فدک نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا غير قابل للانكار والجحود عند أولى المعرفة والدراية و ليست من الذنوب المغفورة، و إلا فليكن براءة الشيعة عمن أحرزوا عداوته لأهل البيت عليه السلام أيضا من الذنوب المغفورة، بل لا تكون ذنبا لأجل الاجتهاد والتأويل، فالضرورة قاضية بكفر من سبب النبى صلى الله عليه و آله و سلم و على عليه السلام من النبى صلى الله عليه و آله و سلم لقوله صلى الله عليه و آله و سلم: على منى و أنا منه، و قوله يا على أنت منى بمنزله هارون من موسى، مضافا إلى امتناع أن يغفر الله لمن سب رسول الله و تبرأ منه، فقوله صلى الله عليه و آله و سلم من آذى عليا فقد آذانى، و من آذانى فقد آذى الله، و فى (صحيح) مسلم أنه قال على عليه السلام: و الذى خلق الحبة و برأ النسمة إنه لعهد النبى الأمى إلى أن لا يحبنى إلا مؤمن و لا يبغضنى إلا منافق. و عن أحمد فى المسند عن جابر بن عبدالله: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم عليا، و معلوم أن المنافق لا إيمان له لأنه يظهر بلسانه ما ليس فى قلبه، و من لا إيمان له لا يغفر الله له. و فى «ينابيع المودة» فى الباب الثالث والأربعين أخرج أبونعيم الحافظ و الحموينى عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم «من سره أن يحيا حياتى و يموت مماتى و يسكن جنة عدن التى غرس فيها قضيبا ربى فليوالى عليا و ليوالى وليه و ليقتد بالأئمة من ولده من بعده فإنهم عترتى خلقوا من طينتى و رزقوا فهما و علما و ويل للمكذبين بفضلهم من أمتى القاطعين فيهم صلتى لا أنالهم الله شفاعتى [
عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «من أحب أن يحيا حياتى و يموت مماتى و يسكن جنة الخلد التى وعدنى ربى و غرس فيها قضيبا بيده فليتول عليا فإنه لن يخرجكم من هدى و لن يدخلكم فى ردى». «ينابيع المودة الباب الثالث والأربعون».] ثم إن الأمر الأعجب إعطاء جمع من المسلمين المقادة بيد معاوية الذى قال رسول الله فى حقه: لا أشبع الله بطنه، رواه ابن حجر عن مسلم عن ابن عباس، و قال صلى الله عليه و آله و سلم: إذا رأيتم معاوية على منبرى فاقتلوه. و قال صلى الله عليه و آله و سلم إن معاوية فى تابوت من نار فى أسفل درك من جهنم ينادى يا حنان يا منان، فيقال له: «الآن و قد عصيت قبل و كنت من المفسدين». و قال صلى الله عليه و آله و سلم: يطلع من هذا الفج رجل من أمتى يحشر على غير، ملتى فطلع معاوية. و ذكر أبوالفداء فى كتاب «المختصر فى أخبار البشر» فى وقائع سنة خمس و أربعين أنه قال القاضى جمال الدين بن واصل، و روى ابن الجوزى بإسناده عن الحسن البصرى أنه قال: أربع خصال كن فى معاوية لو لم يكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة و هى: أخذه الخلافة بالسيف من غير مشاورة و فى الناس بقايا الصحابة و ذوو الفضيلة. و استخلافه ابنه يزيد و كان سكيرا خميرا يلبس الحرير و يضرب بالطنابير. و ادعاؤه زياد و قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم الولد للفراش و للعاهر الحجر. قتله حجر بن عدى و أصحابه، فياويلا له من حجر و أصحاب حجر. و روى عن الشافعى أنه أسر إلى الربيع أنه لا يقبل شهادة أربعة من الصحابة و هم: معاوية، و عمرو بن العاص، والمغيرة (بن شعبة) و زياد (ابن أبيه). قد قيل تمويها على الجهلة بأن أفعال معاوية صادرة عن اجتهاد يعذر فاعلها فيها و لم يدروا أنه لا اجتهاد فى مقابل النص الجلى أعنى الإمام المفترض الطاعة و لذا حكموا بضلالة الخوارج و أهل الردة و مانعى الزكاة و لم ينفعهم اجتهادهم، و كيف ينتفع معاوية باجتهاده و قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على ما روته جميع كتب المخالف والمؤالف: يا عمار تقتلك الفئة الباغية، و قال أيضا صلى الله عليه و آله و سلم: يا على تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، والمراد من الناكثين أصحاب الجمل، و من القاسطين معاوية و متابعيه أهل البدعة والضلالة، قال سبحانه: «و أما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا». ما روته جميع كتب المخالف والمؤالف يا عمار تقتلك الفئة الباغية، و قال أيضا صلى الله عليه و آله و سلم: يا على تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، والمراد من الناكثين أصحاب الجمل، و من القاسطين معاوية و متابعيه أهل البدعة والضلالة قال سبحانه «و أما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا». و المراد من المارقين الخوارج الذين مرقوا عن الدين و خرجوا عنه، والوجه فى خروجهم عنه خروجهم على على عليه السلام، و ذلك حاصل لأهل الشام سواء بسواء، سيما بعد قول النبى صلى الله عليه و آله و سلم: «اهتدوا بهدى عمار، و إن عمارا مع الحق والحق مع عمار يدور معه حيثما دار»، و سيما بعد ما صح عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم من طرق عديدة عن العامة أنه قال صلى الله عليه و آله و سلم: إن عليا لن يخرجكم من باب الهدى إلى باب الردى، قال الشيخ سليمان القندوزى فى «ينابيع المودة» أنه أخرج الحموينى بسنده عن الأعمش عن إبراهيم النخعى عن علقمة والأسود قالا: أتينا أباأيوب الأنصارى فقلنا يا أباأيوب، أن الله أكرم نبيه صلى الله عليه و آله و سلم وصفى لك من فضله أخبرنا بمخرجك مع على تقاتل أهل لا إله إلا الله، فقال أبوأيوب: أقسم لكما بالله لقد كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم معى فى هذا البيت الذى أنتما فيه و على عليه السلام جالس عن يمينه و أنا عن يساره و أنس فى البيت، و ما فى البيت غيرنا، إذ حرك الباب فقال صلى الله عليه و آله و سلم لأنس: افتح لعمار الباب، و دخل عمار فسلم على النبى صلى الله عليه و آله و سلم فرد عليه السلام و رحب به، ثم قال يا عمار ستكون بعدى فى أمتى هنات، حتى يختلف السيف فيما بينهم، و حتى يقتل بعضهم بعضا، و حتى يتبرأ بعضهم من بعض، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يمينى- يعنى عليا- فإن سلك الناس كلهم واديا و سلك على واديا، فاسلك وادى على و خل عن الناس
يا عمار إن عليا لا يردك عن هدى و لا يدخلك على ردى، يا عمار طاعة على طاعتى، و طاعتى طاعة الله... انتهى
ثم إن قتلة عثمان أيضا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هم مجتهدون، فاللازم أن يكونوا معذورين فى قتله، و هل يحكم بمعذوريته عائشة والزبير و طلحة و أهل الشام دون قتلة عثمان، والحال أن فيهم عمارا الذى هداه هدى الرسول، و طلحة و هى من العشرة المبشرة (عندهم) و لذا رماه مروان يوم الجمل (بسهم) حتى قتله حيث رأى دخوله فى من قتل عثمان، و مع ذلك كيف يكون الجميع من القاتل والمقتول فى الجنة، و أين ذلك من قول النبى صلى الله عليه و آله و سلم كما فى صحيح البخارى: «لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض». و الحاصل أنه ما الفرق بنى حنيفة الذين منعوا الزكاة عن أبى بكر لشبهة أن الزكاة لا يجب دفعها إلى غير النبى صلى الله عليه و آله و سلم من بعده، بل الواجب تصدى المالك للدفع لقوله تعالى: «و آتوا حقه يوم حصاده» من غير تعرض لوجوب الدفع إلى الإمام فهذه شبهة قوية لهم و مع ذلك لم يعتن أبوبكر بمقالتهم فأى فرق بين هذه الشبهة و شبهة معاوية حتى تسمى الطائفة الأولى بالمرتدين دون الطائفة الثانية. و الحال أن مالك بن نويرة رئيس بنى حنيفة كان مؤمنا صحابيا بشهادة عمر وابنه (عبدالله) و أبى قتادة، بل و شهادة أبى بكر، إذ قال لعمر- مجيبا على اعتراضه- إن خالدا تأول و أخطأ، و مع ذلك قتله خالد بن الوليد و واقع امرأته ليلة قتله من غير عدة و هذا من المسلمات الأولية، و عمر ممن لم يرض بالقتل و أظهر أن قتله و قومه بغير حق، و بالغ فى الاقتصاص عن
خالد، ورد على بقية قومه أسارى بنى حنيفة فى أيامه خلافته، و هل بين الطائفتين فرق؟ و ذكر سبط ابن الجوزى فى «تذكرة خواص الأمة» أنه لما طعن أبوالعادية عمارا بالرمح و سقط أكب عليه آخر فاحتز رأسه ثم أقبلا إلى معاوية يختصمان فيه كل يقول: أنا قتلته، فاقل لهما عمرو بن العاص: والله أن تختصمان إلا فى النار، فقال معاوية: ما صنع قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهم هذا؟ فقال عمرو: والله كذلك و أنت تعلمه، و إنى والله وددت أنى مت قبل هذا اليوم و نقطع الكلام على هذا المقدار و لله الحمد و نسأله أن يجعله تعالى خالصا لوجهه الكريم. قد تم الكتاب فى 9 ربيع الثانى سنة 1394 هجرية.