كان رسول الإسلام يتألم لعدم قبول الناس للتربية إلى حدّ كان الباري تبارك وتعالى يسليه على ذلك، وكان في مشقة، فجاءه الخطاب من الله تبارك وتعالى {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} فكان يتألم من أجل الناس أكثر من تألم الأب الرؤوف على أولاده، ويحزن لعدم قبول الكافرين الانضمام للمجرى الطبيعي الإنساني، ويجب أن يكون كل إنسان كذلك فيشعر بالحزن للذين لا يلتزمون بالخط الإسلامي والإنساني، وكان بعض العلماء الكبار، كما سمعت ـ يقولون بأننا ندعو لاؤلئك المنحرفين لأنهم احوج إلى الدعاء.
أسلوب الابتلاء
إن كل عمل يصدر من الإنسان، بل كل ما يقع في عالم الجسم وكان مدركاً للنفس، يترك أثراً لدى النفس، من دون فرق بين الأعمال الحسنة أو السيئة، ومن دون فرق بين أن يكون العمل من نوع اللذائذ أو نوع الآلام، وقد عُبّر عن هذا الأثر في الاخبار بنقطة بيضاء ونقطة سواء، مثلاً إن كان لذة مما يلتذ الإنسان به من المطعومات أو المشروبات أو المنكوحات وغيرها، يترك أثراً في النفس، ويحصل تعلقاً ومحبة في عمق الروح تجاهه، ويزداد توجه النفس إليه، وكلما توغّل في اللذائذ والمشتهيات أكثر، ازداد تعلق النفس وحبها لهذا العالم أكثر، وغدا ركونها واعتمادها على هذا العالم اكبر، فتتربى النفس وترتاض على التعلق بالدنيا، وكلما كانت المتع في ذائقته احلى كانت جذور محبتها أكثر، وكلما توفرت وسائل العيش والعشرة والراحة بشكل أوفى، أصبحت شجرة التعلق بالدنيا أقوى وكلما اقبلت النفس على الدنيا أكثر، كلما كانت غفلتها عن الله وعالم الآخرة أكثر، كما أن نفس الإنسان إذا ركنت إلى الدنيا كلياً، وصار توجهها مادياً ودنيوياً سُلبت التوجه لله المتعال ودار الكرامة نهائياً و {أخلد إلى الأرض واتبع هواه}.