مبسوط جلد 24

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مبسوط - جلد 24

شمس الدین السرخسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


(42)

الصفة يتحقق بالاتفاق فانه صار خائفا على نفسه لما كانت متمكنة من إيقاع ما خوفته به و ان كان ذلك يعارض قوله فشتمها أى نسبها إلى سوء العشرة و الصحبة و إلى الظلم كما يليق بفعلها لا أن يكون ذلك ما ليس بموجود فيها لان ذلك بهتان لا يظن به و عن أبى قلابة قال طلاق المكره جائز و عن عمر رضى الله عنه قال أربع واجبات على من تكلم بهن الطلاق و العتاق و النكاح و النذر يعنى النذر المرسل اذ اليمين بالنذر يمين و به نأخذ فنقول هذا كله جائز لازم ان كان جادا فيه أو هازلا أكره عليه أو لم يكره لانه لا يعتمد تمام الرضا و لا يحتمل الفسخ بعد وقوعه و عن علي رضى الله عنه قال ثلاث لا لعب فيه الطلاق و العتاق و الصدقة يعنى النذر بالصدقة و مراده أن الهزل و الجد في هذه الثلاثة سواء فالهازل لاعب من حيث انه يريد بالكلام ما وضع له الكلام و ذكر نظيره عن أبى الدرداء رضى الله عنه قال ثلاث لا لعب بهن و اللعب فيهن النكاح و الطلاق و العتاق و عن ابن المسيب رضى الله عنه قال ثلاث ليس فيهن لعب الطلاق و النكاح و العتاق و أيد هذا كله حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ثلاث جدهن جد و هزلهن جد الطلاق و الرجعة و النكاح انما أورد هذه الآثار ليستدل بها على صحة هذه التصرفات من المكره فللوقوع حكم الجد من الكلام و الهزل ضد الجد ثم لما لم يمتنع الوقوع مع وجود ما يضاد الجد فلان لا يمتنع الوقوع بسبب الاكراه أولى لان الاكراه لا يضاد الجد فانه أكره على الجد و أجاب إلى ذلك و انما ضد الاكراه الرضا فيثبت بطريق البينة لزوم هذه التصرفات مع الاكراه لانه لما لم يمتنع لزومها بما هو ضد الجد فلان لا يمتنع لزومها مع جد أقدم عليه عن اكراه أولى و عن عمر رضى الله عنه أربع مبهمات مقفلات ليس فيهن رد يدى الطلاق و العتاق و النكاح و النذر و قوله مبهمات أى واقعات على صفة واحدة في اللزوم مكرها كان الموقع أو طائعا يقال فرس بهيم إذا كان على لون واحد و قوله مقفلات أى لازمات لا تحتمل الرد بسبب العذر و قد بين ذلك بقوله ليس فيهن رد يدى و عن الشعبي رضى الله عنه قال إذا أجبر السلطان على الطلاق فهو جائز و ان كان لصا فلا شيء و به أخذ أبو حنيفة رحمه الله قال الاكراه يتحقق من السلطان و لا يتحقق من غيره ثم ظاهر هذا اللفظ يدل على انه كان من مذهب الشعبي أن المكره على الطلاق إذا كان سلطانا يقع و لا يقع طلاق المكره إذا كان المكره لصا و لكنا نقول مراده بيان الوقوع بطريق التشبيه يعنى أن المكره على الطلاق و ان كان سلطانا فالطلاق واقع جائز

(43)

فإذا كان لصا أولى أن يكون واقعا لان اكراه اللص ليس بشيء و عن على و ابن عباس رضى الله عنهم قالا كل طلاق جائز الا طلاق الصبي و المعتوه و انما استدل بقولهما على وقوع طلاق المكره لانهما حكما بلزوم كل طلاق الا طلاق الصبي و المعتوه و المكره ليس بصبي و لا معتوه و لا هو في معناهما لبقاء الاهلية و الخطاب مع الاكراه و عن الزهرى رحمه الله ان فتى أسود كان مع أبى بكر الصديق رضى الله عنه و كان يقرأ القرآن فبعث أبو بكر رضى الله عنه رجلا يسعى على الصدقة و قال له اذهب بهذا الغلام معك يرع غنمك و يعنك فتعطيه من سهمك فذهب بالفتى فرجع و قد قطعت يده فقال ويحك ما لك قال زعموا أنى سرقت فريضة من فرائض الابل فقطعنى قال أبو بكر رضي الله عنه و الله لئن وجدته قطعك بغير حق لاقيدنك منه قال فلبثوا ما لبثوا ثم ان متاعا لامرأة أبى بكر سرق و ذلك الاسود قائم يصلى فرفع يده إلى السماء و قال أللهم أظهر على السارق أللهم أظهر على السارق فوجدوا ذلك المتاع عنده فقال أبو بكر رضى الله عنه ويحك ما أجهلك بالله ثم أمر به فقطع رجله فكان أول من قطعت رجله و قد بينا فوائد هذا الحديث في كتاب السرقة و اختلاف الروايات أنه ذكر هناك أن الفتى كان أقطع اليد و الرجل فقطعت يده اليسرى وهنا ذكر أنه كان أقطع اليد فقطع أبو بكر رضى الله عنه رجله و انما أورد الحديث هنا لحرف و هو قوله و الله لئن وجدته قطعك بغير حق لاقيدنك منه و به نأخذ فنقول إذا بعث الخليفة عاملا فأمر رجلا بقطع يد غيره أو قتله بغير حق فعله أن القصاص على العامل الذي أمر به لان أمر مثله اكراه فان من عادة العمال أنهم يأمرون بشيء ثم يعاقبون من امتنع من ذلك بالقتل و غيره و الفعل يصير منسوبا اليه بمثل هذا الامر قال الله تعالى يذبح أبناءهم و يستحي نساءهم انه كان من المفسدين و اللعين ما كان يباشر حقيقته و لكنه كان مطاعا بامره و الامر من مثله اكراه و الكلام في الاكراه على القتل يأتى في موضعه و عن أبى عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر رضى الله عنه قال أخذ المشركون عمار بن ياسر رضى الله عنه فلم يتركوه حتى سب الله رسول الله صلى الله عليه و سلم و ذكر آلهتم بخير ثم تركوه فلما أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عليه الصلاة و السلام ما وراءك قال شر ما تركوني حتى نلت منك و ذكرت آلهتهم بخير قال عليه الصلاة و السلام فيكف تجد قلبك قال أجده مطمئنا بالايمان قال عليه الصلاة و السلام ان عادوا فعد ففيه دليل انه لا بأس للمسلم أن يجرى كلمة الشرك على اللسان مكرها بعد أن يكون مطمئن

(44)

القلب بالايمان و ان ذلك لا يخرجه من الايمان لانه لم يترك اعتقاده بما أجراه على لسانه ( ألا ترى ) أن النبي صلى الله عليه و سلم سأل عمار بن ياسر رضى الله عنه عن حال قلبه فلما أخبر أنه مطمئن بالايمان لم يعاتبه على ما كان منه و بعض العلماء رحمهم الله يحملون قوله عليه الصلاة و السلام فان عادوا فعد على ظاهره يعنى ان عادوا إلى الاكراه فعد إلى ما كان منك من النيل منى و ذكر آلهتهم بخير و هو غلط فانه لا يظن برسول الله صلى الله عليه و سلم أنه يأمر أحدا بالتكلم بكلمة الشرك و لكن مراده عليه الصلاة و السلام فان عادوا إلى الاكراه فعد إلى طمأنينة القلب بالايمان و هذا لان التكلم و ان كان يرخص له فيه فالامتناع منه أفضل ( ألا ترى ) أن حبيب بن عدى رضى الله لما أمتنع حتى قتل سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضل الشهداء و قال هو رفيقي في الجنة ( و قصته ) أن المشركين أخذوه و باعوه من أهل مكة فجعلوا يعاقبونه على أن يذكر آلهتهم بخير و يسب محمدا صلى الله عليه و سلم و هو يسب آلهتهم و يذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم بخير فأجمعوا على قتله فلما أيقن انهم قاتلوه سألهم أن يدعوه ليصلى ركعتين فأوجز صلاته ثم قال انما أوجزت لكيلا تظنوا انى أخاف القتل ثم سألهم أن يلقوه على وجه ليكون هو ساجدا لله حين يقتلونه فأبوا عليه ذلك فرفع يديه إلى السماء و قال أللهم أنى لا أري هنا الا وجه عدو فاقرئ رسول الله صلى الله عليه و سلم مني السلام أللهم احص هؤلاء عددا و اجعلهم بددا و لا تبق منهم أحدا ثم أنشا يقول و لست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان لله مصرعي فلما قتلوه و صلبوه تحول وجهه إلى القبلة و جاء جبريل عليه الصلاة و السلام إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرئه سلام حبيب رضى الله عنه فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم له و قال هو أفضل الشهداء و هو رفيقي في الجنة فبهذا تبين أن الامتناع أفضل و عن أبى عبيدة أيضا في قوله تعالى ( من كفر بالله من بعد إيمانه ) قال ذلك عمار بن ياسر رضى الله عنه ( و لكن من شرح بالكفر صدرا ) عبيد الله بن أبى سرح فانه كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه و سلم فلما أخذه المشركون و أكرهوه على ما أكرهوا عليه عمار بن ياسر رضى الله عنه أجابهم إلى ذلك معتقدا فأكرموه و كان معهم إلى أن فتح رسول الله صلى الله و سلم مكة فجاء به عثمان إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسأله أن يبايعه و فيه قصة و هو المراد بقوله تعالى و لكن من شرح بالكفر صدرا فعرفنا انه إذا بدل الاعتقاد يحكم بكفره مكرها كان أو طائعا و هذا

(45)

لانه لا ضرورة إلى تبديل الاعتقاد فانه لا إطلاع لاحد من العباد على اعتقاده و هو المراد أيضا من قوله تعالى من كفر بالله من بعد إيمانه فأما قوله تعالى الا من أكره و قلبه مطمئن بالايمان فهو عمار بن ياسر رضى الله عنه و قد ذكرنا قصته و عن جابر الجعفي انه سأل الشعبي رحمه الله عن الرجل يأمر عبده أن يقتل رجلا قال فيها ثلاثة أقاويل قائل يقتل العبد و آخر قال يقتل المولى و العبد و آخر قال يقتل المولى و المراد بيان حكم القصاص عند القتل مكرها انه على من يجب فان أمر المولى عبده بمنزلة الاكراه لانه يخاف على نفسه ان خالف أمره كأمر السلطان في حق رعيته ثم لم يذكر القول الرابع و هو الذي ذهب اليه أبو يوسف انه لا يقتل واحد منهما و كان هذا القول لم يكن في السلف و انما سبق به أبو يوسف رحمه الله و استحسنه و بيان المسألة يأتى في موضعه و فى الحديث دليل ان المفتى لا يقطع الجواب على شيء و لكن يذكر أقاويل العلماء في الحادثة كما فعلها الشعبي رحمه الله و لكن هذا إذا كان المستفتي ممن يمكنه التمييز بين الاقاويل و يرجح بعضها على البعض فان كان بحيث لا يمكنه ذلك فلا يحصل مقصوده ببيان أقاويل العلماء رحمهم الله فلا بد للمفتى من أن يبين له أصح الاقاويل عنده للاخذ به و عن الحسن البصري رحمه الله التقية جائزة للمؤمن إلى يوم القيامة الا انه كان لا يجعل في القتل تقية و به نأخذ و التقية ان يقى نفسه من العقوبة بما ظهره و ان كان يضمر خلافه و قد كان بعض الناس يأبى ذلك و يقول انه من النفاق و الصحيح ان ذلك جائز لقوله تعالى الا أن تتقوا منهم تقاة و إجراء كلمة الشرك على اللسان مكرها مع طمأنينة القلب بالايمان من باب التقية و قد بينا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رخص فيه لعمار بن ياسر رضى الله عنه الا أن هذا النوع من التقية يجوز لغير الانبياء و الرسل عليهم الصلاة و السلام فأما في حق المرسلين صلوات الله عليهم أجميعن فما كان يجوز ذلك فيما يرجع إلى أصل الدعوة إلى الدين الحق و قد جوزه بعض الروافض لعنهم الله و لكن تجويز ذلك محال لانه يؤدى إلى أن لا يقطع القول بما هو شريعة لاحتمال أن يكون قال ذلك أو فعله تقية و القول بهذا محال و قوله الا أنه كان لا يجعل في القتل تقية يعنى إذا أكره على قتل مسلم ليس له أن يقتله لما فيه من طاعة المخلوق في معصية الخالق و إيثار روحه على روح من هو مثله في الحرمة و ذلك لا يجوز و بهذا يتبين عظم حرمة المؤمن لان الشرك بالله أعظم الاشياء وزرا و أشدها تحريما قال الله تعالى تكاد السموات يتفطرن منه إلى قوله عز و جل أن دعوا للرحمن ولدا ثم يباح له اجراء كلمة الكفر في حالة الاكراه

(46)

و لا يباح الاقدام على القتل في حالة الاكراه فيه يتبين عظم حرمة المؤمن عند الله تعالى و هو مراد ابن عباس رضى الله عنه انما التقية باللسان ليس باليد يعنى القتل و التقية باللسان هو اجراء كلمة الكفر مكرها و عن حذيفة رضى الله عنه قال فتنة السوط أشد من فتنة السيف قالوا له و كيف ذلك قال ان الرجل ليضرب بالسوط حتى يركب الخشب يعنى الذي يراد صلبه يضرب بالسوط حتى يصعد السلم و ان كان يعلم ما يراد به إذا صعد و فيه دليل ان الاكراه كما يتحقق بالتهديد بالقتل يتحقق بالتهديد بالضرب الذي يخاف منه التلف و المراد بالفتنة العذاب قال الله تعالى ذوقوا فتنتكم و قال الله تعالى ان الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات أى عذبوهم فمعناه عذاب السوط أشد من عذاب السيف لان الالم في القتل بالسيف يكون في ساعته و توالي الالم في الضرب بالسوط إلى أن يكون آخر الموت و قد كان حذيفة رضى الله عنه ممن يستعمل التقية على ما روى أنه يدارى رجلا فقيل له انك منافق فقال لا و لكني أشترى ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله و قد ابتلى ببعض ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم على ما روى أن المشركين أخذوه و استحلفوه على أن لا ينصر رسول الله في غزوه فلما تخلص منهم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخبره بذلك فقال عليه الصلاة و السلام أوف لهم بعهدهم و نحن نستعين بالله عليهم و ذكر عن مسروق رحمه الله قال بعث معاوية رضى الله عنه بتماثيل من صفر تباع بأرض الهند فمر بها على مسروق رحمه الله قال و الله لو أنى أعلم أنه يقتلنى لغرقتها و لكني أخاف أن يعذبني فيفتننى و الله لا أدري أى الرجلين معاوية رجل قد زين له سوء عمله أو رجل قد يئس من الآخرة فهو يتمتع في الدنيا و قيل هذه تماثيل كانت أصيبت في الغنيمة فأمر معاوية رضى الله عنه ببيعها بأرض الهند ليتخذ بها الاسلحة و الكراع للغزاة فيكون دليلا لابى حنفية رحمه الله في جواز بيع الصنم و الصليب ممن يعبده كما هو طريقة القياس و قد استعظم ذلك مسروق رحمه الله كما هو طريق الاستحسان الذي ذهب اليه أبو يوسف و محمد رحمهما الله في كراهة ذلك و مسروق من علماء التابعين و كان يزاحم الصحابة رضى الله عنهم في الفتوى و قد رجع ابن عباس إلى قوله في مسألة النذر بذبح الولد و لكن مع هذا قول معاوية رضى الله عنه مقدم على قوله و قد كانوا في المجتهدات يلحق بعضهم الوعيد بالبعض كما قال على رضى الله عنه من أراد ان يتقحم جراثيم جهنم فليقل في الحد يعنى بقول زيد رضى الله عنه و انما قلنا هذا لانه لا يظن بمسروق رحمه الله انه قال في

(47)

معاوية رضى الله عنه ما قال عن اعتقاد و قد كان هو من كبار الصحابة رضى الله عنهم و كان كاتب الوحي و كان أمير المؤمنين و قد أخبره رسول الله صلى الله عليه و سلم بالملك بعده فقال له عليه السلام يوما إذا ملكت أمر أمتي فأحسن إليهم الا أن نوبته كانت بعد انتهاء توبة على رضى الله عنه و مضي مدة الخلافة فكان هو مخطئأ في مزاحمة على رضى الله عنه تاركا لما هو واجب عليه من الانقياد له لا يجوز أن يقال فيه أكثر من هذا و يحكى أن أبا بكر محمد بن الفضل رحمه الله كان ينال منه في الابتداء فرأى في منامه كان شعرة تدلت من لسانه إلى موضع قدمه فهو يطؤها و يتألم من ذلك و يقطر الدم من لسانه فسأل المعبر عن ذلك فقال انك تنال من واحد من كبار الصحابة رضى الله عنه فاياك ثم إياك و قد قيل في تأويل الحديث أيضا ان تلك التماثيل كانت صغارا لا تبدو للناظر من بعد و لا بأس باتخاذ مثل ذلك على ما روى انه وجد خاتم دانيال عليه السلام في زمن عمر رضى الله عنه كان عليه نقش رجل بين أسدين يلحسانه و كان على خاتم أبى هريرة ذبابتان فعرفها انه لا بأس باتخاذ ما صغر من ذلك و لكن مسروقا رحمه الله كان يبالغ في الاحتياط فلا يجوز اتخاذ شيء من ذلك و لا بيعه ثم كان تغريق ذلك من الامر بالمعروف عنده و قد ترك ذلك مخافة على نفسه و فيه تبيين أنه لا بأس باستعمال التقية و انه يرخص له في ترك بعض ما هو فرض عند خوف التلف على نفسه و مقصوده من إيراد الحديث ان يبين أن التعذيب بالسوط يتحقق فيه الاكراه كما يتحقق في القتل لانه قال لو علمت انه يقتلنى لغرقتها و لكن أخاف أن يعذبني فيفتننى فتبين بهذا أن فتنة السوط أشد من فتنة السيف و عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال لا جناح على في طاعة الظالم إذا أكرهنى عليها و انما أراد بيان جواز التقية في اجراء كلمة الكفر إذا أكرهه المشرك عليها فالظالم هو الكافر قال الله تعالى و الكافرون هم الظالمون و لم يرد به طاعة الظالم في القتل لان الاثم على المكره في القتل لا يندفع بعذر الاكراه بل إذا قدم على القتل كان آثما اثم القتل على ما بينه و الله أعلم ( باب ما يكره عليه اللصوص المتأولين ) ( قال رحمه الله ) و لو أن لصوصا من المسلمين المتأولين أو من أهل الذمة تجمعوا فغلبوا على مصر من أمصار المسلمين و أمروا عليهم أميرا فأخذوا رجلا فقالوا لنقتلنك

(48)

أو لتشربن هذا الخمر أو لتأكلن هذه الميتة أو لحم هذا الخنزير ففعل شيأ من ذلك كان عندنا في سعة لان حرمة هذه الاشياء ثابتة بالشرع و هي مفسدة بحالة الاختيار فان الله تعالى استثنى حالة الضرورة من التحريم بقوله عز و جل الا ما اضطررتم اليه و الكلام المقيد بالاستثناء يكون عبارة عما وراء المستثنى فظهر أن التحريم مخصوص بحالة الاختيار و قد تحققت الضرورة هنا لخوف التلف على نفسه بسبب الاكراه فالتحقت هذه الاعيان في حالة الضرورة بسائر الاطعمة و الاشربة فكان في سعة من التناول منها و ان لم يفعل ذلك حتى يقتل كان آثما و عن أبى يوسف رحمه الله انه لا يكون آثما و كذلك هذا فيمن أصابته مخمصة فلم يتناول من الميتة حتى مات فعلى ظاهر الرواية يكون آثما و على رواية أبى يوسف لا يكون آثما فالأَصل عند أبى يوسف أن الاثم ينتفى عن المضطر و لا تنكشف الحرمة بالضرورة قال الله تعالى فمن اضطر باغ و لا عاد فلا اثم عليه و قال تعالى فمن اضطر في مخمصة متجانف لاثم فان الله غفور رحيم و هذا لان الحرمة بصفة انها ميتة أو خمر و بالضرورة لا ينعدم ذلك فإذا امتنع كان امتناعه من الحرام فلا يكون آثما فيه وجه ظاهر الرواية ان الحرمة لا تتناول حالة الضرورة لانها مستثناة بقوله الله تعالى الا ما اضطررتم اليه فاما أن يقال يصير الكلام عبارة عما وارء المستثنى و قد كان مباحا قبل التحريم فبقى على ما كان في حالة الضرورة أو يقال الاستثناء من التحريم إباحة و إذا ثبتت الاباحة في حالة الضرورة فامتناعه من التناول حتى تلف كامتناعه من تناول الطعام الحلال حتى تلفت نفسه فيكون آثما في ذلك وصفة الخمرية توجب الحرمة لمعنى الرفق بالمتناول و هو أن يمنعه من استعمال عقله و يصده عن ذكر الله و عن الصلاة و كذلك لحم الخنزير لما في طبخ الخنزير من الانتهاب و للغذاء أثر في الخلق و الرفق هنا في الاباحة عند الضرورة لان إتلاف البعض أهون من إتلاف الكل و فى الامتناع من التناول هلاك الكل فتثبت الاباحة في هذه الحالة لهذا المعنى و كذلك لو أوعد بقطع عضو أو بضرب مائة سوط أو أقل منها مما يخاف على نفسه أو عضو من أعضائه لان حرمة الاعضاء كحرمة النفس ( ألا ترى ) أن المضطر كما لا يباح له قتل الانسان ليأكل من لحمه لا يباح له قطع عضو من أعضائه و الضرب الذي يخاف منه التلف بمنزلة القتل على ما بينا أن فتنة السوط أشد من فتنة السيف و الاعضاء في هذا سواء حتى لو أوعده بقطع أصبع أو أنملة يتحقق به الالجاء فكل ذلك محرم باحترام النفس تبعا لها و لو أوعده بضرب سوط أو سوطين لم يسعه




/ 28