قال صالح المري كنت ذات ليلة جمعة بين المقابر فنمت وإذا بالقبور قد شققت وخرج الأموات منها وجلسوا حلقا حلقا ونزلت عليهم أطباق مغطية وإذا فيهم شاب يعذب بأنواع العذاب من بينهم قال فتقدمت إليه وقلت يا شاب ما شأنك تعذب من بين هؤلاء القوم فقال يا صالح بالله عليك بلغ ما آمرك به وأد الأمانة وارحم غربتي لعل الله عز وجل أن يجعل لي على يديك مخرجا إني لما مت ولي والدة جمعت النوادب والنوائح يندبن علي وينحن كل يوم فأنا معذب بذلك النار عن يميني وعن شمالي وخلفي وأمامي لسوء مقال أمي فلا جزاها الله عني خيرا ثم بكى حتى بكيت لبكائه ثم قال يا صالح بالله عليك اذهب إليها فهي في المكان الفلاني وعلم لي المكان وقل لها لم تعذبي ولدك يا أماه ربيتني ومن الأسواء وقيتني فلما مت في العذاب رميتني يا أماه لو رأيتيني الأغلال في عنقي والقيد في قدمي وملائكة العذاب تضربني وتنهرني فلو رأيت سوء حالي لرحمتيني وإن لم تتركي ما أنت عليه من الندب والنياحة الله بيني وبينك يوم تشقق سماء عن سماء ويبرز الخلائق لفصل القضاء قال صالح فاستيقظت فزعا ومكثت في مكاني قلقا إلى الفجر فلما أصبحت دخلت البلد ولم يكن لي هم إلا الدار التي لأم الصبي الشاب فاستدللت عليها فأتيتها فإذا بالباب مسود وصوت النوادب والنوائح خارج من الدار فطرقت الباب فخرجت إلي عجوز فقالت ما تريد يا هذا فقلت أريد أم الشاب الذي مات فقالت وما تصنع بها هي مشغولة بحزنها فقلت أرسليها إلي معي رسالة من ولدها فدخلت فأخبرتها فخرجت أم وعليها ثياب سود ووجهها قد اسود من كثرة البكاء واللطم فقالت لي من أنت قلت أنا صالح المري جرى لي البارحة في المقابر مع ولدك كذا وكذا رأيته في العذاب وهو يقول يا أمي ربيتيني ومن الأسواء وقيتيني فلما مت في العذاب رميتيني وإن لم تتركي ما أنت عليه الله بيني وبينك يوم تشقق سماء عن سماء فلما سمعت ذلك غشي عليها وسقطت إلى الأرض فلما أفاقت بكت بكاء شديدا وقالت يا ولدي يعز علي ولو علمت ذلك بحالك ما فعلت وأنا تائبة إلى الله تعالى من ذلك ثم دخلت وصرفت النوائح ولبست غير تلك الثياب وأخرجت إلي كيسا فيه دراهم كثيرة وقالت يا صالح تصدق بهذه عن ولدي قال صالح فودعتها ودعوت لها وانصرفت وتصدقت عن ولدها بتلك الدراهم فلما كان ليلة الجمعة الأخرى أتيت المقابر على عادتي فنمت فرأيت أهل القبور قد خرجوا من قبورهم وجلسوا على عادتهم وأتتهم الأطباق وإذ ذاك الشاب ضاحك فرح مسرور فجاءه أيضا طبق فأخذه فلما رآني جاء إلي فقال يا صالح جزاك الله عني خيرا خفف الله عني العذاب وذلك بترك أمي ما كانت تفعل وجاءني ما تصدقت به عني قال صالح فقلت وما هذه الأطباق فقال هذه هدايا الأحياء لأمواتهم من الصدقة والقراءة والدعاء ينزل عليهم كل ليلة جمعة يقال له هذه هدية فلان إليك فارجع إلى أمي وأقرئها مني السلام وقل لها جزاها الله عني خيرا قد وصل إلي ما تصدقت به عني وأنت عندي عن قريب فاستعدي قال صالح ثم استيقظت وأتيت بعد أيام إلى دار أم الشاب وإذا بنعش موضوع على الباب فقلت لمن هذا فقالوا لأم الشاب فحضرت الصلاة عليها ودفنت إلى جانب ولدها بتلك المقبرة فدعوت لهما وانصرفت فنسأل الله أن يتوفانا مسلمين ويلحقنا بالصالحين ويعصمنا من النار إنه جواد كريم رؤوف رحيم
الكبيرة الخمسون البغي
قال الله تعالى إنما السبيل على اللذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم وقال النبي 1 إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد رواه مسلم وفي الأثر لو بغى جبل على جبل لجعل الله الباغي منهما دكا وقال 2 ما من ذنب أجدر أن يجعل الله لصاحبه