( الجزء الثاني و العشرون من ) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي و كتب ظاهر الرواية أتت ستا و بالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير و الكبير و السير الكبير و الصغير ثم الزيادات مع المبسوط تواترت بالسند المضبوط و يجمع ألست كتاب الكافي للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس مبسوط شمس الامة السرخسي ( تنبية ) قد بأشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم و الله المستعان و عليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان
(2)
بسم الله الرحمن الرحيم ( باب الغصب في الرهن ) ( قال رحمه الله ) و إذا كان العبد رهنا بألف و قيمته ألف فغصبه رجل فقتل عنده قتلا ثم رده فدفعه بالجناية فانه يرجع على الغاصب بقيمته لان المرتهن له يد صحيحة على الرهن و قد أزالها عنه الغاصب فكان ضامنا له ما لم ينتسخ فعله بالرد كما قبض و لم يرده هنا كما قبضه لانه قبضه فارغا عن الجناية ورده مشغولا بها و استحق بذلك الشغل حين دفع بالجناية فكأنه لم يرده أصلا و لو هلك عنده قبل الرد كان للمرتهن أن يرجع عليه بقيمته فيكون رهنا مكانه فان فداه المرتهن كانت القيمة التي يأخذ من الغاصب له مكان الفداء لان ما لحق من الغرم انما لحقه بالجناية عند الغاصب و ما كان يتوصل إلى احياء حقه الا بالفداء فكان له أن يرجع على الغاصب بالاقل من القيمة و مما فداه به لان الذي يتيقن باستحقاقه عليه الاقل منهما و يكون ذلك له مكان الفداء لان الغرم مقابل بالغنم و لو كان الرهن يساوي ألفين ففداه الراهن و المرتهن كانت القيمة التي يأخذونها من الغاصب بينهما نصفين لان غرم الفداء كان بينهما نصفين و انما يرجعان بالقيمة باعتبار ما غرما فتكون القيمة بينهما نصفين و لو لم يجن عند الغاصب و لكنه أفسد متاعا لحقه من دين و قيمته ألف ثم رده فانه يباع في الدين الا أن يصلحه المرتهن بقضاء الدين فإذا بيع بدئ بحق صاحب الدين لان حقه مقدم على حق المرتهن فان بقي شيء بعد الدين كان في الرهن و يضمن الغاصب ما دفعو ا في الدين من عنده لان ذلك القدر استحق بسبب كان من العبد في ضمان الغاصب فيرجعون به عليه لان الرد لم يسلم فيه ثم يكون رهنا مع ما بقي من الثمن و لا ينقص من الرهن شيء لان ما فات من ماليته قد أخلف بدلا و هو المستوفي من الغاصب فيبقى جميع الدين ببقاء الخلف و لو كان حين قتل قتيلا في يد الغاصب رده إلى المرتهن فمات عنده بطلت الجناية لان حق ولي الجناية في تملك نفسه بالدفع اليه و قد فات محل حقه حين مات ثم يسقط الدين بموته في يد المرتهن لانه عاد إلى يده كما كان مضمونا بالدين
(3)
إذا هلك و لا شيء على الغاصب لان الرد قد سلم حين لم يؤخذ منه شيء بالجناية التي كانت عند الغاصب و كذلك لو كان الدم عمدا فيه قصاص فعفى ولي الدم او عفى ولي جناية الخطأ أو أبرأ صاحب المال في الاستهلاك فلا شيء على الغاصب في هذه الفصول لانه لم يوجد شيء من العبد بسبب الفعل الذي كان منه في يد قيم رده و انتسخ به حكم فعله و لو قتل عند الغاصب قتيلا خطأ ثم قتل قتيلا عمدا ثم افسد متاعا مثل قيمته ثم رده عليهم فاختاروا دفعه فانه يدفع بالخطأ ثم يقتله أصحاب العمد كما لو كانت هذه الجناية من العبد في يد المالك و هذا لو نوى القود و ان جنى ولي الخطأ و لو نوى بالدفع ما يفوت حق ولي العمد في القصاص و لا فائدة في البدلية في البيع بالدين لانه يفوت به حق ولي الخطأ و إذا استوفى القصاص بطل البيع فلهذا يبدأ بالدفع في الخطأ ثم يقتله اصحاب العمد قصاصا و يكون على الغاصب القيمة و يدفع إلى أوليآء الخطأ لان حقهم ثبت في عبد فارغ و لم يسلم لهم ذلك فانه دفع إليهم عبدا مباح الدم بالقصاص و القيمة بدل عنه فثبت حقهم في البدل بثبوت حقهم في الاصل فإذا رفعت إلى أوليآء الخطأ أخذها الغرماء ثم يرجع المرتهن على الغاصب بقيمة أخرى لان تلك القيمة استحقت بسبب كان من العبد في ضمانه فيأخذ منه هذه القيمة أصحاب الخطأ أيضا لان القيمة الاولى لم تسلم لهم فانها استحقت من يدهم لحق الغرماء فيدفع إليهم القيمة الثانية للذي استحقت من يده الجناية التي كانت عند الغاصب فيرشع عليه بقيمة أخرى حتى يكون في يد المرتهن قيمة لا تبعه فيها قائمة مقام عبد لم يكن فيه تبعه حين أخذه الغاصب و لو بدأ بالدين ثم ثنى بالعمد ثم ثلث بالخطأ فاختار و الدفع فانه يدفع بالخطأ ثم يقتل قصاصا لما قلنا ثم يكون على الغاصب قيمته للمرتهن و لا سبيل لاولياء الخطأ علي هذه القيمة لان حقهم ما ثبت الا في عبد مشغول فانه حين جنى على وليهم كان مشغولا بالدم مباحا بالقصاص و قد دفع إليهم بهذه الصفقة فليس لهم أن يرجعوا بشيء آخر و لكن هذه القيمة يأخذها الغرماء لانها بدل عن العبد و حقهم كان ثابتا في ماليته فثبت في بدله أيضا فإذا أخذها الغرماء رجع المرتهن على الغاصب بقيمة أخرى فيكون رهنا مكان العبد لان القيمة الاولى استحقها الغرماء بسبب ما في العبد من ضمان الغاصب و لو كان الرهن أمة فغصبها رجل فولدت عنده ولدا و جنى الولد جناية ثم ردهما جميعا فان ولدها يدفع أو يفدى و لا شيء على الغاصب من ذلك لان الولد ما كان في ضمان الغاصب فانه لم يغصب الولد حتى لو مات في يده لم يكن عليه شيء فكذلك
(4)
إذا استحق بجناية كانت عنده و هذا لان المستحق على الغاصب نسخ فعله بالرد و لم يوجد منه فعل في الولد يستحق عليه نسخ ذلك بالرد و لو كان الرهن عبدا يساوى أكثر من عشرة آلاف و هو رهن بمثل قيمته فغصبه رجل فقتل عنده قتيلا ففداه المرتهن رجع على الغاصب بعشرة آلاف الا عشرة دراهم لان رجوع الغاصب بسبب الجناية التي كانت من العبد في ضمانه فان الرد انما لم يسلم لكونه مشغولا بالجناية و قيمة العبد بسبب الجناية لا يزيد على عشرة آلاف الا عشرة ( ألا ترى ) أن قيمته بسبب الجناية عليه لا تزيد على هذه فكذلك قيمته بسبب الجناية منه و هو نظير المكاتب إذا كان كثير القيمة فجنى جناية لم يلزمه أكثر من عشرة آلاف الا عشرة بمنزلة ما لو جنى عليه و لو كانت قيمته عشرين ألفا أو أكثر و هو رهن بمثله فقتل قتيلين عند الغاصب ففداه المرتهن بعشرين ألفا لم يرجع على الغاصب با كثر من عشرة آلاف الا عشرة لان الرجوع عليه بسبب الجناية و قيمته في الجناية لا تزيد على هذا المقدار كما لو لم يغصبه الغاصب من يد المرتهن و لكنه قتله لم يلزمه أكثر من عشرة آلاف الا عشرة و لو لم يفدوه و لكنهم دفعوه رجع على الغاصب أيضا بعشرة آلاف الا عشرة فيدفع نصفها إلى ولي الجناية الاول لان حقه ثبت في جميع العبد فارغا و لم يسلم له الا النصف فيكون له أن يرجع بنصف القيمة التي قامت مقامه حتى يسلم له كمال حقه و لم يرجع المرتهن بذلك على الغاصب لان هذا المقدار استحق من يده بالجناية التي كانت عند الغاصب فتكون هذه العشرة آلاف الا عشرة ذهبا بمثلها من الدين ان كان الدين حالا يأخذها المرتهن قضأ من دينه و ان كان مؤجلا يكون رهنا في يده لان حق الراهن في الاجل مرعى و يبطل الفضل لما بينا أن الدراهم لا تكون مضمونة الا بمثلها و لا يتصور أن يستوفى منها أكثر من قدرها من الدين فيبطل الفضل عن الراهن لفوات زيادة المالية في ضمان المرتهن و لو لم يقتله حر و لكن قتله عبد قيمته مائة في يد المرتهن كان رهنا بجميع الدين و قد تقدم بيان الخلاف على هذا الفصل و لو لم يقتل و لم يغصب و لكن المرتهن باعه بعشرين ألفا و كان مسلطا على بيعه فتوى الثمن ذهب من مال المرتهن لان حكم الرهن يتحول إلى الثمن فهلاكه كهلاك العبد في يد المرتهن و كذلك لو باعه العدل و لو كان باعه بأقل من الدين رجع بباقي الدين على الراهن لان المرتهن في هذا البيع نائب عن الراهن فيكون بيعه كبيع الراهن و ذلك بمنزلة الفكاك ثم يتحول ضمان الدين إلى الثمن بقدر الثمن فما زاد على ذلك يبقي في ذمة الراهن
(5)
بخلاف القتل فانه يقتل و هو مرهون فيسقط من الدين مقدار مالية القيمة الواجبة و لهذا قال أبو يوسف رحمه الله في الامالي انه إذا باعه المرتهن أو العدل فالثمن لا يكون رهنا الا أن يكون شرط ذلك عند البيع أو عند الرهن و جعل البيع في إبطال حق المرتهن عن العين هنا نظير بيع العبد المؤاجر برضا المستأجر فانه يكون مبطلا لحق المستأجر و لكن في ظاهر الرواية في البيع هنا تحقيق مقصود المرتهن لان مقصود المرتهن استيفاء الدين من ماليته و ذلك حال قيامه بالبيع يكون و الثمن صالح لحقه كما كان الاصل صالحا فلهذا كان الثمن مرهونا فأما في بيع المؤاجر فابطال مقصود المستأجر لان مقصوده الانتفاع بالعين و الثمن صالح لذلك فيبطل عقد الاجارة إذا كان البيع برضاه و لو كان العبد رهنا بألف و قيمته ألف فرخص السعر حتى صار يساوى مائة وحل المال فقتله حر غرم مائة و لم يكن للمرتهن غيرها لما بينا و كذلك لو قتله الراهن أو المرتهن لان فيما يلزم كل واحد منهما بالقتل لا يكون أشقى من الاجنبي فلا يلزمه قيمته الا وقت القتل و ان غصبه الراهن و قيمته ألف فجنى عنده جناية ثم رده على المرتهن ففداه فانه يرجع بالاقل من قيمته و من الفداء على الراهن كما لو كان الغاصب أجنبيا آخر و هذا لان الراهن بعقد الرهن صار من ماليته كاجنبي فغصبه إياه يوجب عليه ما يوجب على الاجنبي و لو كان استعاره الراهن فقتل عنده قتيلا فدفعه الراهن و المرتهن كان الدين على الراهن و لا يضمن قيمة الرهن لانه قبضه على وجه العارية و لا يكون هو فيه دون أجنبي آخر فتكون العين أمانة في يده و لكنه خرج عن ضمان الرهن ما دام في يد الراهن لان ضمان الرهن ضمان استيفاء و لا يتحقق ذلك الا حال ثبوت يد استيفاء المرتهن على الرهن حقيقة و حكما و لا بدل له حال كونه عارية في يد المرتهن فلهذا لا يسقط شيء من الدين بهلاكه و كذلك لو استعاره رجل باذن الراهن و لو استعاره بغير اذن الراهن فجنى عنده فدفع بالجناية كان الراهن بالخيار ان شاء ضمن المرتهن قيمته و ان شاء ضمن المستعير قيمته لان كل واحد منهما جان في حق صاحبه المرتهن بالتسليم و المستعير بالقبض و لا يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء لان المستعير ان ضمن فانما ضمن بقبضه لنفسه و المرتهن ان ضمن فقد ملكه بالضمان و تبين أنه أعار ملك نفسه ثم تكون القيمة رهنا مكانه لانها قائمة مقامه و لو كان الراهن أعاره بغير اذن المرتهن فللمرتهن أن يضمن القيمة ان شاء المستعير و ان شاء الراهن لان كل واحد منهما جان في حقه و حقه في الرهن مقدم على حق الراهن و إذا كان العبد قيمته ألف درهم رهنا بألف فغصبه
(6)
رجل فجنى عنده جناية و اكتسب عنده ألف درهم ثم رده ورد المال و دفع العبد بالجناية فانه يرجع عليه بقيمة العبد و الالف التي اكتسب العبد أو وهب له المولى العبد لاحق للمرتهن فيها لانها متولدة من العين فوجود هذا في حق المرتهن كعدمه و قد بينا أنه حين دفع بالجناية فالرد لم يصح فيرجع المرتهن عليه بقيمته و يكون رهنا في يده و لو كان الغاصب عبدا فجنى العبد الرهن عنده جناية تستغرق قيمته فذلك في عنق الغاصب يباع فيه أو يفدى لان الضمان على الغاصب بسبب الغصب و ضمان الغصب بمنزلة ضمان الاستهلاك فالمستحق به ماليته فيباع فيه أو يفدى بخلاف جناية العبد فالمستحق بالجناية نفسه الا أن يفديه المولى ( ألا ترى ) أن الغاصب لو كان حرا كانت القيمة في ماله حالة و لو كان سببها الجناية لكانت عليه في ثلاث سنين و لو كان العبد الغاصب يساوى عشرين ألفا و العبد المغصوب يساوى عشرين ألفا فقتل عنده قتيلين فدفع بهما لم يكن في عنق العبد الغاصب الا عشرة آلاف عشرة دراهم يباع فيها أو يفدى لما بينا أن الغاصب قد رد المغصوب الا أن الرد لم يسلم لكونه مشغولا بالجناية فيكون الرجوع على الغاصب لاجل شغل الجناية و قيمة العبد في الجناية لا تزيد على هذا المقدار في حق العبد و الحر جميعا الا أن هذا المقدار واجب على الغاصب بسبب غصبه فيباع فيه أو يفدى فصار الحاصل أن وجوب هذا الضمان على الغاصب باعتبار السببين جميعا فانه لو لا غصبه ما ضمن شيئا بسبب جنايته و لو لا جناية المغصوب عنده لكان رده تاما فلا يرجع عليه بشيء بعد ذلك فانما الرجوع عليه باعتبار الامرين جميعا فلا عتبار الجناية لا يرجع عليه بأكثر من عشرة آلاف الا عشرة و لا عتبار غصبه يباع فيه أو يفدى و في حق من يرجع السبب هو الاستحقاق من يده بالجناية فلا يرجع الا بعشرة آلاف الا عشرة و فى حق من يرجع عليه هو الغاصب لسبب غصبه فيباع فيه و لو ارتهن عبدا يساوى ألفا فغصبه رجل فقتل عنده قتيلا خطأ ثم رده فغصبه آخر فقتل عنده قتيلا خطأ ثم رده فغصبه آخر فقتل عنده قتيلا خطأ ثم رده و اختاروا دفعه فانه يكون بين أصحاب الجنايات أثلاثا سواء حق أوليآء الجنايات في رقبته بالاستواء في سبب الاستحقاق فان كل واحد منهم لو انفرد كان مستحقا جميع نفسه بالجناية و لم يضمن الغاصب الاول ثلث قيمته لان المدفوع إلى ولي الجناية الاولى استحق بسبب كان عند الاول فلهذا يضمن الغاصب الاول ثلث قيمته فيدفعها المولى و المرتهن إلى ولي القتيل الاول ثم يرجع على الغاصب الاول