المقام الثاني: في كفارة الوحوش و غيرها من الحيوانات
و فيه مسائل:
المسالة الاولى:
في بقرة الوحش بقرة اهلية بالاجماع و الصحاح (1) ، و في حماره عند الاكثر، بل عن
الغنية الاجماع عليه (2) . لصحيحة حريز (3) ، و موثقة ابي بصير (4) ، و رواية الكناني (5) . و بدنة عند صاحب المقنع (6) . لصحيحتي يعقوب بن شعيب (7) و سليمان بن خالد (8) ، و رواية ابي بصير (9) . و احدهما مخيرا عند الاسكافي (10) و جماعة من المتاخرين (11) . جمعا بين الاخبار. و هو الاظهر، لانه المرجع المنصوص عند التعارض و عدم الترجيح. و لعل نظر الاولين الى الترجيح بموافقة الكتاب، حيث ان البقرة اقرب الى
الحمار من البدنة. و فيه: ان مثل تلك الاقربية لا تفهم من المماثلة. فان لم يجد الفداء، قالوا: فض قيمة البقرة على مطلق الطعام (12) ، لاطلاق الاخبار (13) ،
او على البر خاصة، لان الطعام هو لغة (14) . و الاول اقرب، و الثاني احوط. و يطعمها ثلاثين مسكينا، بلا خلاف. لصحيحة ابن عمار (15) ، و موثقة ابي بصير و روايته. لكل مسكين مدين عند الاكثر. لصحيحة الحذاء: «اذا اصاب المحرم صيدا و لم يجد ما يكفر من موضعه الذي اصاب
فيه الصيد قوم جزاؤه من النعم دراهم، ثم قومت الدراهم طعاما، لكل مسكين نصف صاع،
فان لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما» (16) . و مد عند آخرين (17) ، قيل: كما في الصحيح و نسب المدين الى الصحيحين (18) . و لم اجد الصحيح في المد، و لا غير صحيحة عامة في المدين، و لعل نظره الى اخبار
البدنة و تقسيم الامداد على الستين. و لا دليل على الاتحاد، و القياس باطل، الا ان يتمسك بالاجماع المركب، و هو
حسن، الا انه ليس استنادا الى الصحيح و الصحيحين. نعم، يمكن استفادة المد من ضم مرسلة ابن بكير: في قول الله تعالى: «او عدل ذلك
صياما» ، قال: «بثمن قيمة الهدي طعاما، ثم يصوم لكل مد يوما» (19) . و صحيحة محمد: عن قول الله تعالى: «او عدل ذلك صياما» ، قال: «عدل الهدي ما بلغ يتصدق
به، فان لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام مسكين يوما» (20) .و لا باس به. فان عجز فتسعة ايام. ثم لا يخفى ان تقويم البقرة و التوزيع على ثلاثين مسكينا في حمار الوحش انما هو
على المشهور. و اما على المختار، فالحكم التخيير بين ما ذكر و بين تقويم البدنة و التوزيع
كما مر في النعامة، لانه الحكم في بدل البدنة، كما صرح به في الاخبار الخاصة و
العامة (21) . ثم على التقديرين: ان كانت القيمة اقل من الستين او الثلاثين اقتصر على القيمة،
و لو زادت لم تجب عليه الزيادة، كما مر في النعامة، بلا خلاف فيه يوجد. و قيل: و في الاخبار عليه الدلالة (22) . و لا يخفى انها واردة في البدنة، فالاحسن التمسك بالاجماع المركب. و لو لم يجد القيمة صام تسعة ايام على الاظهر، و عن كل مسكين يوما، فان عجز
فتسعة ايام على الاحوط الاشهر، و وجه الاستدلال في النعامة ظهر.
المسالة الثانية:
في قتل الظبي شاة. بالكتاب و السنة و الاجماع. فان لم يجد الشاة فض ثمنها على الطعام على الاظهر، او خصوص البر على الاحوط،
و يطعم عشرة مساكين اجماعا نصا و فتوى، لكل مسكين مدان على الاشهر، و مد عند
جماعة (23) . و لعله للاجماع المركب. و يمكن استفادة المد من ضم المرسلة و الصحيحة كما مر. و لو قصرت قيمتها عن الاتمام اقتصر عليها، و لو زادت لم يجب عليه الزائد،
فان لم يجد صام ثلاثة ايام على الاظهر و عشرة ايام، فان عجز فثلاثة على
الاحوط الاشهر.
المسالة الثالثة:
في قتل الثعلب و الارنب شاة، بلا خلاف، بل عن بعضهم: الاجماع عليه (24) . لرواية ابي بصير فيهما (25) ، و صحيحتي البزنطي (26) و ابن مسكان (27) في الارنب. و لو لم يجدها فهما كالظبي في البدل، على الاظهر الاشهر الاحوط. لصحاح الحذاء و محمد و ابن عمار و مرسلة ابن بكير. و عن القديمين و الصدوقين و المحقق: انه لا بدل لهما، بل يستغفر الله تعالى، للاصل (28) .
و جوابه ظاهر.
المسالة الرابعة:
في قتل الضب و القنفذ و اليربوع جدي على الاظهر الاشهر، بل حكي عن عامة من تاخر (29) . لحسنة مسمع: «اليربوع و القنفذ و الظب اذا اصابه المحرم فعليه جدي، و الجدي خير
منه، و انما جعل عليه هذا كي ينكل عن صيد غيره » (30) . ، مدعيا بعضهم الاجماع عليه (32) ، و وجهه غير واضح. و الحق الشيخان و السيد و الحلي و ابن حمزة و المحقق الثاني (33) و غيرهم (34) بالثلاثة
اشباهها، و لعلهم-كما قيل (35) -نظروا الى التعليل في الحسن بقوله: «و انما جعل عليه » ،
و لا يخلو عن قوة.
المسالة الخامسة:
قال جماعة -منهم: الصدوق في الفقيه و المقنع و الشيخ و الفاضل في المختلف و الشهيد في
الدروس (36) ، و جمع آخر (37) -: ان في قتل العظاية-بالعين المهملة و الظاء المعجمة، و هي من
كبار الوزغ-كفا من طعام. لصحيحة ابن عمار: محرم قتل عظاية، قال: «كف من طعام » (38) . خلافا لكثير من الاصحاب، فلم يوجبوا له شيئا. و هو الاظهر، لقصور الصحيحة عن افادة الوجوب. نعم، نقلها في بعض الكتب هكذا: «عليه كف من طعام » (39) ، و لكن لم تثبت هذه الزيادة.
المسالة السادسة:
اثبت جماعة في القملة يلقيها من جسده كفا من طعام (40) . لحسنتي ابن ابي العلاء (41) ،
المتقدمتين في بحث القاء هوام الجسد. المؤيدتين بصحيحتي حماد (42) و محمد (43) ، المتقدمتين فيه ايضا. و رواية الحلبي: حككت راسي و انا محرم فوقع منه قملات، فاردت ردهن فنهاني، و قال:
«تصدق بكف من طعام » (44) . و نفاه جمع آخر، و قالوا باستحبابه (45) . لرواية ابي الجارود النافية للفداء في قتلها (46) ، و صحيحة ابن عمار النافية للشي ء
فيه (47) ، و الاخرى النافية للشي ء عن سقوطها عن الراس بحكة (48) ، و رواية مرة (49) ، و غيرها (50) ،
المجوزة لالقائها، المتقدمة جميعا في البحث المذكور. و رواية اخرى لابي الجارود: حككت[راسي و انا محرم]فوقعت قملة، قال: «لا باس » ، قلت: اي
شي ء تجعل فيها؟ قال: «و ما اجعل عليك في قملة؟ ! ليس عليك فيها شي ء» (51) . و هو الاقوى، لذلك. و لا يتوهم اعمية الاخبار الاخيرة باعتبار نفيها الشي ء الشامل للعقاب ايضا،
فيجب التخصيص، لان روايتي ابي الجارود مصرحتان بنفي الفداء وجوبا، فهما
قرينتان على تجوز الحسنتين. و حمل الاخبار الاخيرة على التقية-بمحض حكاية نفي الكفارة فيه عن طائفة من
العامة (52) -غير جيد، بعد ذهاب جمع آخر من مشاهيرهم الى خلافه. نعم، الاحوط الفداء.
المسالة السابعة:
ذهب جماعة-منهم: علي بن بابويه و ابن حمزة- الى ثبوت وجوب الفداء بكبش في قتل
الاسد (53) . و قيده بعضهم بما اذا لم يرده (54) . و استندوا الى رواية[ابي] (55) سعيد المكاري (56) . و نفى جماعة الكفارة فيه بخصوصه. للاصل. و ضعف الرواية (57) . اقول: و هو الاقوى، لان غاية ما تدل عليه الرواية ذبح الكبش للحرم لا للاحرام.
المسالة الثامنة:
ما لا تقدير لفديته من الحيوانات ففيه قيمته السوقية الثابتة باخبار عدلين
عارفين، بلا خلاف فيه يعلم، او مطلقا كما في المدارك و الذخيرة (58) ، و غيرهما (59) . قالوا: لتحقق الضمان، لعمومات الجزاء و الفداء في الصيد، فمع عدم التقدير يرجع
الى القيمة. و لصحيحة حريز (60) : «في الظبي شاة، و في البقرة بقرة، و في الحمامة بدنة، و في النعامة
بدنة، و فيما سوى ذلك قيمته » . اقول: لا شك في تخصيص قوله: «ما سوى ذلك » اي من الحيوانات الممنوع تعرضها للمحرم
بحكم التبادر و قرينة المقام، و لا بد ايضا من التخصيص بما له قيمة بقرينة قوله:
«قيمته » ، فلا يثبت في كثير من الحشرات كالخنفساء و الذباب، و اما ما لا قيمة له
مما يحرم تعرضه ففيه الاثم و الاستغفار. ثم ان ظاهرهم ان ما سوى ما ذكر من الطيور و الافراخ و البيوض داخل فيما لا
تقدير له. و الحق: ان جميع هذه الثلاثة مما وقع له التقدير: اما الطيور، فقد مر الكلام فيه، و ان في كل طير دم شاة. و اما الافراخ، ففي كل فرخ حمل او جدي مخيرا بينهما. لصحيحة ابن سنان المتقدمة في المسالة الثانية من المقام الاول (61) . و رواية ابي بصير: عن رجل قتل فرخا و هو محرم في غير الحرم، فقال: «عليه حمل و
ليس عليه قيمته، لانه ليس في الحرم » (62) . و اما البيوض، فلصحيحة حريز: «و ان وطى ء المحرم بيضة و كسرها فعليه درهم، كل هذا
يتصدق به بمكة و منى » (63) . فالحق: عدم الرجوع فيها الى القيمة، لكونها مقدرة، بل لعموم العلة المذكورة في
رواية ابي بصير النافية للقيمة، بل مقتضاه نفي القيمة في جميع المواضع، و ان الرجوع
الى القيمة حكم الصيد الحرمي دون الاحرامي، الا انه لاعميته بالنسبة الى صحيحة
حريز المتقدمة يخصص بها، كما ان الصحيحة لاعميتها من اخبار الطير و الفرخ و
البيض يجب تخصيصها بها.و عدم الاطلاع على من قال بمثل ما قلنا في مطلق البيض لا
يدل على العدم، و لو سلم عدم الذكر فلا يثبت منه الاجماع، و الله اعلم. تعليقات: 1) انظر الوسائل 13: 5 ابواب كفارات الصيد ب 1. 2) الغنية (الجوامع الفقهية) : 575. 3) التهذيب 5: 341-1181، الوسائل 13: 5 ابواب كفارات الصيد ب 1 ح 1. 4) التهذيب 5: 342-1186، الوسائل 13: 12 ابواب كفارات الصيد ب 2 ح 12. 5) التهذيب 5: 341-1180، الوسائل 13: 6 ابواب كفارات الصيد ب 1 ح 3. 6) المقنع: 77. 7) الكافي 4: 386-4، الوسائل 13: 6 ابواب كفارات الصيد ب 1 ح 4. 8) التهذيب 5: 341-1182، الوسائل 13: 5 ابواب كفارات الصيد ب 1 ح 2. 9) الكافي 4: 385-1، الوسائل 13: 9 ابواب كفارات الصيد ب 2 ح 3. 10) حكاه عنه في المختلف: 272. 11) منهم الاردبيلي في مجمع الفائدة 6: 366، صاحب المدارك 8: 326. 12) كما في المبسوط 1: 340، المسالك 1: 134. 13) الوسائل 13: 8 ابواب كفارات الصيد ب 2. 14) انظر الشرائع 1: 285، المدارك 8: 326. 15) التهذيب 5: 343-1187، الوسائل 13: 13 ابواب كفارات الصيد ب 2 ح 13. 16) الكافي 4: 387-10، التهذيب 5: 341-1183، الوسائل 13: 8 ابواب كفارات الصيد ب
2 ح 1، بتفاوت يسير. 17) منهم صاحب المدارك 8: 327. 18) انظر الرياض 1: 449. 19) الكافي 4: 386-3، الوسائل 13: 10 ابواب كفارات الصيد ب 2 ح 5، و الآية في:
المائدة: 94. 20) التهذيب 5: 342-1184، الوسائل 13: 11 ابواب كفارات الصيد ب 2 ح 10. 21) كما في الوسائل 13: 8 ابواب كفارات الصيد ب 2. 22) انظر الرياض 1: 449. 23) كما في المدارك 8: 328، الكفاية: 62. 24) كما في الغنية (الجوامع الفقهية) : 575، و حكاه في الرياض 1: 450. 25) الكافي 4: 386-7، الفقيه 2: 233-1116، التهذيب 5: 343-1188، الوسائل 13: 17
ابواب كفارات الصيد ب 4 ح 4. 26) الفقيه 2: 233-1114، الوسائل 13: 17 ابواب كفارات الصيد ب 4 ح 1. 27) الفقيه 2: 233-1115، الوسائل 13: 17 ابواب كفارات الصيد ب 4 ح 2. 28) حكاه عن القديمين و والد الصدوق في المختلف: 273، الصدوق في الفقيه 2: 233،
المحقق في الشرائع 1: 285. 29) كما في الرياض 1: 454. 30) الكافي 4: 387-9، و في التهذيب 5: 344-1192، و الوسائل 13: 19ابواب كفارات
الصيد ب 6 ح 1: «لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد» . 31) كما في الكافي في الفقه: 206، الغنية (الجوامع الفقهية) : 576. 32) كما في الغنية (الجوامع الفقهية) : 576. 33) المفيد في المقنعة: 435، الطوسي في النهاية: 223، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل
الشريف المرتضى 3) : 71، ابن حمزة في الوسيلة: 168، المحقق الثاني في جامع
المقاصد 3: 312. 34) منهم الحلي في السرائر 1: 558، ابن سعيد في الجامع: 190 صاحب الرياض 1: 454. 35) الرياض 1: 454. 36) الفقيه 2: 235، المقنع: 79، الشيخ في التهذيب 5: 344، المختلف: 274، الدروس 1: 358.
37) منهم العلامة في المنتهى 2: 827 الاردبيلي في مجمع الفائدة 6: 383، صاحب
الرياض 1: 454. 38) التهذيب 5: 345-1194، الوسائل 13: 20 ابواب كفارات الصيد ب 7 ح 3. 39) كما في الرياض 1: 454. 40) منهم المفيد في المقنعة: 435، القاضي في المهذب 1: 226، المحقق في النافع: 103،
العلامة في القواعد 1: 95، الارشاد 1: 319. 41) الاولى في: الكافي 4: 362-3، الوسائل 12: 539 ابواب تروك الاحرام ب 78ح 3. الثانية في: التهذيب 5: 336-1160، الاستبصار 2: 196-661، الوسائل 13: 168 ابواب
بقية كفارات الاحرام ب 15 ح 3. 42) التهذيب 5: 336-1158، الاستبصار 2: 196-659، الوسائل 13: 168ابواب بقية
كفارات الاحرام ب 15 ح 1. 43) التهذيب 5: 336-1159، الاستبصار 2: 196-660، الوسائل 13: 168ابواب بقية
كفارات الاحرام ب 15 ح 2. 44) التهذيب 5: 337-1163، الوسائل 13: 169 ابواب بقية كفارات الاحرام ب 15ح 4.
45) كما في المسالك 1: 137. 46) الكافي 4: 362-1، الفقيه 2: 230-1090، الوسائل 13: 170 ابواب بقية كفارات
الاحرام ب 15 ح 8. 47) الكافي 4: 362-2، التهذيب 5: 337-1166، الاستبصار 2: 197-664، الوسائل 13: 169
ابواب بقية كفارات الاحرام ب 15 ح 6. 48) الفقيه 2: 229-1086، التهذيب 5: 337-1165، الاستبصار 2: 197-663، الوسائل 13:
169 ابواب بقية كفارات الاحرام ب 15 ح 5. 49) التهذيب 5: 337-1164، الاستبصار 2: 197-662، الوسائل 12: 540ابواب تروك
الاحرام ب 78 ح 6. 50) الوسائل 13: 168 ابواب بقية كفارات الاحرام ب 15. 51) الكافي 4: 365-12، الوسائل 13: 169 ابواب بقية كفارات الاحرام ب 15ح 7، و
ما بين المعقوفين من المصدر. 52) كما في الحدائق 15: 250 و حكاه عن العامة في المنتهى 2: 817 و التذكرة 1: 355. 53) نقله عن علي بن بابويه في المختلف: 271، الوسيلة: 164. 54) انظر الوسيلة: 164، الغنية (الجوامع الفقهية) : 576. 55) اضفناه لاستقامة السند. 56) الكافي 4: 237-26، التهذيب 5: 366-1275، الاستبصار 2: 208-712، الوسائل 13: 79
ابواب كفارات الصيد ب 39 ح 1. 57) منهم العلامة في المنتهى 2: 801، الشهيد الثاني في المسالك 1: 133، صاحب
المدارك 8: 315، 316. 58) المدارك 8: 350، الذخيرة: 609. 59) كالمفاتيح 1: 324، الحدائق 15: 254. 60) كذا، و الصحيح: و لصحيحة سليمان بن خالد...انظر التهذيب 5: 341-1182، الوسائل
13: 5 ابواب كفارات الصيد ب 1 ح 2. 61) راجع ص: 163. 62) الكافي 4: 390-6، الوسائل 13: 23 ابواب كفارات الصيد ب 9 ح 4. 63) التهذيب 5: 346-1202، الاستبصار 2: 201-683، الوسائل 13: 23ابواب كفارات
الصيد ب 9 ح 7.