شرح نهج البلاغة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شرح نهج البلاغة - جلد 2

ابن ابی الحدید المعتزلی؛ محقق: محمد ابوالفضل ابراهیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


فقال معاوية إنك لخطيب القوم و لا أرى لك عقلا و قد عرفتكمالآن و علمت أن الذي أغراكم قلة العقول أعظم عليكم أمر الإسلام فتذكرني الجاهليةأخزى الله قوما عظموا أمركم فقهوا عني و لا أظنكم تفقهون إن قريشا لم تعز فيجاهلية و لا إسلام إلا بالله وحده لم تكن بأكثر العرب و لا أشدها و لكنهم كانواأكرمهم أحسابا و أمحضهم أنسابا و أكملهم مروءة و لم يمتنعوا في الجاهلية و الناسيأكل بعضهم بعضا إلا بالله فبوأهم حرما آمنا يتخطف الناس من حوله هل تعرفون عرباأو عجما أو سودا أو حمرا إلا و قد أصابهم الدهر في بلدهم و حرمهم إلا ما كان منقريش فإنه لم يردهم أحد من الناس بكيد إلا جعل الله خده الأسفل حتى أراد اللهتعالى أن يستنقذ من أكرمه باتباع دينه من هوان الدنيا و سوء مرد الآخرة فارتضى لذلك خير

[131]

خلقه ثم ارتضى له أصحابا و كان خيارهم قريشا ثم بنى هذا الملك عليهم وجعل هذه الخلافة فيهم فلا يصلح الأمر إلا بهم و قد كان الله يحوطهم في الجاهلية وهم على كفرهم أ فتراه لا يحوطهم و هم على دينه أف لك و لأصحابك أما أنت يا صعصعةفإن قريتك شر القرى أنتنها نبتا و أعمقها واديا و ألأمها جيرانا و أعرفها بالشر لميسكنها شريف قط و لا وضيع إلا سب بها نزاع الأمم و عبيد فارس و أنت شر قومك أ حينأبرزك الإسلام و خلطك بالناس أقبلت تبغي دين الله عوجا و تنزع إلى الغواية إنه لنيضر ذلك قريشا و لا يضعهم و لا يمنعهم من تأدية ما عليهم إن الشيطان عنكم لغيرغافل قد عرفكم بالشر فأغراكم بالناس و هو صارعكم و إنكم لا تدركون بالشر أمرا إلافتح عليكم شر منه و أخزى قد أذنت لكم فاذهبوا حيث شئتم لا ينفع الله بكم أحدا أبداو لا يضره و لستم برجال منفعة و لا مضرة فإن أردتم النجاة فالزموا جماعتكم و لاتبطرنكم النعمة فإن البطر لا يجر خيرا اذهبوا حيث شئتم فسأكتب إلى أمير المؤمنينفيكم. و كتب إلى عثمان أنه قدم علي قوم ليست لهم عقول و لا أديان أضجرهم العدل لايريدون الله بشي ء و لا يتكلمون بحجة إنما همهم الفتنة و الله مبتليهم ثم فاضحهم وليسوا بالذين نخاف نكايتهم و ليسوا بأكثر ممن له شغب و نكير. ثم أخرجهم من الشام.و روى أبو الحسن المدائني أنه كان لهم مع معاوية بالشام مجالس طالت فيها المحاوراتو المخاطبات بينهم و أن معاوية قال لهم في جملة ما قاله إن قريشا قد عرفت أن أبا سفيان

[132]

كان أكرمها و ابن أكرمها إلا ما جعل اللهلنبيه (ص) فإنه انتجبه و أكرمه و لو أن أبا سفيان ولد الناس كلهم لكانوا حلماء.

فقال له صعصعة بن صوحان كذبت قد ولدهم خير من أبي سفيان من خلقه الله بيده و نفخ فيه منروحه و أمر الملائكة فسجدوا له فكان فيهم البر و الفاجر و الكيس و الأحمق .

قال و من المجالس التي دارت بينهم أن معاوية قال لهم أيها القوم ردوا خيرا أو اسكتوا وتفكروا و انظروا فيما ينفعكم و المسلمين فاطلبوه و أطيعوني.

فقال له صعصعة لست بأهل ذلك و لا كرامة لك أن تطاع في معصية الله .

فقال إن أول كلام ابتدأت به أنأمرتكم بتقوى الله و طاعة رسوله و أن تعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا.

فقالوا بل أمرت بالفرقة و خلاف ما جاء به النبي ص.

فقال إن كنت فعلت فإني الآن أتوب وآمركم بتقوى الله و طاعته و لزوم الجماعة و أن توقروا أئمتكم و تطيعوهم.

فقال صعصعة إن كنت تبت فإنا نأمرك أن تعتزل عملك فإن في المسلمين من هو أحق به منك ممنكان أبوه أحسن أثرا في الإسلام من أبيك و هو أحسن قدما في الإسلام منك.

فقال معاوية إن لي في الإسلام لقدما و إن كان غيري أحسن قدما مني لكنه

[133]

ليس في زماني أحد أقوى على ما أنا فيه مني و لقد رأى عمر بن الخطابذلك فلو كان غيري أقوى مني لم يكن عند عمر هوادة لي و لا لغيري و لم أحدث ما ينبغيله أن أعتزل عملي فلو رأى ذلك أمير المؤمنين لكتب إلي بخط يده فاعتزلت عمله فمهلافإن في دون ما أنتم فيه ما يأمر فيه الشيطان و ينهى و لعمري لو كانت الأمور تقضىعلى رأيكم و أهوائكم ما استقام الأمر لأهل الإسلام يوما و لا ليلة فعاودوا الخير وقولوه فإن الله ذو سطوات و إني خائف عليكم أن تتتابعوا إلى مطاوعة الشيطان و معصيةالرحمن فيحلكم ذلك دار الهون في العاجل و الآجل. فوثبوا على معاوية فأخذوا برأسه ولحيته فقال مه إن هذه ليست بأرض الكوفة و الله لو رأى أهل الشام ما صنعتم بي و أناإمامهم ما ملكت أن أنهاهم عنكم حتى يقتلوكم فلعمري إن صنيعكم يشبه بعضه بعضا.

ثم قام من عندهم و كتب إلى عثمان في أمرهم فكتب إليه أن ردهم إلى سعيد بن العاصبالكوفة فردهم فأطلقوا ألسنتهم في ذمه و ذم عثمان و عيبهما فكتب إليه عثمان أنيسيرهم إلى حمص إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فسيرهم إليها.

[134]

و روى الواقدي قال لما سير بالنفر الذين طردهم عثمان عن الكوفة إلى حمص وهم الأشتر و ثابت بن قيس الهمداني و كميل بن زياد النخعي و زيد بن صوحان و أخوهصعصعة و جندب بن زهير الغامدي و جندب بن كعب الأزدي و عروة بن الجعد و عمرو بنالحمق الخزاعي و ابن الكواء جمعهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بعد أن أنزلهمأياما و فرض لهم طعاما ثم قال لهم يا بني الشيطان لا مرحبا بكم و لا أهلا قد رجعالشيطان محسورا و أنتم بعد في بساط ضلالكم و غيكم جزى الله عبد الرحمن إن لم يؤذكميا معشر من لا أدري أ عرب هم أم عجم أ تراكم تقولون لي ما قلتم لمعاوية أنا ابنخالد بن الوليد أنا ابن من عجمته العاجمات أنا ابن فاقئ عين الردة و الله يا ابنصوحان لأطيرن بك طيرة بعيدة المهوى إن بلغني أن أحدا ممن معي دق أنفك فأقنعت رأسك.

قال فأقاموا عنده شهرا كلما ركب أمشاهم معه و يقول لصعصعة يا ابن الخطيئة إن من لميصلحه الخير أصلحه الشر ما لك لا تقول كما كنت تقول لسعيد و معاوية فيقولون سنتوبإلى الله أقلنا أقالك الله فما زال ذاك دأبه و دأبهم حتى قال تاب الله عليكم فكتبإلى عثمان يسترضيه عنهم و يسأله فيهم فردهم إلى الكوفة.

قال أبو جعفر محمد بن جريرالطبري رحمه الله تعالى ثم إن سعيد بن العاص قدم على عثمان سنة إحدى عشرة منخلافته فلما دخل المدينة اجتمع قوم من الصحابة فذكروا سعيدا و أعماله و ذكرواقرابات عثمان و ما سوغهم من مال المسلمين و عابوا أفعال عثمان فأرسلوا إليه عامربن عبد القيس و كان متألها و اسم أبيه عبد الله و هو من تميم ثم من بني العنبرفدخل على عثمان فقال له إن ناسا من الصحابة

[135]

اجتمعواو نظروا في أعمالك فوجدوك قد ركبت أمورا عظاما فاتق الله و تب إليه فقال عثمانانظروا إلى هذا تزعم الناس أنه قارئ ثم هو يجي ء إلي فيكلمني فيما لا يعلمه و اللهما تدري أين الله فقال عامر بلى و الله إني لأدري إن الله لبالمرصاد.

فأخرجه عثمان و أرسل إلى عبد الله بن سعد بن سرح و إلى معاوية و سعيد بن العاص و عمرو بن العاصو عبد الله بن عامر و كان قد استقدم الأمراء من أعمالهم فشاورهم و قال إن لكل أميروزراء و نصحاء و إنكم وزرائي و نصحائي و أهل ثقتي و قد صنع الناس ما قد رأيتم وطلبوا إلي أن أعزل عمالي و أن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبون فاجتهدوارأيكم.

فقال عبد الله بن عامر أرى لك يا أمير المؤمنين أن تشغلهم عنك بالجهاد حتىيذلوا لك و لا تكون همة أحدهم إلا في نفسه و ما هو فيه من دبر دابته و قمل فروته.

و قال سعيد بن العاص احسم عنك الداء و اقطع عنك الذي تخاف إن لكل قوم قادة متىيهلكوا يتفرقوا و لا يجتمع لهم أمر.

فقال عثمان إن هذا لهو الرأي لو لا ما فيه وقال معاوية أشير عليك أن تأمر أمراء الأجناد فيكفيك كل رجل منهم ما قبله فأناأكفيك أهل الشام.

و قال عبد الله بن سعد إن الناس أهل طمع فأعطهم من هذا المالتعطف عليك قلوبهم.

فقال عمرو بن العاص يا أمير المؤمنين إنك قد ركبت الناس ببنيأمية فقلت و قالوا و زغت و زاغوا فاعتدل أو اعتزل فإن أبيت فاعزم عزما و امض قدما .

[136]

فقال له عثمان ما لك قمل فروك أ هذا بجد منك. فسكت عمرو حتى تفرقوا ثمقال و الله يا أمير المؤمنين لأنت أكرم علي من ذلك و لكني علمت أن بالباب من يبلغالناس قول كل رجل منا فأردت أن يبلغهم قولي فيثقوا بي فأقود إليك خيرا و أدفع عنكشرا. فرد عثمان عماله إلى أعمالهم و أمرهم بتجهيز الناس في البعوث و عزم على أنيحرمهم أعطياتهم ليطيعوه و رد سعيد بن العاص إلى الكوفة فتلقاه أهلها بالجرعة وكانوا قد كرهوا إمارته و ذموا سيرته فقالوا له ارجع إلى صاحبك فلا حاجة لنا فيكفهم بأن يمضي لوجهه و لا يرجع فكثر الناس عليه فقال له قائل ما هذا أ ترد السيل عنإدراجه و الله لا يسكن الغوغاء إلا المشرفية و يوشك أن تنتضى بعد اليوم ثم يتمنونما هم اليوم فيه فلا يرد عليهم فارجع إلى المدينة فإن الكوفة ليست لك بدار. فرجعإلى عثمان فأخبره بما فعلوا فأنفذ أبا موسى الأشعري أميرا على الكوفة و كتب إليهمأما بعد فقد أرسلت إليكم أبا موسى الأشعري أميرا و أعفيتكم من سعيد و و اللهلأفوضنكم عرضي و لأبذلن لكم صبري و لأستصلحنكم جهدي فلا تدعوا شيئا أحببتموه لايعصى الله فيه إلا سألتموه و لا شيئا كرهتموه لا يعصى الله فيه إلا استعفيتم منهلأكون فيه عند ما أحببتم و كرهتم حتى لا يكون لكم على الله حجة و الله لنصبرن كماأمرنا و سيجزي الله الصابرين.

[137]

قال أبو جعفر فلمادخلت سنة خمس و ثلاثين تكاتب أعداء عثمان و بني أمية في البلاد و حرض بعضهم بعضاعلى خلع عثمان عن الخلافة و عزل عماله عن الأمصار و اتصل ذلك بعثمان فكتب إلى أهلالأمصار أما بعد فإنه رفع إلي أن أقواما منكم يشتمهم عمالي و يضربونهم فمن أصابهشي ء من ذلك فليواف الموسم بمكة فليأخذ بحقه مني أو من عمالي فإني قد استقدمتهم أوتصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين.

ثم كاتب عماله و استقدمهم فلما قدموا عليه جمعهمو قال ما شكاية الناس منكم إني لخائف أن تكونوا مصدوقا عليكم و ما يعصب هذا الأمرإلا بي فقالوا له و الله ما صدق من رفع إليك و لا بر و لا نعلم لهذا الأمر أصلافقال عثمان فأشيروا علي فقال سعيد بن العاص هذه أمور مصنوعة تلقى في السر فيتحدثبها الناس و دواء ذلك السيف.

و قال عبد الله بن سعد خذ من الناس الذي عليهم إذاأعطيتهم الذي لهم.

و قال معاوية الرأي حسن الأدب.

و قال عمرو بن العاص أرى لك أنتلزم طريق صاحبيك فتلين في موضع اللين و تشتد في موضع الشدة. فقال عثمان قد سمعتما قلتم إن الأمر الذي يخاف على هذه الأمة كائن لا بد منه و إن بابه الذي يغلقعليه ليفتحن فكفكفوهم باللين و المداراة إلا في حدود الله فقد علم الله أني لم آلالناس خيرا و إن رحى الفتنة لدائرة فطوبى لعثمان إن مات و لم يحركها سكنوا الناس وهبوا لهم حقوقهم فإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها.

[138]

ثم نفر فقدم المدينة فدعا عليا و طلحة و الزبير فحضروا و عنده معاويةفسكت عثمان و لم يتكلم و تكلم معاوية فحمد الله و قال أنتم أصحاب رسول الله (ص) وخيرته من خلقه و ولاة أمر هذه الأمة لا يطمع فيه أحد غيركم اخترتم صاحبكم عن غيرغلبة و لا طمع و قد كبر و ولى عمره فلو انتظرتم به الهرم كان قريبا مع أني أرجو أنيكون أكرم على الله أن يبلغه ذلك و قد فشت مقالة خفتها عليكم فما عبتم فيه من شي ءفهذه يدي لكم به رهنا فلا تطمعوا الناس في أمركم فو الله إن أطعتموهم لا رأيتمأبدا منها إلا إدبارا.

فقال علي (ع) و ما لك و ذاك لا أم لك فقال دع أمي فإنها ليستبشر أمهاتكم قد أسلمت و بايعت النبي (ص) و أجبني عما أقول لك. فقال عثمان صدق ابنأخي أنا أخبركم عني و عما وليت إن صاحبي اللذين كانا قبلي ظلما أنفسهما و من كانمنهما بسبيل احتسابا و إن رسول الله (ص) كان يعطي قرابته و أنا في رهط أهل عيلة وقلة معاش فبسطت يدي في شي ء من ذلك لما أقوم به فيه فإن رأيتم ذلك خطأ فردوه فأمريلأمركم تبع. قالوا أصبت و أحسنت إنك أعطيت عبد الله بن خالد بن أسيد خمسين ألفا وأعطيت مروان خمسة عشر ألفا فاستعدها منهما فاستعادها فخرجوا راضين .

قال أبو جعفر وقال معاوية لعثمان اخرج معي إلى الشام فإنهم على الطاعة

[139]

قبل أن يهجم عليك ما لا قبل لك به فقال لا أبيع جوار رسول الله (ص) بشي ء و إنكان فيه قطع خيط عنقي قال فأبعث إليك جندا من الشام يقيم معك لنائبة إن نابتالمدينة أو إياك فقال لا أضيق على جيران رسول الله (ص) فقال و الله لتغتالن فقالحسبي الله و نعم الوكيل.

قال أبو جعفر و خرج معاوية من عند عثمان فمر على نفر منالمهاجرين فيهم علي (ع) و طلحة و الزبير و على معاوية ثياب سفره و هو خارج إلى الشامفقام عليهم فقال إنكم تعلمون أن هذا الأمر كان الناس يتغالبون عليه حتى بعث اللهنبيه فتفاضلوا بالسابقة و القدمة و الجهاد فإن أخذوا بذلك فالأمر أمرهم و الناسلهم تبع و إن طلبوا الدنيا بالتغالب سلبوا ذلك و رده الله إلى غيرهم و إن الله علىالبدل لقادر و إني قد خلفت فيكم شيخنا فاستوصوا به خيرا و كانفوه تكونوا أسعد منهبذلك ثم ودعهم و مضى فقال علي (ع) كنت أرى في هذا خيرا فقال الزبير و الله ما كانأعظم قط في صدرك و صدورنا منه اليوم.

قلت من هذا اليوم أنشب معاوية أظفاره فيالخلافة لأنه غلب على ظنه قتل عثمان و رأى أن الشام بيده و أن أهلها يطيعونه و أنله حجة يحتج بها عليهم و يجعلها ذريعة إلى غرضه و هي قتل عثمان إذا قتل و أنه ليسفي أمراء عثمان أقوى منه و لا أقدر على تدبير الجيوش و استمالة العرب فبنى أمره منهذا اليوم على الطمع في الخلافة أ لا ترى إلى قوله لصعصعة من قبل إنه ليس أحد أقوىمني على الإمارة و إن عمر

[140]

استعملني و رضي سيرتي أ و لا ترى إلى قوله للمهاجرين الأولين إن شرعتم فيأخذها بالتغالب و ملتم على هذا الشيخ أخرجها الله منكم إلى غيركم و هو علىالاستبدال قادر و إنما كان يعني نفسه و هو يكني عنها و لهذا تربض بنصرة عثمان لمااستنصره و لم يبعث إليه أحدا. و روى محمد بن عمر الواقدي رحمه الله تعالى قال لماأجلب الناس على عثمان و كثرت القالة فيه خرج ناس من مصر منهم عبد الرحمن بن عديسالبلوي و كنانة بن بشر الليثي و سودان بن حمران السكوني و قتيرة بن وهب السكسكي وعليهم جميعا أبو حرب الغافقي و كانوا في ألفين و خرج ناس من الكوفة منهم زيد بنصوحان العبدي و مالك الأشتر النخعي و زياد بن النضر الحارثي و عبد الله بن الأصمالغامدي في ألفين و خرج ناس من أهل البصرة منهم حكيم بن جبلة العبدي و جماعة منأمرائهم و عليهم حرقوص بن زهير السعدي و ذلك في شوال من سنة خمس و ثلاثين و أظهرواأنهم يريدون الحج فلما كانوا من المدينة على ثلاث تقدم أهل البصرة فنزلوا ذا خشب وكان هواهم في طلحة و تقدم أهل الكوفة فنزلوا الأعوص و كان هواهم في الزبير و جاءأهل مصر فنزلوا المروة و كان هواهم في علي (ع) و دخل ناس منهم إلى المدينة يخبرون مافي قلوب الناس لعثمان فلقوا جماعة من المهاجرين و الأنصار و لقوا أزواج النبي (ص) وقالوا إنما نريد الحج و نستعفي من عمالنا.

ثم لقي جماعة من المصريين عليا (ع) و هومتقلد سيفه عند أحجار الزيت

[141]

فسلموا عليه و عرضواعليه أمرهم فصاح بهم و طردهم و قال لقد علم الصالحون أن جيش المروة و ذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد ص. فانصرفوا عنه.

و أتى البصريون طلحة فقال لهم مثلذلك و أتى الكوفيون الزبير فقال لهم مثل ذلك فتفرقوا و خرجوا عن المدينة إلىأصحابهم.

فلما أمن أهل المدينة منهم و اطمأنوا إلى رجوعهم لم يشعروا إلا و التكبيرفي نواحي المدينة و قد نزلوها و أحاطوا بعثمان و نادى مناديهم يا أهل المدينة منكف يده عن الحرب فهو آمن فحصروه في منزله إلا أنهم لم يمنعوا الناس من كلامه ولقائه فجاءهم جماعة من رؤساء المهاجرين و سألوهم ما شأنهم فقالوا لا حاجة لنا فيهذا الرجل ليعتزلنا لنولي غيره لم يزيدوهم على ذلك.

فكتب عثمان إلى أهل الأمصاريستنجدهم و يأمرهم بتعجيل الشخوص إليه للمنع عنه و يعرفهم ما الناس فيه فخرج أهلالأمصار على الصعب و الذلول فبعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهري و بعث عبد الله بنسعد بن أبي سرح معاوية بن حديج و خرج من الكوفة القعقاع بن عمرو بعثه أبو موسى.

و قام بالكوفة نفر يحرضون الناس على نصر عثمان و إعانة أهل المدينة منهم عقبة بن عمرو عبد الله بن أبي أوفى و حنظلة الكاتب و كل هؤلاء من الصحابة و من التابعين مسروقو الأسود و شريح و غيرهم.

و قام بالبصرة عمران بن الحصين و أنس بن مالك و غيرهمامن الصحابة و من التابعين كعب بن سور و هرم بن حيان و غيرهما.

[142]

و قام بالشام و مصر جماعة من الصحابة و التابعين.

و خرج عثمان يوم الجمعةفصلى بالناس و قام على المنبر فقال يا هؤلاء الله الله فو الله إن أهل المدينةيعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد (ص) فامحوا الخطأ بالصواب. فقام محمد بن مسلمةالأنصاري فقال نعم أنا أعلم ذلك فأقعده حكيم بن جبلة و قام زيد بن ثابت فأقعدهقتيرة بن وهب و ثار القوم فحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجد و حصبوا عثمان حتىصرع عن المنبر مغشيا عليه فأدخل داره و استقتل نفر من أهل المدينة مع عثمان منهمسعد بن أبي وقاص و الحسن بن علي (ع) و زيد بن ثابت و أبو هريرة فأرسل إليهم عثمانعزمت عليكم أن تنصرفوا فانصرفوا. و أقبل علي و طلحة و الزبير فدخلوا على عثمانيعودونه من صرعته و يشكون إليه ما يجدون لأجله و عند عثمان نفر من بني أمية منهممروان بن الحكم فقالوا لعلي (ع) أهلكتنا و صنعت هذا الذي صنعت و الله إن بلغت هذاالأمر الذي تريده لنمرن عليك الدنيا فقام مغضبا و خرج الجماعة الذين حضروا معه إلىمنازلهم.

و روى الواقدي قال صلى عثمان بعد ما وثبوا به في المسجد شهرا كاملا ثم منعوه الصلاة و صلى بالناس أميرهم الغافقي.

و روى المدائني قال كان عثمان محصورامحاطا به و هو يصلي بالناس في المسجد و أهل مصر و الكوفة و البصرة الحاضرون له يصلون خلفه و هم أدق في عينه من التراب.

[143]

قال أبو جعفر في التاريخ ثم إن أهل المدينة تفرقوا عنه و لزموا بيوتهم لا يخرج أحد منهمإلا بسيفه يمتنع به فكان حصاره أربعين يوما.

و روى الكلبي و الواقدي و المدائني أنمحمد بن أبي بكر و محمد بن أبي حذيفة كانا بمصر يحرضان الناس على عثمان فسار محمدبن أبي بكر مع من سار إلى عثمان و أقام محمد بن أبي حذيفة بمصر ثم غلب عليها لماسار عبد الله بن سعد بن أبي سرح عامل عثمان عنها إلى المدينة في أثر المصريين بإذنعثمان له فلما كان بأيلة بلغه أن المصريين قد أحاطوا بعثمان و أنه مقتول و أن محمدبن أبي حذيفة قد غلب على مصر فعاد عبد الله إلى مصر فمنع عنها فأتى فلسطين فأقامبها حتى قتل عثمان.

و روى الكلبي قال بعث عبد الله بن سعد بن أبي سرح رسولا من مصرإلى عثمان يخبره بنهوض من نهض من مصر إليه و أنهم قد أظهروا العمرة و قصدهم خلعهأو قتله فخطب عثمان الناس و أعلمهم حالهم و قال إنهم قد أسرعوا إلى الفتنة واستطالوا عمري و الله إن فارقتهم ليتمنين كل منهم أن عمري كان طال عليهم مكان كليوم سنة مما يرون من الدماء المسفوكة و الإحن و الأثرة الظاهرة و الأحكام المغيرة.

و روى أبو جعفر قال كان عمرو بن العاص ممن يحرض على عثمان و يغري به و لقد خطبعثمان يوما في أواخر خلافته فصاح به عمرو بن العاص اتق الله يا عثمان فإنك قد ركبتأمورا و ركبناها معك فتب إلى الله نتب فناداه عثمان و إنك هاهنا يا ابن النابغةقملت و الله جبتك منذ نزعتك عن العمل فنودي من ناحية أخرى تب إلى الله و نودي منأخرى مثل ذلك فرفع يديه إلى السماء و قال اللهم إني أول التائبين ثم نزل.

[144]

و روى أبو جعفر قال كان عمرو بن العاص شديد التحريض و التأليب على عثمانو كان يقول و الله إن كنت لألقى الراعي فأحرضه على عثمان فضلا عن الرؤساء و الوجوهفلما سعر الشر بالمدينة خرج إلى منزله بفلسطين فبينا هو بقصره و معه ابناه عبدالله و محمد و عندهم سلامة بن روح الجذامي إذ مر بهم راكب من المدينة فسألوه عنعثمان فقال محصور فقال عمرو أنا أبو عبد الله قد يضرط العير و المكواة في النار ثممر بهم راكب آخر فسألوه فقال قتل عثمان فقال عمرو أنا أبو عبد الله إذا نكأت قرحةأدميتها فقال سلامة بن روح يا معشر قريش إنما كان بينكم و بين العرب باب فكسرتموهفقال نعم أردنا أن يخرج الحق من خاصرة الباطل ليكون الناس في الأمر شرعا سواء.

و روى أبو جعفر قال لما نزل القوم ذا خشب يريدون قتل عثمان إن لم ينزع عما يكرهون وعلم عثمان ذلك جاء إلى منزل علي (ع) فدخل و قال يا ابن عم إن قرابتي قريبة و لي عليكحق و قد جاء ما ترى من هؤلاء القوم و هم مصبحي و لك عند الناس قدر و هم يسمعون منكو أحب أن تركب إليهم فتردهم عني فإن في دخولهم علي وهنا لأمري و جرأة علي فقال (ع) على أي شي ء أردهم قال على أن أصير إلى ما أشرت به و رأيته لي فقال علي (ع) إني قدكلمتك مرة بعد أخرى فكل ذلك تخرج و تقول و تعد ثم ترجع و هذا من فعل مروان ومعاوية و ابن عامر و عبد الله بن سعد فإنك أطعتهم و عصيتني قال عثمان فإني أعصيهمو أطيعك.

فأمر علي (ع) الناس أن يركبوا معه فركب ثلاثون رجلا من المهاجرين

[145]

و الأنصار منهم سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل و أبوجهم العدوي و جبير بن مطعم و حكيم بن حزام و مروان بن الحكم و سعيد بن العاص و عبدالرحمن بن عتاب بن أسيد. و من الأنصار أبو أسيد الساعدي و زيد بن ثابت و حسان بنثابت و كعب بن مالك و غيرهم فأتوا المصريين فكلموهم فكان الذي يكلمهم علي و محمدبن مسلمة فسمعوا منهما و رجعوا أصحابهم يطلبون مصر و رجع علي (ع) حتى دخل على عثمانفأشار عليه أن يتكلم بكلام يسمعه الناس منه ليسكنوا إلى ما يعدهم به من النزوع وقال له إن البلاد قد تمخضت عليك و لا آمن أن يجي ء ركب من جهة أخرى فتقول لي ياعلي اركب إليهم فإن لم أفعل رأيتني قد قطعت رحمك و استخففت بحقك.

فخرج عثمان فخطبالخطبة التي نزع فيها و أعطى الناس من نفسه التوبة و قال لهم أنا أول من اتعظ وأستغفر الله عما فعلت و أتوب إليه فمثلي نزع و تاب فإذا نزلت فليأتني أشرافكمفليروا رأيهم و ليذكر كل واحد ظلامته لأكشفها و حاجته لأقضيها فو الله لئن ردنيالحق عبدا لأستن بسنة العبيد و لأذلن ذل العبيد و ما عن الله مذهب إلا إليه و اللهلأعطينكم الرضا و لأنحين مروان و ذويه و لا أحتجب عنكم. فرق الناس له و بكوا حتىخضلوا لحاهم و بكى هو أيضا فلما نزل وجد مروان و سعيدا و نفرا من بني أمية فيمنزله قعودا لم يكونوا شهدوا خطبته و لكنها بلغتهم فلما جلس قال مروان يا أميرالمؤمنين أ أتكلم أم أسكت فقالت نائلة ابنة الفرافصة امرأة عثمان لا بل تسكت فأنتمو الله قاتلوه و مميتو أطفاله إنه قد قال مقالة لا ينبغي له

[146]

أن ينزع عنها فقال لها مروان و ما أنت و ذاك و الله لقد مات أبوك و مايحسن أن يتوضأ فقالت مهلا يا مروان عن ذكر أبي إلا بخير و الله لو لا أن أباك عمعثمان و أنه يناله غمه و عيبه لأخبرتك من أمره بما لا أكذب فيه عليه. فأعرض عنهعثمان ثم عاد فقال يا أمير المؤمنين أ أتكلم أم أسكت فقال تكلم فقال بأبي أنت وأمي و الله لوددت أن مقالتك هذه كانت و أنت ممتنع فكنت أول من رضي بها و أعانعليها و لكنك قلت ما قلت و قد بلغ الحزام الطبيين و جاوز السيل الزبى و حين أعطىالخطة الذليلة الذليل و الله لإقامة على خطيئة تستغفر الله منها أجمل من توبة تخوفعليها ما زدت على أن جرأت عليك الناس.

/ 22