إقليم الجبال
هذا إقليم حشيشه الزعفران، وشراب أهله العسل والألبان، وأشجاره الجوز والأتيان، نزيه بهي خصيب وله شان، به الري الجليلة وهمذان، والكورة النفيسة إصبهان، وسيظهر لك فضله إذا وصفنا البلدان، وذكرنا الدينور الظريفة وكرمان شاهان، ونعتنا نهاوند وقم وقاشان، ووصفنا دماوند وقرج وقصران، لا حربه ولا براغيث ولا ذبان، ولا أفاعي ولاعقارب ولا ديدان، في الصيف جنة وروضة وبستان، وفي الشتاء الحطب والفحم مجان، ونمكسود يحمل إلى خراسان، وأعناب وتفاح إلى الحول يدومان، وعلم كثير وعقل وحذق واتقان. غير أنه شديد البرد ترى خدودهم في الشتاء مشققة، وأطرافهم أبداً مخضرة، ووجوهم مصفرة. وأنوفاً سائلة، إما غوال حنابلة. يفرطون في حب معاوية، أو نجارية غالية، يقطعون بالكفر على الطوائف الهادية. وكم ترى به من خسف وزلزله، وجورسلطان وبلبله، أبداً في انجلاء وغلغله، ومن حلة من معلاه اومسفله، تراه من بردهم والهواء في مشغله، وأفهم ما أقول ثم اعقله. كلما أشرف على العراق من حد الصيمره فهي الجبال المنعوتة المصورة، وفي أصفهان لي مقالة منورة، يعرفها الفقيه أن تدبره، لارفع الخلاف والمناظرة. وهذه صورته.وقد جعلنا هذا الإقليم ثلاث كور وسبع نواح وأدخلنا أصفهان في العدد وألحقناها بطرف الصورة وأفردنا وصفها وزدنا فيه الأشكال التي فيها والمعاني التي نذكرها. فأول الكور من قبل الرحاب الري ثم همذان ثم إصفهان والنواحي: قم، قاشان، الصيمرة، كرج، ماه الكوفة. ماه البصرة، شهرزور.فأماالري فإنها كورة نزيهة كثيرة المياه جليلة القرق حسنة الفواكه واسعة الأرض خطيرة الرساتيق وهي التي أهلكت عمربن سعد الشقي حتى قتل الحسين بن علي ثم أختارها مع النار حيث يقول اخزاه الله:أأترك ملك الري والري رغبة أم آرجع مذموماً بقتل حسينوفي قتله النارالتي ليس دونها حجاب وملك الري قرة عين وفي الأخبار أنها كانت منابت شؤم وإلى ذلك تعود الري ملعونة وهي على بحر عجاج وتربتها لعينة تأبى أن تقبل الحق. وقال هارون الرشيد الدنيا أربعة منازل دمشق والرقة والري وسمرقند. ورسم الري روي بن بيلان بن أصفهان، وفي الخبر أن الري باب من أبواب الأرض وإليها مستجره الخلق. وقال الأصمعي الري عروس الدنيا وسكة الأرض طيبة الهواء واسطة. محراسان وجرجان والعراق ما عرفت لقصبتها اسماً آخر ولها من المدن: آوة، ساوة، قزوين، أبهر، شلنبة، الخوار، ومن النواحي: قم، دماوند، شهرزور. ومن الرساتيق: قوسين، قصران الداخل، قصران الخارج، سر، بهزان، قرج، جنى، سيرا، فيروزرام.وأما همذان فإنها كورة متوسطة في الإقليم جليلة المدن قديمة الرسم. أختطها همذان بن الفلوج بن سام بن نوح عم. وقد قيل الجبال عسكر وهمذان أميره، وهي عذبها ماء واسعة الأقطار غزيرة الأنهار ملتفة الأشجار لذيذة الثمار كثيرة المقاتلة وأعجبني رستاقها غاية الإعجاب. وقرأت في بعض الكتب أن الري وأصفهان ليسا من بلاد البهلويين وإنما هي: همذان، وماسبذان، ومهرجانقذق وهي الصيمرة، وماه البصرة وهي نهاوند، وماه الكوفة وهي الدينور. ولها من المدن: أسذاواذ، آوه، بوستة، رامن، وبه، سيراوند، روذراور، طزر، والنواحي: ماه الكوفة، ماه البصرة، ماسبذان.وأما أصفهان فإن قياسها من مسائل الشريعة ونظيرها على هذه الطريقة سؤر البغل والحمار على مذاهب شيوخنا أهل العراق. قالوا لما أخذا الشبه من أصلين مختلفين وشاكلا حكمين متباينين احتيط في بابهما وأعطى كل أصل حظا منهما، ألا ترى أنهما قد شاكلا السنور في سكناهما البيوت وتعذر التحرز من اسارهما وشابها الكلب في تحريم لحومهما فأعطيا من كل أصل حكماً. فكذلك أصفهان لما شاكلت هذا الإقليم في اللسان والرسوم ودخلت في حدود فارس وتربعت بها التخوم وجب أن نعطيها من كل إقليم حظاً ونجعل لها مزية وحكماً، فحظها من هذا الإقليم الذكر والوصف وسهمها من فارس الخطة والرسم. فإن قيل فهلا جعلتها كالأذنين في قول الشافعي لما وقع الإختلاف هل هما من الرأس أو الوجه جعل لهما حكماً ثالثأ وماء جديداً ومسحاً مفرداً. فكذلك أصفهان لما قيل هي من فارس وقيل هي من الجبال وجب أن تميز عنهما ويفرد رسمها وتجعل حاجزاً بينهما. فالجواب أن هذا القياس فاسد لأنك لم تجمع بينهما بعلة وكل من قاس فرعاً على أصل بلا عفة جامعة فقياسه فاسد. فإن قيل العلة الجامعة بينهما أن كل واحد منهما يتجاذبانه شيء محدود بسبب قوي: فالجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الأذنان من الرأس فرفع عنا الشك والاشكال فكيف نجعله أصلاً لما نحن منه في شك. فان قيل معنى قوله من الرأس أي هي في الرأس، فالجواب حاشى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما لا فائدة فيه لأن كل احد يعلم أنها في الرأس وإنما أراد الحكم الذي يختلف فيه لا الموضع، ألا ترى أن أحداً لا يقول هي في الرقبة أو الكتف، وأيضاً لوصح هذا الأصل لم يصح قياس أصفهان عليه لأن ذلك يخالف الأصول وتصيرأربعة عشر إقليماً وكورة فتبقى الكورة بلا نظير، كما قلنا لايجوز البرتر بركعة لأنه لا نظير لها في الأصول. فان قيل وما نظير الأربعة عشر إقليماً التي ابتدعتها وقسمت مملكة الإسلام عليها، فالجواب نظيرها وضع المنجمين العالم كله أربعة عشر إقليماً سبعة عامرة وسبعة غامرة فلو أنهم ميزوا منها قطعة أو فضلوا عنها ناحية لصح قياس أصفهان عليها. فإن قيل فهلا جعلتها كالأذنين أنهما من الرأس لا محالة فقلت هي من فارس لا محالة، فالجواب التعارف أصل في مذهبنا وهو مقدم على القياس كما قدمنا وقد تعارف الناس أنها من الجبال. فإن قيل فاجعلها من الجبال إذا، فالجواب أن أختطاط الملوك وتسمياتهم ووضعهم عندنا وفي علمنا من الأصول أيضاً ومثلهم. في هذا الفن كالصحابة في علم الشريعة فكما أنه ليس للفقهاء أن يخالفوا الصحابة فيما رأوه كذلك ليس لنا أن نخالف الملوك فيما رسموه وهم قد أدخلوا أصفهان في رسوم فارس وربعوا بها وبالروذان التخوم فصار هذان أيضاً أصلين يتجاذبان أصفهان من هذا الوجه فلم نر وجهاً غير حملنا إياها على القياس المذكور.اليهودية: قصبة اصفهان كبيرة عامرة آهلة كثيرة الخيرات، وبلد التجارات.حلوة الآبار، لذيذة الثمار. جيدة الهواء، خفيفة الماء. عجيبة التربة، حسنة البقعة. بها تجار كبار وصناع حذاق، وبز يحمل إلى الآفاق. أهل جماعة وسنة، وحذق وفطنه. جامعهم عامر بالجماعات على الدوام، ولا بها حر ولا براغيث ولا هوام. ويقال أن بخت نصر لما جلا بنى إسرائيل من الأرض المقدسة جاسوا بقاع الأرض فلم يروا بلداً تشاكله أرضهم غيرها فسكنوها. إلا أنها جنة يرعاها بقرقوم غتم لاسخاوة ولا ظرافة تحت عمائمهم مخاد، وفي معاملتهم فساد. يقددون الرئة، غوال حنابلة، يرى أحدهم بخفية وبزته وفي كمه رغيف يكدمه أو زبيب يقضمه، تكون مثل دمشق بناؤهم طين واي طين، طين مارأيت له من نظير، وبعض أسواقهم مغالاة وبعض مكشوفة، والجامع في الأسواق حسن على أساطين مدورة وله منارة في قبلته طول سبعين ذراعاً كلها من طين لم يتغير منها شيء، ونهرهم يشق البلد غير أنهم لا يشربون منه وقد تبلذ مما يلقي فيه من النجاسات، لها إثنا عشردرباً. المدينة: على نحوميلين من اليهودية عليها حصن وهي متعالية ودونها جسرعظيم وبها جامع وهي أقدم وأحكم. الخولنجان: من نحو خوزستان كبيرة عامرة كثيرة الفواكه. سميرم: عند سفح جبل كثيرة الجوز والفواكه بها جامع حسن محدث ناء عن الأسواق وبها ماء جار في السوق والشوارع ينحدر عليهم من عين في الجبل على طريق اليهودية، وثم قلعة مذكورة فيها عين ماء، ما ومازالت خزائن الملوك في هذه القلعة. الزيز: مدينة صغيرة في الجبال على نهر طاب إشترينا الخبز فيها ثمانية امناء بمنهم بدرهم واللحم والجوز وسائر الفواكه بها رخيص، قد بني بها جامع لطيف سنة 367. أردستان: أكبر من هذه المدائن من نحو المفازة جيدة الأسواق عامرة الجامع بها مشايخ وفقهاء وهي أرض على بياض الدقيق ومنه اشتق اسمها. قاشان: على تخوم المفازة كبيرة الأسم قديمة الرسم حولها مزارع حسنة وبها قني عدة ولهم حذق في عمل القماقم، ورأيت بها طلخونا مثل المرسين ناعماً ما رأيت مثله وهي من معادن الخوخ الجيد وبها عقارب عجيبة. سمعت أن أبا موسى الأشعري لما عجز عن فتحها حمل إليها من عقارب نصيبين في الجرار ثم رماها إلى داخل الحصن فأشغلتهم وآذتهم فسلموا البلد. اصفهان: كورة نفيسة وقد كانت قم وكرح منها إلا أن بعض الخلفاء أضافهما إلى الري وهمذان وما زالت دواوين هذه الكورة مفردة وذكرها مقدم لجلالتها عند الملوك والسلاطين.الري: بلد جليل بهي نبيل كثير المفاخر والفواكه فسيح الأسواق حسن الخانات طيب الحمامات كثير الأدامات قليل المؤذيات غزير المياه مفيد التجارات، علماء سراة وعوام دهاة ونسوان مدبرات، بهي المحلات خفيف ظريف نظيف، لهم جمال وعقل وآئين وفضل، وبه مجالس ومدارس وقرائح وصنائع ومطارح ومكارم وخصائص، لا يخلو المذكر من فقه ولا الرئيس من علم ولا المحتسب من صيت ولا الخطيب من آدب، هو أحد مفاخر الإسلام وأمهات البلدان، به مشايخ واجلة وقراء وأئمة وزهاد وغزاة وهمة، كثير الجليد والثلج ولفقاعهم ذكر ولبزهم اسم ولمذكريهم فن ولرساتيقهم شأن، به دار الكتب الاحدوثة وعرضة البطيخ العجيبة والروذة البهية، وبه قلعة ومدينة، حسن الخانات كامل الآلات نفيس سري. ودخلنا يوماً على آبي العباس اليزدادي وقد أنزله ناصر الدولة موضعاً نزيهاً بنيسابور. فقال: ما علمت أن نيسابور بهذه الطيبة فهل الري مثلها. فتكلم كل أحد بما عنده. فقلت: أيد الله الشيخ، نيسابور أكبر وأهلها أيسر والري أبهى وأنزه وماؤها أغزر. فالري فوق ماوصفنا إلا أن ماؤهم يسهل وبطيخهم يقتل وعالمهم يضل، أكثر ذبائحهم البقر قليل الحطب كثير الشغب، لحوم عاسية وقلوب قاسية وجماعة منكرة وأئمة الجامع مختلفة يوم لنحنفيين ويوم للشفعويين وقال بعض الرجاز:اري فيها درهـم كـدانـق والخبز في أعلى علو الخالقواللحم قد علق بالشواهـقوكم بها من قاطع وسارق أسرق للحبات من عقاعـقوليس بالمأمون من ترافـقيحلف بالطور وبالمشارق إني على حق فغير صـادقوهو إذا خصك عين الفاسقوهو بلد كبير نحو فرسخ في مثله إلا أن أطرافه قد خربت والجامع على طرف المدينة الداخلة عند القلعة ليس خلفه عمارة والقلعة خربة والمدينة الخارجة عامرة بلا أسواق، والأسواق والعمارات بالربض والمياه تتخلله وفيه قني ودار الكتب بأسفل الروذة في خان ودار البطيخ عند الجامع. قزوين: كبيرة كثيرة الكروم لها مدينة وعلى الربض حصن، شربهم من آبار ومطر ونهر، وهي ثغر الكورة ومن معادن الفقه والحكمة.همذان: هومصر الإقليم كبير حسن قديم بارد الماء كثير العيون، به جامع رشيق وبنيان عتيق، وهم قوم فيهم ملق يحبون الغرباء، قد أحدقت به البساتين تفجرت منه المياه طيب في الصيف رفيق في الشتاء، والجامع في السوق شديد العمارة وأسواقهم ثلاثة صفوف، والمدينة وسط البلد خربة يدور الربض حولها. فهمذان بلد نفيس والخبز به رخيص جيد الحلواء كثير اللحوم له خصائص ومنازة إلا أن برده موصوف وحسدهم معروف ومكرهم مذكور وغلوهم مشهور معدن الرعد والبرق والثلج والدمق قال الشاعر:
النارفي همذان يبرد حـرهـا
والفقريكتم في بـلاد غـيرهـا
قد قال كسرى حين أبصرت لهم
همذان فانصرفوا فتلك جهنـم
والبرد في همذان داء مسقـم
والفقرفي همذان ما لا يكـتـم
همذان فانصرفوا فتلك جهنـم
همذان فانصرفوا فتلك جهنـم