هذا حكم سياسي للإسلام. حكم يبعث على امتناع المسلمين عن الرجوع إلى السلطات غير الشرعية والقضاة التابعين لهم، وذلك لكي تتوقف الأجهزة الحكومية الجائرة وغير الإسلامية، وتتعطل هذه المحاكم الطويلة العريضة التي لا يعود للناس منها سوى التعب والمشقة، وتفتح الطريق إلى ائمة الهدى (ع) وإلى الاشخاص الموكل اليهم حق الحكم والقضأوة من قبلهم.والهدف الأساسي هو عدم السماح للسلاطين والقضاة التابعين لهم بأن يكونوا مرجعاً للأمور، وبأن يتبعهم الناس في ذلك. فقد أعلن الأئمة (ع) للأمة الإسلامية أن هؤلاء ليسوا بمرجع، والله تعالى أمر الناس بالكفر بهم (وعصيانهم). والرجوع اليهم يتنافى مع الكفر بهم، فإذا كنت كافراً بهم وتراهم ظالمين وغير لائقين، فيجب ألا ترجع إليهم.
مرجع الأمور علماء الإسلام
بناءاً على هذا، فما هو تكليف الامة؟ وما الذي يجب عليهم عمله في الحوادث والمنازعات؟ وإلى من يرجعون؟قال (ع) : ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا . فالامام (ع) لم يترك شيئاً مبهماً ليقول البعض اذن فرواة الحديث هم المرجع والحاكم. بل ذكر كل الجهات وقيد (الرواة) بكونهم ممن نظر في الحلال والحرام وفقا للقواعد، وله معرفة بالأحكام، ويمتلك الموازين لتمييز الروايات الصادرة على خلاف الواقع للتقية أو لاسباب أخرى عن غيرها، ومن الواضح أن معرفة الأحكام ومعرفة الحديث أمر آخر غير نقل الحديث.
العلماء منصوبون للحكم
يقول (ع) : فإني قد جعلته عليكم حاكماً أي منصوباً من قبلي للحكم والامارة، وللقضاء بين المسلمين. ولا يحق للمسلمين أن يرجعوا إلى غيره.وبناءاً عليه، فلو اعتدى أحدهم على مال لكم، فالمرجع في الشكوى هي السلطة التي عينها الامام (ع). وإذا تنازعتم مع أحد على دَين، واحتجتم إلى اثبات ذلك، فالمرجع هو ذلك القاضي الذي عينه (ع) أيضاً، ولا حق لكم في الرجوع إلى غيره. وهذه وظيفة جميع المسلمين، وليس تكليفاً خاصاً بعمر بن حنظلة حين يواجه تلك المشكلة.فأمر الإمام (ع) هذا عام وكلي. فكما كان أمير المؤمنين (ع) في زمان حكومته يعين الحكام والولاة والقضاة، وكان على جميع المسلمين أن يطيعوهم، فالإمام الصادق (ع) أيضاً بما أنه ولي الامر المطلق، وله الولاية على جميع العلماء والفقهاء والناس، فهو يستطيع أن يعيّن الحكام والقضاة لزمان حياته، ولما بعد مماته. وقد قام بذلك وجعل هذا المنصب للفقهاء. وإنما قال حاكماً لكيلا يتوهم البعض أن الأمر مختص بالمسائل القضائية، ولا يشمل سائر أمور الحكم والدولة.ويستفاد أيضاً من صدر وذيل الرواية والآية التي ذكرت فيها أن الموضوع ليس مجرد تعيين قاضٍ وحسب، فالامام لم يكتف بتعيين قاض فقط، دون أن يتعرض لبيان التكليف حول سائر أمور المسلمين الاخرى، بشكل يبقى أحد السؤالين ـ والذي يرجع إلى التحاكم عند السلطات التنفيذية ـ بلا جواب.هذه الرواية من الواضحات، وليس ثمة وسوسة في سندها ودلالتها فلا ترديد في أن الامام (ع) قد عين الفقهاء لأجل الحكومة والقضاء. وعلى جميع المسلمين إطاعة امر الامام (ع) هذا.ولأجل توضيح المطلب بشكل أفضل، وتأييده بروايات أخرى، نأتي برواية ابي خديجة أيضاً:روى محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن ابي الجهم، عن ابي خديجة قال: بعثني ابو عبدالله (ع) إلى أصحابنا فقال: