قال على عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لفاطمة: «إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك» ذكره الحاكم فى «المستدرك» 3/ 153. و ابن الأثير فى «أسدالغابة» 5/ 522. و ابن حجر فى «الإصابة» 8/ 159. و المتقى فى «كنزالعمال» 7/ 111. و فى «تهذيب التهذيب» 12/ 441. و الطبرى فى «ذخائر العقبى» ص 39. و فى «كنزالعمال» 6/ 219- إن الله عز و جل يغضب لغضب فاطمة و يرضى لرضاها. و فى «ميزان الاعتدال» قال: قال رسول الله لفاطمة «إن الرب يغضب لغضبك و يرضى لرضاك».]). أقول: كيف يكون والجمع والتوفيق، بين هذه الأحاديث و بين ما سبق من الأقوال فى غضب فاطمة على أبى بكر و هجرها إياه و عدم الإذن منها فى حضوره لجنازتها والصلاة عليها.
جواب إشكال أو إثبات إعضال
و لقد تصدى كثير من الناس للجواب عن ذلك بما لا يكون جوابا للإشكال حقيقة، و إنما هو تقرير للشبهة واقعا: أحدها أن غضب فاطمة عليهاالسلام على أبى بكر لا يكون لأمر دينى، و إنما هو غضب يحصل للإنسان قهرا عند عدم رعاية جانبه، و هذا فى الحقيقة ليس بغضب، بل هو تغيير للخاطر، و تألم فى القلب بواسطة عدم حصول شى ء يلاثم الطبع. و هذا الوجه باطل لأن هذا القسم من الغضب الذى هو تألم الخاطرلا يصدر عن المؤمن، فضلا عن فاطمة عليهاالسلام الممجدة بآية التطهير و آية المباهله و سورة هل أتى، و كونها سيدة نساء العالمين. و من الباطل أن يميل الإنسان إلى أن يحكم الحاكم له بغير حكم الله تعالى، فلو كان ما حكم به أبوبكر حقا من رسول الله لما جاز لمسلم أن يغضب عليه. و الظاهر من حال فاطمة و طلبها أنها كانت تطلب حقها، و لما منعت حقها و لم تجد إلى حمل القوم فى ذلك على الصحة سبيلا، غضبت على أبى بكر ذلك الغضب إلى حين وفاتها، فهذا غضب لأمر دينى لا لأمر دنيوى، و لو كان لعوارض بشرية لزال عنها الغضب بعد الاسترضاء منها. ثم أقول: لا يجوز الحكم يخروج هذا الغضب عن عموم كلام رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن الله يغضب لغضب فاطمة عليهاالسلام و يرضى لرضاها، لأن النبى صلى الله عليه و آله و سلم لم يحكم بخروجه عن الحكم العام، و لو حكم بالخروج لما بقيت لفاطمة عليهاالسلام منقبة، فإن الله يغضب لغضب كل مؤمن من دون اختصاص بفاطمة عليهاالسلام منقبه، فإن الله يغضب لغضب كل مؤمن من دون اختصاص بفاطمة عليهاالسلام و تخصيصها من بين المسلمين بهذه المزية شاهد على أن الله تعالى يغضب لغضب فاطمة مطلقا من أى جهة كان، فجعل سبحانه الإطاعة فى رضاها، والمثوبة على الأخذ بخاطرها، و ذلك كرامة من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه و آله و سلم، و أوجب من حقه صلى الله عليه و آله و سلم المودة لأهل بيته صلى الله عليه و آله و سلم بصريح القرآن، و أن من حقوقه التسالم لفاطمة عليهاالسلام و حفظها عن تألم القلب و اشمئزاز الخاطر، فهى بضعة النبى صلى الله عليه و آله و سلم و إغضابها إغضابه، و من المعلوم أن النبى صلى الله عليه و آله و سلم لا يغضب بالباطل، فإذا غضب كان غضبه حقا موجبا لغضب الله، و حكم المغضوب عليه من الله الضلال البعيد والخلود فى النار.
كلام ابن تيمية فى هذه المسألة
قال ابن تيمية الحنبلى فى منهاج السنة 2/ 17 مجيبا عن إشكال غضب فاطمة على أبى بكر و عمر أن حديث فاطمة بضعة منى يريبنى ما يريبها و يؤذينى ما يؤذيها، و ارد فى مورد خطبة على عليه السلام ابنه أبى جهل فى حياة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فأسخطه ذلك. ففى الخبر المعتبر أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: أن بنى هشام بن المغيرة استأذنونى أن ينكحوا ابنتهم على بن أبى طالب، فلا إذن، ثم لا إذن، ثم لا إذن لهم، إن يحب ابن أبى طالب أن يطلق ابنتى و ينكح ابنتهم، فإنما هى ابنتى بضعة منى، يريبنى ما يريبها و يؤذينى ما يؤذيها [من المؤسف حقا أن واضعى هذه الرواية أساؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و فاطمة عليهاالسلام أكثر مما أساؤوا إلى على عليه السلام فانهم أنزلوا رسول الله منزله الجاهل العامى، الذى لا يربطه دين و لا عقل و لا علم، فلا يريد لصهره أن يتزوج على ابنته، مع العلم أن النبى صلى الله عليه و سلم مزود بالعقل والعلم والحكمة، و هو رجل تشريع لا يسترسل وراء العاطفة إلى هذه الدرجة التى تتنافى مع الدين والحكمة والعقل. كما أنهم اعتبروا الزهراء أمرأة عادية عامية لا ترتبط بدين و لا عقل و لا خلق، فهى تغار كما يغار غيرها من النساء. بينما هى و والدها و زوجها من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا. و إن هذه الرواية و أمثالها من الروايات التى وضعها معاوية و أتباعه للحط من قدر على و أهل البيت. قال ابن أبى الحديد فى شرح النهج 4/ 61 «ذكر شيخنا أبوجعفر الإسكافى أن معاوية وضع قوما من الصحابة و قوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة فى على عليه السلام تقتضى الطعن فيه و البراءة منه، و جعل لهم على ذلك جعلا يرغب فى مثله فاختلقوا ما أرضاه». ثم على فرض صحة الخبر و صحة جواب ابن تيميه عن حديث يريبنى ما يريبها و يؤذينى ما يؤذيها، فما جوابه عن بقية الأحاديث الواردة فى هذا المعنى مثل: من أغضبها فقد أغضبنى، و من اسخطها فقد أسخطنى التى استدلت بها الصديقة فاطمة فى محاججتها مع أبى بكر و عمر عندما جاء العيادتها، و لماذا ضاق أبوبكر ذرعا لما سمع كلامها و علم غضبها؟.] قال: و معلوم قطعا أن خطبة ابنة أبى جهل على فاطمة عليهاالسلام رابها و آذاها، والنبى صلى الله عليه و آله و سلم رابه ذلك و آذاه، فإن كان هذا وعيدا لا حقا بفاعله، لزم أن يلحق هذا الوعيد على بن أبى طالب، و إن لم يكن وعيدا لاحقا بفاعله، كان أبوبكر أبعد عن الوعيد من على. قلت: إن رواية خطبة على عليه السلام ابنة أبى جهل لا أصل لها، و لا هى مذكورة فى كتب الإمامية من طرقهم، و هذا أمر واضح، لأن الإمام عندهم هو المعصوم، العالم بجميع الأحكام، الملتفت إليها، الغير الذاهل عنها، أو الناسى ء لشى ء منها، و لذا ترى أن علماء هذا المنصب قاطبة أنكروا على من ذكر هذا الخبر و رموه بأنه مناف لأصول المذهب المأخوذ من أهل بيت العصمه الذين أذهب الله عهمه الرجس و طهرهم تطهيرا. نعم هذا الخبر موافق لمذهب النواصب الخوارج الذين أرادوا بذلك القدح فى على عليه السلام أو واحد من أهل البيت، والرواية التى أوردوها
كما ذكرنا لا دلالة فيها على أن عليا عليه السلام خطب ابنة أبى جهل، و إنما بنوهاشم هم الذين أقدموا على ترويج ابنتهم من على عليه السلام و استأذنوا فى ذلك رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فلم يأذن لهم و أسخطه ذلك، و ليس فى الخبر ما يشعر بهفوات ابن تيمية. ثم أقول: على تقدير صدور الخطبة من على عليه السلام أن عليا لم يفعل محرما و لم يقع موقع الشكاية من فاطمة و لا موردا لسخطها، لأن التزويج أمر مشروع بالكتاب والسنة، و على أصول أهل السنة أن عليا عليه السلام قبل ذلك لم يعلم بأنه مخالف لرضاء فاطمة و موجب لسخط رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، فلو خطب على عليه السلام ابنة أبى جهل فقد فعل بمقتضى قوله تعالى: «فانكحوا ما طاب لكم من النساء»، إلا أنه لما علم بسخط النبى صلى الله عليه و آله و سلم و توجه النهى نحوه، الذى لم يكن متوجها قبل ذلك، ترك الخطبة من حينه طاعة لله و لرسوله صلى الله عليه و آله و سلم و تحصيلا لرضاء فاطمة عليهاالسلام. و أين هذا من فعل أبى بكر و عمر، و إغضابها لفاطمة بعد علمهما بالتحريم و كونه إثما عظيما فلا تصح المقايسة؟
رد فدك إلى أهل البيت
قال أهل السير والتواريخ أن عمر بن عبدالعزيز لما استخلف قال: أيها الناس إنى قد رددت فدك على ولد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و ولد على بن ابى طالب، فكان أول من ردها، فلم تزل فى أيديهم إلى أن مات عمر بن عبدالعزيز. و قال ابن أبى الحديد حاكيا عن أبى بكر الجوهرى: أنه لما ولى عمر بنعبدالعزيز الخلافة كانت أول ظلامة ردها أنه دعا حسن بن الحسن بن على بن أبى طالب عليهم السلام، و قيل: بل دعا على بن الحسين عليه السلام فردها عليه، و كانت بيد أولاد فاطمة مدة ولاية عمر بن عبدالعزيز [ الصحيح أن الإمام على بن الحسين و غيره من الأئمة لم يقبلوا فدكا بعد أن غصبت منهم، و إنما أخذها غير الأئمه من العلويين. ] قلت: كان الواجب على أبى بكر أن يعامل فاطمة مثل ما عامل به عمر ابن عبدالعزيز، فيرد فدك إليها إما من باب الولاية، و إما من باب الاستحقاق بموجب الشرع، و أقل ما يلزم عليه أن يستحلفها على دعواها أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أعطاها فدك فى حياته، فإن عليا عليه السلام و أم أيمن شهدا لها، و بقى ربع الشهادة فكان عليها الحلف لا ردها بعد الشاهدين. تمت بحمد الله الرسالة الفدكية على يد مؤلفها محمد حسن الموسوى
الطباطبائى فى شهر ربيع الأول من شهور سنة 1352
ملحق فدك
هدى المله إلى أن فدك نحله تحقيق باقر المقدسى ليسانس فى اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية الفقه فى النجف الأشرف بسم الله الرحمن الرحيم اكتفى السيد المؤلف من أخبار فدك بهذا القدر، و بقيت هناك أخبار أخر أحببت أن أضيفها إلى كتابه إتماما للفائدة. 1- خطبة الصديقة فاطمة فى مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. 2- الأهداف التى استهدفتها الزهراء عليهاالسلام من مواقفها الصلبة 3- الأسباب التى جعلت القوم يتصلبون أمام مطاليب فاطمة عليهاالسلام. 4- الغاية التى من أجلها أوصت الزهراء بدفنها ليلا. 5- تاريخ فدك فى عصر الخلفاء الراشدين و عصر الأمويين والعباسيينخطبة الزهراء
لقد ذكر الخطبة مجموعة من العلماء مع اختلاف يسير بين بعض كلماتها أو جملاتها، و أنا أوردها فى المتن على رواية الطبرسى فى الاحتجاج، و أذكر فى الهامش الاختلاف المذكور عن نسخة مصححة اجتمع على تصحيحها و انتقائها من نسخ متعددة: السيد عبدالحسين شرف الدين، والشيخ محمد تقى صادق، و عرضت على الشيخ محمد السماوى فقال: إن كان للزهراء خطبة فهى هذه، و قد حصلت عليها من مكتبة الخطيب المغفور له الشيخ مسلم الجابرى النجفى، و قد علمت عليها بحرف (خ). كما ذكر الخطبة علامة الأدب أحمد بن أبى طاهر البغدادى المتوفى سنة 280 ه فى «بلاغات النساء» ص 14المطبعة الحيدرية. والأستاذ عمر رضا كحالة فى «أعلام النساء» 3/ 1208 طبعة دمشق. وابن أبى الحديد فى «شرح نهج البلاغة» 4/ 93 عن الجوهرى.