رب المال فللمضارب أن يرده بخيار الرؤية لان رؤية رب المال لا تكون دليل الرضا منه به فانه ما كان يعلم أن المضارب يشترى ذلك العبد بعينه لا عند رؤيته و لا عند عقد المضاربة و بعد الرؤية لو اشتراه رب المال و هو لا يعلم عند الشراء انه ذلك العبد لا يسقط خيار رؤيته فإذا اشتراه مضاربة أولى أن لا يسقط الخيار بتلك الرؤية و لو رآه المضارب ثم اشتراه لم يكن لواحد منهما خيار و ان لم يره رب المال لان المضارب عالم عند الشراء بانه يشترى ذلك الذي رآه فالرؤية السابقة منه دليل الرضا به و فيما يبنى على الرضا و لزوم العقد العاقد لغيره كالعاقد لنفسه و لو كان رب المال قد علم أنه أعور قبل أن يشتريه المضارب فاشتراه المضارب و هو لا يعلم به فله أن يرده بالعيب لان رب المال ما كان يعلم أن مضاربه يشترى ذلك العبد بعينه فعلمه بالعور لا يكون دليل الرضا منه بعيبه في ملك نفسه و لان المضارب بمطلق العقد يستحق صفة السلامة فانه ما كان يعلم بالعيب على العبد و لا علم لرب المال بعيبه فبفوات صفة السلامة يثبت له حق الرد و الوكيل بشراء عبد بغير عينه بألف در هم بمنزلة المضارب في جميع ما ذكرنا و لو دفع إلى رجل ما لا مضاربة على أن يشترى به عبد فلان بعينه ثم يبيعه فاشتراه المضارب و لم يره و قد رآه رب المال فلا خيار للمضارب فيه و لان المضارب نائب عنه في الشراء و رؤية رب المال هنا دليل الرضا منه بذلك العيب حين أمر نائبه و كذلك لو كان المضارب رآه و لم يره رب المال فهذا كالأَول في هذا الحكم و لو كان العبد أعور و قد علم به أحدهما لم يكن للمضارب أن يرده أبدا لانه ان كان المضارب عالما به فهو ما استحق صفة السلامة بالا قدام على الشراء بعد علمه بالعيب و ان كان رب المال هو الذي علم به فأمره إياه بالشراء بعينه بعد علمه بعيبه دليل الرضا منه بالعيب و رضا رب المال معتبر في إسقاط خيار العيب للمضارب و كذلك الوكيل بشراء عبد بعينه إذا اشتراه و قد كان الآمر رآه أو علم به فليس للوكيل ان يرده لما قلنا و إذا دفع اليه ما لا مضاربة على أن يشتري به الثياب و يبيع فاسم الثياب اسم جنس للملبوس في حق بني آدم فله أن يشترى به ما شاء من ذلك كالخز و الحرير و القز و ثياب القطن و الكتان و الاكسية و الا نبجانيات و الطيالسة و نحو ذلك و ليس له أن يشتري المسوح و الستور و الانماط و الوسائد و الطنافس و نحو ذلك لان ذلك كله من جنس الفرش لا يتناوله اسم الثياب في العادة مطلقا و الدليل عليه ان بايع هذه الاشياء لا يسمى ثيابا بل الثيابى في الناس من يبيع ما يلبسه الناس و مطلق اللفظ محمول على المفهوم عرفا و لو دفعه على أن يشترى به
(57)
البز فليس له أن يشترى به من ثياب الخز و الحرير و الطيالسة و الا كسية شيأ و انما يشترى ثياب القطن و الكتان فقط لان البزاز في عرف الناس من يبع ثياب القطن و الكتان لا من ببيع الخز و الحرير و هذا شيء مبناه على عرف الناس ليس من فقه الشريعة في شيء و انما يعتبر فيه ما هو معروف عند الناس في كل موضع و اذا باع المضارب عبدا من المضاربة ثم قبله بعيب يحدث مثله بإقرار أو غيره بحكم أو اقالة فهو سواء و هو على المضاربة بخلاف الوكيل بالبيع لان الوكيل بالبيع لا يملك الشراء للموكل ابتداء و المضارب يملك الشراء كما يملك البيع فقبوله بهذه الوجوه لا يكون فوق شرائه ابتداء فيجوز على المضاربة و لو أنكر المضارب العيب ثم صالحه منه على ان زاده مع العبد دينارا أو ثوبا أو نحو ذلك من المضاربة فهو جائز على رب المال ان كان مثل ذلك العيب أو أكثر مما يتغابن الناس فيه و ان كان أكثر مما لا يتغابن الناس فيه أبطلته لان الصلح عن العيب على مثل هذا متعارف بين التجار و المضارب يملك ما هو من صنع التجار فاما الصلح على أكثر من حصة العيب مما لا يتغابن الناس فيه فليس من صنع التجار بل هو كالبر المبتدأ ثم هو مأمور بالصلح لاصلاح مال المضاربة لا لافساد المال و في الصلح على مثل حصة العيب أو زيادة يسيرة إصلاح فاما في الصلح على أكثر منه مما لا يتغابن الناس فيه فافساد به و لو اشترى المضارب بألف المضاربة من ولده أو والديه أو مكاتبه أو عبده و عليه دين يساوى ألف درهم فهو جائز على المضاربة و ان كان يساوى أقل منه مما يتغابن الناس فيه فهو مشتر لنفسه في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله و قال أبو يوسف و محمد رحمهما الله هو جائز على المضاربة الا ما اشترى من عبده أو مكاتبه فان قولهما في ذلك مثل قول أبى حنيفة رحمه الله و قد أطلق في الوكيل جواب هذه المسألة في كتاب البيوع و لم يفصل بين الشراء بمثل القيمة و بين الشراء بغبن يسير و من أصحابنا رحمهم الله من يقول تقسيمه هنا تقسيم في الوكيل و الخلاف في الفصلين في الشراء بغبن يسير فاما الشراء بمثل القيمة فجائز لان أبا حنيفة رحمه الله يعتبر التهمة و ذلك انما يظهر عند الشراء بغبن يسير و في حق الاجنبي ليس بينهما سبب موجب التهمة فيحمل شراؤه بغبن يسير على أنه خفى عليه ذلك و في حق الآباء و الاولاد بينهما سبب التهمة فيحمل ذلك على الميل اليه و إيثاره على الموكل كما في الشهادة فاما في الشراء بمثل القيمة فلا يتمكن معنى التهمة و منهم من قال بل هذا التقسيم في المضارب فاما الوكيل فلا يملك الشراء من هؤلاء لموكله بمثل القيمة و الفرق بينهما لابى حنيفة رحمه الله
(58)
أن المضارب شريك في الربح فيمنعه ذلك من ترك الاستقصاء و النظر و ان كان يعامل اباه أو ابنه لانه يؤثر نفسه عليهما فلهذا جازت معاملته معهم بمثل القيمة فاما الوكيل فعامل للموكل و لا حق له فيما يشتريه فالظاهر انه يترك الاستقصاء في المعاملة مع هؤلاء فلهذا لا ينفذ تصرفه معهم على الموكل يوضحه ان المضارب أعم تصرفا من الوكيل و قد يستبد بالتصرف على وجه لا يملك رب المال نهيه و هو بعد ما صار المال عروضا و قد يكون نائبا محضا في بعض الاحوال فلشبهه بالمستبد بالتصرف قلنا يجوز تصرفه مع هؤلاء بمثل القيمة و لشبهه بالنائب قلنا لا يجوز تصرفه معهم بغبن يسير فاما الوكيل فنائب محض و هو نائب في تصرف خاص فيكون متهما في تصرفه مع هؤلاء في حق الموكل و ان كان بمثل القيمة و لو كان العبد يساوى ألفا فأراد المضارب أن يبيعه مرابحة لم يبعه في قول أبى حنيفة رحمه الله حتى يبين و عندهما يبيعه مرابحة من بيان الا ما اشتراه من مكاتبه و عبده المديون فانه لا يبيعه مرابحة حتى يبين و قد تقدم بيان هذه المسألة في كتاب البيوع و لو اشترى بألف المضاربة أباه أو أمه أو أخاه أو ولده و لا فضل على رأس المال فهو جائز على المضاربة لان المضارب لا يملك شيأ منه إذا لم يكن في المال فضل فهو يتمكن من بيعه و قد بينا أن للمضارب أن يشترى للمضاربة ما يملك بيعه و ان كان فيه فضل يوم اشتراه فهو مشتر لنفسه لانه لو نفذ شراؤه على المضاربة ملك منه مقدار حصته من الربح فيعتق عليه ذلك الجزء و لا يمكنه بيعه و قد بينا أن المضارب لا يشترى للمضاربة ما لا يمكن بيعه فكان مشتريا لنفسه فعتق عليه و ان نقد ثمنه من مال المضاربة فهو ضامن لذلك لانه قضى بمال المضاربة دين نفسه و لو اشترى أبا رب المال أو ابنه أو أخاه و فيه فضل أولا فضل فيه فهو مشتر لنفسه لانه لو نفذ شراؤه على المضاربة ملكه رب المال و عتق عليه بالقرابة فلا يتمكن المضارب من بيعه و ليس له أن يشترى بمال المضاربة ما لا يمكنه بيعه فكان مشتريا لنفسه و إذا كان لرجل على رجل ألف درهم فأمر رجلا أن يقبض من المديون جميع ماله عليه و يعمل به مضاربة بالنصف فقبض المأمور نصف ما على المديون ثم عمل به فهو جائز على المضاربة و رأس المال فيه ما قبضه اعتبارا للبعض بالكل و هذا لان الواو للعطف من أن تقتضي الترتيب فكان هو في كل جزء من المال مأمورا بالقبض و العمل به مضاربة فإذا قبض البعض و عمل به كان ممتثلا أمر رب المال و لو قال له اقبض جميع الالف التي لي على فلان ثم اعمل بها مضاربة كان مخالفا فيما صنع ضامنا للمال
(59)
و الربح له و الوضيعة عليه لان حرف ثم للتعقيب مع التراخى فهو أخر الامر بالعمل مضاربة عن قبض جميع المال فما لم يقبض جميع الالف لا يأتي أو ان العمل بالمال مضاربة فإذا عمل بالبعض قبل أن يقبض الكل كان مخالفا ( ألا ترى ) انه لو قال لزوجته اقبضى جميع المال الذي على فلان ثم أنت طالق فقبضت البعض دون البعض لم تطلق و لو قال اقبضى جميع المال الذي على فلان و أنت طالق طلقت للحال قبل أن تقبض شيأ إذا لم يزد الزوج واو الحال و إذا دفع الرجل إلى الصبي أو إلى العبد المحجور عليه ما لا مضاربة فاشترى به فربح أو وضع بغير اذن والد الصبي و مولى العبد جاز على رب المال و الربح بينهما على ما اشترطا لانه من أهل التصرف لكونه مميزا و انما يلاقى تصرفه مال رب المال و هو راض بتصرفه و لو استعان به من شرط شيء من الربح له نفذ تصرفه في حقه فإذا شرط لهما نصيبا من الربح أولى لان ذلك محض منفعة لهما و العبد و الصبي لا يلحقهما الحجر بتمحض منفعة و العهدة في البيع و الشراء على رب المال بمنزلة ما لو كانا وكيلين له بالبيع لان في إلزام العهدة إياهما ضررا و هم محجور ان عن اكتساب سبب الضرر فإذا تعذر إيجاب العهدة عليهما لزمت العهدة من ينتفع بهذا العقد بعدهما و هو رب المال ثم لا تنتقل العهدة إلى الصبي و ان كبر و تنتقل إلى العبد إذا عتق لان العبد مخاطب من أهل إلزام العهدة في حق نفسه و لكن حق المولى كان مانعا من إلزام العهدة إياه فاذه زال المانع لزمته العهدة و الصبي ليس من أهل إلزام العهدة أصلا فلا يلحقه ذلك و ان بلغ و هو بمنزلة الكفالة و الاقرار و لو مات العبد في عمل المضاربة و قتل الصبي و هو في عمل المضاربة بعد ما ربحا فان مولى العبد يضمن رب المال قيمة عبده يوم عمل في ماله مضاربة بأمره لانه صار غاصبا له باستعماله بغير اذن مالكه و إذا ضمن قيمته في ذلك الوقت ملكه بالضمان فجميع ما ربح العبد لرب المال دون مولى العبد لان ذلك كسب اكتسبه العبد المغصوب و الكسب للغاصب إذا ملك العبد بالضمان ( ألا ترى ) أن المضاربة لو كانت فاسدة كان للعبد أجر مثله في حياته فإذا مات غرم رب المال قيمته و بطل الاجر عنه فهذا مثله و أما الصبي إذا قتل في عمل رب المال بعد ما ربح فعلى عاقلة القاتل الدية و ان شاء ورثة الصبي ضمنوا عاقلة رب المال لانه باستعماله صار متسببا لهلاكه و هذا سبب هو متعد فيه فيكون بمنزلة جنايته بيده في إيجاب الدية على عاقلته بمنزلة من غصب صبيا حرا و قربه إلى مسبعة حتى افترسه السبع ثم يرجع على عاقلة رب المال بها على عاقلة القاتل لانهم قاموا
(60)
مقام ورثة الصبي حين ضمنوا لهم ديته و هذا لان القاتل مباشر و المتسبب يرجع بما يلحقه من الضمان على المباشر لانه هو الذي قرر عليه ذلك بمباشرته فكأنه ألزمه إياه ابتداء ثم يسلم لورثة الصبي حصته من الربح لان الصبي الحر لا يملك بضمان الدية و لان عاقلة رب المال انما غرموا الدية بهلاك الصبي في عمله لرب المال لا لاستعمال رب المال إياه ( ألا ترى ) أن الصبي لو مات و لم يقتل كان رب المال بريئا من دينه فلهذا يسلم حصته من الربح لورثته و إذا دفع الرجل إلى الرجلين ألف درهم مضاربة فمات أحدهما فقال الباقى منهما قد هلك المال فهو مصدق في نصف المال مع و لا ضمان عليه في شيء من المال لانه مؤتمن فيما كان في يده فالقول قوله إذا أخبر بهلاكه مع يمينه و أما الميت فان نصف مال المضاربة دين في ماله لان نصف المال كان أمانة في يده و قد مات مجهلا و الامين بالتجهيل ضامن لانه عند الموت يصير متملكا فيكون ضامنا و إذا دفع المسلم إلى النصراني ما لا مضاربة بالنصف فهو جائز لان المضاربة من المعاملات و أهل الذمة في ذلك كالمسلمين الا أنه مكروه لانه جاهل بشرائع الاسلام فلانا من أن يؤكله حراما اما لجهله أو لقصده فانهم لا يؤدون الامانة في حق المسلمين قال الله تعالى لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا أى لا يقصرون في إفساد أمر دينكم و لانه يتصرف في الخمر و الخنزير و يعمل بالربا و لا يتحرز في ذلك فيكره للمسلم أن يكتسب الربح بتصرف مثله له و لكن مع هذا جازت المضاربة لان الذي من جانب المضارب البيع و الشراء و النصراني من أهل ذلك فان اتجر في الخمر و الخنزير فربح جاز على المضاربة في قول أبى حنيفة رحمه الله و ينبغي للمسلم أن يتصدق بحصته من الربح و عندهما تصرفه في الخمر و الخنزير لا يجوز على المضاربة و هو فرع الاختلاف الذي بينا في البيوع في المسلم يوكل الذمي بشراء الخمر و الخنزير فان اشترى ميتة فنقد فيها مال المضاربة فهو مخالف ضامن عندهم جميعا لانه اشترى ما لا يمكنه أن يبيعه و ان تصرفهم في الميتة لا يكون نافذا و المضارب لا يشترى بمال المضاربة ما لا يمكنه أن يبيعه و ان أربى فاشترى درهمين بدرهم كان البيع فاسدا لانهم يمنعون من المعاملة بالربا لانفسهم كما يمنعه المسلم منه و لكن لا يصير ضامنا لمال المضاربة و الربح بينهما على الشرط لما بينا أن المضارب لا يصير مخالفا بإفساد العقد إذا كان هو يتمكن من بيع ما اشتراه و المشترى شراء فاسدا يملك بالقبض فينفذ البيع فيه و لا بأس بان يأخذ المسلم مال النصراني مضاربة و لا يكره له ذلك لان الذي يلى التصرف في المال هنا المسلم و هو
(61)
يتحرز من العقود الفاسدة في تصرفه في مال غيره كما يتحرز عنه في تصرفه في مال نفسه فان اشترى به خمرا أو خنزيرا أو ميتة و نقد المال فهو مخالف ضامن لانه اشترى بمال المضاربة ما لا يمكنه أن يبيعه فيكون مخالفا كما لو كان رب المال مسلما فان ربح في ذلك رد الربح على من أخده منه ان كان يعرفه لانه أخذه منه بسبب فاسد فيستحق رده عليه و ان كان لا يعرفه تصدق به لانه حصل له بكسب خبيث و لا يعطى رب المال النصراني منه شيأ لان تصرفه ما وقع له حين اشترى ما لا يمكنه بيعه و صار به مخالفا و لو دفع المسلم ماله مضاربة إلى مسلم و نصراني جاز من كراهة لان النصراني هنا لا ينفرد بالتصرف ما لم يساعده المسلم عليه و المسلم لا يساعده في العقود الفاسدة و التصرف في الخمر بخلاف ما إذا كان المضارب نصرانيا وحده فانه ينفرد بالتصرف هناك و إذا دفع الرجل ماله مضاربة إلى عبده و عليه دين أو إلى مكاتبه أو إلى ولده فهو جائز على ما اشترطا لانه من كسب هؤلاء كالأَجنبي فكسب العبد المستغرق بالدين حق الغرماء و إذا دفع رجل إلى رجلين ألف درهم مضاربة بالنصف فاشتريا بها عبدا يساوى ألفى درهم و قبضاه فباعه أحدهما بغير أمر صاحبه بعرض يساوى ألفا و أجاز ذلك رب المال فذلك جائز لان المضارب مشتر ذلك العرض لنفسه مستقرض عبد المضاربة حين جعله عوضا عما اشتراه لنفسه و رب المال بالاجازة صار مقرضا العبد منه فتعمل اجازته بهذا الطريق و يكون على المضارب العامل قيمة العبد ألفى درهم ألف من ذلك يأخذها رب المال برأس ماله و ألف أخرى ربحه يأخذ رب المال نصفها و نصفها بين المضار بين فيطرح عن العامل مقدار نصيبه من الربح و ذلك ربع الالف و يغرم ما سوى ذلك و حق المضارب الآخر بيع لحق رب المال فلا يمتنع لاجله نفوذ اجازة رب المال في حصته و لو كان المضارب باع العبد بالفى درهم و أجاز ذلك رب المال جاز علي المضار بين و لا ضمان على البائع لانه مشتر بمال المضاربة شيأ بل هو تابع لمال المضاربة و استقراضه في الفصل الاول كان ضمنا لشرائه لنفسه و لم يوجد ذلك هنا فكان فعله بيعا مطلقا ان أجازه صاحبه نفذ لاجتماع رأيهما عليه و ان أجازه رب المال نفذ لان المضارب نائب عنه في التصرف و إذا كان ينفذ العقد بإجازة النائب فباجازة المنوب عنه أولى و يؤخذ من المشترى الالفان فيكون ذلك على المضاربة بمنزلة ما لو باعاه جميعا و لو كان المضارب باع العبد بأقل من ألفين بقليل أو كثير بما يتغابن الناس في مثله أو لا يتغابن فيه فاجاز ذلك رب المال فاجازته باطلة لان فيه نقصانا يدخل على
(62)
المضارب الآخر ( ألا ترى ) انه لاربح في المضاربة حتى يستوفى رأس المال فان كان النقصان يدخل عليه لم يجز ذلك عليه الا أن يرضى بالبيع فإذا لم يرض به رب العبد حتى يبعه المضاربان جاز و حاصل المعنى أن الاجازة انما تصح ممن يملك مباشرة العقد و رب المال لا يملك بيع مال المضاربة بغبن يسير مراعاة لحق المضارب في الربح فكذلك لا يملك اجازة البيع بغبن يسير من أحد الماضربين أو من أجنبي آخر و هو يملك مباشرة البيع بمثل القيمة فكذلك يملك اجازة بيع أحدهما بمثل القيمة و هذا لان رب المال مسلط على هذا التصرف من جهة من له الحق و هو المضارب فيستوى في حقه الغبن اليسير و الفاحش كالمريض في حق ورثته بخلاف الوكيل بالشراء فانه مسلط على التصرف من جهة الموكل فيجعل الغبن اليسير عفوا في حقه بخلاف الوصي فهو مسلط على التصرف في حق الصبي شرعا فيقام ذلك مقام التسليط من جهته أن لو كان من أهله و على هذا لو كان رب المال هو الذي باعه و أجازه أحد المضار بين فان كان باعه بمثل القيمة فهو جائز و ان باعه بدون القيمة بقليل أو كثير لم يجز حتى يجيزاه جميعا و لو كان أحد المضار بين باع العبد ببعض ما ذكرنا من الثمن فأجازه المضارب الآخر و لم يجز رب المال فهو جائز ان كان باعه بأقل من قيمته بما يتغابن الناس فيه و ان كان بما لا يتغابن الناس فيه لم يجز في قول أبى يوسف و محمد رحمهما الله و هو جائز في قول أبى حنيفة رحمه الله بمنزلة ما لو كان باعاه جميعا وأصل المسألة في الوكيلين بالبيع و الله أعلم ( باب نفقة المضارب ) ( قال رحمه الله ) و إذا دفع الرجل إلى رجل ما لا مضاربة بالنصف فعمل به في مصره أو في أهله فلا نفقة له في مال المضاربة و لا على رب المال لان القياس أن لا يستحق المضارب النفقة في مال المضاربة بحال فانه بمنزلة الوكيل أو المستبضع عامل لغيره بأمره أو بمنزلة الاجير لما شرط لنفسه من بعض الربح و واحد من هؤلاء لا يستحق النفقة في المال الذي يعمل فيه الا انا تركنا هذا القياس فيما إذا سافر بالمال لاجل الصرف فبقي ما قبل السفر على أصل القياس و هذا لان مقامه في مصره أو في أهله لكونه متوطنا فيه لا لاجل مال المضاربة ( ألا ترى ) أنه قبل عقد المضاربة كان متوطنا في هذا الموضع و كانت نفقته في مال نفسه فكذلك بعد المضاربة فاما إذا خرج بالمال إلى مصر يتجر فيه كانت نفقته في مال