فيا عجباً !! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاتِه ، لشدّ ما تشطَّرا ضرعيها ! فصيّرها في حوزةٍ خشناء.... فَمُني الناسُ ـلعمرُ اللهِ ـ بخبطٍ وشماس وتلوّن واعتراضٍ ، فصبرتُ على طول المدّة ، وشدّة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعةٍ زعمَ أني أحدهم فيا لله وللشورى..(1).
فكفى بذلك إنكاراً من الاِمام عليّ عليه السلام ، ولا يُقال إذن لماذا سكتَ الاِمام ؟ ولماذا قبلَ الدخول في الشورى ؟! فاسمع جوابَه واضحاً صريحاً في نفس الخطبة:
أما واللهِ لقد تقمّصها فلان (يعني : أبا بكر) وإنّه ليعلم أنَّ محلِّي منها محلُّ القطب من الرحا ، ينحدرُ عنّي السيل ولا يرقى إليَّ الطير فسدلتُ دونها ثوباً ، وطويتُ عنها كَشْحاً ، وطفقتُ أرتأى بين أن اُصولَ بيدٍ جَذّاء أو أصبر على طخيةٍ عمياء يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدحُ فيها مؤمن حتى يلقى ربَّه..
ثم يقول : فيا لله وللشورى متى اعترض الريب فيَّ مع الاَول منهم حتى صِرتُ أقرن إلى هذه النظائر ! لكنّي أسْفَفْتُ إذ أسفّوا ، وطِرتُ إذ طاروا ، فصغا رجلٌ منهم لضغْنِه ومالَ الآخرُ لصهره مع هَنٍ وهَنٍ.. الخ (2).
فإن قالوا : إنّ هذه الخطبة ربما تكون غير صحيحة .
(1) نهج البلاغة ، ضبط الدكتور صبحي الصالح خطبة رقم 3 : 48 . وشرح النهج لابن أبي الحديد 1 : 151.