قل لنا أيها المجادل فى القول
أهما ما تعمداها كما قلت بظلم
فلماذا إذ جهزت للقاء الله
شيعت نعشها ملائكة الرحمن
كان زهدا فى أجرها أم عنادا
أم لأن البتول أوصت بأن لا
أم أبوها أسر ذاك إليها
كيف ما شئت قل كفاك فهذى
أغضباها و أغضبا عند ذاك
و كذا أخبر النبى بأن الله
لا نبى الهدى أطيع و لا
و حقوق الوصى ضيع منها
تلك كانت حزازة ليس تبرى
حين ردا عنها و قد خطباها
عن الغاصبين إذ غصباها
كلا و لا اهتضماها
عند الممات لم يحضراها
رفقا بها و ما شيعاها
لأبيها النبى لم يتبعاها
يشهدا دفنها فما شهداها
فأطاعت بنت النبى أباها
فرية قد بلغت أقصى مداها
الله رب السماء إذ أغضباها
يرضى سبحانه لرضاها
فاطمة أكرمت و لا حسناها
ما تسامى فى فضله و تناهى
حين ردا عنها و قد خطباها
حين ردا عنها و قد خطباها
لغرض الزهراء فاطمة عليهاالسلام فى إظهار سخطها و عدم رضاها على الرجلين بإخفاء قبرها، استمر الأئمة على عدم إظهار قبرها من عهد الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام إلى عهدنا الحاضر، و إلا فالإمام أميرالمؤمنين والحسن والحسين و عقيل و عمار، و أبوذر، والعباس كانوا ممن حضروا دفنها فى جوف الليل. و قد قام بعض المسلمين القائلين بصحة خلافة الشيخين بمحاولات يائسة
للدفاع عن الشيخين فى هذه القضية، والتجأوا إلى الكذب والتلفيق عملا بالرأى القائل: الغاية تبرر الواسطة، فمنهم قاضى القضاة عبدالجبار عند استعراضه اعتراضات الشيعة على الرجلين يقول: «و مما يذكرونه أن فاطمة عليهاالسلام لغضبها على أبى بكر و عمر أوصت ألا يصليا عليها، و أن تدفن سرا منهما فدفنت ليلا». ثم يرد عليهم قائلا: «و أما أمر الصلاة فقد روى أن أبابكر هو الذى صلى على فاطمة عليهاالسلام و كبر عليها أربعا، و هذا أحد ما استدل به كثير من الفقهاء فى التكبير على الميت، و لا يصح أيضا أنها دفنت ليلا، و إن صح ذلك فقد دفن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ليلا، و فدن عمر ابنه ليلا، و قد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يدفنون بالنهار و يدفنون بالليل، فما فى هذا مما يطعن به، بل الأقرب فى النساء أن دفنهن ليلا أستر و أولى بالسنة» [ شرح النهج لابن أبى الحديد 16/ 271. ] و قد رد عليه السيد المرتضى علم الهدى بقوله: «و أما قوله أن أبابكر هو الذى صلى على فاطمة عليهاالسلام و كبر أربعا و أن كثيرا من الفقهاء يستدلون به فى التكبير على الميت- و هو شى ء ما سمع إلا منه، و إن كان تلقاه عن غيره- فمن يجرى مجراه فى العصبة، و إلا فالروايات المشهورة و كتب الآثار والسير خالية من ذلك، و لم يختلف أهل النقل فى أن عليا عليه السلام هو الدى صلى على فاطمة إلا رواية نادرة شاذة وردت بأن العباس رحمه الله صلى عليها. و روى الواقدى بإسناده فى تاريخه عن الزهرى قال: سألت ابن عباس
متى دفنتم فاطمة عليهاالسلام؟ قال دفناها بليل بعد هدأة، قال: قلت فمن صلى عليها؟ قال على. و روى الطبرى عن الحارث بن أبى أسامه عن المدائنى عن أبى زكريا العجلانى أن فاطمة عليهاالسلام عمل لها نعش قبل وفاتها فنظرت إليه فقالت سترتمونى ستركم الله. قال أبوجعفر محمد بن جرير الطبرى: والتثبت فى ذلك أنها زينب (أى بنت رسول الله) لأن فاطمة دفنت ليلا و لم يحضرها إلا على والعباس والمقداد والزبير. و روى القاضى أبوبكر أحمد بن كامل بإسناده فى تاريخه عن الزهرى قال: حدثنى عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله عاشت بعد رسول الله ستة أشهر، فلما توفيت دفنها على ليلا و صلى عليها، و ذكر فى كتابه هذا أن عليا، والحسن والحسين عليهم السلام دفنوها ليلا و غببوا قبرها. و روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن عبيد عن الحسن بن الحنفية، أن فاطمة دفنت ليلا. و روى عبدالله بن أبى شيبة عن يحيى بن سعيد القطان عن معمر عن الزهرى مثل ذلك. و قال البلاذرى فى تاريخه: إن فاطمة عليهاالسلام لم تر متبسمة بعد وفاة النبى صلى الله عليه و آله و سلم و لم يعلم أبوبكر و عمر بموتها. و الأمر فى هذا أوضح و أشهر من أن نطنب فى الاستشهاد عليه و نذكر الروايات فيه. فأما قوله: «و لا يصح أنها دفنت ليلا، و إن صح فقد دفن فلان و فلان ليلا» فقد بينا أن دفنها ليلا فى الصحة أظهر من الشمس، و أن منكر ذلك كالدافع للمشاهدات، و لم يجعل دفنها ليلا بمجرده هو الحجة، ليقال: لقد دفن فلان و فلان ليلا، بل يقع الاحتجاج بذلك على ما وردت به الروايات المستفيضة الظاهرة التى هى كالتواتر، أنها أوصت بأن تدفن ليلا حتى لا يصلى الرجلان عليها، و صرحت بذلك و عهدت فيه عهدا بعد أن كانا استأذنا عليا فى مرضها ليعودها، فأبت أن تأذن لهما، فلما طالت عليهما المدافعة رغبا إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فى أن يستأذن لهما و جعلاها حاجة إليه، و كلمها عليه السلام فى ذلك و ألح عليها، فأذنت لهما فى الدخول ثم أعرضت عنهما عند دخولهما و لم تكلمهما، فلما خرجا لأميرالمؤمنين عليه السلام هل صنعت ما أردت؟ قال نعم، قالت فهل أنت صانع ما آمرك به؟ قال نعم، قالت: فإنى أنشدك الله ألا يصليا على جنازتى، و لا يقوما على قبرى. و روى أنه عفى قبرها، و علم عليه، ورش أربعين قبرا فى البقيع، و لم يرش على قبرها حتى لا يهتدى إليه، و أنهما عاتباه على ترك إعلامهما بشأنها و إحضارهما الصلاة عليها. فمن ها هنا احتججنا بالدفن ليلا، و لو كان ليس غير الدفن بالليل من غير ما تقدم عليه و ما تأخر عنه لم يكن فيه حجة» [ شرح النهج 16/ 281 عن الشافى. ] قال ابن أبى الحديد: مؤيدا السيد المرتضى بما قال فى رده على قاضى القضاة قائلا: «و أما إخفاء القبر. و كتمان الموت، و عدم الصلاة، و كل ما ذكره المرتضى فيه فهو الذى يظهر و يقوى عندى، لأن الروايات به أكثر و أصح من غيرها» [ شرح النهج 16/ 286. ] و قال فى 16/ 253 «لست أعتقد أنها انصرفت راضية كما قال قاضى القضاة، بل أعلم أنها انصرفت ساخطة و ماتت و هى على أبى بكر واجدة. و روى ابن أبى الحديد فى 16/ 232 عن داود بن المبارك قال: أتينا عبدالله بن موسى بن عبدالله بن حسن بن الحسن و نحن راجعون من الحج فى جماعة، فسألناه عن مسائل و كنت أحد من سأله، فسألته عن أبى بكر و عمر فقال: سئل جدى عبدالله بن الحسن بن الحسن عن هذه المسألة فقال: «كانت أمى صديقة بنت نبى مرسل، فماتت و هى غضبى على إنسان، فنحن غضاب لغضبها، و إذا رضيت رضينا».
تاريخ فدك فى عصر الخلفاء و عصر الأمويين والعباسيين
لما توفى النبى صلى الله عليه و آله و سلم قبض [ كما فى الصواعق المحرقة ص 38 و نصه: ثم توفى النبى صلى الله عليه و سلم فقال أبوبكر: فأنا ولى رسول الله فقبضه أبوبكر (أى فدك). ] أبوبكر فدكا و انتزعها من يد الزهراء. و لما تولى عمر بن الخطاب أمسك فدك و عمل فيها عمل أبى بكر [ روى البخارى و مسلم و أحمد أن عمر أمسك خيبر و فدك و قال: هما صدقة رسول الله كانتا لحقوقه التى تعروه و أمرهما إلى من ولى الأمر. ] تحدث ياقوت الحموى فى معجم البلدان عن فدك و مطالبة الزهراء بها- إلى أن قال- «ثم أدى اجتهاده (أى عمر بن الخطاب) بعده (أى بعد أبى بكر) لما ولى الخلافة و فتحت الفتوح و اتسعت على المسلمين أن يردها إلى ورثة رسول الله، فكان على بن أبى طالب والعباس يتنازعان فيها فكان على يقول: إن النبى صلى الله عليه و آله و سلم جعلها فى حياته لفاطمة، و كان العباس يأبى ذلك و يقول: هى ملك لرسول الله و أنا وارثه، فكانا يتخاصمان إلى عمر فيأبى أن يحكم بينهما و يقول: أنتما أعرف بشأنكما، أما أنا فقد سلمتها إليكما. و مثله فى لسان العرب لابن منظور قال: «و كان على والعباس يتنازعانها و سلمها عمر إليهما، فذكر على أن النبى صلى الله عليه و آله و سلم كان جعلها فى حياته لفاطمة و ولدها، و أبى العباس ذلك». فالذى يظهر من كلام ياقوت الحموى و ابن منظور أن عمر رد فدكا على على والعباس، ولكن لدى التحقيق يتبين أن الذى رده عمر عليهما و كانا يتنازعان فيها- هو: الحوائط السبعة التى و هبها مخيريق اليهودى من بنى النضير لرسول الله، و هى المعبر عنها بصدقة النبى بالمدينة. و ما أفاء الله على رسوله بالمدينة، لا فدك، و ذلك بدلائل: 1- كان النزاع المزعوم بين على والعباس فى الصوافى التى أفاءها الله على رسوله من بنى النضير لا فى فدك، و إليك الرواية التى ذكرها ابن أبىالحديد فى الشرح 16/ 221. والسمهودى فى وفاء الوفا 2/ 158، عن مالك ابن أوس بن الحدثان، أن عليا والعباس استأذنا بالدخول على عمر فأذن لهما، فلما دخلا قال عباس: يا أميرالمؤمنين اقض بينى و بين هذا- يعنى عليا- و هما يختصمان فى الصوافى التى أفاء الله على رسوله من أموال بنى النضير الخ. و ذكره البخارى فى صحيحه. 2- ذكر الفخر الرازى والشيخ الطبرسى فى تفسيريهما [ فى تفسير آية «و ما أفاء الله على رسوله فما أوجفتم عليه من خيل و لا ركاب»، من سورة الحشر. ] و غيرهما أن أموال بنى النضير التى حصل عليها النبى صلى الله عليه و آله و سلم فى حربه معهم قسمها رسول الله بين المهاجرين و لم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة، و هم أبودجانة سماك بن خرشة، و سهل بن حنيف، والحارث بن الصمة. و لم يبق من أموال بنى النضير التى حصل عليها فى حربه معهم شى ء فى يد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. 3- قال السمهودى فى وفاء الوفا 2/ 153 قال المجد: قال الواقدى كان مخيريق من بنى النضير حبرا عالما فآمن بالنبى صلى الله عليه و آله و سلم و جعل ماله و هو سبع حوائط لرسول الله. ثم قال و روى ابن زبالة: عن محمد بن كعب أن صدقات رسول الله كانت أموال لمخيريق اليهودى... و كان ذا مال فهى عامة صدقات النبى صلى الله عليه و آله و سلم- إلى أن قال- و أوقفها النبى صلى الله عليه و آله و سلم على خصوص فاطمة و كان يأخذ منها لأضيافه و حوائجه، و عند وفاتها أوصت بهذه البساتين و كل ما كان لها من مال إلى أميرالمؤمنين. و قال الشيخ الطريحى فى مجمع البحرين فى مادة حسن- الحسنى أحد الحيطان الموقوفة على فاطمة. فالحوائط السبعة هى من أموال بنى النضير- أى من أموال مخيريق الذى وهبها للنبى صلى الله عليه و آله و سلم- ثم إنها عامة صدقات النبى، و أن النبى أوقفها على خصوص فاطمة عليهاالسلام. 4- إن بعض الروايات تصرح بأن أبابكر و عمر أمسكا فدكا و أموال خيبر و لم يعطياها إلى أحد، و دفع عمر صدقة رسول الله بالمدينة إلى على والعباس. روى مسلم فى باب قول النبى «لا نورث، ما تركناه صدقة» من كتاب الجهاد، أن فاطمة سألت أبابكر بعد وفاة رسول الله أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله مما أفاء الله عليه. فقال لها أبوبكر: إن رسول الله قال: لا نورث، ما تركناه صدقة، و كانت فاطمة تسأل نصييها مما ترك رسول الله من خيبر، و فدك، و صدقته بالمدينة، فأبى أبوبكر عليها ذلك و قال: لست تاركا شيئا كان رسول الله يعمل به إلا عملت به، إنى أخشى أن تركت شيئا من أمره أن أزيغ. فأما صدقته بالمدينة [ أى الحوائط السبعة. ] فدفعها عمر إلى على والعباس فغلبه عليها على، و أما خيبر و فدك فأمسكهما عمر و قال: هما صدقة رسول الله، كانتا لحقوقه التى تعروه و نوائبه و أمرهما إلى من ولى الأمر. قال: فهما على ذلك إلى اليوم [ و ذكره البخارى فى صحيحه فى باب فرض الخمس من كتاب الجهاد، و أحمد فى مسنده 1/ 6 و 9. ] و قد صرح الفضل بن روزبهان بأن الذى رده عمر على على والعباس هو سهم بنى النضير. قال: فلما انتهى أمر الخلافة إلى عمر بن الخطاب حصل فى الفى ء سعة، و كثرت خمس الغنائم و أموال الفى ء والخراج، فجعل عمر لكل واحدة من أزواج النبى صلى الله عليه و آله و سلم عطاءا من بيت المال، و رد سهم بنى النضير إلى على والعباس و جعلها فيهم ليعملوا بها كيف شاؤوا. ثم قال: و قد ذكر فى صحيح البخارى أن عليا و عباسا تنازعا فى سهم بنى النضير و رفعا أمرها إلى عمر بن الخطاب [ دلائل الصدق للحجة المظفر 3/ 23. ] فتبين مما سبق أن المال الذى رده عمر إلى على والعباس كان من أموال بنى النضير، و كان صدقة رسول الله بالمدينة، و كان على يقول: إن النبى صلى الله عليه و آله و سلم قد جعلها فى حياته لفاطمة، و لم يقل أنحلها و لا أعطاها لفاطمة، و هذه الصفات الثلاثة تجتمع فى الحوائط السبعة، بالإضافة إلى رواية البخارى و مسلم و أحمد التى تؤكد على أن خيبر و فدك أمسكهما عمر و قال: هما صدقة رسول الله و أمرهما إلى من ولى الأمر. و يؤكده قول السيد المرتضى- لما وصل الأمر إلى على بن أبى طالب كلم فى رد فدك فقال: إنى لأستحى من الله أن أرد شيئا منع منه أبوبكر و أمضاه عمر- أى أمضى المنع عمر [ شرح النهج لابن أبى الحديد 16/ 252 عن الشافى للسيد المرتضى. ] 5- ذكر بعض المؤرخين أن فدك أقطعها عثمان بن عفان لمروان ابن الحكم، و لم يذكر أحد من المورخين و لا أحد من أئمة أهل البيت و أتباعهم أن عثمان أخذ فدك من على ثم أقطعها عثمان، فلابد أنها انتقلت إليه من أبى بكر و عمر، و عثمان أضيق إستا من أن يأخذ فدكا من على و يعطيها لمروان. 6- قول على فى رسالته إلى ابن حنيف: بلى كانت فى أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم و سخت عنها نفوس قوم آخرين، و نعم الحكم الله. و هذا القول يناسب ما نذهب إليه بأن فدكا غضبت من أهل البيت بعد رسول الله و لم ترد إليهم أيام الخلفاء الثلاثة. 7- قال السيد المرتضى: روى محمد بن زكريا الغلابى عن شيوخه عن أبى المقدام هشام بن زياد مولى آل عثمان قال: لما ولى عمر بن عبدالعزيز رد فدك على ولد فاطمة، و كتب إلى و اليه على المدينة أبى بكر بن عمرو بن حزم يأمره بذلك الخ، ثم قال: قال أبوالمقدام فنقمت بنوأمية ذلك على عمر بن عبدالعزيز و عاتبوه فيه، و قالوا له: هجنت فعل الشيخين، و خرج إليه عمر بن قيس فى جماعة من أهل الكوفة فلما عاتبوه على فعله قال: إنكم جهلتم و علمت. و نسيتم و ذكرت: إن أبابكر محمد بن عمرو بن حزم حدثنى عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: فاطمة بضعة منى يسخطها ما يسخطنى [ أعتقد أن الجملة فيها تقديم و تأخير والصحيح: يسخطنى ما يسخطها و يرضينى ما أرضاها. ] و يرضينى ما أرضاها، و إن فدك كانت صافية على عهد أبى بكر و عمر، ثم صار أمرها إلى مروأن فوهبها لعبدالعزيز أبى فورثتها أنا و إخوتى