المسالة الحادية عشرة:
يحل نقل الخمس من بلده مع عدم وجود المستحق فيه، بلا ريب فيه كما في المدارك (115) ، و
قولا واحدا كما في غيره (116) ، للاصل، و لانه توصل الى ايصال الحق الى مستحقه فيكون
جائزا، بل قد يكون واجبا. و اما مع وجوده فيه، فذهب جماعة-منهم: النافع و الشرائع و الارشاد و المنتهى و
التحرير و الدروس-الى عدم جواز النقل (117) ، لان المستحق مطالبه من حيث الحاجة،
فنقله عن البلد تاخير لصاحب الحق عن حقه مع المطالبة. و فيه: منع كونه حقا لهؤلاء المخصوصين. نعم، لهم نوع استحقاق ادنى من الاستحقاق بخصوصه، و ايجاب مثله لحرمة النقل مع
مطالبته ممنوع. و لذا ذهب الحلي و الشهيد الثاني الى جواز النقل (118) ، و اختاره في المدارك و
الذخيرة (119) ، و هو الاقوى.
المسالة الثانية عشرة:
قد ذكر اكثر الاصحاب بان مع وجود الامام يحمل الخمس اليه جميعا، و هو يقسم
سهام الطوائف الثلاث بينهم، فيعطيهم على قدر كفايتهم مقتصدا، فان فضل عن
كفايتهم شي ء عن نصيبهم كان له، و لو اعوز كان عليه الاتمام من نصيبه (120) . و خالف في ذلك الحلي و منع الحكمين-اي كون الزائد له و الناقص عليه-اشد منع (121) . و اطال الفريقان في النقض و الابرام و الجدال و البسط من الكلام و القيل و
القال. و انا لا ارى في التعرض للمسالة جدوى و فائدة، و ذلك لان مقصودهم ان كان بيان حكم
الامام و ما له و عليه حال وجوده فهو تعرض بارد و اتجار كاسد، لانه المرجع
في الاحكام و العارف بالحلال و الحرام. و ان كان غرضهم معرفة ما كان عليه، حتى يبنى تقسيم الخمس في زمان الغيبة عليه،
كما ذكره المحقق الثاني في شرح القواعد، حيث قال بعد اختيار المشهور: و يتفرع
عليه جواز صرف حصته في حال الغيبة اليهم و عدم جواز اعطاء الزائد على مؤنة السنة (122) .
انتهى.فتستخرج منه احكام ثلاثة: كون الفاضل مال الامام الغائب، و اتمام
الناقص من حصته، و الاكتفاء في اعطاء الخمس بقدر مؤنة السنة مقتصدة. ففيه: انه لا يمكن وجود الفاضل و العلم به في هذه الازمان، لعدم محصورية فقراء
السادة، مع انهم لو عرفوا جميعا لما يفضل عنهم شي ء. فلا يتفرع الحكم الاول تفريعا مفيدا لنا. و اما الثاني، فانما كان يفيد لو علمنا انه عليه السلام كان يتم الناقص من
نصيبه من الخمس، و ليس دليل على ذلك اصلا، اذ ليس في المرسلتين (123) -اللتين هما
مستند الاكثر-الا انه كان على الوالي اتمامه من عنده، و لم يكن ما عنده منحصرا
بالخمس و الزكاة، بل كانت له اموال اخر، و عنده ما يصرف في مصالح العباد، و
محاويج الناس، و منافع موقوفات آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم، و النذور، و غير
ذلك. مع انه قد صرح بمثل ذلك في مرسلة حماد في تقسيم الزكاة ايضا، قال: «بدا فاخرج منه
العشر من الجميع مما سقت السماء او سقي سيحا، و نصف العشر مما سقي بالدوالي و
النواضح، فاخذه الوالي » الى ان قال: «ثمانية اسهم تقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا
تقتير، فان فضل من ذلك شي ء رد الى الوالي، و ان نقص من ذلك شي ء و لم يكتفوا به كان
على الوالي ان يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا» (124) . هذا، مضافا الى ان جمعا من الاصحاب ايضا لم يبنوا الحكم على ذلك، حيث
توقفوا في هذه المسالة، و مع ذلك ذهبوا الى جواز صرف حصته في زمان الغيبة
اليهم على وجه الغنيمة. و اما الثالث، فلانه لا تدل المرسلتان-اللتان هما الاصل في المسالة- على
لزوم الاكتفاء بمؤنة السنة، بل تصرحان بانه كان عليه السلام يعطي هذا القدر، و لا
دلالة في ذلك على التعيين اصلا، كما اذا ورد انه اعطى فقيرا من الزكاة كذا و
كذا، و قد نص في المرسلة ايضا على انه كان يفعل في الزكاة كذلك مع انه لا يتعين فيه
ذلك. و بالجملة: لا فائدة لنا في التعرض لهذه المسالة اصلا، فصرف الوقت فيما يهم لنا
اولى و احرى.
المسالة الثالثة عشرة:
اختلفوا في حكم الخمس في زمن الغيبة، و الكلام فيه اما في نصف الاصناف
الثلاثة، او في نصف الامام، فها هنا مقامان:
المقام الاول: في نصف الاصناف
و فيه خمسة اقوال: الاول: وجوب صرفه فيهم و قسمته عليهم، و هو الحق المشهور بين المتقدمين و
المتاخرين، و صرح به السيد في المسائل الحائرية، و نسب الى جمهور اصحابنا، بل
قيل: لا خلاف فيه اجده الا من نادر من القدماء (125) . الثاني: سقوطه و كونه مباحا للشيعة، حكي عن الديلمي و صاحب الذخيرة (126) ، و نقله في
الحدائق عن شيخه الشيخ عبد الله بن صالح البحريني و جملة من معاصريه (127) ، و يظهر من
الشيخ في النهاية تجويزه مع مرجوحيته (128) . الا ان ظاهر بعضهم نفي القول باباحة هذا النصف، و نسب ابن فهد في شرح النافع ان
مذهب الديلمي اباحة نصف الامام خاصة (129) . و الذي نقل من كلامه الينا غير صريح في ذلك ايضا، بل يحتمل ارادة نصيبه من
الانفال، و لذا قال في كشف الرموز: انه لا يعرف القائل بهذا القول الا من حكاية
المصنفين (130) . و على هذا، فيكون عدم اباحته محل الوفاق. الثالث: وجوب دفنه الى وقت ظهور الامام عليه السلام، نقله في النهاية و المقنعة
عن بعضهم (131) . الرابع: وجوب حفظه و الوصية به، و هو مختار الشيخ في التهذيب (132) . الخامس: التخيير[بين] (133) قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصية به الى ثقة الى وقت
ظهور الامام عليه السلام. و هو مختار المفيد في المقنعة، حيث اختار اولا عزل
جميع السهام و حفظه، ثم قال: و لو قسم شطر الاصناف بينهم كان صوابا (134) .و كذا
الشيخ في المبسوط، الا انه زاد الدفن ايضا (135) . ، و الاخبار الكثيرة (137) المتقدمة بعضها بل اكثرها،
الموجبة للخمس بقول مطلق، او المثبتة نصفه للاصناف من غير تقييد بوقت او حال، او
الدالة على وجوبه على كل احد من غير تخصيص، و على وجوبه في كل عام و في كل ما
افاده الناس. المعتضدة بالمستفيضة (138) المصرحة بتعويض الذرية الخمس عن الزكاة تنزيها و صيانة
لهم عن اوساخ ايدي الناس. المؤيدة بالشهرة العظيمة، التي كادت ان تكون اجماعا، الخالية عن المعارض جدا،
اذ ليس الا بعض ادلة المخالفين في المسالة، و هي للمعارضة غير صالحة. دليل المسقطين له المبيحين اياه للشيعة امور ثلاثة: الاول: ما اشار اليه المفيد (139) من ان تقسيم الخمس بين اربابه منصب للامام-و
هو الذي كان يقسمه-و هو غائب، و لا دليل على جواز نيابة المالك او غيره عنه في ذلك.
و فيه: ان ادلة استحقاق هؤلاء لنصف الخمس مطلقة من غير تعيين لمن يصرفه اليهم، و
امر الامام احدا باخذه او اتيانه اليه لا يدل على انه يجب اتيانه اليه. سلمنا وجوب دفعه اليه ليصرفه فيهم، و لكن لا يلزم من سقوط ذلك -لتعذر الوصول
الى من له حق الصرف-سقوط اصل الحق الثابت بالكتاب و السنة، المقتضيين
لاستمراره الى الابد، فان مقتضى ادلة وجوب الايصال الى الامام-لو
تمت-وجوبه مع الامكان، و يخرج عن اصل عدم وجوبه المقتضي لجواز صرف كل احد في
الاصناف في حال الامكان، و اما مع عدمه فيبقى الاصل بلا معارض. الثاني: الاخبار الكثيرة المتضمنة لتحليل الخمس و اباحته مطلقا للشيعة، و هي
كثيرة جدا: كصحيحة النصري: ان لنا اموالا من غلات و تجارات و نحو ذلك، و قد علمنا ان لك
فيها حقا، قال: «فلم احللنا اذن لشيعتنا الا لتطيب ولادتهم، و كل من والى آبائي
فهو في حل عما في ايديهم من حقنا، فليبلغ الشاهد الغائب » (140) . و روايته، و فيها: «ان لنا الخمس في كتاب الله، و لنا الانفال، و لنا صفو المال »
الى ان قال: «ان الناس ليتقلبون في حرام الى يوم القيامة بظلمنا اهل البيت »
الى ان قال: «اللهم انا احللنا ذلك لشيعتنا» (141) . و رواية يونس بن يعقوب: تقع في ايدينا الارباح و الاموال و التجارات، نعرف ان
حقك فيها ثابت، و انا عن ذلك مقصرون، فقال: «ما انصفناكم ان كلفناكم ذلك
اليوم » (142) . و صحيحة الفضلاء: «قال امير المؤمنين عليه السلام: هلك الناس في بطونهم و فروجهم،
لانهم لم يؤدوا الينا حقنا، الا و ان شيعتنا من ذلك و آباءهم في حل » (143) . و صحيحه ابن مهزيار، و فيها: «من اعوزه شي ء من حقي فهو في حل » (144) . و صحيحة الكناسي: «اتدري من اين دخل على الناس الزنا؟ » فقلت: لا ادري، فقال: «من قبل خمسنا اهل البيت، الا لشيعتنا الاطيبين، فانه محلل
لهم و لميلادهم » (145) . و حسنة الفضيل، و فيها: «قال امير المؤمنين عليه السلام لفاطمة عليها السلام:
احلي نصيبك من الفي ء لآباء شيعتنا، ليطيبوا» ، ثم قال ابو عبد الله عليه السلام:
«انا احللنا امهات شيعتنا لآبائهم، ليطيبوا» (146) . و رواية الرقي: «الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا، الا انا احللنا شيعتنا من ذلك » (147) .
و المروي في تفسير الامام: «ان امير المؤمنين عليه السلام قال لرسول الله صلى
الله عليه و آله و سلم: قد علمت انه سيكون بعدك ملك عضوض و جبر، فيستولي على خمسي من
السبي و الغنائم و يبيعونه، و لا يحل لمشتريه لان نصيبي فيه، و قد وهبت نصيبي منه
لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي، لتحل لهم منافعهم من ماكل و مشرب، و لتطيب
مواليدهم و لا يكون اولادهم اولاد حرام، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:
ما تصدق احد افضل من صدقتك، و قد تبعك رسول الله في فعلك، احل للشيعة كل ما كان فيه
من غنيمة او بيع من نصيبه على واحد من شيعتي، و لا احلها انا و لا انت لغيرهم » (148) . و رواية معاذ: «موسع على شيعتنا ان ينفقوا مما في ايديهم بالمعروف » (149) . و رواية ابي حمزة: «نحن اصحاب الخمس و الفي ء، و قد حرمناه على جميع الناس ما خلا
شيعتنا» (150) . و رواية ابن سنان، و فيها-بعد ذكر ان على من اكتسب الخمس لفاطمة و للحجج-: «الا
من احللناه من شيعتنا، لتطيب لهم به الولادة » (151) . و رواية سالم: قال رجل: حلل لي الفروج، ففزع ابو عبد الله عليه السلام، فقال له رجل:
ليس يسالك ان يعترض الطريق، انما يسالك خادما يشتريها او امراة يتزوجها
او ميراثا يصيبه او تجارة او شيئا اعطيه، فقال: «هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم
و الغائب، و الميت منهم و الحي، و ما يولد منهم الى يوم القيامة، فهو لهم حلال » (152) .
و صحيحة محمد: «ان اشد ما فيه يوم القيامة ان يقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب خمسي،
و قد طيبنا ذلك لشيعتنا، لتطيب ولادتهم، و لتزكو اولادهم » (153) . و صحيحة زرارة المروية في العلل: «ان امير المؤمنين عليه السلام حللهم من
الخمس-يعني الشيعة-ليطيب مولدهم » (154) . و رواية حكيم، و فيها بعد ذكر آية الخمس: «الا ان ابي جعل شيعتنا من حل في ذلك،
ليزكوا» (155) . و التوقيع الرفيع المروي في اكمال الدين و الاحتجاج، و فيه: «و اما
المتلبسون باموالنا فمن استحل منها شيئا فاكله فانما ياكل النيران، و اما
الخمس فقد ابيح لشيعتنا و جعلوا منه في حل الى وقت ظهور امرنا، لتطيب ولادتهم » (156) . الى غير ذلك من الاخبار، التي بعضها مخصوص بحلية الفي ء، و بعضها يدل على تحليل
خمس بعض اشخاص معينين، و بعضها على تحليل شي ء معين. و جوابه اولا: بالمعارضة بالاخبار المتكثرة، كالروايات الثلاث -المتقدمة في
اوائل خمس الارباح (157) -لابن مهزيار و ابن الصلت و النيشابوري عن ابي محمد و ابي
الحسن الثالث. و كرواية محمد بن يزيد الطبري: قال: كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي ابي
الحسن الرضا عليه السلام يساله الاذن في الخمس، فكتب اليه: «بسم الله
الرحمن الرحيم » الى ان قال: «لا يحل مال الا من وجه احله الله، ان الخمس عوننا على
ديننا و على عيالاتنا و على موالينا و ما نبذل و نشتري من اعراضنا ممن نخاف
سطوته، فلا تزووه عنا، و لا تحرموا انفسكم دعاءنا» الى ان قال: «و ليس المسلم من
اجاب باللسان و خالف بالقلب » (158) . و الاخرى: قال: قدم قوم من خراسان على ابي الحسن الرضا عليه السلام، فسالوه
ان يجعلهم في حل من الخمس، فقال: «ما امحل هذا؟ ! تمحضونا بالمودة بالسنتكم و
تزوون عنا حقا جعله الله لنا و جعلنا له، و هو الخمس، لا نجعل احدا منكم في حل » (159) . و رواية ابي بصير، عن ابي جعفر عليه السلام، و فيها: «و لا يحل لاحد ان يشتري من
الخمس شيئا حتى يصل الينا حقنا» (160) . و اخرى: «من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره الله، اشترى ما لا يحل له » (161) . و صحيحة ابن مهزيار الطويلة، عن ابي جعفر الثاني عليه السلام، و فيها: «و اما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، قال الله تعالى: « (و اعلموا
انما غنمتم) » الآية (162) » ، الى ان قال: «فمن كان عنده شي ء من ذلك فليوصل الى وكيلي، من
كان نائيا بعيد الشقة فليعمد لايصاله و لو بعد حين » (163) . و الرضوي، و فيه: «فعلى كل من غنم من هذه الوجوه مالا فعليه الخمس، فان اخرجه فقد
ادى حق الله عليه » الى ان قال: «فاتقوا الله و اخرجوا حق الله مما في ايديكم
يبارك لكم في باقيه » (164) . و المروي في كتاب الخرائج و الجرائح: «يا حسين، لم ترزا على الناحية؟ و لم تمنع
اصحابي من خمس مالك؟ » ثم قال «اذا مضيت الى الموضع الذي تريده تدخله عفوا و
كسبت ما كسبت تحمل خمسه الى مستحقه » قال: فقلت: السمع و الطاعة، ثم ذكر في
آخره: ان العمري اتاه و اخذ خمس ماله بعد ما اخبره بما كان (165) . الى غير ذلك من الاخبار المتضمنة لما فيه الخمس (166) ، و انه يجب بعد المؤنة، و
كيفية تقسيم الامام له. و قد يذكر في المعارضة توقيعان آخران (167) لا دلالة لهما على المطلوب اصلا، كما لا يخفى
على المتامل، فان مدلولهما قريب من صدر التوقيع المذكور. وجه التعارض: ان من المعلوم ان استدلالهم بروايات التحليل (168) باعتبار
حملهم اياها على التحليل الاستمراري، و الا فتحليل ايام حقه في زمان لا يفيد
لزمان الغيبة، و لا شك ان الاستمراري ينافي الامر بالاخذ، و المطالبة، و المنع
من ترك دفعه، و التصريح بعدم جعله حلالا على احد، و النهي عن اشترائه، و التصريح
بالوجوب في كل عام، و الامر بالايصال الى الوكيل، و بالاخراج. و غير نادر من اخبار التحليل مروي عن الامير و الصادقين عليهم السلام (169) ، و
غير نادر من اخبار الوجوب مروي عن مولانا الرضا و ابي جعفر الثاني و ابي
الحسن الثالث و ابي محمد العسكري عليهم السلام (170) . و التوقيع المحلل يعارض رواية الجرائح. و حمل التوقيع المحلل على زمان الغيبة الكبرى تاويل بلا شاهد، و حمل بلا حامل. و ليست المطالبة في التوقيع الآخر (171) من باب التخصيص اللفظي حتى يقال: خرج ما
خرج فيبقى الباقي، و انما هو فعل ذو وجوه. و لا شك ان الايجاب المتاخر مناف للتحليل المتقدم، فيحصل التعارض، و تترجح
اخبار الوجوب بمعاضدة الشهرة القديمة و الجديدة، و موافقة الآية الكريمة (172) ، و مخالفة
الطائفة العامة، و بالاحدثية، التي هي ايضا من المرجحات المنصوصة، مع ان مع
التكافؤ ايضا يجب الرجوع الى الكتاب و مطلقات الخمس و استصحاب وجوبه و
اصالة عدم التحليل. و هذا مع مطابقة اخبار الوجوب للاعتبار، فان المصرح به في الاخبار (173) : ان
الله سبحانه حرم الزكاة على فقراء الذرية الطاهرة، تعظيما و اكراما لهم، و
عوضهم عن ذلك بالخمس، و لو ابيح مطلق الخمس و سقط عن مطلق الشيعة-و المخالف لا يقول
بخمس الارباح الذي هو معظمه، و لا يخمس المال المختلط، بل الغوص عند اكثرهم، و مع
ذلك لا يعطونه سادات الشيعة، و لو اعطوا لا يعطونه الشيعة الساكنين بلاد
التشيع-فاي عوض حصل للذرية مع كثرتهم؟ ! و بماذا وقع التلافي لهم؟ ! و باي شي ء يدفع
احتياج فقرائهم و مساكينهم؟ ! و ثانيا: بان اكثر اخبار التحليل غير شامل لحق الاصناف، بل صريح او ظاهر في
حقهم خاصة، لتضمنها لفظ: «حقنا» او: «مظلمتنا» او: «خمسنا اهل البيت » و نحو ذلك،
كالروايات التسع الاولى، بل بعضها يختص بحق بعض الائمة، و هو ما تضمن لفظ «حقي » و
«حقك » و «نصيبي » و «نصيبك » كالروايات الاربع: الثالثة و الخامسة و السابعة و
الثامنة، فلا يدل على سقوط حق جميع الائمة. و اما الثمان البواقي، فالاربعة الاولى منها لا دلالة لها على مطلوبهم. اما اولاها-و هي رواية معاذ-فلعدم دلالتها على امر الخمس، و لو سلم فانما يكون
بالعموم المطلق بالنسبة الى اخبار وجوب الخمس، فيجب التخصيص. مضافا الى احتمال شمول الانفاق لاخراج الخمس ايضا، مع انها مقيدة بالمعروف،
فلعله بعد اخراج الخمس، بل هو كذلك عند من يوجب اخراجه. و اما ما بعدها، فلاحتمال ارجاع الضمير الى الفي ء، بل هو الراجح، لاقربيته و
افراد الضمير. مضافا الى ان مفهوم الاستثناء فيه عدم تحريم الخمس و الفي ء للشيعة، و هو يصدق
بحلية بعض ذلك و لو لبعض الشيعة، فتامل. و اما ما بعدها، فلجواز كون لفظة «من » في قوله: «من شيعتنا» تبعيضية، بل هو الاظهر،
فلا يعلم انه من هو، فيمكن ان يكون بعض اصحاب بعض الائمة. و اما ما بعدها، فلعدم دلالتها على تحليل الخمس اصلا، اذ يمكن ان يكون المسئول عن
اباحتها ما يحتمل ان يكون فيه خمسهم او ان يكون فيه الفي ء و غنائم دار الحرب. فلم تبق الا الاربعة الاخيرة، و الثلاثة الاولى منها ايضا لا تدل على ازيد من
تحليل الخمس كلا او بعضا للشيعة الموجودين في زمان التحليل او مع ما سبقه، لان
«احللنا» و «طيبنا» و «حللهم » و «جعلهم في حل » -بالاضافة الى من ياتي-مجاز قطعا، فلا
يرتكب الا بدليل. و منه يظهر جواب آخر لاكثر ما يسبق الاربعة من اخبار التحليل، بل لجميعها. فلم يبق الا التوقيع، و ظاهر انه بانفراده-سيما مع ما مر من وجوه المرجوحية-لا
يقاوم اخبار الوجوب البتة. مضافا الى انه لو اريد منه العموم بالنسبة الى جميع سهام الخمس يخرج جدا عن
الحجية بالمخالفة للشهرتين و الدخول في حيز الشذوذ. و منه يظهر جواب آخر لجميع اخبار الاباحة. هذا كله، مع انه علل فيه التحليل
بطيب الولادة، و هو في غير المناكح -التي جمهور الاصحاب فيها على الحلية-لا يصلح
للعلية، فتصلح العلة قرينة لارادة هذا النوع خاصة. و منه يظهر جواب آخر لجميع ما يتضمن تلك العلية، و هو اكثر اخبار الحلية. هذا كله، مضافا الى قصور دلالة كل واحد واحد من الروايات التسع الاولى
بخصوصها على اباحة مطلق الخمس او نصف الامام في هذه الازمان من وجوه اخر
ايضا. اما الاول-و هو صحيحة النصري (174) -فلظهور قوله: «مما في ايديهم » في الفعلية، بل حقيقة
منحصرة فيها، و كذا جملة: «فهو في حل مما في ايديهم » و كذا: «كل من والى آبائي » ، فلا
يشمل من سياتي، بل «الشاهد و الغائب » حقيقتان في الموجود، و لا يطلق الغائب على
المعدوم. و اما الثاني، فلان المشار اليه في قوله: «ذلك » هو الحرام الذي ظلم فيه اهل
البيت، و مدلوله ان ما ظلموا فيه من الخمس و صفو المال و الانفال التي بيد
المخالفين اذا اخذه الشيعة بشراء او عطية فهو لهم حلال، لا ان الخمس الذي بيد
الشيعة و لم يظلموا فيه بعد فهو ايضا لهم حلال، و جعل الاشارة للخمس مطلقا لا دليل
عليه، بل لا وجه. و اما الثالث، فلان السؤال وقع فيه عما في ايدي السائل، و الجواب مقصور في
عدم التكليف في ذلك اليوم بخصوصه، فلا دلالة له لغيره اصلا، و لا عموم فيه و لا
اطلاق ابدا. و اما الرابع، ففيه اولا: انه لا يشمل الحق للخمس الا بالعموم، و اخبار وجوب
الخمس خاص مطلق بالنسبة اليه، فيجب التخصيص، و ذلك يجري في الثلاثة الاولى
ايضا. و ثانيا: ان عدم اداء الحق يتحقق مع حبس بعض منه ايضا، و اذا لم تؤد جميع الحقوق
يصدق عدم اداء الحق، و لا يعلم الحق المحبوس المحلل المشار اليه بقوله: «من ذلك » ،
فلا يفيد. و ثالثا: ان «آباءهم » مطلق شامل للمخالف و غيره، و ظاهر ان المحلل لآبائهم
المخالفين ليس الا المناكح حتى تطيب ولادة الشيعة لا مطلقا، و ليس تخصيص الآباء
بالشيعة منهم اولى من تخصيص الحق-لو كان عاما- بالمناكح. و اما الخامس، فلما ذكر اولا في الرابع، مضافا الى اختصاصه بالاعواز -و هو
غير محل النزاع-و بحق الصادق عليه السلام خاصة. و اما السادس، فلان مرجع الضمير في قوله: «فانه محلل » كما يمكن ان يكون خمسا
يمكن ان يكون الموضع الذي دخل منه الزنا-اي المناكح-كما يعاضده قوله: «لميلادهم » ..مع
ان فيمن جعل في حل اجمالا، لتقييد الشيعة بالاطيبين، فلا تعلم الحلية لغيرهم، و جعل
الوصف توضيحيا مساويا خلاف الظاهر. و اما السابع، فلاختصاصه بالفي ء-و هو غير الخمس-و امهات الشيعة، و هن من المناكح.
و اما الثامن، فلعموم فضل المظلمة بالنسبة الى الخمس اولا. و اختصاص قوله: «يعيشون » بالفعلية، و عدم صدقه على من ياتي، فتختص الاشارة بما تحقق،
ثانيا. و كون الاشارة لفضل المظلمة، فتختص بالماخوذ عن المخالف كما مر في الثاني،
ثالثا. و اما التاسع، فلصراحته في ان المحلل هو ما يشتري من المخالف الجابر، و هو
غير محل النزاع. و من جميع ذلك يظهر عدم انتهاض تلك الاخبار لاثبات حلية نصف الامام في
زمان الغيبة ايضا، بل و لا دلالة بالنسبة الى جميع النصف و من جميع الائمة في زمن
الحضور ايضا. الثالث من ادلة القول بالسقوط في زمن الغيبة: ما يستفاد من الذخيرة (175) ، و هو
الاصل، فان الاصل عدم وجوب شي ء على احد حتى يدل عليه دليل، و لا دليل على ثبوت
الخمس في زمن الغيبة، فانه منحصر بالآية و الاخبار، و لا دلالة لشي ء منها.. اما الآية، فلاختصاصها بغنائم دار الحرب المختصة بحال الحضور دون الغيبة، مع
انها خطاب شفاهي متوجه الى الحاضرين خاصة، و التعدية الى غيرهم بالاجماع انما
يتم مع التوافق في الشرائط جميعا، و هو ممنوع في محل البحث، فلا ينهض حجة في
زمان الغيبة. و لو سلم فلا بد من صرفها الى خلاف ظاهرها، اما بالحمل على بيان المصرف، او
بالتخصيص، جمعا بينها و بين الاخبار الدالة على الاباحة. و اما الاخبار، فلانها-مع ضعف اسانيدها-غير دالة على تعلق النصف بالاصناف على
وجه الملكية او الاختصاص مطلقا، بل دلت على ان الامام يقسمه كذلك، فيجوز ان
يكون هذا واجبا عليه من غير ان يكون شي ء من الخمس ملكا لهم او مختصا بهم. سلمنا، لكنها تدل على ثبوت الحكم في زمان الحضور لا مطلقا، فيجوز اختلاف الحكم
باختلاف الازمنة. سلمنا، لكن لا بد من التخصيص فيها و صرفها عن ظاهرها، جمعا بين الادلة. و الجواب: ان تخصيص الآية بغنائم دار الحرب مخالف للعرف و اللغة و الاخبار
المستفيضة، بل-كما قيل (176) -لاجماع الامامية، و بالمشافهين حقيقة غير ضائر، لما
اثبتنا في الاصول من شمول الخطابات للمعدومين ايضا-و لو مجازا-بالاخبار،
من غير افتقار الى الاجماع حتى يناقش فيه بانتفائه في محل النزاع مع ان
الاجماع ثابت على الشركة في جميع الاحكام، الا ما ثبت اشتراطه بشرط او تقييده
بقيد غير متحقق للغائب. و ما نحن فيه كذلك، لعدم دليل على اشتراط الحضور، و لا حاجة لنا الى تحقق
الاجماع في كل مسالة. مضافا الى ان دعوى اشتراط الحضور فاسدة، و للاجماع-بل الضرورة-مخالفة، لان
المبيح في زمن الغيبة-مع ندرته-يقول به من جهة التحليل لا من عدم عموم الدليل. و ايضا استشهاد الائمة و استدلالهم بالآية في كثير من الاخبار كاشف عن
شمولها لزمانهم المتاخر عن زمان نزولها ايضا، بل اخبار التحليل و الاباحة
كاشفة عن الشمول، و الا فلا معنى للتحليل. و اما صرف الآية عن ظاهرها جمعا، فهو موقوف على وجود المعارض الاقوى، و هو منتف،
لما عرفت من عدم وضوح دلالة اخبار التحليل على ما يوجب صرفها عن ظاهرها. مع ان القاعدة الشرعية الثابتة بالاحاديث الكثيرة: عرض الاخبار على القرآن و
رد ما يخالفه، لا صرف الآية عن ظاهرها مع اختلاف روايات الواقعة، سيما مع ان الآية
ارجح بوجوه عديدة مر ذكرها. هذا كله، مع ان الجمع غير منحصر في ذلك، لامكانه بوجوه: منها: ما عليه جمهور اصحابنا (177) من تخصيص التحليل بالمناكح و المساكن، كما
ياتي ذكره. و منها: تخصيص التحليل بحقوقهم لبعض شيعتهم او جميعهم في زمانهم، اي في زمان
المحلل خاصة. و منها: تخصيصه بما يصل اليهم من ظالمي حقوق اهل البيت من الغنائم و الاخماس. و منها: تخصيصه بما يختلط مع الاخماس او يشتبه وجودها فيه.الى غير ذلك. و لا وجه لترجيح الاول لو لم نقل بكون هذه الوجوه كلا او بعضا ارجح. مضافا الى ان حمل الآية على بيان المصرف خلاف الظاهر جدا، كما صرح هو به حيث
قال-بعد نقل حملها عليه من المحقق-: و فيه نظر، لان حمل الآية على ان المراد بيان
مصارف الاستحقاق عدول عن الظاهر، بل الظاهر من الآية الملك او الاختصاص، و العدول
عنه محتاج الى دليل، و لو كان كذلك لاقتضى جواز صرف الخمس كله في احد الاصناف
الستة. انتهى. و اما ما ذكره في الاخبار-من ضعف الاسناد-فهو غير صالح للاستناد، لوجودها في
كتب عليها المدار و الاعتماد، و مع ذلك ففيها الصحيح و الموثق و موافق للشهرة
العظيمة، و هي لضعف الاخبار عند الاصحاب جابرة. مضافا الى استناده الى تلك الاخبار في كثير من احكام الخمس. و اما انكار دلالتها على تعلق النصف بالاصناف على وجه الملكية و الاختصاص فهو
مكابرة محضة، كيف؟ ! و في بعضها: «و النصف له، و النصف لليتامى و المساكين و
ابناء السبيل من آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم الذين لا يحل لهم الصدقة و لا
الزكاة، عوضهم الله تعالى مكان ذلك الخمس » (178) . و لا ريب ان اللامين هنا بمعنى واحد، فكما انها في نصف الامام للتملك او
الاختصاص (179) فكذا في نصف الاصناف، سيما مع ذكر التعويض لهم عن الصدقة. و في آخر: «يثب احدهم على اموال آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم و يتاماهم و
مساكينهم و ابناء سبيلهم فياخذها» الحديث (180) . و في ثالث: «و انما جعل الله هذا الخمس لهم خاصة دون مساكين الناس و ابناء
سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس » الى ان قال: «و جعل لفقراء قرابة الرسول نصف الخمس
فاغناهم به عن صدقات الناس » (181) . و اما احتمال اختصاص الحكم بزمان الحضور ففساده اوضح من ان يذكر، فانه لا
جهة لهذا التوهم و لا منشا لذلك الاحتمال في الاخبار. و اما تخصيصها و صرفها عن ظاهرها جمعا، ففيه ما مر في تخصيص الآية. و دليل الموجبين للدفن: دليل وجوب دفن حصة الامام-كما ياتي (182) مع رده-بضميمة
ما مر (183) من ان صرف هذا النصف منصب الامام و موكول اليه، و قد عرفت ضعفه. و كذا حجة الموجبين للوصية. و حجة القول الآخر: الجمع بين ادلة ملكية النصف للاصناف و دليل وجوب الدفع الى
الامام ليصرفه فيهم. و يرد باختصاص وجوب الدفع-لو سلم-بحال الحضور. و مما ذكر ظهر ان وجوب قسمة نصف الاصناف بينهم-كما اختاره من اصحابنا
الجمهور (184) -في غاية الظهور.
المقام الثاني: في نصف الامام عليه السلام
و فيه تسعة اقوال: الاول: سقوطه و تحليله، ذهب اليه من ذهب اليه في نصف الاصناف (185) ، و اختاره
ايضا صاحب المدارك و المحدث الكاشاني في المفاتيح و الوافي و صاحب الحدائق (186) ،
و نسبه في كشف الرموز الى قوم من المتقدمين و قال: انه متروك و لا فتوى عليه (187) .
الثاني: عزله و ايداعه و الوصية به من ثقة الى وقت ظهوره، اختاره المفيد في المقنعة
و القاضي و الحلبي و الحلي (188) ، و استحسنه في المنتهى (189) ، و هو مذهب السيد في
المسائل الحائرية. الثالث: دفنه، نقل عمن نقل عنه الدفن في النصف الاول. الرابع: قسمته بين المحاويج من الذرية، حكاه في المختلف عن جماعة من علمائنا (190) ،
و هو اختيار المفيد في الرسالة العزية و المحقق في الشرائع و الشيخ علي في حاشيته و
ابن فهد في المهذب (191) ، و نسبه في الروضة الى المشهور بين المتاخرين (192) ، و ذهب
اليه الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني، و الشيخ الحر في الوسائل الا انه قال: مع
عدم حاجة الاصناف تباح للشيعة (193) . الخامس: التخيير بين التحليل و الدفن و الايداع، يظهر من الشيخ في النهاية (194) . السادس: التخيير بين الاخيرين، اختاره في المبسوط (195) . السابع: التخيير بين الاخيرين و القسمة بين الاصناف، حكي عن الدروس (196) . الثامن: التخيير بين الاخير و القسمة، اختاره في المختلف (197) ، و هو الظاهر من
النافع (198) ، و نسب الى البيان (199) ، و اليه ذهب المحقق الخوانساري في رسالته
بزيادة رجحان القسمة. التاسع: قسمته بين موالي الامام و شيعته من اهل الفقر و الصلاح من غير تخصيص
بالذرية، نقله في المقنعة عن بعضهم، و جعله قريبا من الصواب (200) ، و اليه ذهب ابن
حمزة في الوسيلة (201) . دليل الاول: ما مر (202) من اخبار التحليل بحملها على حقه عليه السلام. و جوابه قد ظهر. و دليل الثاني: انه مال الامام-لاخبار وجوبه مطلقا او مستمرا، و استصحاب
بقائه-فلا يجوز التصرف فيه، و لا يمكن ايصاله الى ذي الحق، فيجب حفظه الى
زمان امكان الايصال. و فيه: انه انما يتم لو لم يعلم عدم رضاه بذلك و رضاه بغيره، و قد يدعى العلم بذلك
كما ياتي (203) . و دليل الثالث: دليل الثاني، بضميمة ان الدفن احفظ الوجوه، مع ما روي من ان
الارض تخرج كنوزها للقائم (204) . و فيه-مع ما مر-: منع كون الدفن احفظ، بل هو ايضا في معرض الظهور و التلف، و
الرواية لا دلالة لها على المورد اصلا. و حجة الرابع: ان الامام كان يفعل ذلك، اي يتم للسادات ما يحتاجون اليه من
نصيبه وجوبا لا تفضلا، فهو حق لهم اذا لم تف انصبائهم بمؤنهم، فثبت ذلك لهم
في الغيبة، لان الحق الواجب لا يسقط بغيبة من ثبت في حقه. و زاد في المهذب: كونه احوط، لاشتماله على اخراج الواجب و تفريغ الذمة، و
اشتماله على نفع المحاويج من الذرية، و كونه صلة لهم، و كونه اسلم عاقبة من
الوصية و الدفن (205) . و ضعف الجميع ظاهر: اما الاول، فلمنع وجوب الاتمام عليه من حصته كما مر، و غاية ما ثبت انه كان
يتم من عنده-كما في تقسيم الزكاة ايضا-فيمكن ان يكون من الاوقاف و النذور او
غيرها. سلمنا انه كان عليه الاتمام من حصته، و لكن لم يعلم ان هذا الوجوب من باب حق
الذرية، فلعله كان امرا واجبا عليه نفسه، و مثل هذا ليس مما يجب الاتيان به
من غيره ايضا. و اما البواقي، فظاهر، لعدم وجوب الاحتياط، مع ان الاحتياط اخراج الواجب
من الحق الى ذي الحق، و اما الى غيره فلا احتياط فيه اصلا، بل خلاف الاحتياط. و لعدم استلزام رجحان نفع المحاويج و صلة الذرية رجحانه بالتصرف في مال
الغير. و اسلمية عاقبته من الدفن و الوصية يفيد لو ثبت الاذن فيه، و الا فذلك اتلاف
معلوم معجل. نعم، يمكن ان يستدل لذلك بان الاذن في ذلك التصرف معلوم بشاهد الحال، فانه
لا حاجة للمالك اليه و لا ضرر فيه بوجه، و اهل الاضطرار من اهل التقوى من الذرية
في غاية الكثرة، و الدفن و الوصية حبس بلا منفعة و معرض للتلف و الهلكة، بل يعلم التلف
بالوصية غالبا في مثل ذلك الزمان، فيعلم رضا المالك بصلة الذرية و رفع حاجتهم
و مسكنتهم بذلك قطعا، و ليس القطع به بادون من الظن الحاصل من الالفاظ الدالة
على الاذن الواجب اتباعه البتة. و هذا دليل تام حسن، الا انه لكونه تابعا للعلم الحاصل بشهادة الحال لا يكون
مخصوصا بصلة الذرية، فانه قد يكون هنا محتاج معيل من خيار الشيعة من غير السادة،
سيما اذا كان ممن كان لوجوده مصلحة عامة، و كان عياله في غاية الضيق و الشدة، و
لم يكن فقير الذرية بهذه المثابة، بل كان من رعاع الناس، و له قوت نصف السنة مثلا،
فالحكم بالقطع برضا الامام دفع حصته الى الثاني دون الاول مكابرة صرفة. و كذا اذا كان في اعطاء صاحب المال الخمس عليه حيف و شدة. فهذا الدليل يصلح للمطلوب في الجملة، بل التحقيق: انه لا مدخلية فيه للسيادة من
حيث هي. حجة الخامس: الجمع بين ادلة التحليل و الحفظ، و تحقق الحفظ بكل من الدفن و الوصية. و بعد ضعف الدليلين يظهر ضعف الجمع ايضا. و دليل السادس: وجوب الحفظ و تحققه بكل منهما. و هو حسن لو قلنا بوجوبه. و حجة السابع و الثامن: وجوب حفظ مال الغير، و دلالة شاهد الحال على جواز
التقسيم ايضا. و هو كان حسنا لو لم يعلم بشاهد الحال عدم رضاه بالحفظ، حيث انه في معرض التلف، و
اقرباؤه و مواليه محتاجون. و دليل التاسع: اخبار التحليل للشيعة مطلقا، و الاخبار الواردة في حصول تركهم
حقهم من الخمس لبعض مواليهم. و مرسلة حماد الناطقة بانه: «اذا قسم الزكاة فيهم كان على الامام الاتمام
لهم اذا اعوزت » (206) . و رواية محمد بن يزيد: «من لم يستطع ان يصلنا فليصل فقراء شيعتنا» (207) . و مرسلة الفقيه: «من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي شيعتنا» (208) . و مرسلة يوسف، و فيها: «انا احب ان اتصدق باحب الاشياء الي » (209) ، و اذا كان
كذلك فيجب البتة بتصدق حقه. اقول: اكثر هذه الوجوه و ان كانت مدخولة، الا انه يدل على الحكم ما مر من الاذن
المعلوم بشاهد الحال، فانا نعلم قطعا-بحيث لا يداخله شوب شك-ان الامام
الغائب-الذي هو صاحب الحق في حال غيبته، و عدم احتياجه، و عدم تمكن ذي الخمس
من ايصاله حقه اليه، و كونه في معرض الضياع و التلف، بل كان هو المظنون، و كان
مواليه و اولياؤه المتقون في غاية المسكنة و الشدة و الاحتياج و الفاقة-راض بسد
خلتهم و رفع حاجتهم من ماله و حقه. كيف؟ ! و هم الذين يؤثرون على انفسهم و لو كان بهم خصاصة، فما الحال اذا لم
تكن لهم حاجة و خصاصة؟ ! و كيف لا يرضى؟ ! و هو خليفة الله في ارضه و المؤمنون عياله، كما صرح به في مرسلة
حماد، و فيها: «و هو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له » . و هو منبع الجود و الكرد، سيما مع ما ورد منهم و تواتر من الترغيب الى التصدق و
اطعام المؤمن و كسوته و السعي في حاجته و تفريج كربته (210) ، و الامر
بالاهتمام بامور المسلمين، حتى قالوا: «من لم يهتم بامور المسلمين فليس
بمسلم » (211) . و قالوا في حق المسلم على المسلم: «ان له سبع حقوق واجبات، ان ضيع منها شيئا خرج
من ولاية الله و طاعته، و لم يكن لله فيه من نصيب » الى ان قال: «ايسر حق منها ان
تحب له ما تحب لنفسك » الى ان قال: «و الحق الثالث: ان تغنيه بنفسك و مالك » الى
ان قال: «و الحق الخامس: ان لا تشبع و يجوع » الحديث (212) . و جعلوا من حقوق المسلم: مواساته بالمال. و مع ذلك يدل عليه اطلاق رواية محمد بن يزيد و مرسلة الفقيه المتقدمتين (213) ، فان
اعطاء الخمس صلة. و لا يتوهم ان بمثل ذلك يمكن اثبات التحليل لذي الخمس ايضا و ان لم يكن فقيرا،
لان اداء الخمس فريضة من فرائض الله، واجب من جانب الله، و اعطاؤه امتثال
لامر الله، و فيه اظهار لولايتهم و تعظيم لشانهم و سد لحاجة مواليهم، و منه
تطهيرهم و تمحيص ذنوبهم. و مع ذلك، ترى ما وصل الينا من الاخبار المؤكدة في ادائه و التشدد عليه، و ان
الله يسال عنه يوم القيامة سؤالا حثيثا، و تراهم قد يقولون في الخمس: «لا نجعل لاحد
منكم في حل » ، و امثال ذلك (214) . و مع هذا، لا يشهد الحال برضاه عليه السلام لصاحب المال ان لا يؤدي خمسه، فيجب
عليه اداؤه، لاوامر الخمس و اطلاقاته و استصحاب وجوبه، و معه لم يبق الا الحفظ
بالدفن او الوصية او التقسيم بين الفقراء. و الاولان مما لا دليل عليهما، فان الدفن و الايداع نوعا تصرف في مال الغير لا
يجوز الا مع اذنه، و لا اذن هناك، بل يمكن استنباط عدم رضائه بهما من كونهما
معرضين للتلف، و من حاجة مواليه و رعيته. فلم يبق الا الثالث الذي علمنا رضاه به، فيتعين و يكون هو الواجب في نصفه. و لما كان المناط الاذن المعلوم بشاهد الحال و الروايتين (215) و نسبتهما الى
السادات و غيرهم من فقراء الشيعة على السواء، فيكون الحق هو المذهب الاخير، و
الاحوط اختيار السادة من بين الفقراء. و لكن قد يعكس الاحتياط، كما اذا كان هناك شيعة ولي ورع معيل في ضيق و شدة و لم يكن
السادة بهذا المثابة. و على المعطي ملاحظة الاحوال. فرع: لا تشترط مباشرة النائب العام-و هو الفقيه العدل-و لا اذنه في تقسيم نصف
الاصناف على الحق، للاصل. خلافا لبعضهم (216) ، فاشتراطه، و نسبه بعض الاجلة الى المشهور. و لعل وجهه: ان مع حضور الامام يجب دفع تمام الخمس اليه، و كان التقسيم
منصبه، فيجب الدفع الى نائبه في زمن الغيبة بحكم النيابة. و فيه: منع ثبوت وجوب الدفع اليه مع الحضور، و لو سلم فلا نسلم ثبوته بالنسبة
الى النائب. و هل تشترط مباشرته في تقسيم نصف الامام، كما هو صريح جماعة، منهم: الفاضلان و
الشهيدان، بل اكثر المتاخرين (217) ، و صرح جماعة بضمان غيره من المباشرين (218) ، و
عن الشهيد الثاني: اتفاق القائلين بوجوب التقسيم على ذلك (219) ، و الظاهر انه
كذلك؟ ام لا، فيجوز تولي غيره، كما عن ظاهر اطلاق العزية؟ و الحق: هو الاول، اذ قد عرفت ان المناط في الحكم بالتقسيم هو الاذن المعلوم
بشاهد الحال، و ثبوته عند من يجوز التقسيم اجماعي و لغيره غير معلوم، سيما مع
اشتهار عدم جواز تولي الغير، بل الاجماع على عدم جواز تولية التصرف في
المال الغائب، الذي هذا ايضا منه، خصوصا مع وجود النائب العام، الذي هو اعرف
باحكام التقسيم و ابصر بمواقعه. و وقع التصريح في رواية اسماعيل بن جابر: «ان العلماء امناء» (220) . و في مرسلة الفقيه: «انه قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: اللهم ارحم خلفائي،
قيل: يا رسول الله، و من خلفاؤك؟ قال: الذين ياتون بعدي و يروون حديثي و سنتي » (221) . و في روايات كثيرة: «ان العلماء ورثة الانبياء» (222) . و في مقبولة ابن حنظلة: «انه الحاكم من جانبهم » (223) . و في التوقيع الرفيع: «انه حجة من جانبهم » (224) . و لا شك ان مع وجود امين الشخص و خليفته و حجته و الحاكم من جانبه و وارثه
الاعلم بمصالح امواله و الابصر بمواقع صرفه الابعد عن الاغراض الاعدل في
التقسيم و لو ظنا، لا يعلم الاذن في تصرف الغير و مباشرته، فلا يكون جائزا. نعم، لو تعذر الوصول اليه جاز تولي المالك، كما استظهره بعض المتاخرين و زاد:
او تعسر (225) . و لا باس به اذا تعسر الاستئذان منه ايضا و لو بالكتابة و الرسالة و كان هناك
ارباب فقر و حاجة، و الاحوط حينئذ مباشرة المالك باطلاع عدول المؤمنين. و هل تجب مباشرة الفقيه بنفسه للتقسيم، كما هو ظاهر الاكثر (226) ؟ ام يجوز له الاذن لغيره و تولي الغير باذنه، كما عن الدروس (227) و بعض مشايخ
والدي قدس سره؟ و الاول احوط، و الثاني اظهر اذا كان الغير امينا عدلا عارفا بمواقع
التقسيم و احكامه، سيما اذا كان مجبورا بنظر النائب نفسه و اطلاعه.