ليس له ذلك لانه يكسر ضفة النهر المشترك و يريد أن يزيد في حقه لان دخول الماء في أعلى النهر من كوة يكون أكثر من دخوله في أسفل النهر في مثل تلك الكوة و هذا بخلاف الطريق فمن يكون طريقه في أعلى السكة الخاصة إذا أراد أن يجعله في أسفل السكة لا يمنع منه لان هناك هو بتصرفه لا يزيد في حقه فهو الذي يتطرق في ذلك الطريق سواء كان باب داره في أعلى السكة أو في أسفلها ثم هناك انما يتصرف في حائط هو ملكه بفتح باب في أسفله ( ألا ترى ) انه لو أراد أن يفتح بابين أو ثلاثة أو يرفع جميع الحائط لم يمنعه أحد من ذلك بخلاف الكوي فانه ان أراد أن يزيد كوة أخرى منع من ذلك فكذلك إذا أراد أن يحولها من جانب إلى جانب و سألته عن هذه الكوى لو أراد صاحبها أن يكريها فيسفلها عن موضعها ليكون أكثر لاخذها من الماء قال له ذلك لانه بالكرى يتصرف في خالص ملكه ( ألا ترى ) ان له أن يكرى جميع النهر فكذلك له أن يكري هذا الموضع قال رضى الله عنه و كان شيخنا الامام رحمه الله يقول هذا إذا علم انها في الاصل كانت مسفلة فارتفعت بانكباس ذلك الموضع من الماء فانه بالكري يعيدها إلى الحالة الاولى و ذلك حقه فاما إذا علم انها كانت بهذه الصفة فاراد أن يسفلها منع من ذلك لانه يريد أن يزيد على مقدار حقه من الماء و كذلك ان أراد أن يرفع الكوى و كانت متسفلة ليكون أقل للماء في أرضه فله ذلك و على ما قال شيخنا الامام رحمه الله هذا إذا كان هو بالرفع يعيدها إلى ما كانت عليه في الاصل فأما إذا أراد أن يغيرها عما كانت عليه في الاصل فيمنع عنه ( قال الشيخ الامام رحمه الله ) و الاصح عندي انه لا يمنع على كل حال لان القسمة في الاصل باعتبار سعة الكوة و ضيقها من اعتبار السفل و الترفع هو العادة بين أهل مرو فانما يمنع من يوسع الكوة و يضيقها و لا يمنع من أن يسفلها أو أن يرفعها لانه ليس فيه تغيير ما وقعت القسمة عليه و سألته عن نهر خاص لرجل من هذا النهر الخاص أراد أن يقنطر فيه و يستوثق منه قال له ذلك لانه يتصرف في خالص ملكه و ان كان مقنطرا أو مستوثقا منه فأراد أن ينقص ذلك لعلة أو فان كان ذلك لا يزيد في أخذ الماء فله ذلك لانه يرفع بناء هو خالص ملكه و ان كان يزيد في أخذه الماء منع منه لحق الشركاء فان أراد أن يوسع فم النهر منع من ذلك لانه بهذا التوسع يرفع ضفة النهر المشترك من الجانبين و هو ممنوع من ذلك ثم يزيد على هذا مقدار حصة في أصل الماء أما في الموضع الذي لا تكون القسمة بالكوى فغير مشكل أو في الموضع الذي تكون القسمة بالكوى إذا وسع
فم النهر احتبس الماء في ذلك الموضع فيدخل في كواه أكثر مما يدخل إذا لم يوسع فم النهر و كذلك إذا أراد أن يؤخر الكوى عن فم النهر فجعلها في أربعة اذرع من فم النهر إلى أسفله فليس له ذلك لان الماء يحتبس في ذلك الموضع فيدخل في كواه أكثر مما يدخل إذا كانت الكوى في فم النهر و سألته عن رجل مات ممن له هذا الشرب قال الشرب ميراث بين ورثته لانهم خلفاؤه يقومون مقامه في أملاكه و حقوقه و قد تملك بالميراث ما لا يملك بسائر أسباب الملك كالقصاص و الدين و الخمر يملك بالارث فكذلك الشرب و ان أوصى فيه بوصية جاز لان الوصية أخت الميراث ثم ما امتنع البيع و الهبة و الصدقة في الشرب للغرور و الجهالة أو لعدم الملك فيه في الحال و الوصية بهذه الاسباب لا تبطل ( ألا ترى ) أن الوصية بما يثمر نخيله العام يصح فكذلك الوصية بالشرب و سألته عن أمير خراسان إذا جعل لرجل شربا في هذا النهر الاعظم و ذلك الشرب لم يكن فيما مضى أو كان له شرب كوتين فزاد مثل ذلك و أقطعه إياه و جعل مفتحه في أرض يملكها الرجل أو في أرض لا يملكها قال ان كان ذلك يضر بالعامة لم يجز فان كان لا يضر بهم فهو جائز إذا كان ذلك في ملك أحد لان للسلطان ولاية النظر دون الاضرار بالعامة ففيما لا يضر بالعامة يكون هذا الاقطاع منه نظرا لمن أقطعه إياه و فيما يضر بهم يكون هذا الاقطاع اضرارا بالعامة و ليس له ذلك يوضحه ان فيما يضر بهم لكل واحد منهم أن يمنع من ذلك فالإِمام في الاقطاع يكون مبطلا حقه و له ولاية استيفاء حق العامة لا ولاية الابطال و فيما لا يضر بهم قد كان له أن يحدث ذلك بغير اقطاع من الامام فبعد الاقطاع أولى و إذا أصفى أمير خراسان شرب رجل و أرضه و أقطعها لرجل آخر لم يجز و يرد إلى صاحبها الاول و إلى ورثته و المراد بالاصفاء الغصب و لكن حفظ لسانه و لم يذكر لفظ الغصب في افعال السلاطين لما فيه من بعض الوحشة و اختار لفظ الا صفاء ليكون أقرب إلى توقير السلطان و كان أبو حنيفة رحمه الله يوصى أصحابه بذلك فينبغي للمرء أن يكون مقبلا على شأنه حافظا للسانه موقرا لسلطانه ثم في هذا الفعل السلطان كغيره شرعا قال النبي صلى الله عليه و سلم على اليد ما أخذت حتى ترد و تمليك ملك غيره من المالك يكون لغوا فيجب رد ذلك على صاحبه ان كان حيا و على ورثته بعد موته و هكذا فيما حازه لنفسه من أملاك الناس ( ألا ترى ) ان عمر بن عبد العزيز رحمه الله لما استخلف أمر برد أموال بيت المال على أربابها لان من كان قبله من بني أمية كانوا أخذوها طلما و إذا تزوج الرجل المرأة على شرب بغير
أرض فالنكاح جائز و ليس لها من الشرب شيء لان الشرب بدون الارض لا يحتمل التمليك بعقد المعاوضة و لانه ليس بمال متقوم و لهذا لا يضمن بالاتلاف بعقد و لا بغيره ثم هو مجهول جهالة متفاحشة فلا يصح تسميته و لكن بطلان التسمية لا يمنع جواز النكاح بمنزلة ترك التسمية فيكون لها مهر مثلها ان دخل بها و المتعة ان طلقها قبل الدخول بها و لو أن إمرأة اختلعت من زوجها على شرب بغير أرض كان باطلا و لا يكون له من الشرب شيء و لكن الخلع صحيح و عليها أن ترد المهر الذي أخذت لانها أطمعت الزوج بهذه التسمية فيما هو مرغوب فيه فتكون غارة له بهذه التسمية و الغرور في الخلع يلزمها رد ما قبضت كما لو اختلعت بما في بيتها من المتاع فإذا ليس في بيتها شيء و الصلح في الدعوي على الشرب باطل لان المصالح عليه مما لا يملك بشيء من المعقود و قد بينا أن ما لا يستحق بشيء من المعقود فالصلح عليه باطل و صاحب الدعوي على دعواه و حقه فان كان قد شرب من ذلك الشرب مدة طويلة فلا ضمان عليه فيه لان الشرب ليس بمحل للعقد أصلا فكان العقد فيه كالاذن المطلق فان كان الصلح عليه من قصاص في نفس أو فيما دونه فالصلح باطل و جاز العفو و على القاطع الدية و أرش الجراحة لان الصلح من القود على شرب نظير الخلع على معنى ان جهالة البدل و ان تفاحشت في كل واحد منهما فالخلع و الصلح صحيح باعتبار انه إسقاط ليس فيه تمليك الا ان في الصلح عن القود إذا لم يثبت المسمى و تمكن في التسمية معني الغرور يجب رد الدية و فى الخلع يجب رد المقبوض لان النفس تتقوم بالدية و البضع عند خروجه من ملك الزوج لا يتقوم فيجب رد المقبوض لدفع الضرر و الغرور و لو مات صاحب الشرب و عليه ديون لم يبع في دينه الا أن يكون معه أرض فيباع مع أرضه لان في حال حياته كان لا يجوز منه بيع الشرب بدون الارض فكذا بعد موته و قد تكلم مشايخنا رحمهم الله في أن الامام ماذا يصنع بهذا الشرب فمنهم من يقول يتخذ حوضا و يجمع فيه ذلك الماء في كل يومه ثم يبيع الماء الذي جمعه في الحوض بثمن معلوم فيقضي به الدين ( قال الشيخ الامام الاجل ) رحمه الله و الاصح عندي انه ينظر صاحب أرض ليس له شرب فيضم ذلك الشرب إلى أرضه و يبيعهما برضاه ثم ينظر إلى قيمة الارض بدون الشرب و مع الشرب فيجعل تفاوت ما بينهما من الثمن مصروفا إلى قضأ دين الميت و ما وراء ذلك لصاحب الارض و ان لم يجد ذلك اشترى على تركة هذا الميت أرضا بغير شرب ثم ضم هذا الشرب إليها و باعها فيصرف الثمن إلى قضأ ثمن الارض المشتراة و ما يفضل
من ذلك للغرماء و كذلك لو أوصي أن يباع من هذا الرجل أو يوهب له أو يتصدق عليه كان ذلك باطلا لانه لو باعه بنفسه في حياته لم يجز فكذلك إذا أوصى أن يباع منه بعد موته قال الا أن يكون معه أرض فيجوز من ثلثه يريد الهبة أو الصدقة أو المحاباة في البيع فان ذلك يجوز من ثلثه قال و ان أوصى أن يسقي أرض فلان يوما أو شهرا أو سنة من شربه أجزت ذلك من ثلثه لما بينا أن الوصية بالشرب كالوصية بالغلة المجهولة و ذلك ينفذ من ثلثه و ان مات الذي له الوصية بطلت وصيته في الشرب قال و هي بمنزلة الخدمة يعنى إذا أوصي بخدمة عبده لانسان فمات الموصى له بطلت الوصية و هذا لان الشرب كالمنفعة الا أنها مجهولة جهالة لا تقبل الاعلام و الخدمة تقبل الاعلام ببيان المدة فيجوز استحقاقها بالاجارة إذا كانت معلومة فيجوز استحقاقها بالوصية من الثلث و ان لم يكن معلوما ببيان المدة فكذلك استحقاق الشرب بالوصية يجوز و ان كانت مجهولة و لكن الاستحقاق للموصى له باعتبار حاجته فيبطل بموته لان الورثة يخلفونه فيما كان ملكا أو حقا متأكدا له و ذلك موجود في الشرب كما في الخدمة فان أوصى أن يتصدق بشربه على المساكين فهذا باطل لان حاجة المساكين إلى الطعام دون الماء و انما يحتاج إلى الشرب من له أرض و ليس للمساكين ذلك و لا بدل للشرب حتى يصرف بدله إلى المساكين فانه لا يحتمل البيع و الاجارة فكان باطلا و كذلك لو قال في حياته هو صدقة في المساكين ان فعلت كذا ففعله لم يلزمه شيء لانه لا طريق لتنفيذ هذه الوصية في عين الشرب و لا في بدله الا أن يكون معه أرض فحينئذ تصح وصيته و نذره فتنعقد يمينه فإذا حنث يجب تنفيذه في التصدق بعينه أو بقيمته بعد البيع و لو أوصى بان يسقى مسكينا بعينه في حياته فذلك جائز فيه باعتبار عينه كما لو أوصى له بعين بخلاف ما أوصي به في المساكين فتصحيح تلك الوصية باعتبار التقرب إلى الله تعالى يجعل شيء من ماله خالصا لله تعالى ليكون مصروفا إلى سد خلة المحتاجين و ذلك لا يتأتى في الشرب بدون الارض و لو باع الشرب بعبد و قبض العبد و أعتقه جاز عتقه و يضمن قيمته لان العقد في العبد فاسد فان شراء العبد من تسمية الثمن يكون فاسدا فكذلك عند تسمية الشرب و المشترى شراء فاسدا يملك بالقبض فينفذ العتق فيه و على المشتري ضمان القيمة و كذلك لو كانت أمة فوطئها فولدت منه كانت أم ولد و عليه قيمتها و عقرها و ذكر هذه المسألة في موضع آخر من هذا الكتاب و لم يذكر العقد و هو الاصح و قد قال في البيوع في المشتراة
شراء فاسدا و ليس عليه عقر في وطئها و قد بينا في البيوع وجه الروايتين و التوفيق بينهما و كذلك لو آجره بعبد فاعتقه لان البدل في الاجارة إذا كان عينا فهو كالمبيع فيصير مملوكا بالقبض و ينفذ العتق فيه و يجب رد قيمته و لو ادعى شربا في يدى رجل انه بغير أرض فانه ينبغى في القياس أن لا يقبل منه ذلك لان شرط صحة الدعوي إعلام المدعى في الدعوي و الشهادة و الشرب مجهول جهالة لا تقبل الاعلام و لانه يطلب من القاضي أن يقضى له بالملك في المدعى إذا أثبت دعواه بالبينة و الشرب لا يحتمل التمليك بغير أرض فلا يسمع القاضي فيه الدعوي و الخصومة كالخمر في حق المسلمين و لكن في الاستحسان يقبل ببينة و يقضي له به لان الشرب مرغوب فيه و منتفع به و قد يكون الاستحقاق فيه للانسان منفردا عن الارض بالميراث و الوصية و قد يبيع الارض بدون الشرب فيبقى له الشرب وحده فإذا استولى عليه غيره كان له أن يدفع الظلم عن نفسه بإثبات حقه بالبينة ثم القاضي لا يملكه بالقضاء شيأ ابتداء و لهذا لا ينفذ قضاؤه باطنا في الاملاك المرسلة و انما يظفر بقضاء حقه أو ملكه و الشرب يحتمل ذلك ( ألا ترى ) انه يقضى له بالدين بالحجة و الدين في ذمة الغير لا يحتمل التميلك ابتداء و إذا كانت لرجل أرض و لرجل فيها نهر يجرى فاراد رب الارض أن لا يجرى النهر في أرضه لم يكن له ذلك بل يترك على حاله لانه وجد كذلك لان موضع النهر في يد صاحب النهر لانه مستعمل له بإجراء مائة فيه فعند الاختلاف القول قوله في انه ملكه فان لم يكن في يده و لم يكن جاريا سألته البينة على أن هذا النهر له فان جاء ببينة قضيت به له لاثباته حق نفسه بالحجة و ان لم يكن له بينة على أصل النهر و جاء ببينة انه كان مجراه في هذا النهر يسوقه إلى أرضه حتى يسقيها منه أجزت ذلك لانهم شهدوا له بحق مستحق في النهر و هو المجرى و قد بينا نظائر هذا في الطريق و المسيل و بينا أن الجهالة هناك لا تمنع قبول الشهادة فكذا المجرى هنا و كذلك المصب إذا كان نهره ذلك يصب في أرض اخرى فمنعه صاحب الارض السفلى المجرى و أقام بينة على أصل النهر أنه له و أقام البينة على أن له فيه مصبا أجزت ذلك لان المصب كالمسيل و لو أقام البينة ان له مسيل ماء على سطح جاره كانت البينة مقبولة فهذا مثله و لو سقي الرجل أرضه أو شجرها أو ملاها ماء فسال من مائها في أرض رجل فغرقها لم يكن عليه ضمانها لانه في هذا التسبيب متعد بل هو متصرف في ملك نفسه و للانسان أن يتصرف في ملك نفسه مطلقا و المتسبب إذا لم يكن متعديا في تسببه لا يكون ضامنا كحافر البئر و واضع الحجر في
ملكه و هو نظير ما لو أوقد النار في أرضه فوقع الحريق بسبب ذلك فانه لا يكون ضامنا لكونه متصرفا في خالص ملكه و كذلك لو نزت أرض جاره من هذا الماء و لو اجتمع في هذا الماء سمك فصاده رجل كان للصياد لقوله عليه الصلاة و السلام الصيد لمن أخذه و هو نظير ما لو اصطاد من أرض رجل ظبيا فان يكون له دون صاحب الارض و ان كان لصاحب الارض أن يمنعه من الدخول في أرضه و إذا كانت لرجل أرض فيها مراعى فاجر مراعيها أو باعها كل سنة بشيء مسمى ترعي فيها غنم مسماة فان ذلك لا يجوز لان المقصود هو الكلا و هو على أصل شركة الاباحة لا اختصاص لصاحب المرعى به ثم هذا استئجار المقصود به استهلاك العين و شراء ما هو مجهول لا يعرف فيكون باطلا كبيع الشرب و إجارته و لو أخذ صاحب الارض شيأ من هذا فأحرزه ثم باعه كان جائزا بمنزلة الماء الذي أحرزه في الاوانى و هذا لان ملكه بالاحراز فيه قد تم و هو متقوم لكونه منتفعا به و لو كان زرع رجل قصيلا في أرضه ثم أجره من رجل يرعي فيه غنمه كان باطلا لان المقصود بهذا الاستئجار استهلاك العين و لانه انما يستحق بالاجارة ما لا يجوز بيعه و القصيل عين يجوز بيعه فلا يستحق بالاجارة على المستأجر قيمة ما رعت غنمه من ذلك لانه صار مستوفيا مستهلكا له بحكم عقد فاسد و هذا بخلاف الكلا في المرعى فقد نبت ذاك من إنبات أحد فكان على أصل الاباحة المشترى و البائع في الانتفاع به سواء و هذا مما استنبته صاحب الارض فيكون مملوكا له حتى لو باعه جاز بيعه و انما لم تجز اجارته لما قلنا و لمعنى الغرر فيه فإذا أتلف ملكا متقوما لغيره بسبب عقد فاسد كان مضمونا عليه بقيمته و لو أستأجر مرعى لعبد بعينه فرعاه في تلك السنة لم يضمن ما رعي و يأخذ عبده لان العقد كان فاسدا فيسترد عبده بحكم العقد الفاسد فان كان المؤاجر قد أعتقه أو باعه جاز ذلك و يضمن قيمته لانه ملكه بالقبض بحكم عقد فاسد فينفذ عتقه فيه و هذا لان البيع محل للملك فينفذ العقد مقيدا بحكمه و هو نظير ما إذا اشترى عبدا بشرب بخلاف العبد بالربح فهناك و ان قبض المشترى لا يملكه و لا ينفذ عتقه فيه بمنزلة البيع بالميتة و الدم لان الربح لا يتقوم بالعبد بحال و لا يدخل في العقد أصلا فبتسميته يخرج السبب من أن يكون تمليك مال بمال فاما الشرب و الكلا فمما يجوز أن يستحق بالعقد تبعا للارض و هو منتفع به شرعا ( ألا ترى ) انه يتصور فيه الاحراز الموجب للملك و بعد الاحراز يكون ما لا متقوما فقبل الاحراز ينعقد العقد بتسميته على
ما هو محل للتمليك بالعقد فينفذ عتقه فيه بعد القبض و لو تزوج إمرأة على أن يرعي غنمها في أرضه سنة كان لها مهر مثلها لان شرط صحة التسمية أن يكون المسمى ما لا متقوما في نفسه أو يستحق بذكره تسليم مال و الكلاء و الشرب قبل الاحراز ليس بمال فلا تصح تسميته في النكاح و لو أوصى بكلا في أرضه سنين أو وهبه أو صالح عليه من قصاص أو مال كان القول فيه كالقول في الشرب لاستوائهما في المعنى فكل واحد منهما مبقى على شركه الاباحة قبل الاحراز و لو أحرق كلاء أو حصائد في أرضه فذهبت النار يمينا و شمالا و أحرقت شيأ لغيره لم يضمنه لانه متعد في هذا التسبب فان له أن يوقد النار في ملك نفسه مطلقا و تصرف المالك في ملكه لا يتقيد بشرط السلامة قال بعض مشايخنا رحمهم الله و هذا إذا كانت الرياح هادية حين أوقد النار فاما إذا أوقد النار في يوم ريح على وجه يعلم أن الريح يذهب بالنار إلى ملك غيره فانه يكون ضامنا بمنزلة ما لو أوقد النار في ملك غيره ( ألا ترى ) أن من صب في ميزاب مائعا و هو يعلم أن ما تحت الميزاب إنسان جالس فأفسد ذلك المائع ثيابه كان الذي صبه ضامنا و ان كان صبه في ملك نفسه و لو أن رجلا أتى طائفة من البطيحة مما ليس لاحد فيه ملك مما قد غلب عليه الماء فضرب عليه المسناة و استخرجه و أحياه و قطع ما فيه من القصب رأيتها له بمنزلة أرض الميتة و كذلك ما عالج من أجمة أو جزيرة في بحر بعد أن لا يكون لاحد فيه ملك لان هذا كله من جملة الموات و قد بينا حد الموات فأعاد ذلك هنا و ذكر أن كل أرض من السواد و الجبال التي لا يبلغها الماء من أرض العرب مما لم يكن لاحد فيها ملك فهو كله من الموات و مراده ما كان من فناء العمران و قد بينا أن ذلك من حق السكان في العمران و لو أحياه و كان له مالك قبل ذلك رددته إلى مالكه الاول و لم أجعل للثاني فيه حقا و لكنه ضامن لما قطع من قضبها لان ملك الغير محترم لحرمة المالك فلا يكون له أن يتملك عليه بالاحياء بغير رضاه و لكنه أتلف ما قطع من قضبها و كانت مملوكة لصاحبها فعليه ضمانها و ان كان الثاني قد زرعها فالزرع له و هو ضامن لما نقص من الارض بمنزلة من غصب أرضا فزرعها و ان احتفر الرجل بئرا في مفازة باذن الامام فجاء رجل آخر و احتفر في حريمها المذكورة بئرا كان للاول أن يسد ما احتفره الثاني لان حريم البئر صار مملوكا لصاحب البئر إذا حفر باذن الامام و الثاني متعد في تصرفه في ملكه فلا يستحق بهذا التصرف شيأ و لانه ضامن للنقصان و للاول أن يأخذه بسد ما احتفر و هو عرق ظالم