ولاَي شيءٍ هذه المشورة ، ألاَجل أن يستنير بآرائهم ويهتدي بها إلى الصواب ؟ أم ماذا ؟ للمفسّرين هنا كلام تتّفق معانيه وأدلّته كثيراً ، وتختلف قليلاً ، فمّما اتّفقوا فيه كلامهم في حدود الاجابة عن سؤالنا الاَوّل ؛ أيّ الاُمور هذه التي يستشيرهم فيها ؟
قال الشوكاني ـ وقوله جامع لاَقوال المفسّرين ـ : ( إنّ المراد أيّ أمرٍ كان ممّا يشاوَر في مثله ، أو في أمر الحرب خاصّة كما يفيده السياق... والمراد هنا المشاورة في غير الاُمور التي يرد الشرع بها ) (1).
فالمشاورة إذن ليست في أمور الدين والاَحكام ، فهذه من شأن التنزيل وحده ، وليست محلاًّ للرأي والنظر .
فموضوع المشاورة إذن هو أمور الدنيا ، وقد تقدّم أنّ السياق يدلّ على أنّ المراد هو شأن الحروب وخططها ، وليس السياق وحده يدلّ على هذا، بل التاريخ أيضاً أثبت أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد استشار أصحابه في بعض شؤون الحرب ، كالذي حدث في اختيار لقاء العدوّ يوم بدر ، وفي اُسارى بدر ، وفي الخروج إلى اُحد ، وفي الخندق .
أمّا وراء شؤون الحرب ، فإن حصل فنادرٌ جدّاً ، وحتى شؤون الحرب لم تكن كلّها خاضعة للشورى ، بل كان قرار النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في اختيار الحرب وتحديد مكانها وزمانها حاسماً وسابقاً لاَيّ مستوى من مستويات الشورى ، وهو قرار باق وحاكم حتّى لو كثر فيه الخلاف ، كما هو واضح جدّاً في بعثة اُسامة ، وفي اختيار زيد بن حارثة أميراً على جيش مؤتة ولو