالفجور و الغش و ذكرت مشاهدك بصفين فو الله ما ثقلتعلينا وطأتك و لا نكأت فينا جرأتك و لقد كنت فيها طويل اللسان قصير البنان آخرالحرب إذا أقبلت و أولها إذا أدبرت لك يدان يد لا تقبضها عن شر و يد لا تبسطها إلىخير و وجهان وجه مؤنس و وجه موحش و لعمري إن من باع دينه بدنيا غيره لحري حزنه علىما باع و اشترى أما إن لك بيانا و لكن فيك خطل و إن لك لرأيا و لكن فيك فشل و إنأصغر عيب فيك لأعظم عيب في غيرك. قال نصر و كان النجاشي الشاعر صديقا لأبي موسىفكتب إليه يحذره من عمرو بن العاص : يؤمل أهل الشام عمرا و إنني ** لآمل عبد الله عند الحقائق[248]
و إن أبا موسى سيدرك حقنا ** إذا ما رمى عمرا بإحدى البوائق فلله ما يرمى العراق و أهله ** به منه إن لم يرمه بالصواعق فكتب إليه أبو موسى إني لأرجو أن ينجليهذا الأمر و أنا فيه على رضا الله سبحانه. قال نصر ثم إن شريح بن هانئ جهز أباموسى جهازا حسنا و عظم أمره في الناس ليشرف في قومه فقال الأعور الشني في ذلك يخاطب شريحا. زففت ابن قيس زفاف العروس ** شريح إلى دومة الجندل و في زفك الأشعري البلاء ** و ما يقض من حادث ينزل و ما الأشعري بذي إربة ** و لا صاحب الخطة الفيصل و لا آخذا حظ أهل العراق ** و لو قيل ها خذه لم يفعل يحاول عمرا و عمرو له ** خدائع يأتي بها من علي فإن يحكما بالهدى يتبعا ** و إن يحكما بالهوى الأميل يكونا كتيسين في قفرة ** أكيلي نقيف من الحنظل فقال شريح و الله لقد تعجلت رجالمساءتنا في أبي موسى و طعنوا عليه بأسوإ الطعن و ظنوا فيه ما الله عصمه منه إن شاءالله[249]
قال و سار مع عمرو بن العاص شرحبيل بن السمط فيخيل عظيمة حتى إذا أمن عليه خيل أهل العراق ودعه ثم قال له يا عمرو إنك رجل قريش وإن معاوية لم يبعثك إلا لعلمه أنك لا تؤتى من عجز و لا مكيدة و قد عرفت أني وطئتهذا الأمر لك و لصاحبك فكن عند ظني بك ثم انصرف و انصرف شريح بن هانئ حين أمن خيلأهل الشام على أبي موسى و ودعه. و كان آخر من ودع أبا موسى الأحنف بن قيس أخذ بيدهثم قال له : يا أبا موسى اعرف خطب هذا الأمر و اعلم أن له ما بعده و أنك إن أضعتالعراق فلا عراق اتق الله فإنها تجمع لك دنياك و آخرتك و إذا لقيت غدا عمرا فلاتبدأه بالسلام فإنها و إن كانت سنة إلا أنه ليس من أهلها و لا تعطه يدك فإنهاأمانة و إياك أن يقعدك على صدر الفراش فإنها خدعة و لا تلقه إلا وحده و احذر أنيكلمك في بيت فيه مخدع تخبأ لك فيه الرجال و الشهود ثم أراد أن يثور ما في نفسهلعلي فقال له فإن لم يستقم لك عمرو على الرضا بعلي فليختر أهل العراق من قريشالشام من شاءوا أو فليختر أهل الشام من قريش العراق من شاءوا. فقال أبو موسى قدسمعت ما قلت و لم ينكر ما قاله من زوال الأمر عن علي. فرجع الأحنف إلى علي (ع) فقالله أخرج أبو موسى و الله زبدة سقائه في أول مخضه لا أرانا إلا بعثنا رجلا لا ينكرخلعك فقال علي الله غالب على أمره. قال نصر و شاع و فشا أمر الأحنف و أبي موسى فيالناس فبعث الصلتان العبدي و هو بالكوفة إلى دومة الجندل بهذه الأبيات :[250]
لعمرك لا ألفي مدى الدهر خالعا ** عليا بقول الأشعري و لا عمرو فإن يحكما بالحق نقبله منهما ** و إلا أثرناها كراغية البكر و لسنا نقول الدهر ذاك إليهما ** و في ذاك لو قلناه قاصمة الظهر و لكن نقول الأمر و النهي كله ** إليه و في كفيه عاقبة الأمر و ما اليوم إلا مثل أمس و إننا ** لفي وشل الضحضاح أو لجة البحر قال فلما سمع الناس قول الصلتان شحذهمذلك على أبي موسى و استبطأه القوم و ظنوا به الظنون و مكث الرجلان بدومة الجندل لايقولان شيئا و كان سعد بن أبي وقاص قد اعتزل عليا و معاوية و نزل على ماء لبنيسليم بأرض البادية يتشوف الأخبار و كان رجلا له بأس و رأي و مكان في قريش و لم يكنله هوى في علي و لا في معاوية فأقبل راكب يوضع من بعيد فإذا هو ابنه عمر فقال لهأبوه مهيم فقال التقى الناس بصفين فكان بينهم ما قد بلغك حتى تفانوا ثم حكموا عبدالله بن قيس و عمرو بن العاص و قد حضر ناس من قريش عندهما و أنت من أصحاب رسولالله (ص) و من أهل الشورى و من قال له النبي (ص) اتقوا دعوته و لم تدخل في شي ء مماتكره الأمة فاحضر دومة الجندل فإنك صاحبها غدا فقال مهلا يا عمر إني سمعت رسول اللهص يقول تكون بعدي فتنة خير الناس فيها التقي الخفي .و هذا أمر لم أشهد أوله فلا أشهد آخره[251]
و لو كنت غامسا يدي في هذا الأمر لغمستها مع علي بنأبي طالب و قد رأيت أباك كيف وهب حقه من الشورى و كره الدخول في الأمر فارتحل عمرو قد استبان له أمر أبيه. قال نصر و قد كان الأجناد أبطأت على معاوية فبعث إلى رجال من قريش كانوا كرهوا أن يعينوه في حربه إن الحرب قد وضعت أوزارها و التقىهذان الرجلان في دومة الجندل فاقدموا علي. فأتاه عبد الله بن الزبير و عبد الله بنعمر بن الخطاب و أبو الجهم بن حذيفة العدوي و عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوثالزهري و عبد الله بن صفوان الجمحي و أتاه المغيرة بن شعبة و كان مقيما بالطائف لميشهد الحرب فقال له يا مغيرة ما ترى قال يا معاوية لو وسعني أن أنصرك لنصرتك و لكنعلي أن آتيك بأمر الرجلين فرحل حتى أتى دومة الجندل فدخل على أبي موسى كالزائر لهفقال يا أبا موسى ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر و كره الدماء قال أولئك خير الناسخفت ظهورهم من دمائهم و خمصت بطونهم من أموالهم ثم أتى عمرا فقال يا أبا عبد اللهما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر و كره الدماء قال أولئك شرار الناس لم يعرفوا حقا ولم ينكروا باطلا فرجع المغيرة إلى معاوية فقال له قد ذقت الرجلين أما عبد الله[252]
بن قيس فخالع صاحبه و جاعلها لرجل لم يشهد هذا الأمرو هواه في عبد الله بن عمر و أما عمرو بن العاص فهو صاحب الذي تعرف و قد ظن الناسأنه يرومها لنفسه و أنه لا يرى أنك أحق بهذا الأمر منه قال نصر في حديث عمرو بنشمر قال أقبل أبو موسى على عمرو فقال يا عمرو هل لك في أمر هو للأمة صلاح و لصلحاءالناس رضا نولي هذا الأمر عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي لم يدخل في شي ء من هذهالفتنة و لا هذه الفرقة قال و كان عبد الله بن عمرو بن العاص و عبد الله بن الزبيرقريبين يسمعان هذا الكلام فقال عمرو فأين أنت يا أبا موسى عن معاوية فأبى عليه أبوموسى قال و شهدهم عبد الله بن هشام و عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث و أبوالجهم بن حذيفة العدوي و المغيرة بن شعبة فقال عمرو أ لست تعلم أن عثمان قتلمظلوما قال بلى قال اشهدوا ثم قال فما يمنعك من معاوية و هو ولي عثمان و قد قالالله تعالى وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناًثم إن بيت معاوية من قريش ما قد علمت فإن خشيت أن يقول الناس ولى معاوية و ليست له سابقةفإن لك حجة أن تقول وجدته ولي عثمان الخليفة المظلوم و الطالب بدمه الحسن السياسةالحسن التدبير و هو أخو أم حبيبة أم المؤمنين و زوج النبي (ص) و قد صحبه و هو أحدالصحابة ثم عرض له بالسلطان فقال له إن هو ولي الأمر أكرمك كرامة لم يكرمك أحد قطمثلها فقال أبو موسى اتق الله يا عمرو أما ما ذكرت من شرف معاوية فإن هذا
[253]
الأمر ليس على الشرف يولاه أهله لو كان على الشرف كان أحق الناس بهذاالأمر أبرهة بن الصباح إنما هو لأهل الدين و الفضل مع أني لو كنت أعطيه أفضل قريششرفا لأعطيته علي بن أبي طالب و أما قولك إن معاوية ولي عثمان فوله هذا الأمر فإنيلم أكن أوليه إياه لنسبته من عثمان و أدع المهاجرين الأولين و أما تعريضك ليبالإمرة و السلطان فو الله لو خرج لي من سلطانه ما وليته و ما كنت أرتشي في الله ولكنك إن شئت أحيينا سنة عمر بن الخطاب. قال نصر و حدثني عمر بن سعد عن أبي جناب أنأبا موسى قال غير مرة و الله إن استطعت لأحيين اسم عمر بن الخطاب قال فقال عمرو بنالعاص إن كنت إنما تريد أن تبايع ابن عمر لدينه فما يمنعك من ابني عبد الله و أنتتعرف فضله و صلاحه فقال إن ابنك لرجل صدق و لكنك قد غمسته في هذه الفتنة. قال نصرو حدثنا عمر بن سعد عن محمد بن إسحاق عن نافع قال قال أبو موسى لعمرو يا عمرو إنشئت ولينا هذا الأمر الطيب ابن الطيب عبد الله بن عمر فقال له عمرو يا أبا موسى إنهذا الأمر لا يصلح له إلا رجل له ضرس يأكل و يطعم و إن عبد الله ليس هناك. قال نصرو قد كان في أبي موسى غفلة فقال ابن الزبير لابن عمر اذهب إلى عمرو بن العاص فارشهفقال ابن عمر لا و الله لا أرشو عليها بشي ء أبدا ما عشت و لكنه قال له إن العربقد أسندت إليك أمرها بعد ما تقارعت بالسيوف و تطاعنت بالرماح فلا تردهم في فتنة واتق الله .[254]
قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن أزهرالعبسي عن النضر بن صالح قال كنت مع شريح بن هانئ في غزوة سجستان فحدثني أن عليا (ع) أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص و قال له قل لعمرو إذا لقيته إن عليا يقول لك إنأفضل الخلق عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه و إن نقصه و إن أبعد الخلق منالله من كان العمل بالباطل أحب إليه و إن زاده و الله يا عمرو إنك لتعلم أين موضعالحق فلم تتجاهل أ بأن أوتيت طمعا يسيرا صرت لله و لأوليائه عدوا فكان و الله ماقد أوتيت قد زال عنك فلا تكن للخائنين خصيما و لا للظالمين ظهيرا أما إني أعلم أنيومك الذي أنت فيه نادم هو يوم وفاتك و سوف تتمنى أنك لم تظهر لي عداوة و لم تأخذعلى حكم الله رشوة قال شريح فأبلغته ذلك يوم لقيته فتمعر وجهه و قال متى كنت قابلامشورة علي أو منيبا إلى رأيه أو معتدا بأمره فقلت و ما يمنعك يا ابن النابغة أنتقبل من مولاك و سيد المسلمين بعد نبيهم مشورته لقد كان من هو خير منك أبو بكر وعمر يستشيرانه و يعملان برأيه فقال إن مثلي لا يكلم مثلك فقلت بأي أبويك ترغب عنكلامي بأبيك الوشيظ أم بأمك النابغة فقام من مكانه و قمت. قال نصر و روى أبو جنابالكلبي أن عمرا و أبا موسى لما التقيا بدومة الجندل أخذ عمرو يقدم أبا موسى فيالكلام و يقول إنك صحبت رسول الله (ص) قبلي و أنت أكبر مني سنا فتكلم أنت ثم أتكلمأنا فجعل ذلك سنة و عادة بينهما[255]
و إنما كان مكرا و خديعة و اغترارا له أن يقدمه فيبدأ بخلع علي ثم يرى رأيه.و قال ابن ديزيل في كتاب صفين أعطاه عمرو صدر المجلس و كان لا يتكلم قبله و أعطاهالتقدم في الصلاة و في الطعام لا يأكل حتى يأكل و إذا خاطبه فإنما يخاطبه بأجلالأسماء و يقول له يا صاحب رسول الله حتى اطمأن إليه و ظن أنه لا يغشه. قال نصرفلما انمخضت الزبدة بينهما قال له عمرو أخبرني ما رأيك يا أبا موسى قال أرى أنأنخلع هذين الرجلين و نجعل الأمر شورى بين المسلمين يختارون من شاءوا فقال عمروالرأي و الله ما رأيت فأقبلا إلى الناس و هم مجتمعون فتكلم أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن رأيي و رأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح الله به شأنهذه الأمة فقال عمرو صدق ثم قال له تقدم يا أبا موسى فتكلم فقام ليتكلم فدعاه ابنعباس فقال له ويحك و الله إني لأظنه خدعك إن كنتما قد اتفقتما على أمر فقدمه قبلكليتكلم به ثم تكلم أنت بعده فإنه رجل غدار و لا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيمابينك و بينه فإذا قمت قمت به في الناس خالفك و كان أبو موسى رجلا مغفلا فقال إيهاعنك إنا قد اتفقنا. فتقدم أبو موسى فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إناقد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر شيئا هو أصلح لأمرها و لا ألم لشعثها من ألاتتباين أمورها و قد أجمع رأيي و رأي صاحبي على خلع علي و معاوية و أن يستقبل هذاالأمر فيكون شورى بين المسلمين يولون أمورهم من أحبوا و إني قد خلعت عليا و معاويةفاستقبلوا[256]
أموركم و ولوا من رأيتموه لهذا الأمر أهلاثم تنحى. فقام عمرو بن العاص في مقامه فحمد الله و أثنى عليه ثم قال إن هذا قد قالما سمعتم و خلع صاحبه و أنا أخلع صاحبه كما خلعه و أثبت صاحبي معاوية في الخلافةفإنه ولي عثمان و الطالب بدمه و أحق الناس بمقامه. فقال له أبو موسى ما لك لا وفقكالله قد غدرت و فجرت إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث فقالله عمرو إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا. و حمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعهبالسوط و حمل ابن عمرو على شريح فقنعه بالسوط و قام الناس فحجزوا بينهما فكان شريحيقول بعد ذلك ما ندمت على شي ء ندامتي ألا أكون ضربت عمرا بالسيف بدل السوط أتىالدهر بما أتى به. و التمس أصحاب علي (ع) أبا موسى فركب ناقته و لحق بمكة و كان ابنعباس يقول قبح الله أبا موسى لقد حذرته و هديته إلى الرأي فما عقل و كان أبو موسىيقول لقد حذرني ابن عباس غدرة الفاسق و لكني اطمأننت إليه و ظننت أنه لا يؤثر شيئاعلى نصيحة الأمة. قال نصر و رجع عمرو إلى منزله من دومة الجندل فكتب إلى معاوية أتتك الخلافة مزفوفة ** هنيئا مريئا تقر العيونا[257]
تزف إليك زفاف العروس ** بأهون من طعنك الدارعينا و ما الأشعري بصلد الزناد ** و لا خامل الذكر في الأشعرينا و لكن أتيحت له حية ** يظل الشجاع لها مستكينا فقالوا و قلت و كنت امرأ ** أجهجه بالخصم حتى يلينا فخذها ابن هند على بعدها ** فقد دافع الله ما تحذرونا و قد صرف الله عن شامكم ** عدوا مبينا و حربا زبونا قال نصر فقام سعد بن قيس الهمداني و قالو الله لو اجتمعتما على الهدى ما زدتمانا على ما نحن الآن عليه و ما ضلالكما بلازملنا و ما رجعتما إلا بما بدأتما به و إنا اليوم لعلى ما كنا عليه أمس. و قام كردوسبن هانئ مغضبا فقال : ألا ليت من يرضى من الناس كلهم ** بعمرو و عبد الله في لجة البحر رضينا بحكم الله لا حكم غيره ** و بالله ربا و النبي و بالذكر و بالأصلع الهادي علي إمامنا ** رضينا بذاك الشيخ في العسر و اليسر رضينا به حيا و ميتا و إنه ** إمام هدى في الحكم و النهي و الأمر فمن قال لا قلنا بلى إن أمره ** لأفضل ما نعطاه في ليلة القدر و ما لابن هند بيعة في رقابنا ** و ما بيننا غير المثقفة السمر[258]
و ضرب يزيل الهام عن مستقره ** و هيهات هيهات الرضا آخر الدهر أبت لي أشياخ الأراقم سبة ** أسب بها حتى أغيب في القبر و تكلم يزيد بن أسد القسري و هو من قوادمعاوية فقال يا أهل العراق اتقوا الله فإن أهون ما تردنا و إياكم إليه الحرب ماكنا عليه بالأمس و هو الفناء و قد شخصت الأبصار إلى الصلح و أشرفت الأنفس علىالفناء و أصبح كل امرئ يبكي على قتيل ما لكم رضيتم بأول أمر صاحبكم و كرهتم آخرهإنه ليس لكم وحدكم الرضا. قال و قال بعض الأشعريين لأبي موسى :أبا موسى خدعت و كنت شيخا ** قريب القعر مدهوش الجنان رمى عمرو صفاتك يا ابن قيس ** بأمر لا تنوء به اليدان و قد كنا نجمجم عن ظنون ** فصرحت الظنون عن العيان فعض الكف من ندم و ما ذا ** يرد عليك عضك بالبنان قال و شمت أهل الشام بأهل العراق و قالكعب بن جعيل شاعر معاوية :كأن أبا موسى عشية أذرح ** يطوف بلقمان الحكيم يواربه و لما تلاقوا في تراث محمد ** نمت بابن هند في قريش مناسبه سعى بابن عفان ليدرك ثأره ** و أولى عباد الله بالثأر طالبه[259]
و قد غشيتنا في الزبير غضاضة ** و طلحة إذ قامت عليه نوادبه فرد ابن هند ملكه في نصابه ** و من غالب الأقدار فالله غالبه و ما لابن هند من لؤي بن غالب ** نظير و إن جاشت عليه أقاربه فهذاك ملك الشام واف سنامه ** و هذاك ملك القوم قد جبغاربه يحاول عبد الله عمرا و إنه ** ليضرب في بحر عريض مذاهبه دحا دحوة في صدره فهوت به ** إلى أسفل الجب الظنون كواذبه قال نصر و كان علي (ع) لما خدع عمرو أباموسى بالكوفة كان قد دخلها منتظرا ما يحكم به الحكمان فلما تم على أبي موسى ما تممن الحيلة غم ذلك عليا و ساءه و وجم له و خطب الناس فقال الحمد لله و إن أتى الدهربالخطب الفادح و الحدث الجليل... الخطبة التي ذكرها الرضي رحمه الله تعالى و هيالتي نحن في شرحها و زاد في آخرها بعد الاستشهاد ببيت دريد : ألا إن هذين الرجلين اللذين اخترتموهماقد نبذا حكم الكتاب و أحييا ما أمات و اتبع كل واحد منهما هواه و حكم بغير حجة ولا بينة و لا سنة ماضية و اختلفا فيما حكما فكلاهما لم يرشد الله فاستعدوا للجهادو تأهبوا للمسير و أصبحوا في معسكركم يوم كذا .[260]
قال نصر فكان علي (ع) بعد الحكومة إذا صلى الغداة و المغرب و فرغ منالصلاة و سلم قال اللهم العن معاوية و عمرا و أبا موسى و حبيب بن مسلمة و عبدالرحمن بن خالد و الضحاك بن قيس و الوليد بن عقبة .فبلغ ذلك معاوية فكان إذا صلى لعن علياو حسنا و حسينا و ابن عباس و قيس بن سعد بن عبادة و الأشتر و زاد ابن ديزيل فيأصحاب معاوية أبا الأعور السلمي. و روى ابن ديزيل أيضا أن أبا موسى كتب من مكة إلىعلي (ع) أما بعد فإني قد بلغني أنك تلعنني في الصلاة و يؤمن خلفك الجاهلون و إنيأقول كما قال موسى (ع)رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراًلِلْمُجْرِمِينَ. و روى ابن ديزيل عنوكيع عن فضل بن مرزوق عن عطية عن عبد الرحمن بن حبيب عن علي (ع) أنه قال يؤتى بي وبمعاوية يوم القيامة فنجي ء و نختصم عند ذي العرش فأينا فلج فلج أصحابه . و روى أيضا عن عبدالرحمن بن نافع القارئ عن أبيه قال سئل علي (ع) عن قتلى صفين فقال إنما الحساب علي و على معاوية . و روي أيضا عنالأعمش عن موسى بن طريف عن عباية قال سمعت عليا (ع) و هو يقول أنا قسيم النار هذا لي و هذا لك . و روي أيضا عن أبيسعيد الخدري قال قال رسول الله (ص) لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان دعوتهماواحدة فبينما هم كذلك مرقت منهم مارقة يقتلهم أولى الطائفتين بالحق.