ويمكن تصويره في ملك سايس يجمعهم على صعيد واحد يستفتيهم
فيتفقون أو يراسلهم أو يكاتب جميعهم ويعلم توافقهم في وقت واحد
فهذا طريق تصوره والعلم به
أما اثبات كونه حجة فقد تمسك الشافعي فيه بقوله ومن يشاقق
الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله
ما تولى الآية تواعد على ترك اتباع سبيل المؤمنين فإذا أجمعوا
على حكم فهو سبيلهم
فإن قيل تنطوي عليه السريرة ولا اطلاع عليها فما ندري ان
الذين اجمعوا أهم المؤمنين الذين يجب اتباعهم أم لا
قلنا لم نكلف البحث عن الضمائر وانما امرنا ببناء الأمر على الظاهر
وإذا أجمعت الأمة على حكم يجب القضاء بأنهم هم المؤمنون
إلا أنه ينقدح حمل الآية على ترك الايمان والمخالفة فيه ويشهد له
قوله قبله ومن يشاقق الرسول
وهذا ان لم نقطع به فهو محتمل والقطيعات ابن لا تثبت بالمحتملات
ومما تمسك به الأصوليون قوله عليه السلام لا تجتمع أمتي على
ضلالة وروى على الخطأ
ولا طريق إلى رده بكونه من إخبار الآحاد فإن القواعد القطعية يجوز
اثباتها بها وإن كانت مظنونة كما سيأتي في كتاب القياس
ولكن هذا الحديث يحتمل حمله أيضا على البدعة والضلالة في الدين
والاعتقاد وعلى الاخلال بأصل الدين فضعف التمسك به من هذا الوجه
فان قيل فما المختار عندكم في اثبات الاجماع
قلنا لا مطمع في مسلك عقلي إذ ليس فيه ما يدل عليه ولم يشهد له
من جهة السمع خبر متواتر ولا نص كتاب واثبات الاجماع بالإجماع تهافت
والقياس المظنون لا مجال له في القطيعات
وهذه مدراك قوله الاحكام ولم يبق وراءه إلا مسالك العرف فلعلنا
نتلقاه منه فنقول الاجماع يعرض على ثلاث صور
الصورة الأولى
ان تجمع الأمة على القطع في مسالة مظنونة فإذا قطعوا قولهم وقد كثرعددهم بحيث لا يتصور منهم في طرد العادة التواطؤ على الكذب فهذا يورث
العلم إذ يستحيل في العادة ذهولهم وهم الجمع الكثير عن مسلك الحق
مع كثرة بحثهم وإغراقهم في الفحص عن مأخذ الأحكام
ففرض الغلط عليهم كفرضه على عدد التواتر إذا أخبروا عن محسوس لأن
هؤلاء قطعوا في غير محل القطع ولا يظن بهم التحكم