على امتداد عهد البعثه كان النبى(ص) يبين للناس ما انزل اليهم من ربهم، وكان فى الساحه من سمع من رسول اللّه(ص) شيئا ولم يحفظه على وجهه، ويرويه ويعمل به، ويقول: انا سمعته من رسول اللّه، فلو علم المسلمون انه وهم فيه لم يقبلوه منه، ولو علم هو انه كذلك لرفضه، وكان فى الساحه من سمع من رسول اللّه(ص) شيئا يامر به، ثم نهى عنه وهو لا يعلم، او سمعه ينهى عن شىء ثم امر به وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم انه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون -اذ سمعوه منه- انه منسوخ لرفضوه، وكان فى الساحه الذين اذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، لم يكذبوا على اللّه ولا على رسوله، حفظوا ما سمعوا على وجهه، فلم يزيدوا فيه ولم ينقصوا منه، حفظوا الناسخ فعملوا به، وحفظوا المنسوخ فاجتنبوه، عرفوا الخاص والعام، والمحكم والمتشابه، فوضعوا كل شىء موضعه، وقد كان يكون من رسول اللّه(ص) الكلام له وجهان، فكلام خاص وكلام عام، فيسمعه من لا يعرف ما عنى به اللّه سبحانه، ولا ما عنى رسول اللّه(ص)، فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفه بمعناه وما قصد به وما خرج من اجله، وليس كل اصحاب رسول اللّه(ص) من كان يساله ويستفهمه، حتى ان كانوا يحبون ان يجىء الاعرابى والطارى، فيساله -عليه الصلاه والسلام- حتى يسمعوا، وقال الامام علي: وكان لا يمر بى من ذلك شىء الا سالته عنه وحفظته(81). ويضاف الى هذه الاصناف، الذين احترفوا الكذب على رسول اللّه(ص)، ولقد كذب على رسول اللّه(ص) على عهده، حتى قام خطيبا فقال: (من كذب على متعمدا، فليتبوا مقعده من النار). ونظرا لاتساع الهوه فى روايه الحديث بعد ابعاد اهل البيت عن مكانتهم فى الذروه، اختلف الناس فى الفتوى، حتى قال الامام على: (ترد على احدهم القضيه فى حكم من الاحكام، فيحكم فيها برايه، ثم ترد القضيه بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله، ثم يجتمع القضاه بذلك عند الامام الذى استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا، وال-ههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد، افامرهم اللّه-تعالى- بالاختلاف فاطاعوه؟ ام نهاهم عنه فعصوه؟ ام انزل سبحانه دينا تاما فقصر الرسول عن تبليغه وادائه؟ واللّه تعالى يقول: (ما فرطنا فى الكتاب من شىء) «الانعام: 38»، وفيه تبيان كل شىء. وذكر ان الكتاب يصدق بعضه بعضا، وانه لا اختلاف فيه: (ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) «النساء: 82». ان القرآن ظاهره انيق وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضى غرائبه، ولا تكشف الظلمات الا به)(82).