ثم لا يعاقبون من خالف أمرهم الا بالقتل فباعتبار هذه العادة كان الامر من مثله بمنزلة التهديد بالقتل و لو أكرهه بوعيد تلف حتى يفترى على مسلم رجوت أن يكون في سعة منه ( ألا ترى ) أنه لو أكرهه بذلك على الكفر بالله تعالى كان في سعة من اجراء كلمة الكفر على اللسان مع طمأنينة القلب بالايمان فكذلك إذا أكرهه بالافتراء على مسلم لان الافتراء على الله تعالى و الشتم له يكون أعظم من شتم المخلوق الا أنه علقه بالرجاء لان هذا من مظالم العباد و ليس هذا في معنى الافتراء على الله تعالى من كل وجه فان الله تعالى مطلع على ما في ضميره و لا إطلاع للمقذوف على ما في ضميره و لان الله تعالى أن يدخله نقصان بافتراء المفترين و فى الافتراء على هذ المسلم هتك عرضه و ذلك ينقص من جاهه و يلحق الحزن به فلهذا علق الجواب بالرجاء قال ( ألا ترى ) أنه لو أكرهه على شتم محمد صلى الله عليه و سلم بقتل كان في سعة أن شاء الله فهذا أعظم في قذف امرئ مسلم و لو تهدده بقتل حتى يشتم محمدا صلى الله عليه و سلم أو يقذف مسلما فلم يفعل حتى قتل كان ذلك أفضل له لما بينا أن في الامتناع تمسك بما هو العزيمة و لما امتنع حبيب رضى الله عنه حتى قتل سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضل الشهداء و لو تهدده بقتل حتى يشرب الخمر فلم يفعل حتى قتل خفت أن يكون آثما و قد بينا هذا الفصل الا أنه ذكره هنا بلفظ يستدل به على أنه كان من مذهبه أن الاصل في الاشياء الاباحة و ان الحرمة بالنهى عنها شرعا فانه قال لان شرب الخمر و أكل الميتة لم يحرم الا بالنهى عنهما و بين أهل الاصول في هذا كلام ليس هذا موضع بيانه و لو أكرهه بوعيد تلف على أن يأخذ مال فلان فيدفعه اليه رجوت أن يكون في سعة من أخذه و دفعه اليه لانه بمنزلة المضطر و قد بينا أن يباح للمضطر أخذ مال الغير ليدفع به الضرورة عن نفسه و لكنه علق الجواب بالرجاء لان هذا ليس في معنى المضطر من وجه فالعذر هناك و هو الجوع ما كان بصنع مضاف إلى العباد و الخوف هنا باعتبار صنع مضاف إلى العبد و بينهما فرق ( ألا ترى ) أن المقيد إذا صلى قاعدا يلزمه الاعادة إذا أطلق عنه القيد بخلاف المريض قال و الضمان فيه على الآمر لان الالجاء قد تحقق فيصير الاخذ و الدفع كله منسوبا إلى الآمر و المكره بمنزلة الآلة له و انما يسعه هذا ما دام حاضرا عند الآمر فان كان أرسله ليفعل فخاف أن يقتله ان ظفر به و لم يقل أن لم يفعل ما هدد به لم يحل الاقدام على ذلك لان الالجاء انما يتحقق ما دام في يد المكره بحيث يقدر على إيقاع
(78)
ما هدده به عاجلا و قد انعدم ذلك حين بعد عنه و لا يدرى أ يقدر عليه بعد ذلك أو لا يقدر و بهذا الفصل تبين أنه لا عذر لا عوان الظلمة في أخذ الاموال من الناس فان الظالم يبعث عاملا إلى موضع ليأخذ ما لا فيتعلل العامل بأمره و انه يخاف العقوبة من جهته ان لم يفعل و ليس ذلك بعذر له الا أن يكون بمحضر من الآمر فاما بعد ما بعد من الظالم فلا الا أن يكون رسول الآمر معه على أن يرده عليه ان لم يفعل فيكون هذا بمنزلة الذي كان حاضرا عنده لان كونه تحت يد رسوله ككونه يده و يتمكن الرسول من رده اليه ليعاقبه بتحقق الالجاء و لو لم يفعل ذلك حتى قتله كان في سعة ان شاء الله لانه تحرز عما هو من مظالم العباد و ذلك عزيمة ( ألا ترى ) أن للمضطر أن يأخذ طعام صاحبه بقدر ما تندفع عنه الضرورة به و لو لم يأخذه حتى تلف لم يكن مؤاخذا به فهذا مثله و لو كان المكره هدده بالحبس أو القيد لم يسعه الاقدام على ذلك لان الالجاء و الضرورة بهذا التهديد لا يتحقق و لو أكره رجلا على قتل أبيه أو أخيه بوعيد قتل فقتله فقد بينا حكم المسألة أن الفعل يصير منسوبا إلى المكره فيما هو من أحكام القتل فكانه هو المباشر بيده و على هذا الحرف ينبنى ما بعده من المسائل حتى قالوا لو أن لصين أكرها رجلا بوعيد تلف على أن يقطع يد رجل عمدا كان ذلك كقطعهما بأيديهما فعليهما أرش اليد في مالهما في سنتين و لا قود عليهما لان اليدين لا يقطعان بيد واحدة و ان مات فيهما فعلى المكرهين القود لان القطع إذا اتصلت به السراية كان قتل من أصله و لو باشرا قتله لزمهما القود و لو كان الآمر واحدا و المأمور اثنين كان على الآمر القصاص في اليد ان عاش و فى البدن ان مات من ذلك لان الفعل منسوب إلى المكره و هو واحد لو بأشر قطع يده أو قتله يجب القود عليه فكذلك إذا أكرهه على ذلك رجلان و الله أعلم بالصواب ( باب الاكراه على دفع المال و آخذه ) ( قال رحمه الله ) و لو أن لصا أكره رجلا بوعيد تلف حتى أعطى رجلا ماله و أكره الآخر بمثل ذلك حتى قبضه منه و دفعه فهلك المال عنده فالضمان على الذي أكرههما دون القابض لان الدافع و القابض كل واحد منهما ملجأ من جهة المكره فيصير الفعل في الدفع و القبض منسوبا إلى المكره و القابض مكره على قبضه بوعيد تلف فلا يبقى في جانبه فعل موجب للضمان عليه و لانه قبضه ليرده على صاحبه إذا تمكن منه و مثل هذا القبض لا يوجب
(79)
الضمان على القابض و ان كان قبضه بغير أمر صاحبه كمن أخذ آبقا أو وجد لقطة و أشهد انه أخذه ليرده على صاحبه لم يكن عليه ضمان ان هلك عنده و كذلك لو كان أكره القابض على قبضه ليدفعه إلى الذي أكرهه فقبضه وضاع عنده قبل أن يدفعه اليه فلا ضمان على القابض إذا حلف بالله ما أخذ الا ليدفعه اليه طائعا و ما أخذه الا ليرده على صاحبه الا أن يكره على دفعه لان الظاهر يشهد له في ذلك فان فعل المسلم محمول على ما يحل و يحل له الاخذ مكرها على قصد الرد على صاحبه و لا يحل له الاخذ على قصد الدفع إلى المكره طائعا و دينه و عقله يدعوانه إلى ما يحل دون ما لا يحل الا أن في اللقطة لا يقبل قوله على هذا إذا لم يشهد في قول أبى حنيفة و محمد رحمهما الله لانه متمكن من الاشهاد على ذلك وهنا هو متمكن من الاشهاد على ما في ضميره من قصد الرد على المالك لانه ان أظهر ذلك عاقبه المكره فلهذا قبلنا قوله في ذلك مع اليمين و لو كان أكره صاحب المال على أن يهبه لصاحبه و أكره الآخر على أن يقبل الهبة منه و يقبضها بوعيد تلف فقبضها فضاعت عنده فان قال القابض أخذتها على أن تكون في يدى مثل الوديعة حتى أردها على صاحبها فالقول قوله مع يمنيه لان الاكراه شاهد له على انه راغب في تمليكها فيكون الضمان على المكره خاصة و ان قال أخذتها على وجه الهبة لتسلم لي كان لرب المال أن يضمنه ان شاء و ان شاء المكره لان الموهوب له قبض مال الغير على وجه التملك بغير رضا صاحبه و هو طائع في ذلك القبض على هذا القصد فيكون ضامنا للمال و أما المكره فلان الدافع ملجأ من جهته فيجعل كانه قبضه بنفسه و دفعه اليه فان ضمن المكره رجع على الموهوب له لانه قائم مقام من ضمنه لان المكره ما قصد مباشرة الهبة من جهته فلا يمكن تنفيذ الهبة من جهته بملكه إياه و فى الاصل أشار إلى حرف آخر فقال لانه انما ضمن المال بقبض الموهوب له و قد كانت الهبة قبل القبض فلا يجعل الذي أكرههما بمنزلة الواهب و ما قلناه أوضح لانا إذا جعلنا القابض مكرها و كان المكره ضامنا باعتبار نسبة القبض اليه لا يبقى في جانب القابض سبب موجب للضمان عليه و الدليل عليه انه قال فان ضمن الموهوب له لم يكن على الذي أكرهه شيء لانه أخذه على انه له و لو كان القبض منسوبا إلى المكره كان للقابض أن يرجع على المكره بما يلحقه من الضمان بسببه فان كان الموهوب له بحيث يتمكن من الاشهاد عند الهبة أن يقبضه للرد فلم يفعل كان ضامنا بترك الاشهاد لان القبض بحكم الهبة عمل منه لنفسه فلا يقبل قوله بخلاف ما صرح به الا عند
(80)
الضرورة و هو ما إذا لم يكن متمكنا من الاشهاد لانا رأينا ان في موضع الضرورة يجعل القول قوله فيما في ضميره كالمكره على الكفر إذا قال بعد ما تكلم بالكفر كنت مطمئن القلب بالايمان قبل قوله و لم تبن منه إمرأته فاما عند تمكنه من الاشهاد بلا ضرورة فلا يقبل قوله بمنزلة من وجد عبد آبقا لرجل في يد غيره فلم يقدر على استرداده منه الا بشراء أو هبة فطلب ذلك منه حتى وهب له أو اشتراه كان ضامنا له الا أن يشهد عند ذلك انه يأخذه ليرده على مولاه فإذا أشهد لم يضمن و كذلك ان لم يكن متمكنا من الاشهاد يقبل قوله في ذلك و لو أكرهه على بيع عبده و أكره المشترى على شرائه و أكرههما على التقابض فهلك الثمن و العبد ثم اختصموا فضمان العبد للبائع و ضمان الثمن للمشتري على الذي أكرههما لان كل واحد منهما ملجأ على دفع ماله إلى الآخر من جهته فان أراد أحدهما ان يضمن صاحبه سئل كل واحد منهما عما قبضه على وجه قبضه فان قال قبضته على البيع الذي أكرهنا عليه ليكون لي و قالا ذلك جميعا فالبيع جائز و لا ضمان على المكره فيه لان قبض كل واحد منهما على هذا القصد دليل الرضا منه بالبيع و دليل الرضا كصريح الرضا ( ألا ترى ) أنهما لو أكرها على البيع ثم تقابضا بغير اكراه تم البيع بينهما فكذلك إذا أقر كل واحد منهما انه قبضه على وجه التمليك و ان قال قبضته مكرها لارده على صاحبه و آخذه منه ما أعطيت و حلف كل واحد منهما لصاحبه على ذلك لم يكن لواحد منهما على صاحبه ضمان لان الاكراه دليل ظاهر لكل واحد منهما على ما يخبر به عن ضميره الا أن صاحبه يدعى عليه ما لو أقر به لزمه الضمان فإذا أنكر يحلف على ذلك فان حلف أحدهما و أبى الآخر ان يحلف لم يضمن الذي حلف لان بيمينه قد انتفى عنه بسبب الضمان الا أن يثبته صاحبه بالحجة و يضمن الذي لم يحلف ما قبض لان نكوله كإقراره و ذلك يثبت عليه سببب الضمان عند قضأ القاضي فان كان الذي أبى اليمين هو الذي قبض العبد ضمن البائع قيمة العبد أيهما شاء لان فعله بالدفع صار منسوبا إلى المكره و القابض كان طائعا حين قبضه لنفسه على وجه التملك فان ضمنها المكره رجع بها على المشترى لانه ملك بالضمان و ما قصد تنفيذ البيع من جهته و لانه انما ضمنها بالاكراه على القبض و قد كان البيع قبل ذلك فلا يكون بمنزلة البائع و قد بينا أن الوجه الاول أصبح و ان ضمنها المشترى لم يرجع بها على المكره لانه أقر أنه لم يقبضه على وجه الاكراه و انما قبضه على وجه الشراء و لم يرجع على البائع بالثمن أيضا لان البائع قد حلف أنه قبض الثمن للرد
(81)
عليه و قد هلك في يده فلا يضمن له شيأ من ذلك و لا يرجع بالثمن على المكره أيضا لانه أقر انه دفع الثمن طوعا و انه كان راضيا بالبيع و ان كان المشترى حلف و أبى البائع اليمين فلا ضمان في العبد على من أخذه و أما الثمن فان شاء المشترى ضمنه المكره و ان شاء ضمنه البائع لان البائع بنكوله أقر أنه قبض الثمن لنفسه طائعا و فعل الدافع منسوب إلى المكره للالجاء فان ضمن البائع لم يرجع به على المكره لانه ضمن بفعل كان عاملا فيه لنفسه طائعا و ان ضمنه المكره رجع به على البائع لانه قام مقام من ضمنه و لانه ملكه بالضمان و القابض كان طائعا في قبضه لنفسه فيضمن له ذلك و لو أكرههما على البيع و الشراء و لم يذكر لهما قبض فلما تبايعا لم يتقابضا حتى فارقا الذي أكرههما ثم تقابضا على ذلك البيع فهذا رضا منهما بالبيع و اجازة له لان البيع مع الاكراه كان منعقدا و لم يكن نافذا جائزا لانعدام الرضا منهما فإذا وجد دليل الرضا نزل ذلك منزلة التصريح بالرضا بالاجارة طوعا و قد بينا الفرق بين الهبة و بين البيع لان الاكراه على البيع لا يكون اكراها على التسليم و الاكراه على الهبة يكون اكراها على التسليم و لو كان الاكراه في الوجه الاول على البيع و القبض بغير تلف بل بحبس أو قيد و تقابضا على ذلك مكرهين لم يجز البيع لان نفوذ البيع يعتمد تمام الرضا و بالتهديد بالحبس ينعدم تمام الرضا فان ضاع ذلك عندهما فلا ضمان لواحد منهما على المكره لان فعلهما لم يصر منسوبا إلى المكره فان نسبة الفعل اليه بالالجاء و التهديد بالحبس لا يتحقق الالجاء و لكن كل واحد منهما ضامن لما قبض من مال صاحبه لانه قبضه بحكم عقد فاسد و فعل كل واحد منهما في القبض مقصور عليه و قد قبضه بغير رضا صاحبه و لو قبضه بحكم العقد الفاسد برضا صاحبه كان مضمونا عليه فهنا أولى أن يكون مضمونا عليه و لو أكرهه بالحبس على أن يودع ماله هذا الرجل و أكره الآخر بالحبس على قبوله وديعة فقبله وضاع عنده فلا ضمان على المكره و لا على القابض أما على المكره فلانعدام الالجاء من جهته و اما على القابض فلانه ما قبض لنفسه و انما قبضه ليحفظه وديعة و يرده على صاحبه إذا تمكن منه و مثل هذا القبض لا يكون موجبا للضمان عليه و ان انعدام الرضا من صاحبه كما لو هبت الريح بثوب إنسان و ألقته في حجر غيره فأخذه ليرده على صاحبه فهلك لم يكن ضامنا شيأ و لو أكرهه بالحبس على أن يهب ماله لهذا أو يدفعه اليه و أكره الآخر بالحبس على قبوله و قبضه فهلك فالضمان على القابض لانه قبضه على وجه التملك و فعله في القبض مقصور عليه
(82)
فانه ملجأ من جهة المكره فلهذا كان الضمان عليه دون المكره و لو كان أكره القابض بوعيد تلف على ذلك لم يضمن القابض و لا المكره شيأ أما القابض فلانه ملجأ إلى القبض و ذلك بعدم الفعل الموجب للضمان في حقه و أما المكره فلان الدافع لم يكن ملجأ في دفع المال اليه لانه كان مكرها بالحبس فبقي حكم الدفع مقصورا على الدافع قال أبو حازم رحمه الله و هذا غلط لان فعل الدافع ان لم يكن منسوبا إلى المكره ففعل القابض صار منسوبا اليه و انما قبضه بغير رضا المالك فكأن المكره قبضه بنفسه فينبغي أن يكون المكره ضامنا من هذا الوجه و ما قاله في الكتاب أصح لان هذا القبض متمم للهبة و فى مثله لا يصلح المكره آلة للمكره ( ألا ترى ) أن المكره لو قبضه بنفسه لا تتم لهبة به ثم الموجب للضمان على المكره تفويت اليد على المالك و ذلك بالدفع و الاخراج من يد هما لا بالقبض لان الاموال محفوظة بالايدى و فعل الدافع لم يصر منسوبا إلى المكره و لو أكره الواهب بتلف و أكره الموهوب له بحبس كان لصاحب المال أن يضمن ان شاء المكره و ان شاء القابض لان فعل الدافع منسوب إلى المكره لكونه ملجأ من جهته فيكون المكره ضامنا له و فعل القابض مقصور عليه لانه كان مكرها على القبض بالحبس و قد قبضه على وجه التملك فكان للدافع أن يضمن أيهما شاء فان ضمن المكره رجع به على القابض لما قلنا و كذلك في البيع إذا أكره بالبائع بوعيد تلف على البيع و التقابض و أكره المشترى على ذلك بالحبس فتقابضا وضاع المال فلا ضمان على البائع فيما قبض بعد ان يحلف ما قبضه الا ليرده على صاحبه لانه ملجأ قبل القبض فيكون مقبول القول في أنه قبضه للرد مع يمينه و للبائع أن يضمن المكره قيمة عبده لانه كان ملجأ إلى تسليم العبد من جهته ثم يرجع بها المكره على المشترى لما بينا أن البيع لم ينفذ من جهة المكره و قد ملكه بالضمان فان شاء البائع ضمنها المشترى لان فعله في القبض مقصور عليه و قد قبضه على وجه التملك و ان لم يكن راضيا بسببه ثم لا يرجع المشترى على المكره بالقيمة و لا بالثمن أما القيمة فلانه انما ضمنها بقبض كان هو فيه عاملا لنفسه و اما الثمن فلانه كان مكرها على دفع الثمن بالحبس و ذلك لا يوجب نسبة الفعل إلى المكره في حكم الضمان و فى هذا طعن أبى حازم رحمه الله أيضا كما في الهبة و لو كان أكره البائع بالحبس و أكره المشترى بالقتل فلا ضمان للبائع في العبد على المشترى و لا على المكره لان المشترى ملجأ إلى القبض فلا يكون ضامنا شيأ و البائع ما كان ملجأ إلى الدفع من جهة المكره فيقتصر
(83)
حكم الدفع عليه فلهذا لا ضمان على المكره و للمشتري أن يضمن الثمن ان شاء البائع و ان شاء المكره لان كان ملجأ إلى دفع الثمن من جهة المكره و كان البائع ملجأ إلى قبضه فاقتصر حكم فعله بالقبض عليه و للمشتري الخيار فان ضمن المكره رجع به على البائع لانه قام مقام من ضمنه و لانه ملك المضمون بالضمان و لم ينفذ البيع من جهة من تملك الثمن فرجع على البائع بالثمن و الله أعلم بالصواب ( باب من الاكراه على الاقرار ) ( قال رحمه الله ) و إذا أكره الرجل بوعيد تلف أو تلف على أن يقر بعتق أو طلاق أو نكاح و هو يقول لم أفعله فأقر به مكرها فإقراره باطل و العبد عبده كما كان و المرأة زوجته كما كانت لان الاقرار خبر متمثل بين الصدق و الكذب و الاكراه الظاهر دليل على انه كاذب فيما يقر به قاصد إلى دفع الشر عن نفسه و المخبر عنه إذا كان كذبا فبالاخبار لا يصير صدقا ( ألا ترى ) أن فرية المفترين و كفر الكافرين لا يصير حقا باخبارهم به و الدليل عليه انه لو أقر به طائعا و هو يعلم انه كاذب في ذلك فانه يسعه إمساكها فيما بينه و بين الله تعالى الا أن القاضي لا يصدقه على ذلك لانه مأمور باتباع الظاهر و الظاهر ان الانسان لا يكذب فيما يلحق الضرر به فإذا كان مكرها وجب تصديقه في ذلك لوجود الاكراه فلهذا لا يقع به شيء و الاكراه بالحبس و القتل في هذا سواء لان الاقرار تصرف من حيث القول و يعتمد تمام الرضا و بسبب الاكراه بالحبس ينعدم ذلك و كذلك الاقرار بالرجعة أو الفئ في الايلاء أو العفو عن دم العمد فانه لا يصح مع الاكراه لما قلنا و كذلك الاقرار في عبده انه ابنه أو جاريته انها أم ولده لان هذا اخبار عن أمر سابق خفى فالإِكراه دليل على انه كاذب فيما يخبر به فان قيل أ ليس عند أبى حنيفة رحمه الله إذا قال لمن هو أكبر سنا منه هذا ابنى يعتق عليه و هناك يتيقن بكذبه فيما قال فوق ما يتيقن بالكذب عند الاقرار مكرها فإذا نفذ العتق ثمة ينبغى أن ينفذ هنا بطريق الاولى قلنا أبو حنيفة رحمه الله يجعل ذلك الكلام مجازا عن الاقرار بالعتق كانه قال عتق على من حين ملكته و باعتبار هذا المجاز لا يظهر رجحان جانب الكذب في إقراره فاما عند الاكراه فأكثر ما فيه ان يجعل هذا مجازا عن الاقرار بالعتق و لكن الاكراه يمنع صحة الاقرار بالعتق كما يمنع صحة الاقرار