ومن هنا تجمّعت دواوين الحديث لديهم ، الصحاح والسنن والمسانيد،
فاختلط بالصحيح كذب وباطل كثير ، ابتلوا به إثر تلك السياسة الظالمة
الجاهلة الجائرة التي صوّرت لهم الحقّ باطلاً والباطل حقاً!
مخالفتهم للسُنّة العملية :
أمّا في السُنّة العمليّة ، فلقد خالفها أئمة العامّة كثيراً ، عامدين ، وعن
علم ، كما فعل عمر بحذف «حيّ على خير العمل» من الاَذان ، وكما فعل
عثمان بترك التقصير في الصلاة في موسم الحجّ ، وفي زيادة الاَذان يوم
الجمعة ، وغسل القدمين في الوضوء بدل المسح ، وغيرها كثير ، وكما
عمد إليه معاوية من تعمّد تبديل السنن خلافاً للاِمام عليّ عليه السلام فنقّص
التكبير في الصلاة ، ومنع التلبية في الحج ، ورسّخ ما ابتدعه المتقدّمون ،
وجاء أنصاره فوضعوا في ذلك أحاديث كثيرة تدعيماً لما أشاعوه .
فممّا حفظته مصادرهم الموثّقة : أنّ الحجاج السفاك قام خطيباً يعلّم
الناس الوضوء ! فأمرهم بغسل القدمين ثلاثاً وشدّد على ذلك ، حتى قام
أنس بن مالك ، الصحابي خادم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال : صدق الله ، وكذب
الحجّاج ! قال الله : (
وامسَحُوا بِرُؤوسِكم وأرجُلَكُم
) (1).
وهكذا خلطوا السُنّة العملية بالباطل والبدع كما صنعوا بالسُنّة القولية
(1) المائدة 5 : 6 . وتكذيب أنس للحجاج في مسألة الوضوء في تفسير الطبري 10 : 58 |
11475 و 11476 و 11477 . وأحكام القرآن ، لابن العربي 2 : 577 . والناسخ والمنسوخ ،
لابن العربي 2 : 198 . والمحرر الوجيز ، لابن عطية الاندلسي 5 : 48 . وتفسير الرازي 11 :
161 . والجامع لاَحكام القرآن ، للقرطبي المالكي 6 : 92 . وتفسير ابن كثير 2 : 27 قال :
(اسناده صحيح) . والدر المنثور 3 : 28 أورده عن سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم .