(1) 19445- الإمامُ الرِّضا عليه السلام : لا يَجتَمِعُ المالُ إلاّ بخِصالٍ خَمسٍ : بِبُخلٍ شَديدٍ ، و أمَلٍ طَويلٍ ، و حِرصٍ غالِبٍ ، و قَطيعَةِ الرَّحِمِ ، و إيثارِ الدُّنيا علَى الآخِرَةِ .
(2)
كلام في معنَى الكنز :
گفتارى در معناى كنز و مال اندوزى
قال العلاّمة الطباطبائي : «لا ريب أنّ المجتمع الذي أوجده الإنسان بحسب طبعه الأوّليّ إنّما يقوم بمبادلة المال و العمل ، و لو لا ذلك لم يَعِش المجتمع الإنسانيّ و لا طرفة عين ، فإنّما يتزوّد الإنسان من مجتمعه بأن يحرز اُمورا من أوّليات المادّة الأرضيّة و يعمل عليها ما يسعه من العمل ثمّ يقتني من ذلك لنفسه ما يحتاج إليه ، و يعوّض ما يزيد على حاجته من سائر ما يحتاج إليه ممّا عند غيره من أفراد المجتمع ، كالخبّاز يأخذ لنفسه من الخبز ما يقتات به و يعوّض الزائد عليه من الثوب الذي نسجه النسّاج و هكذا ؛ فإنّما أعمال المجتمعين في ظرف اجتماعهم بيع و شِرى و مبادلة و معاوضة . و الذي يتحصّل من الأبحاث الاقتصاديّة أنّ الإنسان الأوّليّ كان يعوّض في معاملاته العين بالعين من غير أن يكونوا متنبّهين لأزيد من ذلك ، غير أنّ النسب بين الأعيان كانت تختلف عندهم باشتداد الحاجة و عدمه ، و بوفور الأعيان المحتاج إليها و إعوازها ، فكلّما كانت العين أمسّ بحاجة الإنسان أو قلّ وجودها توفّرت الرغبات إلى تحصيلها ، و ارتفعت نسبتها إلى غيرها ، و كلّما بعدت عن مسيس الحاجة أو ابتذلت بالكثرة و الوفور انصرفت النفوس عنها و انخفضت نسبتها إلى غيرها ، و هذا هو أصل القيمة . ثمّ إنّهم عمدوا إلى بعض الأعيان العزيزة الوجود عندهم فجعلوها أصلاً في القيمة تقاس إليه سائر الأعيان الماليّة بما لها من مختلف النسب كالحنطة و البيضة و الملح ، فصارت مدارا تدور عليها المبادلات السوقيّة ، و هذه السليقة دائرة بينهم في بعض المجتمعات الصغيرة في القُرى و بين القبائل البدويّة حتَّى اليوم . و لم يزالوا على ذلك حتّى ظفروا ببعض الفلزّات كالذهب و الفضّة و النحاس و نحوها ، فجعلوها أصلاً إليه يعود نسب سائر الأعيان من جهة قيمها ، و مقياسا واحدا يقاس إليها غيرها ، فهي النقود القائمة بنفسها و غيرها يقوم بها . ثمّ آل الأمر إلى أن يحوز الذهب المقام الأوّل و الفضّة تتلوه ، و يتلوها غيرهما ، و سكّت الجميع بالسكك الملوكيّة أو الدوليّة ، فصارت دينارا و درهما و فلسا و غير ذلك بما يطول شرحه على خروجه من غرض البحث . فلم يلبث النقدان حتّى عادا أصلاً في القيمة بهما يقوّم كلّ شيء ، و إليهما يقاس ما عند الإنسان من ال أو عمل ، و فيهما يرتكز ارتفاع كلّ حاجة حيويّة ، و هما ملاك الثروة و الوجد كالمتعلّق بهما روح المجتمع في حياته يختلّ أمره باختلال أمرهما ، إذا جريا في سوق المعاملات جرت المعاملات بجريانهما ، و إذا وقفا وقفت .
و قد أوضحت ما عليهما من الوظيفة المحوّلة إليهما في المجتمعات الإنسانيّة ـ من حفظ قيم الأمتعة و الأعمال ، و تشخيص نسب بعضها إلى بعض ـ الأوراق الرسميّة الدائرة اليوم فيما بين الناس كالبُوند و الدولار و غيرهما و الصكوك البنجيّة المنتشرة فإنّها تمثّل قيم الأشياء من غير أن تتضمّن عينيّة لها قيمة في نفسها ، فهي قيم خالصة مجرّدة تقريبا . فالتأمّل في مكانة الذهب و الفضّة الاجتماعيّة ـ بما هما نقدان حافظان للقيم ، و مقياسان يقاس إليهما الأمتعة و الأموال بما لها من النسب الدائرة بينها ـ تنوّر أنّهما ممثّلان لنسب الأشياء بعضها إلى بعض ، و إذ كانت بحسب الاعتبار ممثّلات للنسب ـ و إن شئت فقل : نفس النسب ـ تبطل النسب ببطلان اعتبارها ، و تحبس بحبسها و منع جريانها ، و تقف بوقوفها .
و قد شاهدنا في الحربَين العالميَين الأخيرَين ما ذا أوجده بطلان اعتبار نقود بعض الدول ـ كالمنات في الدولة التزاريّة و المارك في الجرمن ـ من البلوى و سقوط الثروة و اختلال أمر الناس في حياتهم ، و الحال في كنزهما و منع جريانهما بين الناس هذا الحال .
و إلى ذلك يشير قول أبي جعفر عليه السلام في رواية الأمالي المتقدمة : جعَلَها اللّه ُ مصلَحَةً لِخَلقِهِ ، و بها يَستَقيمُ شُؤونُهُم و مَطالِبُهُم . و من هنا يظهر أنّ كنزهما إبطال لقيم الأشياء و إماتة لما في وسع المكنوز منهما من إحياء المعاملات الدائرة و قيام السوق في المجتمع على ساقه ، و ببطلان المعاملات و تعطّل الأسواق تبطل حياة المجتمع ، و بنسبة ما لها من الركود و الوقوف تقف و تضعف . لست اُريد خزنهما في مخازن تختصّ بهما ، فإنّ حفظ نفائس الأموال و كرائم الأمتعة من الضيعة من الواجبات التي تهدي إليه الغريزة الإنسانيّة و يستحسنه العقل السليم ، فكلّما جرت وجوه النقد في سبيل المعاملات كيفما كان فهو ، و إذا رجعت فمن الواجب أن تختزن و تحفظ من الضيعة و ما يهدّدها من أيادي الغصب و السرقة و الغيلة و الخيانة . و إنّما أعني به كنزهما و جعلهما في معزل عن الجريان في المعاملات السُّوقيّة و الدَّوَران لإصلاح أيّ شأن من شؤون الحياة و رفع الحوائج العاكفة علَى المجتمع كإشباع جائع و إرواء عطشان و كسوة عريان و ربح كاسب و انتفاع عامل و نماء مال و علاج مريض و فكّ أسير و إنجاء غريم و الكشف عن مكروب و التفريج عن مهموم و إجابة مضطرّ و الدفع عن بيضة المجتمع الصالح و إصلاح ما فسد من الجوّ الاجتماعيّ ، و هي موارد لا تحصى واجبة أو مندوبة أو مباحة لا يتعدّى فيها حدّ الاعتدال إلى جانبَي الإفراط و التفريط و البخل و التبذير ، و المندوب من الإنفاق و إن لم يكن في تركه مأثم و لا إجرام شرعا و لا عقلاً غير أنّ التسبّب إلى إبطال المندوبات من رأس و الاحتيال لرفع موضوعها من أشدّ الجرم و المعصية . اعتبر ذلك فيما بين يديك من الحياة اليوميّة بما يتعلّق به من شؤون المسكن و المنكح و المأكل و المشرب و الملبس تجد أنّ ترك النفل المستحبّ من شؤون الحياة و المعاش و الاقتصار دقيقا علَى الضروريّ منها ـ الذي هو بمنزلة الواجب الشرعيّ ـ يوجب اختلال أمر الحياة اختلالاً لا يجبره جابر و لا يسدّ طريق الفساد فيه سادّ . و بهذا البيان يظهر أنّ قوله تعالى :
«و الّذينَ يَكنِزونَ الذّهَبَ و الفِضّةَ و لا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللّه ِ فَبَشِّرْهُمْ بعَذَابٍ ألِيمٍ» ليس من البعيد أن يكون مطلقا يشمل الإنفاق المندوب بالعناية التي مرّت ؛ فإنّ في كنز الأموال رفعا لموضوع الإنفاق المندوب كالإنفاق الواجب ، لا مجرّد عدم الإنفاق مع صلاحيّة الموضوع لذلك .
و بذلك يتبيّن أيضا معنى ما خاطب به أبو ذرّ عثمانَ بنَ عفّان لمّا دخل عليه على ما تقدّم في رواية الطبريّ حيث قال له : لا تَرضوا مِن النّاسِ بكَفِّ الأذى حتّى يَبذِلوا المَعروفَ ، و قد يَنبغي لِمُؤدّي الزّكاةَ أن لا يَقتصِرَ علَيها حتّى يُحسِنَ إلَى الجيرانِ و الإخوانِ و يَصِلَ القَراباتِ . فإنّ لفظه كالصريح أو هو صريح في أنّه لا يرى كلّ إنفاق فيما يفضل من المؤنة بعد الزكاة واجبا ، و أنّه يقسّم الإنفاق في سبيل اللّه إلى ما يجب و ما ينبغي ، غير أنّه يعترض بانقطاع سبل الإنفاق من غير جهة الزكاة و انسداد باب الخيرات بالكلّيّة ، و في ذلك إبطال غرض التشريع و إفساد المصلحة العامّة المشرّعة .
يقول : ليست هي حكومة استبداديّة قيصرانيّة أو كسروانيّة ، لا وظيفة لها إلاّ بَسْط الأمن و كفّ الأذى بالمنع عن إيذاء بعض الناس بعضا ، ثمّ الناس أحرار فيما فعلوا غير ممنوعين عمّا اشتهوا من عمل أفرطوا أو فرّطوا ، أصلحوا أو أفسدوا ، اهتدوا أو ضلّوا و تاهوا ، و المتقلّد لحكومتهم حرّ فيما عمل و لا يسأل عمّا يفعل . و إنّما هي حكومة اجتماعيّة دينيّة لا ترضى عن الناس بمجرّد كفّ الأذى ، بل تسوق الناس في جميع شؤون معيشتهم إلى ما يصلح لهم و يهيّئ لكلٍّ من طبقات المجتمع ـ من أميرهم و مأمورهم و رئيسهم و مرؤوسهم و مخدومهم و خادمهم و غنيّهم و فقيرهم و قويّهم و ضعيفهم ـ ما يسع له من سعادة حياتهم ، فترفع حاجة الغنيّ بإمداد الفقير و حاجة الفقير بمال الغنيّ ، و تحفظ مكانة القويّ باحترام الضعيف و حياة الضعيف برأفة القويّ و مراقبته ، و مصدريّة العالي بطاعة الداني و طاعة الداني بنصفة العالي و عدله ، و لا يتمّ هذا كلّه إلاّ بنشر المبرّات و فتح باب الخيرات ، و العمل بالواجبات على ما يليق بها و المندوبات على ما يليق بها . و أمّا القصر علَى القدر الواجب و ترك الإنفاق المندوب من رأس فإنّ فيه هدما لأساس الحياة الدينيّة ، و إبطالاً لغرض الشارع ، و سيرا حثيثا إلى نظام مختلّ و هرج و مرج و فساد عريق لا يصلحه شيء ، كلّ ذلك عن المسامحة في إحياء غرض الدِّين ، و المداهنة مع الظالمين
«إلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتنَةٌ في الأرضِ و فَسادٌ كَبيرٌ» (3) و كذلك قول أبي ذرّ لمعاوية فيما تقدّم من رواية الطبريّ : ما يَدعوكَ إلى أن تُسمّيَ مالَ المُسلمينَ مالَ اللّه ِ ؟ قالَ : يَرحَمُكَ اللّه ُ يا أبا ذرٍّ، أ لَسنا عِبادَ اللّه ِ و المالُ مالُهُ و الخَلقُ خَلقُهُ و الأمرُ أمرُهُ ؟ قالَ : فلا تَقُلهُ . فإنّ الكلمة التي كان يقولها معاوية و عمّاله و من بعده من خلفاء بني اُميّة و إن كانت كلمة حقّ و قد رويت عن النبيّ صلى الله عليه و آله و يدلّ عليها كتاب اللّه ، لكنّهم كانوا يستنتجون منه خلاف ما يريده اللّه سبحانه ، فإنّ المراد به أنّ المال لا يختصّ به أحد بعزّة أو قوّة أو سيطرة و إنّما هو للّه ينفق في سبيله على حسب ما عيّنه من موارد إنفاقه ، فإن كان ممّا اقتناه الفرد بكسب أو إرث أو نحوهما فله حكمه ، و إن كان ممّا حصّلته الحكومة الإسلاميّة من غنيمة أو جزية أو خراج أو صدقات أو نحو ذلك فله أيضا موارد إنفاق معيّنة في الدين ، و ليس في شيء من ذلك لوالي الأمر أن يخصّ نفسه أو واحدا من أهل بيته بشيء يزيد على لازم مؤنته فضلاً أن يكنز الكنوز و يرفع به القصور و يتّخذ الحجّاب و يعيش عيشة قيصر و كسرى . و أمّا هؤلاء فإنّما كانوا يقولونه دفعا لاعتراض الناس عليهم ـ في صرف مال المسلمين في سبيل شهواتهم و بذله فيما لا يرضَى اللّه ، و منعه أهليه و مستحقّيه ـ أنّ المال للمسلمين تصرفونه في غير سبيلهم ! فيقولون : إنّ المال مال اللّه و نحن اُمناؤه نعمل فيه بما نراه ، فيستبيحون بذلك اللعب بمال اللّه كيف شاؤوا ، و يستنتجون به صحّة عملهم فيه بما أرادوا ، و هو لا ينتج إلاّ خلافه ، و مال اللّه و مال المسلمين بمعنىً واحد ، و قد أخذوهما لمعنيين اثنين يدفع أحدهما الآخر . و لو كان مراد معاوية بقوله : «المالُ مالُ اللّه ِ» هو الصحيح من معناه لم يكن معنىً لخروج أبي ذرّ من عنده و ندائه في الملأ من الناس : بَشِّرِ الكانِزينَ بكَيٍّ في الجِباهِ و كَيٍّ في الجُنوبِ و كيٍّ في الظُّهورِ .
على أنّ معاوية قد قال لأبي ذرّ : إنّه يرى أنّ آية الكنز خاصّة بأهل الكتاب ، و ربّما كان من أسباب سوء ظنّه بهم إصرارهم عند كتابة مصحف عثمان أن يحذفوا الواو من قوله :
«و الّذينَ يكنِزونَ الذّهبَ ...» إلخ حتّى هدّدهم اُبيّ بالقتال إن لم يلحقوا الواو فألحقوها ، و قد مرّت الرواية .
فالقصّة في حديث الطبريّ عن سيف عن شعيب و إن سيقت بحيث تقضي على أبي ذرّ بأنّه كان مخطئا فيما اجتهد به ـ كما اعترف به الطبريّ في أوّل كلامه ـ غير أنّ أطراف القصّة تقضي بإصابته . و بالجملة : فالآية تدلّ على حرمة كنز الذهب و الفضّة فيما كان هناك سبيل للّه يجب إنفاقه فيه ، و ضرورة داعية إليه لمستحقّي الزكاة مع الامتناع من تأديتها ، و الدفاع الواجب مع عدم النفقة و انقطاع سبيل البرّ و الإحسان بين الناس .
و لا فرق في تعلّق وجوب الإنفاق بين المال الظاهر الجاري في الأسواق و بين الكنز المدفون في الأرض ، غير أنّ الكنز يختصّ بشيءٍ زائد و هو خيانة وليّ الأمر في ستر المال و غروره ، كما تقدّم ذكره في البيان المتقدّم» .
(4)
1-مستدرك الوسائل : 12/174/13810 .2-الخصال : 282/29 .3-الأنفال : 73 .4-الميزان في تفسير القرآن : 9/261 ـ 266 .