ذلك من شيء فللمضارب ثلثه و لرب المال ثلثه و لعبد المضارب ثلثه فهو جائز و ثلثا الربح للمضارب لان المشروط للعبد الذي دين عليه كالمشروط لمولاه فان كسب العبد مملوك لمولاه فكان هذا بمنزلة اشتراط المضارب ثلثي الربح لنفسه فكذلك لو لم يشترط للعبد المضارب و لكنه شرط لعبد رب المال فقلنا الربح لرب المال لان المشروط لعبده كالمشرط له أو يجعل هذا في حقه كالمسكوت عنه و لو كان اشترط الثلث لعبد المضارب و عليه دين يحيط بكسبه فالثلثان من الربح لرب المال في قول أبى حنيفة رحمه الله لان من أصله أن استغراق كسب العبد بالدين يمنع ملك المولى في كسبه و يكون المولى من كسبه كاجنبي آخر فالمشروط للعبد في هذه الحالة كالمشروط لاجنبي آخر و لو شرط ثلث الربح لاجنبي كان ذلك لرب المال لان الربح لا يستحق الا بعمل أو مال و ليس للمشروط له عمل و لا مال في هذا العقد فيلغو ما شرط له و يجعل ذلك كالمسكوت عنه فيكون لرب المال و لا تفسد المضاربة بين المضارب و رب المال و هذا لان الشرط الفاسد ليس من صلب العقد و انما صلب العقد بيان حصة المضارب من الربح بالشرط و لا فساد في ذلك و عقد المضاربة نظير عقد الشركة لا يفسد بالشرط الفاسد إذا لم يكن متمكنا في صلب العقد بخلاف ما إذا شرط للمضارب مائة درهم فالشرط الفاسد هناك فيما هو من صلب العقد و لكن ما نحن فيه نظير ما لو شرط أن تكون الوضيعة عليهما فان هذا الشرط فاسد و الوضيعة على المال و لا يفسد العقد لانه ليس من صلب العقد و أما عند أبى يوسف و محمد رحمهما الله فثلثا الربح للمضارب لان عندهما الولي يملك كسب عبده و ان كان مستغرقا بالدين فالمشروط لعبد المضارب كالمشروط للمضارب عندهما و لو كان اشترط ثلث الربح لامرأة المضارب أو لابنه أو لمكاتبه كان ذلك الشرط باطلا و لا يفسد به العقد لانه ليس من صلب العقد و المضاربة جائزة و ثلثا الربح لرب المال لانه ليس للمرأة و الا بن في هذا العقد مال و لا عمل فلا يستحق شيأ من الربح و لكن ما شرط له كالمسكوت عنه فيكون لرب المال و كذلك لو كان اشترط الثلث لامرأة رب المال أو ولده أو لاجنبي آخر و لو كان الثلث للمساكين أو للحج أو في الرقاب فهو كذلك لان ما سمي له ثلث الربح ليس من جانبه رأس مال و لا عمل فالشرط له يلغو و اشتراطه للمساكين تصدق بما لم يملكه بعد فكان باطلا و يجعل ذلك كالمسكوت عنه فيكون لرب المال لانه لو فسد جميع المضاربة كان جميع الربح لرب المال فكذلك إذا فسد بعض الشرط كان ذلك لرب المال و هذا لان المضارب انما يملك بالشرط
(29)
أمينا كان أو ضمينا و البينة بينة رب المال لاثباته الزيادة ببينة و إذا كان لرجل عند رجل ألف درهم وديعة فأمره أن يعمل بها مضاربة بالنصف فهو جائز لانه أضاف العقد إلى رأس مال هو عين و هو شرط صحة المضاربة و لا فرق في ذلك بين أن يكون في يد رب المال أو في يد المضارب لانه لا بد من تسليمه إلى المضارب عقيب العقد و لم يذكر ما لو كانت الدراهم مغصوبة في يد ذي اليد فقال اعمل بها مضاربه بالنصف و في اختلاف زفر و يعقوب رحمهما الله قال عند أبى يوسف رحمه الله هذا و الوديعة سواء لانه أضاف العقد إلى رأس مال عين و ذلك منه رضاء بقبض المضارب و إسقاطه لحقه في الضمان فيلحق بالامانة و على قول زفر رحمه الله هذا لا يجوز لان شرط صحة المضاربة أن يكون رأس المال أمانة في يد المضارب و هذا الشرط لا يحصل بنفس العقد لان الغاصب لا يصلح قابضا من نفسه للمغصوب منه حتى ينسخ به حكم الغصب و لهذا لو و كل الغاصب بيع المغصوب لا يبرأ عن الضمان حتى يببيعه و يسلمه فإذا لم يوجد الشرط هنا لا تصح المضاربة و لو كان لرجل على رجل ألف درهم دين فأمره أن يعمل بها مضاربة و يشترى بها ما بدا له من المتاع ثم يبيعه بالنصف بهذا فاسد لان شرط صحة المضاربة كون رأس المال عينا و لم يوجد ذلك عند العقد و لا بعده فالمديون لا يكون قابضا للدين من نفسه لصاحبه و صاحب الدين لا يمكن أن يبرئه عن الضمان مع بقائه بدون القبض فإذا لم تصلح المضاربة فما اشتراه المديون فهو له لا شيء لرب المال منه في قول أبى حنيفة رحمه الله و دينه عليه بحاله و في قول أبى يوسف و محمد رحمهما الله ما اشترى فهو لرب المال و المضارب بري من دينه و له على رب المال أجر مثله فيما عمل و هو بناء على مسألة كتاب البيوع إذا قال لمديونه اشتر بمالي عليك ثوبا هرويا و قد بيناها ثمة ثم عندهما المضاربة فاسدة فلهذا كان الربح كله لرب المال و للمضارب أجر مثله و لو قال رب المال لرجل آخر اقبض مالي على فلان ثم اعمل به مضاربة بالنصف فهو جائز لانه وكيل رب المال في قبض الدين منه فإذا قبضه كان المقبوض بمنزلة الوديعة في يده فتنعقد المضاربة بينهما برأس مال هو عين في يده و ذكر في النوادر أن هذا يكره لانه شرط لنفسه منفعة قبل عقد المضاربة ليس ذلك مما حصل به الربح و هو تقاضي الدين و قبضه فالكراهة لهذا و الله أعلم ( باب اشتراط بعض الربح لغيرهما ) ( قال رحمه الله ) و إذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن ما رزق الله تعالى في
(30)
بفساد الشرط في البعض لا يزداد الشرط في جانب المضارب فلا يزداد حقه و لو دفع اليه ألف درهم مضاربة على أن ثلث الربح للمضارب و ثلثه يقضي به دين المضارب الذي للناس عليه أو مالى الذي لفلان عليه فثلث الربح لرب المال و المضاربة جائزة و ثلثا الربح للمضارب لان المديون انما يقضى الدين بملك نفسه فما شرط لقضاء الدين الذي على المضارب يكون مشروطا للمضارب و لا يجبر على قضأ الدين منه لان الاختيار إلى المديون في تعيين المحل الذي يقضى به الدين من ماله و الذى سبق منه وعد بقضاء الدين من بعض الربح الذي يستحقه و المواعيد لا يتعلق بها اللزوم و لو دفع رجلان إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن للمضارب ثلث ربح جميع المال و ما بقى من الربح فثلثه لاحد صاحبي المال بعينه و الثلثان للآخر فعمل المضارب على هذا و ربح فثلث جميع الربح للمضارب كما شرط و الباقى بين صاحب المال نصفين لاستوائهما في رأس المال و ذلك يوجب التسوية بينهما في استحقاق الربح و الذى شرط لنفسه ثلثي ما بقي يكون شارطا لنفسه شيأ من ربح مال صاحبه من أن يكون له فيه رأس مال أو عمل و هذا الشرط باطل و لكنه ليس في صلب العقد بينهما و بين المضارب فبقي العقد بينهما و بينه صحيحا و لو كان المضارب اشترط ان له ثلث الربح ثلثا ذلك من حصة أحدهما بعينه و الثلث من حصة الاخر على أن ما بقي من الربح فهو بين صاحبي المال نصفان فللمضارب ثلث الربح على ما اشترطا ثلثا ذلك من حصة الذي اشترط ذلك و الثلث من حصة الاخر و ما بقي من الربح فهو بين صاحبي المال على اثني عشر سهما خمسة للذي شرط للمضارب من حصته ثلثي ثلث الربح و سبعة للاخر لانك تحتاج إلى حساب له نصف و ثلث ينقسم ثلثه أثلاثا و أقل ذلك ثمانية عشر فقد شرط للمضارب ثلث ذلك ستة أسهم ثلثا ذلك و هو أربعة من نصيب الذي شرط له ثلثي الثلث و ثلثه و هو سهمان من نصيب الاخر و ذلك جائز لان نصيب كل واحد منهما بمنزلة مال على حدة دفعه اليه مضاربة و المضارب قد يستقصى فيما يشترطه لنفسه بعمله فيما لزيد و يسامح فيما يشترطه لنفسه من مال عمرو فإذا صح هذا الشرط قلنا ربح كل واحد منهما سبعة أسهم فالذي شرط للمضارب أربعة من نصيبه يبقى له خمسة و الذى شرط للمضارب سهمين من نصيبه يبقى له سبعة فكان الباقى مقسوما بينهما على مقدار ما بقي من حق كل واحد منهما فيكون على اثنى عشر سهما و اشتراط المناصفة بينهما باطل لان من بقي له خمسة اشترط لنفسه سهما من ربح مال صاحبه من
(31)
أن يكون له فيه رأس مال أو عمل و ذلك باطل و لو دفع اليه ألف درهم مضاربة على أن ثلث الربح للمضارب و ثلثه لرب المال و ثلثه لمن شاء المضارب فالثلثان من الربح لرب المال و الشرط باطل لانه ليس في شرط المشيئة منفعة للمضارب فلا يجعل ذلك القدر كالمشروط فيكون لرب المال بخلاف المشروط في قضأ الدين فعلى المضارب لان فيه منفعة ظاهرة له و هي براءة ذمته فيجعل ذلك كالمشروط للمضارب و لو قالا ثلث الربح لمن شاء رب المال فهو و المسكوت عنه سواء فيكون لرب المال و إذا دفع رجل إلى رجلين ألف در هم مضاربة على ان ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فلاحدهما بعينه نصف الربح و للآخر سدس الربح و لرب المال ثلث الربح فهو جائز على ما اشترطا لان رب المال شرط على كل واحد من المضار بين جزأ معلوما من الربح و فاوت بينهما في الشرط لتفاوتهما في الهداية في التجارة المربحة و ذلك صحيح و لو دفع رجلان إلى رجلين ألف درهم مضاربة على أن لاحد المضار بين بعينه من الربح الثلث و للآخر السدس و ما بقي من صاحبي المال لاحدهما ثلثه و للآخر ثلثاه فعملا و ربحا فنصف الربح للمضاربين على ما اشترطا ثلثاه لاحدهما و للآخر ثلثه لان الاستحقاق لهما بالشرط و هكذا شرط لهما و النصف الآخر بين صاحبي المال نصفين لان استحقاقهما باعتبار رأس المال و قد تفاوتا في ذلك فاشتراط الفضل لاحدهما فيما بقي من أن يكون له في نصيب صاحبه مال أو عمل يكون شرطا فاسدا و لو قال للمضاربين نصف الربح بينكما لفلان منه الثلثان من نصيب أحد صاحبي المال ثلثاه و من نصيب الآخر الثلث و لفلان الآخر منه الثلث ثلثا ذلك من نصيب صاحبي المال و هو الذي أعطى له نصيبه و ثلث ذلك من نصيب الآخر و النصف الآخر بين صاحبي المال نصفين فعملا فربحا فنصف الربح بين المضار بين على ما اشترطا و النصف الآخر بين صاحبي المال على تسعة أسهم للذي شرط للمضارب ثلثي النصف من نصيبه من ذلك أربعة أسهم و للآخر خمسة و تخرج المسألة على نحو تخريج المسألة الاولى بأن يجعل الربح على ثمانية عشر نصيب كل واحد منهما تسعة و المشروط لاحد المضار بين ثلثا الربح و هو ستة من تسعة ثلثا ذلك و هو أربعة من نصيب أحدهما و ثلثه و هو سهمان من نصيب الآخر و الذى شرط له ثلث النصف ثلثه ثلث ذلك و هو سهم ممن أعطى الآخر أربعة و ثلثاه و هو سهمان ممن أعطى الآخر سهمين فالذي شرط ثلثي الربح لاحدهما استحق عليه أحد المضار بين من نصيبه أربعة و الآخر سهما واحدا فإذا دفعت ذلك من تسعة
(32)
بقي له أربعة أسهم و الآخر استحق عليه كل واحد من المضار بين سهمين بقي له خمسة أسهم فيقسم الباقى بينهما على مقدار ما بقي من حق كل واحد منهما فيكون على تسعة لاحدهما خمسة و للآخر أربعة و اشتراطهما المناصفة فيما بقي باطل لما قلنا و إذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن يخلطها المضارب بألف من قبله ثم يعمل بهما جميعا على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فللمضارب ثلثاه و للدافع ثلثه فهو جائز على ما اشترطا لان العامل شرط لنفسه ربح مال نفسه و ثلث ربح مال صاحبه فكأنه أخذ منه الالف مضاربة بثلث الربح و ذلك جائز و لو كان الدافع اشترط لنفسه ثلثي الربح و للعامل ثلثه فالربح بينهما نصفان على قدر مالهما لان الدافع شرط لنفسه جميع ربح ماله فيكون دافعا المال من وجه البضاعة و شرط أيضا لنفسه جزأ من ربح مال العامل و هذا منه طمع في مطمع لانه ليس له في مال العامل رأس مال و لا عمل فيبطل هذا الشرط و يكون الربح بينهما على قدر رأس مالهما نصفين و لو دفع اليه ألف درهم مضاربة على أن يخلطها بألف من قبله و يعمل بهما جميعا على أن للمضارب ثلثي الربح نصف ذلك من ربح ألف صاحبه و نصفه من ربح ألفه خاصة و على أن ما بقي من الربح للدافع فهو جائز للمضارب ثلثا الربح على ما اشترطا و الثلث لرب المال لما بينا انه شرط الدافع للمضارب جزأ من ربح ماله بعمله فيه و ذلك مستقيم ثم يقول في بيان العلة لان سدس الربح صار للدافع من ربح مال المضارب و صار له سدس مثله من ربح ألفه الذي صار للمضارب قال الشيخ الامام الاجل رضى الله عنه و كان شيخنا الامام رحمه الله يقول هذا التعليل لا يصح فمبادلة ربح لم يوجد بربح لم يوجد كيف يكون صحيحا و انما معنى هذا التعليل أنه ليس في هذا التفصيل فائدة لاحدهما لان بعد خلط المالين لافرق في حق كل واحد منهما بين سدس الربح الذي يكون من ألفه و بين مثله من ألف صاحبه و الشرط انما يراعى إذا كان مفيدا لهما أو لاحدهما فما لم يكن مفيدا يكون لغوا و يبقى اشتراط ثلثي الربح للمضارب مطلقا فيكون صحيحا على ما اشترطا و لو دفع اليه ألفى درهم على أن يخلطهما بألف من قبله على أن الربح بينهما نصفان فهذا جائز لان العامل شرط لنفسه ربح ألفه و ربع ربح مال الدافع و دفع المال مضاربة بربع الربح صحيح فان كان الدافع شرط لنفسه ثلاثة أرباع الربح و للعامل ربعه فالربح بينهما أثلاثا على قدر مالهما لان الدافع شرط الزيادة على الثلثين لنفسه و طمع في جزء من ربح مال العامل و ليس له فيه رأس مال و لا عمل فكان هذا الشرط باطلا و الله أعلم
(33)
( باب المضاربة بالعروض ) ( قال رحمه الله ) ذكر عن إبراهيم و الحسن رحمهما الله قالا لا تكون المضاربة بالعروض انما تكون بالدراهم و الدنانير و به نأخذ و قال مالك رحمه الله المضاربة بالعروض صحيحة لان العرض مال متقوم يستريح عليه بالتجارة عادة فيكون كالنقد فيما هو المقصود بالمضاربة و كما يجوز بقاء المضاربة بالعرض يجوز ابتداؤها بالعروض و لكنا نستدل بنهي النبي صلى الله عليه و سلم عن ربح مال يضمن و المضاربة بالعروض تؤدى إلى ذلك لانها أمانة في يد المضارب و ربما ترتفع قيمتها بعد العقد فإذا باعها حصل الربح و استحق المضارب نصيبه من أن يدخل شيء في ضمانه بخلاف النقد فانه يشتري بها و انما يقع الشراء بثمن مضمون في ذمته فما يحصل له يكون ربح ما قد ضمن توضيحه ان الربح هنا لما كان يحصل بمجرد البيع يصير في المعنى كانه استاجره لبيع هذه العروض بأجرة مجهولة و فى النقد الربح لا يحصل الا بالشراء و البيع جميعا فتكون شركة و لان تقدير المضاربة بالعروض كانه قال بع عرضي هذا على أن يكون بعض ثمنه لك و لو قال على ان جميع ثمنه لك لم يجز فكذلك البعض و إذا كان رأس المال نقدا يصير كانه قال اشتر بهذه الالف و بع على أن يكون بعض ثمنه لك و لو قال على أن جميع ثمنه لك صح فكذلك البعض توضيحه ان الربح في المضاربة لا يظهر الا بعد تحصيل رأس المال و رأس المال إذا كان عرضا فطريق تحصيله و طريق معرفة قيمته الحزر و الظن فلا يتيقن بالربح في شيء ليقسم بينهما بخلاف النقود فان كان رأس المال مكيلا أو موزونا من النقود فالمضاربة فاسدة أيضا عندنا و قال ابن أبى ليلي رحمه الله هى جائزة لانها من ذوات الامثال فيمكن تحصيل رأس المال بمثل المقبوض ثم قسمة الربح بينهما و لان المكيل و الموزون يجوز الشراء بهما و يثبت دينا في الذمة ثمنا فيكون ذلك بمنزلة النقود في أن المضارب انما يستحق الربح بالضمان و حجتنا في ذلك أن المكيل و الموزون يتعين في العقد كالعروض و أول التصرف بهما يكون بيعا و قد يحصل بهذا البيع ربح بان يبعيه ثم يرخص سعره بعد ذلك فيظهر ربحه بدون الشراء فيكون هذا استئجار للبيع بأجرة مجهولة و ذلك باطل كما في العروض فان اشترى و باع فربح أو وضع فالربح لرب المال و الوضيعة عليه و لا ضمان على المضارب و له أجر مثله فيما عمل كما هو الحكم في المضاربة الفاسدة و قد بينا حكم المضاربة بالفلوس و النبهرجة والستوقة الزيوف و التبر زاد هنا فقال ( ألا ترى ) أن رجلا
(34)
لو اشترى عبدا بذهب تبر بعينه أو بفضة تبر بعينها فهلك التبر قبل التسليم بطل البيع فقد أشار في كتاب الصرف إلى أن التبر لا يتعين في الشراء و لا ينتقض العقد بهلاكه و قد بينا هناك وجه الراويتين أن هذا يختلف باختلاف البلدان في رواج التبر نقدا أو عرضا و إذا دفع إلى رجل فلوسا مضاربة بالنصف فلم يشتر شيأ حتى كسدت تلك الفلوس و أحدثت فلوس غيرها فسدت المضاربة لان على قول من يجيز المضاربة بالفلوس انما يجيز باعتبار صفة الثمنية و هي ثمن ما دامت رائجة فإذا كسدت فهي قطاع صفر كسائر الموزونات و لو اقترن كسادها بعقد المضاربة لم تصح المضاربة فكذلك إذا كسدت بعد العقد قبل حصول المقصود به و قد بينا في كتاب الشركة أن الطاري بعد العقد قبل حصول المقصود به كالمقارن للعقد فهذا مثله فان اشترى بها المضارب بعد ذلك فربح أو وضع فهو لرب المال و للمضارب أجر مثل عمله فيما عمل هو الحكم في المضاربة الفاسدة و لا فرق فيه بين الفساد الطاري و الفساد المقارن ( ألا ترى ) انه لو اشترى بهذه الفلوس الكاسدة شيأ فضاعت قبل أن ينقدها انتقض البيع فعرفنا أنها بالكساد صارت كالعروض و لو لم تكسد حتى اشترى بها المضارب ثوبا و دفعها و قبض الثوب ثم كسدت فالمضاربة جائزة على حالها لان بالشراء حكم المضاربة تحول إلى الثوب و صار مال المضاربة الثوب دون الفلوس فلا يتغير الحكم بكساد الفلوس بعد ذلك و لكن المقصود قد حصل بالشراء و ما يعرض بعد حصول المقصود لا يجعل كالمقترن بالسبب فإذا باع الثوب بدراهم أو عرض فهو على المضاربة فان ربح ربحا و أرادوا القسمة أخذ رب المال قيمة فلوسه يوم كسدت لانه لابد من رد رأس المال اليه ليظهر الربح و رأس المال كان فلوسا رائجة و هي للحال كاسدة فقد تعذر رد مثل رأس المال و هذا التعذر انما يتحقق يوم الكساد فيعتبر قيمتها في ذلك الوقت و فرق بين هذا و ببن ما إذا غصب شيأ من ذوات الامثال فانقطع المثل من أيدي الناس ان عند أبى حنيفة رحمه الله تعتبر قيمته يوم الخصومة لان المثل هناك باق في الذمة و القدرة على تسليمه متعذرة أو انه حاصل و انما يتحول الحق إلى القيمة عند الخصومة فتعتبر قيمته يومئذ وهنا الوقت في تحصيل المثل منتظر لان ما كسد من الفلوس قد لا يروج بعد ذلك قط و لا يدرى متى يروج فانما يتحول الحق إلى القيمة عند تحقق فوات مثل تلك الفلوس و ذلك وقت الكساد فتعتبر قيمته عند ذلك ثم الباقى بينهما ربح على الشرط و إذا دفع إلى رجل شبكة ليصيد بها السمك على ان ما صادتها