الإنسان والتربية
الخصائص الذاتية والفطرية للإنسان
البحث الفطري عن الكمال
يقول أهل اللغة والتفسير: إن "الفطرة " تعني الخلقة، وفي الصحاح "الفطرة" بالكسر "الخلقة" ويمكن أن تكون الكلمة مأخوذة من "فطر" أي "شقّ ومزقّ" كأن الخلقة أشبه بشق حجب العدم والغيبة، وبهذا المعنى يكون إفطار الصائم فكأنه يمزق الهيئة الاتصالية للإمساك.على كل حال، البحث اللغوي خارج عن نطاق بحثنا، وبالجملة هذا الحديث الشريف إشارة إلى الآية المباركة في سورة الروم: {فأقم وجهك حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}. إعلم أن المقصود من "فطرة الله" التي فطر الناس عليها هو الحال والكيفية التي خلق الناس عليها، وهم متّصفون بها والتي تعد من لوازم وجودهم ولقد "تخمّرت " طينتهم بها في اصل الخلق والفطرات الإلهية، كما سيتبيّن فيما بعد. من الألطاف التي خصّ الله بها الإنسان من بين جميع المخلوقات، إذ أن الموجودات الأخرى غير الإنسان، إما أنها لا تملك أصلا مثل هذه الفطرات المذكورة، وأما أن لها حظاً ضئيلاً منها.وهنا لابد من معرفة أن الفطرة، وإن فسرت في هذا الحديث الشريف وغيره من الأحاديث بالتوحيد، إلاّ أن هذا هو من قبيل بيان المصداق، أو التفسير بأشرف أجزاء الشيء، كأكثر التفاسير الواردة عن أهل بيت العصمة "ع" حيث أنها نوع من هذا القبيل، في كل مرة تفسر بمصداق بحسب مقتضى المناسبة، فيحسب الجاهل أن هناك تعارضاً، والدليل على أن المقام يشمل التوحيد والمعارف الأخرى.وفي صحيحة عبد الله بن سنان فسرت الفطرة بالإسلام، وفي حسنة زرارة فسرت بالمعرفة، وفي الحديث المعروف "كل مولود يولد على الفطرة" جاءت في قبال "التهود" والتمجّس"، كما أن الإمام الباقر عليه السلام في حسنة زرارة المذكورة فسّرها بالمعرفة وعليه فالفطرة ليست مقصورة على التوحيد، بل إن جميع المعارف الحقّة هي من الأمور التي فطر الله تعالى الإنسان عليها.لابدّ من أن نعرف بأن ما هو من أحكام الفطرة لا يمكن أن يختلف فيه اثنان، لأنها من لوازم الوجود وهي هيئات تخمرت في اصل الطينة والخلقة، فالجميع من الجاهل والعالم والمتوحش والمتحضر والمدني والبدوي متفقون في ذلك، وليس ثمة منقذmostafa
للعادات والمذاهب والطرق المتلفة للتسلل إليها والإخلال بها. إن اختلاف البلاد والأهواء والمأنوسات والآراء والعادات التي توجب وتسبب الخلاف والاختلاف في كل شيء، حتى في الأحكام العقلية، ليس لها تأثير أبداً في الأمور الفطرية، كما أن اختلاف الإدراك والإفهام قوة وضعفاً لا تؤثر فيها وإذا لم يكن الشيء بتلك الكيفية فليس من أحكام الفطرة، ويجب إخراجه من فصيلة الأمور الفطرية، ولذلك تقول الآية {فطرة الله التي فطرة الناس عليها} أي أنها لا تختص بفئة خاصة ولا طائفة من الناس، ويقول تعالى أيضاً {لا تبديل لخلق الله} أي لا يغيّره شيء، كما هو شأن الأمور الأخرى التي تختلف بتأثير العادات وغيرها.