من شيء فهو بينهما فصاد بها سمكا كثيرا فجميع ذلك للذي صاد لقوله صلى الله عليه و سلم الصيد لمن أخذ و لان الآخذ هو المكتسب دون الآلة فيكون الكسب له و قد استعمل فيه آلة الغير بشرط العوض لصاحب الآلة و هو مجهول فيكون له أجر مثله على الصياد و كذلك لو دفع اليه دابة يستقي عليها الماء و يبيع عليها أو لينقل عليها الطين ليبيعه أو ما أشبه ذلك بخلاف ما إذا أمره أن يؤاجر الدابة فالغلة هناك لصاحب الدابة و للعامل أجر مثله و قد تقدم بيان هذا في الاجارة انه إذا آجر الدابة فالأَجر بمقابلة منافعها و العامل وكيل لصاحبها و إذا استعملها العامل في نقل شيء عليها و بيع ذلك فهو لنفسه و لو دفع إلى حائك غزلا على أن يحوكه سبعة في أربعة ثوبا وسطا على أن الثوب بينهما نصفان فهذا فاسد و هو في معنى قفيز الطحان و قد بينا ما فيه من اختيار بعض المتأخرين رحمهم الله باعتبار العرف في ذلك في بعض البلدان في كتاب الاجارة و الثوب لصاحب الغزل و للحائك أجر مثله و إذا دفع إلى رجل أرضا بيضاء على أن يبني فيها كذا كذا بيتا و سمى طولها و عرضها و كذا كذا حجرة على أن ما بني من ذلك فهو بينهما نصفان و على أن أصل الدار بينهما نصفان فبنى فيها كما شرط فهو فاسد لانه أمر بان يجعل أرضه مساكن بآلات نفسه فيكون مشتريا بالآلات و هي مجهولة و قد جعل العوض نصف ما يعمل لنفسه من المساكن و ذلك فاسد و قد قررنا في الاجارات أن هذا المعنى في الارض يدفعها اليه ليغرسها أشجارا على أن تكون الارض و الشجر بينهما نصفين فهو في البناء كذلك ثم جميع ذلك لرب الارض و عليه للثاني قيمة ما بني لانه يصير قابضا له بحكم العقد الفاسد فان بناء الغير له بامره كبنائه بنفسه فعليه ضمان القيمة لما تعذر رد العين باعتبار انه صار وصفا من أوصاف ملكه و للعامل أجر مثله فيما عمل لانه أقام العمل له و قد ابتغي من عمله عوضا فإذا لم ينل ذلك استوجب أجر المثل و لو دفع اليه أرضا على أن يبنى فيها دسكرة و يؤاجرها على ان ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو بينهما نصفان فبناها كما أمره فاجرها فأصاب ما لا فجميع ما أصاب من ذلك فهو للباني و البناء له لان صاحب الارض هنا شرط البناء لنفسه فيكون الثاني عاملا لنفسه في البناء و إذا كان البناء ملكا له فعليه البناء أيضا و انما يستأجر البيوت للسكنى و ذلك باعتبار البناء و لهذا لو انهدم جميع البناء لم يكن على المؤاجر للمستأجر أجر بعد ذلك فلهذا كان الاجر كله لصاحب البناء و لرب الارض أجر مثل أرضه على البانى لانه أجر الارض بنصف ما يحصل من غلة البناء و هي مجهولة و قد استوفى منفعة الارض
(36)
بهذا العقد الفاسد فيلزمه أجر مثلها و ينقل الثاني بناءه عن أرض رب الارض لان الارض باقيه على ملك صاحبها فعلى الثاني أن يفرغها و يردها على صاحبها لفساد عقد الاجارة بينهما في الارض و لو كان اشترط مع ذلك أن الارض و البناء بينهما نصفان كان ذلك كله مع ما أجرها به لرب الارض لانه صار مشتريا لما بني به هنا بنصف الارض أو أمره بان يجعل أرضه دسكرة بآلات نفسه على أن له بعض ما يحصل بعمله و ذلك فاسد و لكنه صار قابضا مستهلكا بشراء فاسد فعليه قيمته يوم بني البانى و أجر مثله فيما عمل و أجر مثله فيما أجر من الدسكرة لانه في كل ذلك عامل لصاحب الارض بأجرة مجهولة بخلاف الاول فهناك صاحب الارض ما شرط لنفسه شيئا من البناء فيكون الثاني عاملا لنفسه وهنا اضاف البناء إلى نفسه حين شرط لنفسه نصف البناء و جعل النصف الآخر اجرة للباني فلهذا كان البناء كله لصاحب الارض هنا و إذا دفع إلى رجل بيتا على أن يبيع فيه البر على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو بينهما نصفان فقبض البيت فباع فيه و أصاب ما لا فالمال كله لصاحب البر لانه ثمن ملكه و هو في البيع كان عاملا لنفسه و لرب البيت أجر مثل بيته لانه اجر البيت بأجرة مجهولة و لو كان رب البيت دفع اليه البيت ليؤجره ليباع فيه البر على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو بينهما نصفان فهذا فاسد فان أجر البيت فالأَجر لرب البيت لان الاجر عوض منفعة البيت هنا و العامل كالوكيل لصاحب البيت في اجارته و لكنه ابتغي عن عمله له عوضا لم يسلم له فيستوجب اجر مثله فيما عمل و إذا قال خذ هذا العبد مضاربة و قيمته ألف درهم على أن رأس مالي قيمته على أن يبيعه و يشتري بثمنه و يبيع فما رزق الله تعالى في ذلك من شيء أخذت منه رأس ما لي قيمة الغلام و ما بقي فهو بينهما نصفان فهذه مضاربة فاسدة لان رأس المال فيها العبد و هو متعين كسائر العروض و لا يمكن أن يجعل قيمة رأس المال لان القيمة تختلف باختلاف المقومين و لا يمكن تحصيلها يقينا ليظهر الربح بعدها و إذا فسد العقد فجميع ذلك ما باع و اشترى لرب العبد و للمضارب اجر مثله و لو قال بع عبدي هذا و اقبض ثمنه و اعمل فيه مضاربة على أن ما رزق الله تعالى في ثمنه من شيء فهو بيننا نصفان فهو جائز على ما اشترطا لانه وكله ببيع العبد أولا فكان بيع الوكيل له كبيعه لنفسه ثم عقد المضاربة على الثمن المقبوض من دراهم أو دنانير و هو أمانة في يد الوكيل فقد وجد شرط صحة المضاربة و أكثر ما فيه أنه أضاف عقد المضاربة إلى ما بعد البيع و قبض الثمن و ذلك
(37)
لا يفسد المضاربة أنى أكره أن يقول بعه و خذ الثمن مضاربة على أن الربح بيننا نصفان لان بيع العبد ليس من المضاربة و قد صار كأنه شرط فيها فلهذا كره فان شبهة الشيء كحقيقته في وجوب التحرز عنه قال صلى الله عليه و سلم من اتقى الشبهات سلم له دينه و لو شرط على المضارب في المضاربة منفعة له سوى ما يحصل به الربح كان ذلك الشرط فاسدا فكذلك شرط بيع العبد لما صار في معنى ذلك و لكنه ينبغى أن يأمره بيعه و لا يذكر المضاربة فإذا قبض الثمن أمره ان يعمل به مضاربة و كذلك هنا الحكم في جميع العروض من المكيلات و الموزونات و لو باع المضارب العبد بعشرة اكرار حنطة و عمل بها فهذا في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله مضاربة فاسدة لانه وكيل بالبيع مطلقا و من أصل أبى حنيفة ان الوكيل بالبيع يملك البيع بالمكيل و الموزون فلا يصير هو ضامنا و لكنه يصير كانه دفع اليه الحنطة مضاربة فتكون المضاربة فاسدة و جميع ما ربح لرب المال و للمضارب أجر مثله فيما عمل بالثمن لانه في بيع العبد معين و انما يصير أجيرا باعتبار المضاربة و أوان ذلك بعد قبض الثمن و عند أبى يوسف و محمد رحمهما الله المضارب ضامن لقيمة العبد و جميع ما ربح له لان عندهما الوكيل بالبيع لا يملك البيع الا بانقود فإذا باع بالحنطة كان مخالفا ضامنا لقيمة العبد كالغاصب فإذا ضمن القيمة بعد البيع من جهته و الحنطة التي قبضها له بمقابلة العبد فانما ربح على مال نفسه و لا يتصدق بالفضل لانه ربح ما قد ضمن فان قيل عند أبى حنيفة ينبغى أن يكون الجواب كذلك لانه قال اعمل بثمنه مضاربة فبهذا اللفظ ينبغى أن تنفد الوكالة بالبيع بما يصلح أن يكون رأس المال في المضاربة و هو النقد قلنا لا كذلك فكون المضاربة بالعروض و المكيل فاسدة من الدقائق قد خفى ذلك على بعض العلماء فلعله خفى ذلك على صاحب المال أيضا أو كان ممن يعتقد جواز المضاربة بها فمطلق الوكالة لا يتقيد بمثل هذا الكلام المحتمل و لو باعه بمائة درهم و قيمته ألف درهم و عمل بها فهي مضاربة جائزة في المائة عند أبى حنيفة رحمه الله و عندهما المضارب ضامن قيمة العبد لرب المال بناء على اختلافهم في الوكيل بالبيع مطلقا يبيع بالغبن الفاحش و إذا كان للرجل دراهم و دنانير و اكرار حنطة و دقيق فقال خذ أى أصناف مالى شئت و اعمل به مضاربة بالنصف فأخذ المضارب أحد الاصناف فعمل به فان كان أخذ الدنانير و الدراهم فعمل بهما فهو جائز على الشرط و ان أخذ غيرهما فهو فاسد فإذا اشترى و باع فهو لرب المال و عليه و ضيعته و للمضارب أجر مثله لان تعيين
(38)
الضارب صنفا بامر من رب المال كتعيين رب المال ذلك بنفسه فان كان المعين من النقود انعقد العقد صحيحا و الا فالمضاربة فاسدة و لو قال خذ أى مالى شئت فبعه ثم اعمل بثمنه مضاربة فأخذ عبدا فباعه بدراهم أو دنانير ثم عمل به مضاربة فهو جائز كما لو كان رب المال دفع العبد اليه و أمره بذلك و لو قال اشتر لي عبدا بألف درهم نسيئة سنة ثم بعه و اعمل بثمنه مضاربة فاشترى به كما أمره و قبضه ثم باعه بدراهم أو دنانير ثم عمل بالثمن فهذه مضاربة جائزة لانه في شراء العبد و بيعه وكيل للآمر معين فكان الآمر فعل ذلك بنفسه ثم انما عقد المضاربة بعد قبض الثمن على المقبوض و هو تعد فكانت المضاربة جائزة و رأس المال ثمن العبد الذي باعه به المضارب فأما الثمن الذي اشترى به المضارب فليس من المضاربة بل هو دين له على رب المال كما هو الحكم في الوكالة أن البائع يستوجب الثمن على الوكيل و الوكيل على الموكل و الله أعلم ( باب ما يجوز للمضارب في المضاربة ) قال رحمه الله و إذا دفع إلى رجل ما لا مضاربة و لم يقل اعمل فيه برأيك فله أن يشترى به ما بداله من أصناف التجارة و يبيع لانه نائب عن صاحب المال في التجارة فان قصده بالدفع اليه تحصيل الربح و ذلك بطريق التجارة فكذلك ما هو من صنع التجار يملكه المضارب بمطلق العقد و يبيع بالنقد و النسيئة عندنا و قال ابن ابى ليلي رحمه الله ليس له أن يبيعه بالنسيئة لان ذلك تصرف يوجب قصر يده عن مال المضاربة و التصرف فيه فيكون ضدا لما هو مقصود رب المال بمنزلة الاقراض ( ألا ترى ) أن البيع بالنسيئة من المريض يعتبر من الثلث فعرفنا أنه بمنزلة التبرع و لكنا نقول البيع بالنسيئة من صنع التجار و هو أقرب إلى تحصيل مقصود رب المال و هو الربح فالربح في الغالب انما يحصل بالبيع بالنسيئة دون البيع بالنقد و لان تسليط المضارب على المال ليس بمقصود رب المال انما مقصوده تحصيل الربح بطريق التجارة و ذلك حاصل و الدليل على أن البيع بالنسيئة تجارة مطلقة قوله تعالى إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فهذا يبين أن التجارة قد تكون غائبة و ليس ذلك إلا بالبيع بالنسيئة و له أن يبضعه لان الابضاع من عادة التجار و يحتاج المضارب اليه لتحصيل الربح فالتجارة نوعان حاضرة في بلده و غائبة في بلدة أخرى و لا يتمكن من مباشرتهما بنفسه و لو لم يجز له الابضاع و التوكيل و الايداع لفاته أحد نوعى التجارة لاشتغاله بالنوع الآخر و له أن يستأجر معه الاجراء
(39)
يشترون و يبيعون و يستأجر البيوت و الدواب للامتعة التي يشتريها لان ذلك من صنع التجار فالمضارب لا يستغنى عن ذلك في تحصيل الربح و للمنافع حكم المال عند العقد و الاجارة و الا ستئجار تجارة من حيث انه مبادلة مال بمال و له أن يسافر به و روى أصحاب الاملاء عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهم الله انه ليس له أن يسافر به ما لم يأذن له فيه صاحب المال لان فيه تعريض المال للهلاك وجه ظاهر الرواية ان اشتقاق المضاربة من الضرب في الارض و انما يتحقق ذلك بالمسافرة و لان مقصوده تحصيل الربح و انما يحصل ذلك في العادة بالسفر بالمال فيملكه بمطلق عقد المضاربة و قد بينا في الوديعة ان المودع له أن يسافر بمال الوديعة ففى المضارب أولى و روى عن أبى يوسف رحمه الله انه قال ان دفع المال في مصر و هو من أهل ذلك المصر فليس له أن يسافر به و ان دفع المال اليه في مصر فله أن يسافر به لان العام الغالب أن الانسان يرجع إلى وطنه و لا يستديم الغربة مع إمكان الرجوع فلما أعطاه مع علمه انه غريب في هذا الموضع كان ذلك منه دليل الرضا بالمسافرة بالمال عند رجوعه إلى وطنه و ذلك لايوجد فيما إذا دفع المال اليه و هو مقيم في مصره و لكن هذا التفصيل فيما له حمل و مؤنة بناء على ما روينا عن أبى يوسف رحمه الله في المودع انه لا يسافر بالوديعة إذا كان لها حمل و مؤنة و ليس له أن يقرضه لان الاقراض تبرع قال النبي صلى الله عليه و سلم قرض مرتين صدقة مرة و لانه ليس في الاقراض تحصيل شيء من مقصود رب المال لان المقبوض بحكم القرض مضمون بمثله لا يتصور فيه زيادة شرط و لا غيره و ليس له أن يخلطه بماله لان في الخلط بماله أو بمال غيره إيجاب الشركة في المال المدفوع اليه على وجه لم يرض به رب المال و كذلك لا يدفعه مضاربة لان بالدفع مضاربة سوى غيره بنفسه في حق الغير و هو لا يملك ذلك ( ألا ترى ) أن الوكيل بالبيع مطلقا لا يوكل به غيره و لانه موجب لغيره شركة في الربح و رب المال لم يرض بالشركة لغيره في ربح ماله و لا يشارك به أيضا لان الشركة بمنزلة الدفع مضاربة بل أقوى منه فان قيل أ ليس ان المضارب بأذن لعبد من مال المضاربة في التجارة و يصح ذلك منه و إطلاق التصرف بالاذن في التجارة بمنزلة الدفع مضاربة أو فوقه قلنا قد روى ابن رستم عن محمد رحمهما الله أنه لا يملك الاذن في التجارة بمنزلة الدفع مضاربة و الفرق بينهما على ظاهر الرواية ان المأذون لا يصير شريكا في الربح فيكون الاذن في التجارة نظير الابضاع لا نظير الدفع مضاربة و الشركة به فان كان قال له اعمل فيه برأيك فله أن يعمل
(40)
جميع ذلك الا القرض لانه فوض الامر في هذا المال إلى رأيه على العموم و قد علمنا ان مراده التعميم فيما هو من صنع التجار عادة فيملك به المضاربة و الشركة و الخلط بماله لان ذلك من صنع التجار كما يملك الوكيل توكيل غيره بما و كل به إذا قيل له اعمل فيه برأيك و لا يملك القرض لانه تبرع ليس من صنع التجار عادة فلا يملكه بهذا اللفظ كالهبة و الصدقة و إذا دفعه اليه مضاربة على أن يعمل به في الكوفة ليس له أن يعمل به في غيرها لان كلمة على للشرط و الشرط في العقد متى كان مفيدا يجب اعتباره و هذا شرط مفيد لصاحب المال ليكون ماله محفوظا في المصر يتمكن منه متى شاء فيتقيد الامر بما قيده به و ليتبين له أن يعطيه بضاعة ممن يخرج به لانه انما يستعين في هذا المال في الكوفة فلا يملك أن يتسعين بغيره أيضا و يقاس التوقيت من حيث المكان بالتوقيت من حيث الزمان فان أخرجه من الكوفة فلم يشتر به شيأ حتى رده إليها فهو ضامن على حاله يتصرف فيها لان خلافه لا يتحقق بإخراج المال ما لم يعمل خارجا من الكوفة فانه قيد الامر بالعمل بالمكان و انما يمتنع عليه إخراج المال من الكوفة على قصد التصرف لكيلا يكون مخالفا لما شرط عليه صاحبه فعرفنا ان بالاخراج لا يتحقق خلافه و لو تحقق فهو أمين خالف ثم عاد إلى الوفاق فيكون أمينا كما كان و ان اشترى ببعضه في الكوفة و اشترى بما بقي منه في الكوفة فهو مخالف فيما اشتراه بغير الكوفة ضامن لذلك القدر من المال فله ربحه و عليه و ضيعته لتحقق الخلاف منه في ذلك القدر و فيما بقي من المال فهو متصرف على المضاربة لانه ليس من ضرورة صيرورته مخالفا ضامنا لبعض المال انتفاء حكم المضاربة فيما بقي ما لم يتقرر فيه الخلاف و البعض معتبر بالكل و لو دفعه اليه مضاربة على أن يعمل به في سوق الكوفة فعمل به في الكوفة في ذلك المكان ففى القياس هو مخالف ضامن لانه خالف شرطا نص عليه الدافع و في الاستحسان ينفذ تصرفه على المضاربة و لا يكون ضامنا لان الشرط إذا لم يكن مفيدا لا يكون معتبرا و لا فائدة في تقييد تصرفه بالسوق لان مقصوده سعر الكوفة لا عين السوق ففى أى موضع من الكوفة تصرف كان تصرفه واقعا على ما شرطه الدافع أ رأيت لو أمره أن يعمل بها في الصيارفة فعمل بها في سوق آخر أو أمره أن يعمل في بيت فلان فعمل في ذلك المكان كان ضامنا و لا يكون ضامنا في شيء من ذلك بسبب اتحاد المصر و لو دفعه اليه على أن يعمل به في سوق الكوفة و قال له لا تعمل به الا في السوق فعمل به في السوق فهو مخالف ضامن لانه
(41)
منعه من التصرف بقوله لا تعمل به و استثنى تصرفا مخصوصا و هو ما يكون في السوق فما يكون على الوجه المستثنى ينفذ منه و ما لا فلا بخلاف الاول فهناك ما حجر عليه عن التصرف انما أمره بالتصرف و قيد الامر بشرط مفيد فلا يعتبر تقييده و ينفذ تصرفه باعتبار صحة الامر و لو قال خذه مضاربة تعمل به في الكوفة أو قال فاعمل به في الكوفة فعمل به في الكوفة فهو ضامن لان قوله تعمل به تفسير لقوله خذه مضاربة و الكلام المبهم إذا تعقبه تفسير فالحكم لذلك التفسير و قوله فاعمل به في معنى التفسير أيضا لان الفآء للوصل و التعقيب و الذى يتصل بالكلام المبهم و يتعقبه تفسير و كذلك لو قال خذ مضاربة بالنصف بالكوفة لان الباء للالصاق فذلك يقتضى أن يكون موجب كلامه ملصقا بالكوفة و موجب كلامه العمل بالمال و انما يتحقق الصاقه بالكوفة إذا عمل بها و كذلك لو قال خذه مضاربة بالنصف في الكوفة لان حرف في للظرف و المكان انما يكون ظرفا للعمل إذا كان حاصلا فيه فهذا كله اشتراط العمل في الكوفة و قد بينا ان هذا شرط مفيد و لو قال خذه مضاربة بالنصف و اعمل به في الكوفة فله أن يعمل به حيث شاء لان الواو للعطف و الشئ لا يعطف على نفسه و انما يعطف على غيره و قد تكون الواو للابتداء خصوصا بعد الجملة الكاملة و قوله خذه مضاربة بالنصف جملة تامة و قوله و اعمل عطف أو ابتداء فيكون مشورة أشار به عليه لا شرطا في الاول فان قيل لماذا لم يجعل بمعنى الحال كما في قوله أد إلى الفا و أنت حر قلنا لانه صالح للحال هنا فحال العمل لا يكون وقت الاخذ و انما يكون العمل بعد الاخذ مع أن الواو تستعار للحال مجازا و انما يصار اليه للحاجة إلى تصحيح الكلام و الكلام صحيح هنا باعتبار الحقيقة فلا حاجة إلى حمل حرف الواو على المجاز و لو قال خذه مضاربة على أن تشتري به الطعام أو قال فاشتر به الطعام أو قال تشتري به الطعام أو قال خذه مضاربة بالنصف في الطعام فهذا كله بمعنى الشرط كما في الاول و هو شرط مفيد و قد يكون المرء مهتديا إلى التصرف في الطعام دون غيره فيعتبر التقييد ثم يصرف لفظ الطعام في هذا الموضوع إلى الحنطة و الدقيق خاصة ليس له أن يشتري به غيرهما لانه ذكر لفظ الطعام عند ذكر الشراء و ذلك ينصرف إلى الحنطة و الدقيق خاصة باعتبار عرف الناس فان بائع الطعام في عرف الناس من يبيع الحنطة و دقيقها و سوق الطعام الموضع الذي يباع فيه الحنطة و دقيقها و قد قررنا هذا في الاقرار و الايمان و له أن يستأجر ببعضه شيأ يجوز فيه الطعام أو يبيعه فيه أو سفينة ليحمل