هذا إقليم الظرفاء، ومنبع العلماء. لطيف الماء، عجيب الهواء، ومختار الخلفاء. أخرج أبا حنيفة فقيه الفقهاء، وسفيان سيد القراء. ومنه كان أبو عبيدة والفراء، وأبو عمرو صاحب المقراء. وحمزة والكسائي وكل فقيه ومقريء وأديب، وسري وحكيم وداه وزاهد ونجيب، وظريف ولبيب. به مولد ابراهيم الخليل، وإليه رحل كل صحابي جليل. أليس به البصرة التي قوبلت بالدنيا، وبغداد الممدوحة في الورى، والكوفة الجليلة وسامرا، ونهره من الجنة بلا مرا. وتمور البصرة فلا تنسى، ومفاخره كثيرة لا تحصى. وبحر الصين يمس طرفه الأقصى، والبادية إلى جانبه كما ترى. والفرات بقربه من حيث جرى، غير أنه بيت الفتن والغلا. وهو في كل يوم إلى وراء، و.، الجور والضرائب في جهد بلاء. مع ثمار قليلة، وفواحش كثيرة، ومؤن ثقيلة. وهذا شكله ومثاله والله أعلم وأحكم. وقد جعلناه ست كور وناحية، وكانت الكور في القديم غير هذه إلا حلوان، ولكنا أبداً نجري الأمر على ما عليه الناس، وأدخلنا الكور القديمة والقصبات في الاجناد وأسم هذه الكور والقصبات واحد فأولها من قبل ديار العرب الكوفة ثم البصرة ثم واسط ثم بغداد ثم حلوان ثم سامرا. فأما الكوفة فمن مدنها: حمام ابن عمر، الجامعين، سورا، النيل، القادسية، عين التمر. وأما البصرة فمن مدنها: الأبلة، شق عثمان، زبان، بدران، بيان، نهر الملك دبا، نهر الامير أبو الخصيب، سليمانان، عبادان، المطوعة، والقندل، المفتح، الجعفرية. وأما واسط فمن مدنها: فم الصلح، درمكان، قراقبة، سيادة، باذبين، السكر، الطيب، قرقوب، قرية ا لرمل، نهر تيرى، لهبان، بسامية أودسة. وأما بغداد فمن مدنها: النهروان، بردان، كارة، الدسكرة، طراستان، ها رونية، جلولا، باجسري، با قبة، إسكاف، بوهرز، كلواذى، درزيجان، المداين، كيل، سيب، دير العاقول، النعمانية، جرجرايا، جبل، نهر سابس، عبرتا، بابل، عبدس، قصر هبيرة. وأما حلوان فمن مدنها: خانقين، زبوجان، شلاشان، الجامد، الحر، السيروان، بندنيجان. وأما سامرا فمن مدنها: الكرخ، عكبرا، الدور، الجامعين، بت راذانان، قصر الجص، جوى، أيوا نا، بريقا، سند ية، راقفروبة، دمما، الأنبار، هيت، تكريت، 1 لسن. فإن قال قائل لم جعلت بابل في الجند وإليها كان ينسب الإقليم في القديم، ألا ترى أن الجيهاني ابتدأ بذكر هذه النواحي وسماها إقليم بابل، وكذلك سماها وهب في المبتدأ وغيره من العلماء. قيل له قد تحرزنا من هذا السؤال. ونظائره بأنا أجرينا علمنا على التعارف كاالإيمان، ألا ترى أن رجلاً لو حلف أن لا يأكل رؤوساً فأكل من رؤوس البقر والغنم حنث. وقال أبو يوسف ومحمد لا يحنث، وسمعت الأئمة من مشايخنا يقولون لا نعد هذا خلافاً بينهم لأن في وقت أبي حنيفة كانت تباع وتؤكل ثم زالت تلك العادة في زمانهما. وقد شققنا الاسلام طولاً وعرضاً فما سمعنا الناس يقولون ألا هذا إقليم العراق وأكثر الناس لا يعلمون أين بابل، ألا ترى إلى جواب أبي بكر لعمر لما سأله أن يبعث جيوشه إلى هذه الناحية فقال: لان يفتح الله على يدي شبرا من الأرض المقدسة أحب إلى من رستاق من رساتيق العراق ولم يقل من رساتيق بابل. فإن قال في قول الله تعالى: وما أنزل على الملكين ببابل دليل على ماذكرنا قيل له هذا الاسم قد يجوز أن يتناول الإقليم والمدينة جميعاً، ووقوعه على المدينة مجمع عليه، لأن أحداً لا ينازع أحداً في اسمها، وفي وقوعه على الإقليم اختلاف فمن أوقعه عليه وجب عليه الدليل.الكوفة: قصبة جليلة خفيفة حسنة البناء جليلة الاسواق كثيرة الخيرات جامعة رفقة. مصرها سعد بن أبي وقاص أيام عمر، وكل رمل خالطه حصى فهو كوفة ألا ترى إلى أرضها، وكان البلد في القديم الحيرة وقد خربت. وأول من نزلها من الصحابة علي بن أبي طالب، وتبعه عبد الله بن مسعود وأبو الدرداء ثم تتابعوا كلها. والجامع على ناحية الشرق على أساطين طوال من الحجار الموصلة بهى حسن، والنهر على طرفها من قبل بغداد. ولهم آبار عذيبية حولها نخيل وبساتين، ولهم حياض وقني. محلة الكناسة: من قبل البادية، وهو بلد مختلٌ قد خرب أطرافه وقد كان نظير بغداد. والقادسية: مدينة على سيف البادية، تعمر أيام الحاج ويحمل إليها كل خير، لها بابان وحصن طين، وقد شق لهم نهر من الفرات إلى حوض على باب بغداد، وثم عيون عذيبية وماءٌ آخر يجرونه عند باب البادية أيام الحاج، وهي سوق واحد الجامع فيه. سورا: مدينة بها فواكه كثيرة وأعناب، آهلة وسائر المدن صغار آهلات. عين التمر: حصينة في أهلها شرهٌ.البصرة: قصبة سرية أحدثها المسلمون أيام عمر، كتب إلى صاحبه ابن للمسلمين مدينةً بين فارس وديار العرب وحد العراق على بحر الصين، فاتفقوا على موضع البصرة، ونزلها العرب ألا تراها إلى اليوم خططاً، ثم مصرها عتبة بن غزوان، وهي شبه طيلسان قد شق إليها من دجلة نهران نهر الابلة ونهر معقل، فإذا اجتمعا مدا عليها، وتشعب إليها أنهار إلى ناحية عبادان وناحية المذار، فطولها ممتد على النهر، ودورها في البر إلى البادية، ولها من هذا الوجه باب واحد، وهي من النهر إلى الباب نحو ثلاثة أميال. وبها ثلاثة جوامع أحدها في الاسواق بهيٌ جليل عامر آهل ليس بالعراق مثله على أساطين مبيضة، وجامع آخر على باب البادية وهو كان القديم، وآخر على طرف البلد. وأسواقها ثلاث قطع الكلاء على النهر، وسوق الكبير، وباب الجامع، وكل أسواقها حسنة. والبلد أعجب إلى من بغداد لرفقها وكثرة الصالحين بها. وكنت بمجلس جمع فقهاء بغداد ومشايخها فتذاكروا بغداد والبصرة فتفرقوا على أنه إذا جمعت عمارات بغداد وأندر خرابها لم تكن أكبر من البصرة. وقد خرب طرف البصرة البري. واشتق اسمها من الحجارة السود كان يثقل بها مراكب اليمن فتلقى ثم وقيل لا بل حجارة رخوة تضرب إلى البياض، وقال قطرب من الأرض الغليظة. وحماماتها طيبة والأسماك والتمور بها كثيرة ذات لحم وخضر وأقطان وألبان وعلوم وتجارات، غيرأنها ضيقة الماء، منقلبة الهواء عفنة عجيبة الفتن. الأبلة: على دجلة عند فم نهر البصرة من قبل الشمال، الجامع أعلى القرية، عامرة كبيرة أرفق من البصرة وأرحب. شق عثمان: بازائها من نحو الجنوب، الجامع في آخرها حسن. وسائر المدن على أنهار من جانبي دجلة عن يمين وشمال وجنوب وشمال، كلهن جليلات كبار. غبادان: مدينة في جزيرة بين دجلة العراق ونهر خوزستان على البحر، ليس وراءها بلد ولا قرية ا إلا البحر، فيها رباطات وعباد وصالحون وأكثرهم صناع الحصر من الحلفاء، غير أن الماء بها ضيق والبحر عليها مطبق. واسط: قصبة عظيمة ذات جانبين وجامعين وجسر بينهما، كثيرة الخير ومعدن السمك، جامع الحجاج وقبته في الغربي في طرف الأسواق بعيد عن الشط متشعث عامر بالقرآن، اختطها الحجاج وسميت واسط لأنها بين قصبات العراق وبين الأهواز، رفقة صحيحة الهواء عذبة الماء حسنة الأسواق واسعة السواد، وقد جعل في طرفي الجسر موضعان يدخل فيهما السفن، وفيهم ظرف. وسائر مدنها صغار مختلة أعمرها الطيب وقرقوب، إلا أن ناحيتها جيدة. الصليق: مدينة على بحيرة طولها أربعون فرسخاً، يتصل ضياعها بسواد الكوفة، شديدة الحر كربة بليذة بقٌ مهلك وعيش ضيق، أدامهم السمك وماؤهم حميم وليلهم عذاب وعقلهم سخيف ولسانهم قبيح مع ملح قليل وكرب عظيم، إلا أنها معدن الدقيق وسلطان رفيق وماءٌ غزير وسمك خطير واسم كبير، وفي الحرب كل صبور وبالنهركل بصير، ولهم موضع يشاكل نهر الأبلة حسن. يليها في الكبر الجامدة وهما من دجلة على ناحية وسائر المدن دونهما، وهذه البطائح بحيرات ومياه ثم مزارع، وللعراق منها رفق عظيم.بغداد: مصر الاسلام، وبها مدينة السلام. ولهم الخصائص والظرافة، والقرائح واللطافة، هواءٌ رقيق، وعلم دقيق. كل جيد بها، وكل حسن فيها. وكل حاذق منها، وكل ظرف لها. وكل قلب إليها، وكل حرب عليها، وكل ذب عنها. هي أشهر من أن توصف وأحسن من أن تنعت وأعلى من أن تمدح. أحدثها أبو العباس السفاح ثم بنى المنصور بها مدينة السلام وزاد فيها الخلفاء من بعده. ولما أراد بناء مدينة السلام سأل عن شتائها وصيفها والأمطار والبق والهواء، وأمر رجالاً حتى يناموا فيها فصول السنة حتى عرفوا ذلك ثم استشار أهل الرأي من أهلها فقالوا نرى أن تنزل أربع طساسيج في الجانب الشرقي بوق وكلواذي، وفي الغربي قطربل وبادوريا، فتكون بين نخل وقرب ماءٍ، فإن أجدب طسوج أو أخرت عمارته كان في الآخر فرج، وأنت على الصراة تجيئك الميرة في السفن الفراتية، والقوافل من مصر والشام في البادية، وتجيئك آلات من الصين في البحر، ومن الروم والموصل في دجلة، فأنت بين أنهار لا يصل إليك العدو إلا في سفينة أو على قنطرة على دجلة وفرات. فبناها أربع قطع مدينة السلام وبادوريا والرصاقة وموضع دار الخليفة اليوم. وكانت أحسن شيء للمسلمين وأجل بلدٍ وفوق ما وصفنا حتى ضعف أمر الخلفاء فاختلت، وخف أهلها، فأما المدينة فخراب، والجامع فيها يعمر في الجمع، ثم يتخللها بعد ذلك الخراب. اعمر موضع بها قطيعة الربيع والكرخ في الجانب الغربي، وفي الشرقي باب الطاق وموضع دار الأمير، والعمارات والأسواق بالغربي أكثر، والجسر عند باب الطاق إلى جانبه بيمارستان بناه عضد الدولة، حصل في كل طسوج مما ذكرنا جامع، وهي في كل يوم إلى ورا، وأخشى أنها تعود كسامرا. مع كثرة الفساد والجهل والفسق وجور السلطان. أخبرنا أبو بكر الاسماعيلي بجرجان، قال: حدثنا ابن ناجية، قال: حدثنا ابراهيم الترجماني، قال: حدثنا سيف بن محمد، قال: حدثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي، قال: كنت مع جرير بن عبد اللهفقال: أي شيءٍ يدعى هذا النهر، قالوا: دجلة، قال: فهذا النهر الآخر، قالوا: دجيل. قال: فهذا النهر، قالوا: صراة، قال: النخل، قا لوا: قطربل، قال: فركب فرسه وأسرع ثم قال: سمعت رسمول الله صلى الله عليه وسلم يقول تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة تجبي إليها خزائن الأرض وجبابرتها يخسف بهم فهم أسرع هوياً في الأرض من الوتد الحديد في الأرض الرخوة ه. وأنهار الفرات تقلب في دجلة في جنوبيها وما حاذى المدينة وما شماليها دجلة حسب. وتجرى في هذه الشعب الفراتية السفن إلى الكوفة وفي دجلة إلى الموصل. وذكر الشمشاطي في تاريخه أن المنصور لما أراد بناء مدينة السلام، أحضر أكبر من عرف من أهل الفقه والعدالة والأمانة والمعرفة بالهندسة، وكان فيهم أبو جنيفة النعمان ابن ثابت والحجاج بن أرطاة، وحشر الصناع والفعلة من الشام والموصل والجبل وسائر أعماله وأمر بخطها وحفر الأساسات في سنة 145 وتمت في سنة 49. وجعل عرض السور من أسفل خمسين ذراعاً، وجعلها بثمانية أبواب أربعة داخلة صغار وأربعة خارجة كبار، باب البصرة وباب الشام وباب خراسان وباب الكوفة، وجعل الجامع والقصر وسطها، وقبلة جامع الرصافة أصح منه. ووجدت في بعض خزائن الخلفاء أن المنصور أنفق على مدينة السلام أربعة آلاف ألف ئمانمائة وثلاثة وثلاثين درهماً، لأن أجرة الاستاذ كانت قيراطاً والروزكاري حبتين. النهروان: مدينة ذات جانبين الشرقي أعمر، رحبة عامرة، بينهما الجسر الجامع في الجانب الشرقي، والحاج ينزلون على هذا الشط. الدسكرة: مدينة صغيرة، سوقها واحد طويل الجامع أسفله غامٌ بآزاج. جلولا: حولها أشجار غير حصينة، وهذه المدن وخانقين على جادة حلوان ليس لهن بهاءٌ ولا هن لائقات ببغداد. صرصر: إيضاً كبعض قرى فلسطين، النهر إلى جانبها وكذلك نهر الملك والضراة قرى. وأما قصر هبيرة فمدينة كبيرة جيدة الأسواق، يجيئهم الماء من الفرات، كثيرة الحاكة واليهود والجامع في السوق. بابل: صغيرة نائية عن الطريق، والجادة على جسرها. وسائر مدن هذا الوجه على ما وصفنا مثل النيل وعبدس وكوثا ومدينة ابراهيم كوثاربا. وثم تلال قالوا هي رماد نار نمرود، وبقرب كوثا الطريق شبه منارة لهم فيها كلام. وليس على دجلة من نحو واسط مدينة أجل من دير العاقول كبيرة عامرة آهلة، الجامع ناءٍ عن السوق والأسواق متشعبة جيدة تشاكل مدن فلسطين. تليها في الكبر جبل عامرة. آهلة الجامع في السوق لطيف. ثم النعمانية صغيرة الجامع في السوق. ثم جرجرايا وقد كانت عظيمة، وهي اليوم مختلة متقطعة العمارة الجامع بقرب الساحل عامر، ولهم ماءٌ يدور حول قطعة من المدينة. وهذه المدن التي ذكرنا على غربي دجلة وسائر المدن صغار. وفي وجه سامرا مدينة عكبرا وهي كبيرة عامرة، كثيرة الفواكه جيدة الاعناب سرية. وأما المداين فهي من نحو واسط عامرة بناؤهم من الآجر والجامع في السوق. ومن نحو الشرق أسبانبر ثم قبر سلمان وايوان كسرى. فهذه مدن بغداد، وبخراسان قرى كثيرة أجل من أكثر هذه المدن.سامرا: كانت مصراً عظيماً ومستقر الخلفاء في القديم، اختطها المعمصم وزاد فيها بعده المتوكل، وصارت مرحلة، وكانت عجيبة حسنة حتى سميت سرور من رأى ثم اختصر فقيل سرمري، وبها جامع كبير كان يختار على جامع دمشق قد لبست حيطانه بالميناء وجعلت فيه اساطين الرخام وفرش به وله منارة طويلة وأمور متقنة وكانت بلداً جليلاً والآن قد خربت، يسير الرجل الميلين والثلاثة لا يرى عمارة وهي من الجانب الشرقي وفي الغربي بساتين، وكان قد بنى ثم كعبة وجعل طوافاً واتخذ منى وعرفات، غربه أمراء كانوا معه لما طلبوا الحج خشية أن يفارقوه، فلما خربت وصارت إلى ما ذكرنا سميت ساء من رأي ثم اختصرت فقيل سامرا. الكرخ: مدينة متصلة بها، واعمر منها من نحو الموصل، وسمعت يوماً القاضي أبا الحسين القزويني يقول: ما أخرجت بغداد فقيهاً قط إلا أبا موسى الضرير، قلت: فأبو الحسن الكرخي، قال: لم يكن من كرخ بغداد وإنما كان من كرخ سامرا. الأنبار: مدينة كبيرة أول ما نزل المنصور بها وثم داره وقد خفت. هيت: كبيرة عليها سور على الفرات بقرب البادية. تكريت: كبيرة معدن السمسم وصناع الصوف، وللنصارى بها دير يقصد. علث. مدينة كبيرة يجر إليها نهر من دجلة وآبارها قريبة حلوة آهلة كثيرة الاجلة. السن: كبيرة على دجلة عليها من الشرق نهر الزاب والجامع في الأسواق بناؤهم حجارة والجبال منها قريبة على تخوم أقور. ومدن سامرا أجل من مدن بغداد.حلوان: قصبة صغيرة سهلية جبلية يحيط بها بساتين وأعناب وتين، قريبة من الجبال ولها سوق طويل وحصن عتيق ونهر صغير وقهندز فيه الجامع، ولها ثمانية دروب: درب خراسان درب الباقات درب المصلى درب اليهود درب بغداد درب برقيط درب اليهودية درب ماجكان. وثم كنيسة اليهود يعظمونها خارج البلد من الجص والحجارة، وبيت المقدس أكبر وأجل وأعمر وأظرف وأكثر مشايخ وعلماء منها. ومدائن هذه الكورة صغارخراب لا يسوى ذكرها. وأما دجلة: فإنها ماءٌ أنثى، لطيف جيد للمتفقهة، وكان أبو بكر الجصاص يأمر أن يحمل له لماء من فوق نهر الصراة قبل أن يلقاه الفرات، وهذه دجلة تظهر من أقور، وسنذكر أصلها فيه، ثم يلقاها عدة من الأنهار في هذا الإقليم وينحدر عليها من الفرات بكورة بغداد أربعة أنهار: الصراة نهر عيسى نهر صرصر نهر الملك، ويلقاها من الشرق مياه النهروانات تحت بغداد، فإذا جاوزت واسط تبطحت وصعب سلوكها إلى تخوم البصرة، والسفن فيها أبداً شبالاً وزقافاً ولهم في ذلك رفق. والناس ببغداد يذهبون ويجيئون ويعبرون في السفن وترى لهم جلبة وضوضاءً، وثلثا طيب بغداد فى ذلك الشط.وأما الفرات: فإنه نهر ذكرٌ، فيه صلابة وأصله من بلد الروم، يتقوس على طائفة من هذا الإقليم ثم يصل إلى الكوفة بعد ما تشعب ثم ينحدر إلى غربي واسط فيتبطح في بحيرة عظيمة يحيط بها قرى عامرة ولا يجاوزها، وتجري فيه السفن من الرقة. وأعلم أن العراق ليس ببلد رخاءٍ ولكن جل وعمر بهذين النهرين وما يحمل فيهما وببحر الصين المجاور له، واختصت بغداد برقة الهواء الذي لا يرى مثله، بلى قل في البصرة ما شئت من مياهها وبركها ومدها وجزرها. أخبرنا أبو الحسن مطهر بن محمد برامهرمز، قال: حدثنا أحمد بن عمروبن زكرياء، قال: حدثنا الحسن بن علي بن بحر، قال: حدثنا أبو شعيب القيسي، قال: حدثني أشرس، قال: سألت ابن عباس عن الجزر والمد، قال: ملك موكل بقاموس البحر أذا وضع رجله فاض فإذا رفع رجله غاض الماء، والجزر والمد أعجوبة على أهل البصرة ونعمة يزورهم الماء في كل يوم وليلة مرتين، ويدخل الأنهار ويسقي البساتين ويحمل السفن إلى القرى. فإذا جزر أفاد أيضاً عمل الأرحية لأنها على أفواه الأنهار، فإذا خرج الماء أدارها، ويبلغ المد إلى حدود البطائح وله وقت يدور مع دور الاهلة.