سورة المدثر
تفسير سورة المدثر من آية 1 - 7
بسم الله الرحمن الرحيم(يا أيها المدثر) أي: المتلبس بدثار البدن، المحتجب بصورته (قم) عن ماركنت إليه وتلبست به من أشغال الطبيعة وانتبه عن رقدة الغفلة (فأنذر) نفسك وقواك
وجميع من عداك عذاب يوم عظيم (وربك فكبر) أي: إن كنت تكبر شيئا وتعظم قدره
فخصص ربك بالتعظيم والتكبير لا يعظم في عينك غيره ويصغر في قلبك كل ما سواه
بمشاهدة كبريائه (وثيابك فطهر) أي ظاهرك طهره أولا قبل تطهير باطنك عن مدانس
الأخلاق وقبائح الأفعال ومذام العادات ورجز الهيولى المؤدي إلى العذاب (فاهجر)
أي: جرد باطنك عن اللواحق المادية والهيئات الجسمانية الغاسقة والغواشي الظلمانية
الهيولانية (ولا تمنن تستكثر) ولا تعطي المال عند تجردك عنه مستغزرا طالبا للأغواض
والثواب الكثير به، فإن ذلك احتجاب بالنعمة عن المنعم وقصور همة، بل خالصا لوجه
الله افعل ما تفعل صابرا على الفضيلة له لا لشيء آخر، وهذا معنى قوله:
(ولربك فاصبر) أو لا تعط ما أعطيت في الزهد والطاعة والترك والتجريد
مستكثرا رائيا إياه كثيرا فتحتجب برؤية فضيلتك وتبتلى بالعجب فيكون ذنب رؤية
الفضيلة أعظم من ذنب الرذيلة، كما قال عليه السلام: '' لو لم تذنبوا لخشيت عليكم أشد
من الذنب، العجب العجب العجب ''، بل اصبر علي الفضيلة خالصا لوجه ربك لا
لغرض آخر هاربا عن الرذيلة بالطبع لا فضيلة لها أصلا، فلا تبتهج برؤية زينتها بالفضيلة
بل بفضل الله عليك فتتذلل وتخضع لا تتعزز وتستكثر.
تفسير سورة المدثر من آية 8 - 28
(فإذا نقر في الناقور) أي: نزع الروح عن الجسد فتنقر الهيئات الروحانيةومحاسن الصور والملاذ والإدراكات عنه ويؤثر بالتفريق والتبديد في ذلك المنقور،
وذلك عبارة عن النفحة الأولى للإماتة أو ينقر في البدن المبعوث فتنتقش فيها الهيئات
المكتسبة المردية الموجبة للعذاب أو الحسنة المنجية الموجبة للثواب، فيكون عبارة عن
النفخة الثانية التي للإحياء وهو الأظهر، فلا يخفى عسر ذلك اليوم على المحجوبين على
أحد وإن خفي يسره على غيرهم إلا على المحققين من أهل الكشف والعيان.