البحث الثاني
قد علم كلّ مَن اطّلع على الشرعيّات أنّأهل السّنة حصروا المذاهب في أقوال أربعةمن الفقهاء وهم: أبو حنيفة، ومالك،والشافعي، وأحمد ابن حنبل. وأوجبوا علىجميع الناس تقليد أحد هؤلاء ومنعوا الناسقاطبة من الاجتهاد وجعلوا الاجتهادمقصوراً على هؤلاء الأربعة، ومَن عَداهممِن الناس إنّما يقلّدهم أو يجتهد مثلاجتهاد أحدهم، وهو في الحقيقة راجع إلىالتقليد.
ولم يذكروا على ذلك دليلاً، ولا اخترعوافيه شيئاً من الأحاديث كما هو عاداتهم.وصريح كتاب الله تعالى، وسنّة رسوله (صلّىالله عليه وآله)، وإجماع المسلمين يدلّعلى بطلانه.
أمّا كتاب الله، فإنَّ قوله تعالى:{فَلَولا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرقَة مِنْهُمطائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا في الدّين}(1)دالّ على وجوب الاجتهاد على الكفاية، ولاتفاوتَ بين الأشخاص والأزمنة والأمكنة،فما الّذي اقتضى تخصيص هؤلاء بالاجتهادوغيرهم بالتقليد؟!
وأمّا السنّة، فقد أجمع المسلمونَ علىأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال: " مَناجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فاخطأفله أجر واحد "(2). و" مَن " من أدوات العموم،فما الّذي دلّ على هذا التخصيص الشنيعالواضح البطلان
1- التوبة: 122.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصادره.