كان فى الساحه بعد وفاه النبى(ص) جميع الانماط البشريه، بها المومن القوى والمومن الضعيف، وبها الذين فى قلوبهم مرض او زيغ، وهولاء لا يخلو منهم مجتمع على امتداد المسيره البشريه. وكان الذين فى قلوبهم مرض يختزنون فى ذاكرتهم بعض ما اخبر به النبى(ص) فى ما يستقبل الناس، ومنه تفسيره لقوله تعالى: (وجاهدوا فى اللّه حق جهاده) «الحج: 78»، وقوله: (فاما نذهبن بك فانا منهم منتقمون) «الزخرف: 41»، وقوله تعالى: (الم تر الى الذين بدلوا نعمه اللّه كفرا) «ابراهيم: 28»، وقول النبى القرشى: (يا معشر قريش، ليبعثن اللّه عليكم رجلا منكم امتحن اللّه قلبه للايمان، فيضرب رقابكم على الدين، فقال ابو بكر: انا هو يا رسول اللّه؟ قال: لا، قال عمر: انا هو يا رسول اللّه؟ قال: لا، ولكنه خاصف النعل، وقد كان القى نعله الى على بن ابى طالب يخصفها)(61). وكان فى الساحه افراد وقبائل ذمهم اللّه-تعالى- او لعنهم على لسان رسوله(ص) وهو يخبر بالغيب عن ربه لعلم اللّه بما فى قلوبهم، ومنه امره(ص) بجهاد مخزوم وعبد شمس(62)، وقوله: (ان اشد قومنا لنا بغضا بنو اميه وبنو المغيره وبنو مخزوم)(63)، وفى روايه: (بنو اميه وثقيف وبنو حنيفه)(64)، ولعنه للحكم بن ابى العاص(65)، ولعنه لابى الاعور السلمى(66)، ولعنه لاحياء: لحيان ورعلا وذكوان وعصيه(67)، وكان فى الساحه مجموعه تخريبيه من اثنى عشر رجلا، حاولوا قتل النبى(ص) عند عودته من تبوك، آخر غزواته، واسر النبى(ص) باسمائهم الى حذيفه، وكان حذيفه وعمار بن ياسر معه(ص) عند محاوله هذه المجموعه اغتياله، وروى ان حذيفه قال: يا رسول اللّه، الا تبعث الى كل رجل منهم فتقتله، فقال: (اكره ان يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه)، وقال النبى(ص) لحذيفه: (فان هولاء فلانا وفلانا (حتى عدهم) منافقون لا تخبرن احدا)(68)، وعدم افشاء النبى(ص) باسمائهم يستنتج منه ان هذه المجموعه لم تكن من رعاع القوم، وانما من اشد الناس فتكا، وقتلهم يودى الى طرح ثقافه يتناقلها الناس بان محمدا فى آخر ايامه بدا يقتل اصحابه، ويستنتج منه ايضا ان اللّه-تعالى- شاء ان تنطلق المسيره تحت مظله الامتحان والابتلاء، بعد ان تبينت طريق الحق وطريق الباطل، واخفاء اسماء المجموعه التخريبيه هو فى حقيقته دعوه للالتفاف حول الذين بينهم واظهرهم رسول اللّه للناس. وروى الامام مسلم عن حذيفه انه قال: (اشهد اللّه ان اثنى عشر منهم حرب للّه ولرسوله فى الحياه الدنيا ويوم يقوم الاشهاد)(69)، وروى عن عمار بن ياسر انه قال: (قال رسول اللّه(ص): ان فى امتى اثنى عشر منافقا لا يدخلون الجنه ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل فى سم الخياط)(70)، وكان عمار بن ياسر علامه مميزه فى المسيره لانه كان يحمل قول النبى(ص) فيه: (ويح عمار تقتله الفئه الباغيه، يدعوهم الى الجنه ويدعونه الى النار)(71).