فعلي الصورة الاُولي : فهل يجوز للواقف بيع هذا الوقف ؟
اختُلف في ذلك ، فذهب جماعة إلي عدم جواز البيع للزوم الغرر بجهالة وقت استحقاق التسليم التام علي وجه ينتفع المشتري بما اشتراه .ولكن المحكي عن جماعة : الجواز ( صحة البيع ) ؛ وذلك لأنّهم جوّزوا البيع في السكني الموقّتة بعمر أحدهما ( العمري ) .
ولعل ذلك الجواز : إمّا لمنع الغرر ، أو للنص الصحيح الصريح في جواز ذلك ، فقد روي المشايخ الثلاثة ـ في الصحيح أو الحسن ـ عن الحسين بن نعيم قال : سألت أبا الحسن ( الإمام الكاظم موسي بن جعفر عليهالسلام ) عن رجل جعل داره سكني لرجل زمان حياته ولعقبه من بعده ؟ قال عليهالسلام : « هي له ولعقبه من بعده كما شرط » . قلت : فإن احتاج إلي بيعها أيبيعها ؟ قال : « نعم » . قلت : فينقض البيع السكني ؟ قال عليهالسلام : « لا ينقض البيع السكني ، كذلك سمعت أبي يقول : قال أبو جعفر ( الإمام الباقر عليهالسلام ) : لا ينقض البيع الإجارة ولا السكني ولكن تبيعه علي أنّ الذي اشتراه لا يملك ما اشتري حتي تنقضي السكني كما شرط » ( 16 ) .
وهذه الصحيحة صريحة في أنّ الجهالة للمدة في السكني لا تبطل البيع .
وبما أنّ الأمر في الوقف المنقطع ـ بناء علي الصورة الاُولي ـ هو كالسكني مدة العمر ، فتكون الصحيحة دليلاً لجواز البيع للواقف المالك ؛ لتحقق الموضوع نفسه في الجواز .
وهناك صورة يجوز فيها البيع للواقف بلا إشكال : وهي صورة ما إذا نقل الموقوف عليهم حقهم إلي الواقف ولم يكن غيرهم له حق في الوقف ، ثمّ باع الواقف ، فإنّ البيع صحيح جزما ؛ لعدم الغرر قطعا ، حيث يمكن للبائع تسليم العين المبيعة إلي المشتري بعد نقل الموقوف عليهم حقهم إلي الواقف .
أمّا الصورة الثانية : فبما أنّ الواقف غير مالك فعلاً ـ لأنّ الشيء ملك للموقوف عليهم ثمّ يعود بعد انقراضهم ملكا للواقف ـ إلاّ أنّه قد يجوز البيع إذا جوّزنا بيع ملك الغير مع عدم اعتبار مجيز له في الحال ، فإنّ الموقوف عليهم المالكين للوقف فعلاً ليس لهم الإجازة ؛ لعدم تسلّطهم علي البيع ( النقل ) ، ولكن إذا انقرضوا رجع الشيء ملكا إلي الواقف فيجيز ما باعه الآن .
فإن قلنا بعدم اشتراط وجود مجيز حين العقد بل يكفي وجود مجيز للعقد بعد ذلك ، فهنا كذلك .
وهناك صورة ثالثة مختصة بالتحبيس : كما إذا حبّس ملكه علي سكني جماعة لمدة خمسين سنة ، فبما أنّ التحبيس لا يجعل الملكية للمحبَّس عليه بل هي باقية علي ملك المحبَّس ، فهنا لا إشكال في جواز بيع المحبِّس داره مسلوبة المنفعة مدة خمسين سنة .
والخلاصة : أنّ مبدأ التوقيت في الوقف الذرّي يعتبر من الموارد المرنة التي توجب الإقبال علي الوقف ؛ لكون الشيء الموقوف له علاقة بالواقف يتمكن من الانتفاع به ببعض الصور كما مرّ .