بحث تاريخيّ في فصلَين :
بحثى تاريخى در دو فصل
1 ـ قصّة موسى و الخضر عليهما السلام في القرآن
«أوحَى اللّه سبحانه إلى موسى أنّ هناك عبدا من عباده عنده من العلم ما ليس عند موسى ، و أخبره أنّه إن انطلق إلى مجمع البحرين وجده هناك ، و هو بالمكان الذي يحيا فيه الحوت الميت (أو يفتقد فيه الحوت) .فعزم موسى أن يلقَى العالم و يتعلّم منه بعض ما عنده إن أمكن ، و أخبر فتاه عمّا عزم عليه ، فخرجا قاصدَين مجمع البحرين و قد حملا معهما حوتا ميّتا ، و ذهبا حتى بلغا مجمع البحرين و قد تعبا ، و كانت هناك صخرة على شاطئ البحر فأويا إليها ليستريحا هنيئة و قد نسيا حوتهما و هما في شغل منه ، و إذا بالحوت اضطرب و وقع في البحر حيّا ، أو وقع فيه و هو ميت و غار فيه و الفتى يشاهده و يتعجّب من أمره ، غير أنّه نسي أن يذكره لموسى حتى تركا الموضع و انطلقا حتّى جاوزا مجمع البحرين و قد نصبا ، فقال له موسى : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نَصَبا ، فذكر الفتى ما شاهده من أمر الحوت ، و قال لموسى : إنّا إذ أوَينا إلَى الصخرة حَيِي الحوت و وقع في البحر يسبح فيه حتّى غار ، و كنت اُريد أن أذكر لك أمره لكنّ الشيطان أنسانيه (أو إنّي نسيت الحوت عند الصخرة فوقع في البحر و غار فيه) . قال موسى : ذلك ما كنّا نبغي و نطلب فلنرجع إلى هناك ! فارتدّا على آثارهما قَصَصا ، فوجدا عبدا من عباد اللّه آتاه اللّه رحمة من عنده و علّمه علما من لدنه ، فعرض عليه موسى و سأله أن يتّبعه فيعلّمه شيئا ذا رشد ممّا علّمه اللّه . قال العالم : إنّك لن تستطيع معي صبرا على ما تشاهده من أعمالي التي لا عِلم لك بتأويلها ، و كيف تصبر على ما لم تُحِط به خبرا ؟! فوعده موسى أن يصبر و لا يعصيه في أمر إن شاء اللّه ، فقال له العالم ـ بانيا على ما طلبه منه و وعده به ـ : فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى اُحدِث لك منه ذِكرا . فانطلق موسى و العالم حتّى ركبا سفينة و فيها ناس من الركّاب ـ و موسى خالي الذهن عمّا في قصد العالم ـ فخرق العالمُ السفينة خرقا لا يؤمَن معه الغرق ، فأدهش ذلك موسى و أنساه ما وعده فقال للعالم : أ خرقتها لتغرق أهلها ؟! لقد جئت شيئا إمرا ! قال له العالم : أ لم أقل : إنّك لن تستطيع معي صبرا ؟! فاعتذر إليه موسى بأنّه نسي ما وعده من الصبر قائلاً : لا تؤاخذني بما نسيت و لا ترهقني من أمري عسرا . فانطلقا فلقيا غلاما فقتله العالم ، فلم يملك موسى نفسه دون أن تغيّر و أنكر عليه ذلك قائلاً : أ قتلت نفسا زكيّةً بغير نفس ؟! لقد جئت شيئا نُكرا ! قال له العالم ثانيا : أ لم أقل لك : إنّك لن تستطيع معي صبرا ؟ ! فلم يكن عند موسى ما يعتذر به و يمتنع به عن مفارقته و نفسه غير راضية بها ، فاستدعى منه مصاحبة مؤجّلة بسؤال آخر إن أتى به كان له فراقه ، و استمهله قائلاً : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرا ، و قبله العالم . فانطلقا حتّى أتيا قرية ـ و قد بلغ بهما الجوع ـ فاستطعما أهلها فلم يضيّفهما أحد منهم ، و إذا بجدار فيها يريد أن ينقضّ و يتحذّر منه الناس فأقامه العالم ، قال له موسى : لو شئتَ لاتّخذتَ على عملك منهم أجرا فتوسّلنا به إلى سدّ الجوع ، فنحن في حاجة إليه و القوم لا يضيّفوننا ! فقال له العالم : هذا فراقُ بيني و بينك ، ساُنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا . ثمّ قال : أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر و يتعيّشون بها ، و كان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصبا، فخرقتُها لتكون مَعيبة لا يرغب فيها. و أمّا الغلام فكان كافرا و كان أبواه مؤمنَين ، و لو أنّه عاش لأرهقهما بكفره و طغيانه ، فشملتهما الرحمة الإلهيّة ، فأمرني أن أقتله ليبدلهما ولدا خيرا منه زكاةً و أقرب رُحما ، فقتلته . و أمّا الجدار فكان لغلامَين يتيمَين في المدينة و كان تحته كنز لهما ، و كان أبوهما صالحا ، فشملتهما الرحمة الإلهيّة لصلاح أبيهما ، فأمرني أن اُقيمه فيستقيم حتّى يبلغا أشدّهما و يستخرجا كنزهما ، و لو انقضّ لظهر أمر الكنز و انته به الناس .
قال : و ما فعلت الذي فعلت عن أمري بل عن أمر من اللّه ، و تأويلها ما أنبأتك به، ثمّ فارق موسى.