مستند الشیعه فی احکام الشریعه جلد 10

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مستند الشیعه فی احکام الشریعه - جلد 10

احمد بن محمد مهدی النراقی؛ تحقیق: مؤسسة آل البیت (ع) لاحیاء التراث

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



كتاب الصوم و يلحقه الاعتكاف


و فيه اربعة مقاصد:

المقصد الاول: في بيان ماهيته و ما يتحقق به


و هو في اللغة: الامساك بقول مطلق، كما صرح به جماعة (1) ، او امساك الانسان (2) ، او
كل حيوان عن الطعام كما قيل (3) .

و شرعا: الامساك بالنية و القصد عن تناول اشياء مخصوصة، عمدا، في وقت مخصوص، من شخص
خاص، اي من يصح الصوم عنه.

فلا بد لنا في كشف ماهيته الشرعية من شرح امور خمسة في فصول خمسة:

الفصل الاول: في النية


و لا خلاف في اعتبارها، و لا ريب في وجوبها و بطلان الصوم بتركها عمدا او
سهوا، اذ لا عمل الا بنية، و لا فائدة بعد ذلك في الكلام في كونها شرطا او شطرا
ركنا.

و هاهنا مسائل:

المسالة الاولى:


يعتبر في النية القصد الى الفعل مع القربة، و اعتبارهما فيها قطعي اجماعي، كما مر
في بحث الوضوء، و لا يعتبر غيرهما مما اعتبره بعضهم، كنية الوجه و الاداء و
القضاء و غير ذلك.

نعم، يعتبر قصد المعين و المميز، حيث يمكن ايقاع الفعل على وجوه متعددة شرعا و لم
تتداخل الوجوه، كالنذر المطلق، و النافلة و الاجارة، و القضاء، اذا اجتمعت كلا
او بعضا، اجماعا محققا، و محكيا عن ظاهر المعتبر و المنتهى و التنقيح و صريح
التحرير (4) ، و قد مر وجهه مستوفى.

و اما لو لم يمكن الايقاع كذلك شرعا، او كان و لكن امكن تداخل الوجوه، لم يعتبر
ذلك ايضا.

و تفصيل الكلام في ذلك المقام: ان المكلف اما يكون بحيث يمكن له ايقاع الصوم
على وجوه عديدة شرعا-بان تكون عليه صيام متعددة، وجوبا او ندبا، او وجوبا وندبا،
و يكون الوقت صالحا لجمعيها، و لا تتداخل تلك الوجوه، اي لا يكفي الواحد للجميع-او
ليس كذلك.

و الاول: ما ذكرنا من اعتبار قصد المعين و المميز فيه-اي في نوعه لا في
اصنافه او افراده، اذا لم تختلف آثارها-فلو نذر صوم يوم ثم نذر صوم يوم
آخر لا يلزم تعيين النذر الاول او الثاني اذا لم يختلف النذران من حيث الاثر،
و كذا قضاء اليوم الاول او الثاني، او نحو ذلك.

و الثاني: على قسمين، لانه اما لا يمكن له ايقاع الصوم على وجوه متعددة، او يمكن
و لكن يمكن تداخل تلك الوجوه.

و القسم الاول على نوعين، لان عدم الامكان اما لاجل عدم صلاحية الوقت لغير
صوم واحد، او لاجل عدم اشتغال الذمة وجوبا او ندبا بغير واحد.

و النوع الاول على ثلاثة اصناف: صوم شهر رمضان، و النذر المعين، و غيرهما
كالاجارة المعينة او القضاء المضيق.

و الجميع خمسة مواضع، لا بد من البحث عن كل منها على حدة:

الموضع الاول: صوم شهر رمضان.

المشهور عدم اشتراط تعيين السبب-و هو كونه صوم رمضان-و كفاية قصد الصوم مع
القربة، بل عن الغنية و التنقيح و ظاهر المختلف و التذكرة و المنتهى: الاجماع
عليه (5) ، للاصل، و عدم دليل على اشتراط التعيين في مثل المقام، فانه لم يثبت الا
وجوب صوم هذا الشهر و قد تحقق.

و يلوح الى ذلك قوله عليه السلام في رواية الزهري: «لان الفرض انما وقع على
اليوم بعينه » (6) .

و ان زدنا عليه نقول: بشرط ان لا يكون الصوم صوما آخر، و هو ايضا متحقق، لاستحالة
وقوع صوم آخر فيه، و لان اعتباره انما كان لدفع اشتراك الفعل حتى يطابق احد
الامرين معينا و تتحقق الصحة، و لا اشتراك هنا، فيكون الوقت كالمميز الخارجي
الموجب لانطباق الفعل على واحد معين.

و في الذخيرة حكاية الخلاف عن نادر، فاعتبر تعيين السبب، لتوقف الامتثال
على الاتيان بالفعل المامور به من جهة انه مامور به للسبب الذي امر به (7) .

و فيه: منع التوقف على الجزء الاخير.

هذا، و التحقيق ان يقال: ان على ما هو التحقيق في امر النية من انها هي مجرد
الداعي المخطور بالبال، و كون شهر رمضان معروفا، و وجوب صومه ضروريا، لا يمكن
فرض المسالة الا بتعمد الخلاف على الله تعالى، و عدم قصد صوم رمضان، او بالذهول
و الغفلة عن الشهر، او عن وجوب صومه.

و الاول لا يمكن القول بصحته، لانتفاء قصد التقرب معه قطعا.

و الثاني على قسمين، لانه اما يكون مع الالتفات و الشعور الى صوم غير رمضان و
ينوي ذلك الغير، او يكون مع الذهول عنه ايضا.

و الاول غير مفروض المسالة، بل هو المسالة الآتية المتضمنة لحكم من نوى صوم غير
رمضان فيه.

فبقي الثاني، و لا شك انه فرض غير متحقق الوقوع او نادر جدا، و مع ذلك فهو على
قسمين، لان الغفلة و الذهول اما يكون عن وجوب مطلق الصوم ايضا، او يكون عن
مجرد الشهر او وجوب صومه بخصوصه.

فعلى الاول ايضا لا معنى لصحة الصوم، لان الصحة موافقة المامور به، و لا امر
حينئذ بصوم رمضان، لامتناع تكليف الغافل، و لا بصوم، لذهوله عنه، بل قصد التقرب
حينئذ ايضا غير متصور غالبا، و لكن لا تترتب عليه فائدة بعد انتفاء التكليف.

نعم، تظهر الفائدة حينئذ في القضاء، و تحقيقه ايضا مشكل، من حيث ان القضاء بامر جديد،
و شمول اوامر القضاء لمثل ذلك الشخص الآتي بالصوم غير معلوم، و من حيث ان صومه
لعدم موافقته لامر لا يتصف بالصحة فيكون كغير الصائم، فتشمله ادلة القضاء.

و على الثاني يكون صومه صحيحا، و لا يضر عدم قصد التعيين، لما ذكر اولا، و شعوره
لاصل وجوب الصوم يكفي للتكليف و الصحة و لو كان ذاهلا عن خصوصية الشهر.

هذا كله اذا لم يكن عدم تعيين السبب للجهل برؤية الهلال، و اما معه فهو مسالة
اخرى ياتي بيانها.

و الموضع الثاني: النذر المعين.

و الاقوى فيه ايضا عدم اشتراط قصد السبب، وفاقا لجمل السيد و الحلي و
المنتهى و القواعد و التذكرة و الارشاد و التبصرة و الروضة و المدارك (8) ، لما مر
بعينه من عدم الاشتراك، و الاصل، فان بالنذر في يوم لم يثبت الا وجوب صوم هذا
اليوم، و اما وجوب صومه بقصد انه منذور فلا.

و خلافا لجمل الشيخ و خلافه و مبسوطه و الشرائع و النافع و المختلف و الدروس و
اللمعة و البيان (9) ، لان الاصل وجوب تعيين المنوي و ان لم يكن على المكلف غيره
اذا احتمل الزمان لغيره و لو بالنسبة الى غيره من المكلفين، اذ الافعال انما
تقع على الوجوه المقصودة، خولف في شهر رمضان بالاجماع، فيبقى الباقي، و لصلاحية
الزمان بحسب الاصل له و لغيره فلا يجدي التعين بالعرض (10) .

و رد الاول: بمنع الاصل، مع ان الوجه في ترك العمل به في شهر رمضان ليس الاجماع
فقط، بل عدم امكان وقوع غيره فيه شرعا، حيث انه موجب لانطباق الفعل على الامر به،
و هو ثابت فيما نحن فيه ايضا.

فان قيل: على التحقيق في امر النية لا ينفك قصد السبب الا مع السهو او الذهول عن
النذر او اليوم، و مع احدهما لا بد من قصد سبب آخر ليتحقق قصد القربة، و حينئذ فيبطل
الصوم، لانه لا يمكن انطباقه على المنذور، لقصد غيره، و لا على الغير، لعدم صلاحية
الزمان.

قلنا: -مضافا الى ان عدم صلاحية الزمان لغيره مختص بما لا يتداخل معه-ان
الانطباق بالقصد انما هو اذا لم يكن مرجح آخر للانطباق بغير المقصود و الا
فينطبق عليه.

بيان ذلك: انه اذا تعلق امران بصومين غير متداخلين-مثلا-و اتى المكلف بصوم
من غير تعيين بالقصد و لا: بمميز خارجي، نقول: انه لا يوافق الامرين، لعدم
التداخل، و لا واحدا غير معين، لعدم معقولية البراءة عن واحد غير معين من الامرين
المختلفين آثارا و توابع، و لا واحدا معينا، لبطلان الترجيح بلا مرجح فيبطل
العمل.

و اما مع وجود مرجح كعدم صلاحية الوقت الا لواحد فينطبق عليه قطعا فيكون صحيحا،
على ان المامور به ليس الا الصوم الواقع في يوم النذر، و قد تحقق، فيحصل
الانطباق قطعا، و قصد الزائد الغير الممكن التحقق غير مؤثر.

نعم، لو كان المامور به الصوم المنذور-بحيث يكون القيد جزءا له او قيدا-لجاء
الاشكال، و هو ممنوع.

فان قيل: الانطباق عليه انما يكون لو لم يعارضه قصد الآخر.

قلنا: القصد انما يفيد في الانطباق مع الامكان، و اما بدونه فلا يفيد، بل يتحقق قصد
الزائد لغوا، غير مؤثر في صحة و لا بطلان.

فان قيل: لا شك ان الامتثال موقوف على القصد، فاذا لم يقصد المكلف اطاعة ذلك
الامر-بل قصد اطاعة امر آخر غير ممكن التحقق في ذلك اليوم-لم يتحقق امتثال،
اما الامر الاول فلعدم قصد امتثاله، و اما الثاني فلاستحالة وقوعه اذا لم
يتداخل مع الصوم المنذور.

قلنا: الامتثال يتوقف على قصد امتثال مطلق الامر الحاصل بقصد القربة، و لا يتوقف
على قصد امتثال كل امر بخصوصه، فانه اذا امر المولى عبده باعطاء درهم لزيد و
درهم لعمرو، و هو اعطى زيدا درهما بقصد اطاعة المولى و لكن يظن انه عمرو، يمتثل
امر الاعطاء لزيد قطعا، و لا يكلف اعطاء الدرهم لزيد ثانيا قطعا.

ثم التفصيل و التحقيق في هذا الموضع ايضا يعلم مما سبق في الموضع الاول.

الموضع الثالث: غير المذكورين، مما يتعين وقته و لا يصلح الزمان لغيره،
كالاجارة المعينة، و القضاء المضيق.

و الحق فيه: اشتراط تعيين السبب، كما عن الشيخ و ابن حمزة و الفاضلين و فخر
المحققين (11) ، بل لم اجد فيه خلافا، فيبطل الصوم لو لم يعين السبب و قصد الصوم
ذاهلا عن كونه بالنيابة او للقضاء-مثلا-و عن نية غير هذا الصوم ايضا، و اما
معها فهي مسالة اخرى تاتي.

و انما قلنا: انه يبطل الصوم، لعدم كون هذا الصوم المعين مشروعا و مقصودا،
فلا وجه لانطباق الفعل بالامر بالغير، و لاصالة عدم تحقق هذا المعين و
استصحاب الاشتغال به.

و الفرق بين ذلك و بين المذكورين: ان الثابت شرعا فيهما ليس الا وجوب
الاتيان بالصوم و كونه في اليوم المعين-اي ظرفيته له-و قد تحقق الامران، و
الاصل عدم الاشتغال بغيره.

بخلاف ذلك، فان المستاجر لم يرد من الاجير صوم الايام المعينة مطلقا، و لم
يستاجره للصوم مطلقا-و لو كان كذلك لقلنا بعدم اشتراط تعيين السبب-بل
استاجره للصوم عن شخص معين، فالثابت شرعا امور ثلاثة: الصوم، و النيابة عن
الغير، و كونه في ايام معينة، و لا يحصل الثاني الا بالقصد، فيكون شرطا.

و كذا القضاء المضيق، فانه لا دليل شرعا على وجوب الصوم بالاطلاق في ايام
تضيق القضاء حتى تبرا الذمة بالاتيان به و يجري الاصل في الزائد، بل
لثابت شرعا هو وجوب الصوم قضاء فيها، و وقع امر الشارع بالقضاء بمثل قوله: «اقض »
او: «تقضي » او: «صم قضاء» و لا تعلم صيرورته قضاء الا بقصده.

فان قيل: كما ان اليوم المعين في شهر رمضان و النذر المعين ظرف للصوم، كذلك
القضاء و النيابة وصف له، فما الفرق في لزوم تعيين ذلك في النية دونه؟

قلنا: الفرق ان المطلوب حصول ذلك الظرف و الوصف، و الاول حاصل في الخارج من
غير احتياج الى النية، بخلاف الثاني، فانه لا تحقق له الا بالقصد، و على هذا فلك
ان تجعل مناط ما يجب تعيينه بالقصد و ما لا يجب: قيد المامور به، الذي لا وجود له
الا بالقصد، و ماله وجود بنفسه، فما كان من الاول يجب قصده، و ما كان من الثاني
لا يجب.

و مما ذكرنا علم المناط و الضابط فيما يعتبر فيه قصد التعيين و ما لا يعتبر
فيه.

الموضع الرابع: ما لم يتعلق بذمة المكلف غير صوم واحد واجب او ندب.

و لا تعتبر فيه ايضا نية التعيين و قصد السبب، الا اذا كان السبب قيدا
للمامور به او جزءا له و لم يتعين الا بالقصد، كما مر في الموضع السابق.

الموضع الخامس: ما تعددت وجوه الصوم و لكن امكن تداخلها.

و لا يعتبر فيه التعيين، بل يكفي قصد الصوم مطلقا عن الجميع، لما اثبتناه من
اصالة تداخل الاسباب، بل يكفي قصد واحد معين عن الجميع ايضا، لما اثبتناه في
موضعه من التداخل القهري فيما يمكن فيه التداخل، و اصالة عدم اشتراط التعيين،
الا فيما كان احد المتداخلين او كلاهما مما كان قصد السبب جزءا للمامور به
فيه، فيجب قصده.

و على هذا، فلو نذر صوم ايام البيض من كل شهر، و صوم يوم قدوم مسافره، و
اتفق قدومه في احد ايام البيض، يكفي صوم واحد للامرين، لاصالة التداخل.

و لا يشترط قصد التعيين، للاصل، فان الثابت ليس الا وجوب الصوم في هذا اليوم
و قد تحقق، غاية الامر انه يكون لوجوبه سببان، و ذلك لا يقتضي التعدد و لا قصد السبب.

و كذا لو نذر صوم يوم قدوم مسافره، و قدم احد ايام البيض، فيكفي صوم
لواجبه و مستحبه، و هكذا في اجتماع المندوبين.

فرعان:


ا: عن الشهيد في البيان: الحاق الندب المعين-كايام البيض-بشهر رمضان في
عدم افتقاره الى التعيين (12) ، للتعيين هناك باصل الشرع.

بل عنه في بعض تحقيقاته: الحاق مطلق المندوب به، لتعيينه شرعا في جميع الايام الا
ما استثني (13) ، و استحسنه جماعة كما قيل (14) ، و تنظر فيه اخرى.

اقول: التعيين باصل الشرع انما يفيد في التعيين لو امتنع وقوع غيره فيه، و ذلك
مختص بالواجب، و اما المندوب فليس كذلك، فان ايام البيض لم تتعين للصوم
المندوب فيها..و كذلك مطلق الايام لمطلق المندوب، لجواز وقوع غيرهما فيهما، بل
وقوعه كثيرا، فالانصراف اليهما موقوف على صارف.

و التحقيق: ان التعين الندبي غير مفيد في ذلك، بل ليس تعينا ندبيا ايضا، لان
التعين الندبي ان يكون غيره فيه مرجوحا، و ليس كذلك، بل اللازم فيه ايضا
الاناطة بما مر، من عدم الاشتراك و التداخل و جزئية السبب، فان لم يكن على
المكلف غير الصوم المندوب في كل يوم الا ما استثني تكفي فيه نية مطلق الصوم.

و كذا اذا اجتمعت اصوام متداخلة مندوبة او مندوبة و واجبة، تكفي نية المطلق اذا
لم يكن تعيين السبب جزء المامور به، و يجب التعيين في غير ذلك، فلو كان عليه
قضاء و كفارة و نيابة و مستحب، و نوى مطلق الصوم مترددا بين هذه الامور، بطل.

نعم، لو كان ذاهلا عن الامور المذكورة و نوى الصوم، فالظاهر صحته للمستحب،
لان قصده القربة لا يكون الا مع الالتفات اليه، و لو فرض امكان تحقق الذهول عن
الجميع و قصد القربة فيبطل، و لكنه فرض غير متحقق.

و كذا لو كان على احد صوم عن غيره مندوبا-كان يطلب منه احد ليصوم عن والده مثلا
و قبل ذلك رجحانا لقضاء مطلوب اخيه المؤمن، او اراد قضاء صيام محتمل الفوات
او مظنونه و قلنا باستحبابه-لا ينصرف الى احدهما الا بقصد السبب.و تكفي نية مطلق
الصوم في ايام البيض عن صومها و لو كان عليه الصوم المستحب في كل يوم،
للتداخل، و هكذا.

ثم انه قد تحصل من جميع ما ذكرنا: انه اذا كان المامور به متعددا غير متداخلة و
لا متميزة بمميز خارجي، و كانت مختلفة الآثار، او كان له قيد مطلوب لا يحصل الا
بالقصد، يعتبر التعيين بالقصد.

و ما كان غير ذلك لا يعتبر فيه ذلك، سواء في ذلك الصوم و غيره من العبادات،
من الطهارات و الصلوات و غيرهما.

ب: لما كان الاصل-على الاقوى-تداخل الاسباب، فالاصل في انواع الصيام
التداخل الا ما ثبت فيه العدم، و مما ثبت فيه عدم التداخل:

صوم شهر رمضان، و النيابة عن الغير، و القضاء، و النذر معينا، و مطلقا، و الكفارة،
فانها لا يتداخل بعضها مع البعض اجماعا.

و يتداخل النذر المطلق و المعين (15) مع صوم ايام البيض، و هو مع صوم دعاء
الاستفتاح (16) ، و هو مع القضاء (17) ، و نحو ذلك.

المسالة الثانية:


لو نوى في شهر رمضان صوما غيره مع وجوب الصوم عليه، فان كان مع الجهل بالشهر
فالظاهر عدم الخلاف في الصحة و الاجزاء عن رمضان، كما ياتي في صوم يوم الشك.

و ان كان مع العلم بالشهر فلا يقع الصوم عن المنوي اجماعا، لعدم وقوع صوم غيره
فيه كما ياتي.

و هل يقع عن رمضان او يبطل؟ فيه قولان:

الاول: للخلاف و المبسوط و جمل السيد و الغنية و الوسيلة و المعتبر و الشرائع (18) .

و الثاني: للحلي و الشهيد و المفاتيح (19) ، و استجوده في المختلف اولا (20) و في المدارك
مطلقا (21) ، و نسب الى ظاهر علي بن بابويه (22) .

و ظاهر الفاضل في جملة من كتبه و صاحب الكفاية التردد (23) .

حجة الاول: ان النية المشروط حاصلة، و هي نية القربة، اذ التعيين غير لازم، و ما
زاد لغو لا عبرة به، فكان الصوم حاصلا بشرطه، و يجزئ عنه.

و رد: بان نية القربة بلا تعيين انما تكفي لو لم ينو ما ينافي هذا الصوم (24) .

و فيه: منع تاثير نية المنافي، مع عدم امكان وقوعه.

نعم، يرد عليه: ان حصول القربة مطلقا ممنوع، لان نية الغير مع العلم بالشهر اما تكون
مع السهو عن وجوب صوم الشهر او الجهل به، كان يريد السفر بعد الزوال، او دخل
الوطن قبله و ظن عدم صحة صومه للشهر، او مع العلم به و تعمد الخلاف مع الله سبحانه..
و ظاهر ان قصد القربة غير متصور في الاخير.

و حجة الثاني: التنافي بين نية صوم رمضان و نية غيره.

و بانه منهي عن نية غيره، و النهي مفسد.

و بوجوب مطابقة النية للمنوي.

و بان لكل امرئ ما نوى، و الاعمال بالنيات، و لم ينو رمضان، فليس له.

و يرد على الاول: ان التنافي مسلم، و لكن لم لا يجوز ان تكفي في صحة صيام رمضان
نية الامساك مع التقرب، و لا تعتبر فيها نية خصوصية كونه صوم رمضان؟ ! بل
الامر كذلك كما مر.

و على الثاني: اولا: بان النهي مخصوص بصورة تعمد الخلاف لا غيره.

و ثانيا: بان النهي متعلق ببعض اجزاء النية الخارجة عن حقيقة العبادة و نية القربة
معا، فلا يفسد شي ء منهما.

و على الثالث: بمنع وجوب المطابقة الكلية، و الجزئية حاصلة.

و على الرابع: بان لازمه كون الصوم المتقرب به له، و لوقوعه في شهر رمضان يكفي
عنه، و اما الزائد فلعدم امكانه لا يكون له.

و مما ذكرنا يظهر ان الحق في المسالة: التفصيل بالبطلان مع تعمد الخلاف، و الصحة
في غيره.

اما الاول، فلانتفاء القربة المعتبرة قطعا.

و اما الثاني، فلوقوع الصوم في شهر رمضان.

اما وقوع الصوم، فلانه امساك مخصوص بنية التقرب، و قد حصل.

و اما كونه في شهر رمضان، فظاهر، و الاصل عدم اشتراط غيره حتى انتفاء نية
الغير ايضا، و ايضا الزائد المنوي لا يتحقق، لعدم صلاحية الوقت.

و اما عدم وقوع الصوم المتقرب به، فلا وجه له، و بعد وقوعه و كونه في شهر رمضان
يكون كافيا عنه. و الى هذا التفصيل يلوح كلام ابن شهر آشوب في متشابه القرآن (25) .

فان قيل: -على ما هو التحقيق في باب النية-لا يتحقق فرض المسالة الا مع الخلاف مع
الله سبحانه، او الغفلة عن الشهر او وجوب صومه بالمرة، و على التقديرين لا
تتصور الصحة. اما على الاول، فظاهر.

و اما على الثاني، فلان الصحة ليست الا موافقة المامور به، و هي هنا غير ممكنة،
لان صوم غير رمضان غير ممكن الوقوع حتى يوافقه الفعل، و اما رمضان فغير مامور
به، لامتناع تكليف الغافل.

قلنا: يمكن ان يدفع الاشكال بوجوه:

احدها: ان ما لا يمكن وقوعه في شهر رمضان: الصوم المقيد بكونه غير صوم رمضان لا
الصوم المطلق، و الذي اوجب الذهول رفع التكليف عنه ايضا: هو الصوم المقيد
بكونه صوم رمضان لا المطلق، فيقع مطلقة الحاصل في ضمن نية الغير بعد عدم تحقق
الغير صحيحا، و لوقوعه في شهر رمضان يكون كافيا عنه.

فان قيل: المطلق لا يتحقق الا في ضمن احد المقيدين.

قلنا: ليس كذلك، لان للصوم افراد: المقيد بهذا القيد و بذاك و الصوم المطلق، الا
ترى انه يمكن قصد الصوم قربة الى الله، من غير التفات الى انه من رمضان او من
غيره، و يكون صحيحا، لموافقته لمطلقات الامر بالصوم.

نعم، مطلق الصوم-الذي هو الجنس-لا يكون الا مع احد الثلاثة.

فان قيل: تحقق الصوم المطلق بحسب الوعاء الخارجي غير ممكن، لانه اما في رمضان
او في غيره، و بحسب القصد موقوف على قصد الاطلاق، او عدم قصد الغير، و هما منتفيان
هنا.

قلنا: نمنع التوقف، بل يتحقق بالغاء قصد الغير و عدم امكان تحققه ايضا، فيقع الصوم
صحيحا و قيده ملغيا.

و ثانيها: ان يقال: ان المراد براءة ذمة المكلف، و هي حاصلة، اما عن صوم رمضان
فللغفلة الموجبة لانتفاء التكليف، و اما عن قضائه فلانه بامر جديد، و شمول اوامره
لمثل ذلك الشخص غير معلوم.

و ثالثها: انا لا نسلم عدم وقوع صوم غير رمضان فيه مطلقا، و انما هو مع العلم
بالشهر و بوجوب صومه، اما مع الغفلة عنهما فلا، كما ياتي، فيكون المنوي صحيحا و
كان مجزئا عن صوم رمضان، للعلة المذكورة في رواية الزهري (26) ، و لان المطلوب من
الاجزاء عدم العصيان و سقوط القضاء، و هما متحققان، اذ لا اثم مع الغفلة، و القضاء
بامر جديد.

فرع: لو نوى غير المنذور في النذر المعين، فان كان مع الشعور باليوم و النذر
فيه، و كان قصد الغير مخالفة لله او لجهل بالمسالة غير موجب للعذر، فيبطل صومه،
لانتفاء القربة.

و ان كان مع الذهول او الجهل المعذر، فالحق: صحة الصوم الذي قصده، لعدم المانع،
اذ ليس الا النذر، و هو-مع الغفلة المذكورة المانعة عن التكليف به-لا يصلح للمانعية،
اذ يكون كيوم لا نذر فيه.

و دعوى الاجماع في الدروس-على عدم تادي المنوي (27) -غير مسموعة، و لذا احتمل في
المدارك التادي، بل احتمله في رمضان ايضا (28) .

و هل يجب قضاء المنذور؟

الحق: لا، اما ان كان المنوي ما يتداخل مع المنذور-كالصوم المطلق او الشكر او
ايام البيض-فظاهر، و اما ان كان غيره-كالقضاء و النيابة-فلان القضاء فرع امر
جديد، و ثبوت امر بالقضاء-مع تحقق الصوم الصحيح في هذا اليوم-غير معلوم، و يومئ
اليه خبر الزهري المتقدم.

و لو نوى غير الواجب في الواجب المعين غير النذر-كالاجارة المعينة و القضاء
المضيق-فيبطل مع الالتفات و العصيان، و يصح المنوي مع الغفلة عن الواجب، لما مر،
و لا يصح عن الواجب، لاشتراط قصده المنفي هنا.

المسالة الثالثة:


لو صام يوم الشك بنية آخر شعبان اجزا عن رمضان اذا انكشف انه منه، بلا خلاف
مطلقا في الرسيات (29) ، و يقال: بل بين المسلمين، كما عن ظاهر المعتبر و المختلف (30) ،
و بالاجماع كما في المسالك و المدارك (31) و غيرهما (32) ، بل هو اجماع محقق، و هو
الدليل عليه.

مضافا-مع ما مر-الى النصوص المستفيضة الدائرة بين ما يصرح بالاجزاء مع
الصوم من شعبان، كموثقة سماعة و فيها: «انما يصام يوم الشك من شعبان و لا
يصومه من شهر رمضان، لانه قد نهي ان ينفرد الانسان بالصيام في يوم الشك، و
انما ينوي من الليلة انه يصوم من شعبان، فان كان من شهر رمضان اجزا عنه، بتفضل
الله تعالى، و بما قد وسع على عباده » (33) .

و رواية الزهري الطويلة الواردة في وجوه الصيام، و فيها: «و صوم يوم الشك
امرنا به و نهينا عنه، امرنا به ان نصومه مع صيام شعبان، و نهينا عنه ان ينفرد (34)
الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس » فقلت له: جعلت فداك، فان لم يكن
صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال: «ينوي ليلة الشك انه صائم من شعبان، فان كان من
شهر رمضان اجزاه عنه، و ان كان من شعبان لم يضره » فقلت: و كيف يجزئ صوم تطوع عن
فريضة؟ فقال:

«لو ان رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا و هو لا يعلم انه من شهر رمضان ثم
علم بعد ذلك لاجزا عنه، لان الغرض انما وقع على اليوم بعينه » .

و بين ما هو مطلق يدل على المطلوب بالاطلاق، كصحيحة الاعرج (35) ، و روايتي
النبال (36) ، و محمد بن حكيم (37) ، و حسنة ابن وهب:

الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان فيكون كذلك، فقال:

«هو شي ء وفق له » (38)

و قريبة منها موثقة اخرى لسماعة على نسخة الكافي (39) .

و الاستدلال بالاخيرتين انما هو مبني على جعل قوله: من شهر رمضان، متعلقا بقوله:
يشك، للاخبار الدالة على عدم جواز صومه من شهر رمضان.

و اما صحيحة محمد: في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان، فقال عليه
السلام: «عليه قضاؤه و ان كان كذلك » (40) .

و صحيحة هشام بن سالم: في يوم الشك: «من صامه قضاه و ان كان كذلك » (41) ..

فلا تنافيان ما مر، لان الاولى مخصوصة بالصوم بنية رمضان، و الثانية و ان
كانت مطلقة الا انه يجب تخصيصها بذلك، لخصوصات الاجزاء مع قصد انه من شعبان.

فان قيل: اختصاص الاولى انما هو اذا كان قوله: من رمضان، متعلقا ب: يصوم، و هو
غير معلوم، لاحتمال التعلق بقوله: يشك، بل هو اولى، لقربه.

قلنا: -مع انه مع الاجمال و الاحتمال المذكور لا تعلم المنافاة-انه على الثاني
تصير كالرواية الثانية مطلقة لازمة التخصيص، كما خصصها بعض الرواة، حيث انه ذكر
بعد الرواية المذكورة: يعني من صامه على انه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه و ان
كان يوما من شهر رمضان، لان السنة جاءت في صيامه على انه من شعبان، و من
خالفها فان عليه القضاء (42) .

فان قيل: ما معنى الفرد الخفي هنا، مع انه لو لم يكن من رمضان لا قضاء ابدا؟ !

قلنا: لا يلزم ان يكون الفرد الآخر القضاء لو لم يكن من رمضان، بل المراد: خفاء هذا
الحكم لو كان من رمضان بالنسبة الى الحكم بعدم القضاء، حيث انه يوم صوم وقع
فيه الصوم بنيته، فكان الاظهر عدم القضاء، فقال عليه السلام: «عليه قضاؤه و
ان كان يوم رمضان » ، و كان الاظهر مع وقوع الصوم فيه لله بنيته عدم القضاء.

و من هذا يظهر وجه الشرطية لو كان التشبيه للنية و كان معنى قوله:

«و ان كان كذلك » : و ان كانت النية انه من رمضان.

و على الصوم بنية رمضان تحمل الاخبار الناهية عن صوم يوم الشك بقول مطلق،
لما ذكر، او على التقية، حيث ان تحريمه مذهب العامة كما ياتي.

فروع:


ا: الحق الشهيدان بشهر رمضان كل واجب معين فعل بنية الندب مع عدم العلم (43) ، و نفى
عنه الباس جملة ممن تاخر عنهما، كالمدارك و المفاتيح و الذخيرة (44) .

و توقف فيه صاحب الحدائق، استنادا الى ان الحاقه بالمذكور نوع قياس (45) .

و هو غير جيد، اذ الالحاق ليس للقياس، بل للعلة المنصوصة في رواية الزهري، و لان مع
الجهل لا تكليف بالمعين، و القضاء بامر جديد غير معلوم في مثل المورد الذي وقع
فيه الصوم الصحيح.

و لكن هذا الكلام انما يتم في النذر المعين، اما مثل الاجارة المعينة و القضاء
المضيق فلا، اذ لا حاجة فيهما الى امر جديد، بل الاصل بقاء المؤجر له و القضاء في
الذمة.

نعم، مقتضى التعليل المنصوص الكفاية فيهما ايضا، و لكن مع ذلك الاحوط عدم
الاكتفاء في المؤجر له و القضاء بذلك، بل هو الاظهر ايضا، لامكان الخدش في دلالة
الرواية، لان المراد منها ان الفرض-الذي هو الصوم-قد وقع على اليوم و لا واجب
غيره، و الفرض فيهما ليس هو الصوم بغير قيد، بل الصوم عن المندوب عنه و للقضاء، و
لم يقع ذلك في اليوم بعينه.

و مثل الصوم بنية شعبان: الصوم بنية ندب آخر او الندب مطلقا، كما صرح به في
الدروس و الروضة (46) و غيرهما (47) ، لعدم القول بالفصل، و لصحة صومه، و عدم تكليفه بصوم
رمضان، و عدم وجوب القضاء لما ذكرنا مرارا.

ب: لو صام يوم الشك بنية رمضان لم يجزى ء عنه و لا عن شعبان على الاقوى، وفاقا
للصدوقين و السيد (48) و الشيخ في غير الخلاف (49) و الحلبي و الديلمي و القاضي و الحلي و
ابن حمزة (50) ، بل للاشهر كما صرح به جماعة (51) ، و عزاه في المبسوط الى الاصحاب (52) ،
مؤذنا بدعوى الاجماع عليه.

للنهي المفسد للعبادة و لو من جهة شرطها، كما في المستفيضة المتقدمة بعضها، و منها
رواية اخرى للزهري: «يوم الشك امرنا بصيامه و نهينا عنه، امرنا ان يصومه
الانسان على انه من شعبان، و نهينا ان يصومه على انه من شهر رمضان و هو لم ير
الهلال » (53) .

و رواية سهل بن سعد، و فيها: «و ليس منا من صام قبل الرؤية للرؤية » (54) .

و رواية الاعشي: «نهى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن صوم ستة ايام:

العيدين، و ايام التشريق، و اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان » (55) .

و رواية عبد الكريم: «لا تصم في السفر و لا العيدين و لا ايام التشريق و لا اليوم
الذي يشك فيه » (56) .

و هو و ان كان في اكثرها مطلقا الا انه يجب تقييده بما اذا كان بنية رمضان، او
لم يكن بنية شعبان، بشهادة موثقة سماعة (57) ، و رواية الزهري المتقدمة، المعتضدة
بالشهرة العظيمة، بل الاجماع على جواز ما لم يكن بنية رمضان، و التعبير في
الموثقة و ان كان بالجملة الخبرية الا ان ما بعد الجملة صريح في انها للنهي.

و بما ذكر يجمع بين مطلقات النهي و مطلقات الجواز، بحمل الاولى على ما كان
بنية رمضان، و الثانية على غيره.

و لا يرد: ان النهي المطلق مذهب العامة، فمع التعارض مع اخبار الجواز المطلق
يجب حمل اخباره على التقية.

لانه انما هو اذا لم يكن شاهد من كلام اهل العصمة و فتاوى عظماء الفرقة على جمع
آخر، مع ان الموثقة و رواية الزهري اخصان مطلقا من كل من المطلقين، فيجب
تقييدهما بهما، كما هي القاعدة المجمع عليها، و هي على الحمل على التقية مقدمة. و لا
ان الروايتين ضعيفتان.

لان ضعف السند-بعد اعتبار اصل الرواية-غير مضر، مع ان احداهما موثقة، و هي في
نفسها كالصحيح حجة، و كليهما معتضدتان مجبورتان بالشهرة العظيمة المحققة و
المحكية.

و تدل على المطلوب ايضا صحيحتا محمد و هشام المتقدمتان (58) ، الدالتان على
وجوب القضاء مطلقا، الواجب تخصيصهما بما اذا كان بنية رمضان او لم يكن بنية
شعبان.

لا لاجل رجوع الجار في اولاهما الى قوله: يصوم.

و لا لتصريح ذيل الثانية بذلك.

و لا لانهما ان ابقيتا على اطلاقهما حتى يشمل ما وقع بنية شعبان ايضا لكانتا
متروك العمل بهما اجماعا، و حمل الحديث على ما يصح الاعتماد عليه اولى من
ابطاله بالكلية.

حتى يرد الاول: باحتمال رجوعه الى قوله: يشك.

و الثاني: باحتمال كون تفسير الذيل لبعض الرواة دون الامام عليه السلام، و
لا حجية فيه.

و الثالث: بعدم دليل على ان اولوية حمل الحديث على معنى يصح الاعتماد عليه من
ابطاله تصلح لجعل ذلك المعنى حجة في المسالة، مع ان الحمل على التقية ايضا معنى
يصلح للاعتماد.

بل لما ذكرناه غير مرة، من تعارضهما مع الموثقة و الروايتين، و كون الثانية
اخص مطلقا منهما فيجب تخصيصهما بها، كما انه بها يجمع ايضا بين الصحيحتين
و بين ما ظاهره نفي القضاء بقول مطلق، كصحيحة الاعرج و ما تعقبها من الاخبار
المتقدمة الاشارة اليها.

و قد حكي الخلاف في المسالة عن القديمين، فحكما بالاجزاء هنا ايضا (59) ، و هو ظاهر
الشيخ في الخلاف (60) ، للمطلقات المذكورة.

بل خصوص حسنة ابن وهب، حيث ان فيها: الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من
رمضان فيكون كذلك، فقال: «هو شي ء وفق له » (61) .

و موثقة سماعة الاخيرة، حيث ان فيها: فصامه من شهر رمضان، قال: «هو يوم وفق له
و لا قضاء عليه » (62) .

و للاجماع المحكي في الخلاف.

و لانه في نفس الامر من رمضان، و عدم معرفته لا يخرجه عن حقيقته، فيكون قد نوى
الواقع، فوجب ان يجزئه.

و ترد المطلقات: بوجوب التخصيص بما ذكر.

و الحسنة: باحتمال تعلق قوله: من رمضان، بالفعل الثاني، بل في النسخ الصحيحة هكذا:
يشك فيه انه من شهر رمضان، فيكون صريحا في ذلك، فيكون كالمطلقات.

و الموثقة-مع معارضتها بمثلها المتقدم و غيره، و مرجوحيتها بالاضمار-:
باختلاف نسخ التهذيب و الكافي، فانها في الثاني هكذا: فصامه فكان من شهر
رمضان، فتكون ايضا كالمطلقات، و اما نسخ التهذيب و ان كانت كما ذكر، و لكن
الشيخ رواها عن الكليني.و على هذا، فلا يبقى اعتماد عليها، مع انها على نسخ
التهذيب ايضا ليست نصا على انه صامه بنية رمضان، لاحتمال كون الظرف حالا من
المفعول، اي صامه حال كونه من رمضان.

و دعوى الاجماع: بعدم حجيتها، سيما مع ظهور مخالفة الاكثر (63) ، و اختلاف نسخ
الخلاف، حيث ان بعضها-على ما حكي-غير مشتمل لتلك الدعوى و ان كان ما عندنا مشتملا
عليها، الا ان الظاهر منه اختصاص دعواه بصورة حصول الظن بانه من رمضان، من
قول عدل و نحوه لا مطلقا، بل يلوح من كلامه التوقف في صورة عدم الظن كما نسبه
اليه في التحرير صريحا (64) ، و في المختلف احتمالا (65) .

و الاخير: باناطة التكاليف بالعلم دون نفس الامر، مع انه اجتهاد في مقابلة النص.

ثم انه لا فرق في عدم الاجزاء بين ما اذا لم تكن هناك امارة موجبة للظن
بالهلال، او كانت امارة غير ثابتة الحجية، كعدل واحد او حساب النجوم و
نحوهما، للاطلاقات، و عدم حجية هذا الظن.

ج: لو نوى يوم الشك واجبا آخر غير رمضان - كالقضاء او النذر او الكفارة او
الاجارة-فهو جائز كما صرح به جماعة، منهم: الفاضل (66) و الشهيدان في الدروس و الروضة (67) ،
للاصل، و كونه زمانا ليس من رمضان شرعا، فيصلح لايقاع صيام غيره فيه، و
الاخبار الناهية عن صوم يوم الشك غير باقية على ظاهرها كما مر.

نعم، في رواية عبد الكريم: اني جعلت على نفسي ان اصوم حتى يقوم القائم، فقال: «لا
تصم في السفر، و لا العيدين، و لا ايام التشريق، و لا اليوم الذي يشك فيه » (68) ، و
مقتضاها حرمة صوم النذر، و لا وجه لردها، فعليه الفتوى، و التعدي الى غيره من
الواجبات يحتاج الى ثبوت الاجماع المركب، و هو غير معلوم.

ثم لو ظهر انه من رمضان اجزا عنه، لا لما ذكره في الدروس من كونه اولى
بالاجزاء من نية الندب (69) ، لمنع الاولوية.

بل للعلة المذكورة في رواية الزهري (70) ، و لما مر من عدم التكليف بصوم رمضان شرعا،
و عدم ثبوت القضاء في مثل المورد.

و هل يجزئ عما نواه؟

مقتضى القاعدة: نعم.و قيل: لا، لان في شهر رمضان لا يقع غير صومه (71) .و هو حسن ان
ثبتت الكلية حتى في مقام لم يثبت الشهر حين الصوم، و الاحتياط في الاتيان
بالمنوي ثانيا.

د: لو تردد في نية يوم الشك - بان نوى انه ان كان من شهر رمضان كان صائما منه
واجبا، و ان كان من شعبان كان صائما منه ندبا، و هو انما يتصور من الجاهل
بالحكم او الذاهل عنه، و اما العالم الشاعر فلا محالة ينوي كونه من شعبان و ان
علم انه ان كان من رمضان يجزئه عنه-فالحق: صحته و اجزاؤه عن رمضان، وفاقا
للخلاف و المبسوط و ابن حمزة و العماني و المختلف و الروضة (72) ، و حكي عن ظاهر
الدروس و البيان (73) ، و اليه ذهب المحقق الاردبيلي (74) ، و المحدث الكاشاني في
الوافي (75) ، و ان كان تردد في المفاتيح (76) .

اما الصحة، فلوقوع الامساك المخصوص مع نية القربة، لعدم منافاة الترديد لها، و
عدم اشتراط نية الوجه، و اصالة عدم تاثير الترديد الزائد في البطلان، كما لا
تؤثر نية الوجه المخالف على الاقوى.

و القول: بانه لا يلزم من الاكتفاء في صوم رمضان بنية القربة الصحة مع ايقاعه على
خلاف الوجه المامور به، بل على الوجه المنهي عنه..

مردود بان البطلان-مع الايقاع على خلاف الوجه-يحتاج الى دليل، فان نية خلاف
الوجه كيف تؤثر في البطلان على ما هو الحق من عدم كون قصد الوجه مامورا به؟ !

و اما كونه منهيا عنه، فممنوع جدا، اذ المسلم من المنهي عنه و الثابت من
الاخبار هو كونه من رمضان على طريق الجزم، و اما على الترديد فلا دليل على
المنع منه اصلا.

و القول: بان نية التعيين تسقط فيما علم انه من رمضان لا فيما لم يعلم..

مردود بان لزوم نية التعيين فيما لم يعلم موقوف على الدليل عليه، و ليس.

و تدل على المطلوب ايضا رواية النبال: عن يوم الشك، فقال:

«صمه، فان يك من شعبان كان تطوعا، و ان يك من شهر رمضان فيوم وفقت له » (77) .

وجه الدلالة: ان مع ذلك القول من الامام لا يمكن الصوم الا بنية انه ان كان من
شعبان كان تطوعا، و ان كان من رمضان وفق للواجب، فان القصد غير اختياري.

و ما رواه المفيد في المقنعة، عن ابي الصلت، عن الرضا عليه السلام، عن آبائه
عليهم السلام، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من صام يوم الشك
فرارا بدينه فكانما صام الف يوم من ايام الآخرة » (78) ، فان صومه فرارا بدينه
مشعر بترديده و تجويزه الوجوب.

و يدل عليه ايضا ما ورد من اطلاق الرخصة في مطلق الصيام و في صيام يوم الشك،
خرج منه صيامه بنية رمضان باخبار و بقي الباقي، و منه ما كان بنية الترديد.

و القول-بانه لم يرد اذن صريحا في نية الترديد ايضا-مردود بكفاية الاطلاق فيه.

و اما الاجزاء عن رمضان، فلما مر من العلة المنصوصة، و عدم التكليف بصوم
رمضان، و عدم دليل على القضاء.و قد يستدل بوجوه اخر غير تامة لا فائدة في ذكرها.

خلافا لنهاية الشيخ (79) -بل باقي كتبه كما قيل (80) -و السرائر و المعتبر و الشرائع و
النافع و القواعد و التذكرة و الارشاد و التلخيص و المدارك (81) ، بل نسب الى اكثر
المتاخرين (82) .

لان صوم هذا اليوم انما يقع على وجه الندب على ما يقتضيه الحصر الوارد في
النص، فبفعله على خلاف ذلك لا يتحقق الامتثال.

و لان صومه على غير الندب تشريع محرم، فيكون باطلا.

و لاشتراط الجزم في النية حيث يمكن، و هو هنا كذلك..و لعل الى هذا الدليل اشار
الصدوق في الفقيه بقوله: لانه لا يقبل شي ء من الفرائض الا باليقين (83) .

و يرد على الاول: منع شرعية وقوعه على وجه الندب خاصة، بل يقع على الترديد ايضا، و
الحصر الذي ادعاه كانه اشارة الى ما في موثقة سماعة من قوله: «انما يصام يوم
الشك من شعبان، و لا يصومه من رمضان » و قوله فيها: «و انما ينوي من الليلة انه
يصوم من شعبان » (84) .

و الى ما في رواية الزهري من قوله: «امرنا ان يصومه الانسان انه من شعبان » .

و لا يخفى ان الاولين لا يدلان الا على رجحان الصوم من شعبان دون الحصر، و
افادة «انما» للحصر في مثل المورد ممنوعة، كما بينا في الاصول، مع انه على فرض
الافادة لا يفيد الا حصر الافضل في ذلك، لان من الجملة الخبرية لا يمكن اثبات
الازيد، يعني: انما ينحصر الراجح من الافراد في صوم يوم الشك في ذلك.

و الثالث لا وجه للحصر فيه اصلا، و اما لفظ الامر فيه فهو بمعنى المندوب اليه
قطعا، ضرورة عدم وجوب الصوم من شعبان.

هذا اذا اريد من وقوعه على وجه الندب انه ينوي فيه الندب و ينحصر الصحيح منه فيه،
و ان اريد انه ليس الا مندوبا فهو مسلم، و لكن وجوب تعيين ذلك في القصد و تاثير
الزائد في البطلان ممنوع.

و على الثاني: ان التشريع لو كان فانما هو في امر خارج ليس شرط الفعل و لا شطره،
و هو الزائد على قصد القربة، و اما نفس الفعل فليس تشريعا، مع ان في كون الزائد بعد
استفادته من الروايتين المذكورتين (85) تشريعا ايضا نظر.

و على الثالث: ان التردد ليس في النية المطلوبة، لانها هي القصد الى الفعل مع
القربة، و التردد فيه انما يكون بالتردد في الفعل و الترك و التقرب و عدمه، و
ظاهر انه ليس كذلك، و انما هو في الوجه، و هو مما لا دليل على اعتباره هنا، و على
تقدير اعتباره غاية او صفة امر آخر خارج عن النية و المنوي، فلا يقدح التردد فيه.

و الحاصل: ان اشتراط الجزم في مثل ذلك لا دليل عليه.

و اما قول الصدوق و كونه اشارة الى ذلك ممنوع، و لذا لم يسند اليه هذا القول، و
ان كان ظاهر كلامه مفهما له، فانه قال-بعد حكمه باجزاء صوم يوم الشك ان صامه
من شعبان-: و من صامه و هو شاك فيه فعليه قضاؤه و ان كان من شهر رمضان، لانه لا
يقبل شي ء من الفرائض الا باليقين.

قيل: المراد انه من صامه بنية رمضان-مع انه يشك فيه-فعليه القضاء، لانه فعل
امرا لا يقين له فيه، بخلاف من صامه بنية التردد، لانه فيه على يقين من امره،
لعلمه بكونه كذلك واقعا، و انما هو شاك في اليوم (86) . فتامل.

ه: لو صامه بنية الندب او واجب آخر غير رمضان، ثم ظهر قبل الغروب انه من رمضان،
يعدل الى انه من رمضان، بمعنى: انه يجب عليه اتمام الصيام و يعتقد انه من
رمضان، و لم يتصور فساد الصوم او كونه من شعبان بعد عدم ثبوت الهلال قبل
النهار.

فما قيل-من ان هذه المسالة مما لا وجه لذكرها، اذ بعد العلم بالشهر في اثناء
النهار للمكلف تحصل هذه النية (87) -ليس بجيد.

نعم، يحصل ذلك بعد العلم المذكور و العلم بهذه المسالة.

ثم لو لم يعلم المسالة، فهل يكون آثما مع تقصيره في الاخذ، بمعنى: ان قصد هذا الوجه
واجب ام لا؟

الظاهر: لا، لعدم دليل على وجوب تعيين الوجه، و لذا قلنا بحصة الصوم من رمضان لو
نوى الغير فيه ايضا مع العلم بالشهر كما مر.

و لو صامه بنية رمضان ثم ظهر كونه منه في اثناء النهار يكون صومه فاسدا، لان ما
بعضه فاسد يفسد كله.

و: لو اصبح في يوم الشك بنية الافطار ثم ظهر كونه من رمضان جدد نية الوجوب
ما لم تزل الشمس، و اجزا اذا لم يكن افسد صومه، لما ياتي في مسالة تجديد النية
الى الزوال و بقاء وقتها اليه.

و لو كان بعد الزوال لم يكن له صوم، و قضاه، و امسك بقية اليوم من المفطرات
وجوبا، اما عدم كون الصوم له، فلفوات وقت نيته كما ياتي..

و اما القضاء، فلفوات الصوم..و اما وجوب الامساك، فلما ياتي ايضا من تحريم
تناول المفطرات في الشهر بغير شي ء من الاعذار المنصوصة..و كذا وجوب الامساك
عليه لو ظهر كونه من الشهر بعد ان تناول المفطر.

ز: قال في الحدائق ما خلاصته:

المراد بيوم الشك في هذه الاخبار ليس هو مطلق الثلاثين من شعبان، بل انما
هو اذا حصل الشك في كونه من شعبان او رمضان من جهة اختلاف في هلال شعبان او
رمضان او مانع من الرؤية، و بالجملة ما اوجب الشك، و هذا هو الذي ورد انه ان
ظهر من رمضان فيوم وفق له.

و اما لو كان هلال شعبان معلوما يقينا و لم يدع احد الرؤية ليلة الثلاثين منه و لم
يكن مانع من الرؤية، فاليوم من شعبان قطعا و ليس بيوم شك (88) .انتهى.

اقول: الامر و ان كان كذلك، لتعليق الحكم في الاخبار طرا على يوم الشك، و هو لا
يكون الا مع شبهة، و ورد في روايتي هارون بن خارجة (89) و الربيع بن ولاد (90) الامر
بالصوم في يوم الثلاثين مع الغيم و النهي عنه مع الصحو، و مع ذلك صرح به في
رواية معمر، و فيها: قلت: جاء عن ابي عبد الله عليه السلام في الذي يشك فيه انه
قال: «يوم وفق له » قال عليه السلام: «اليس تدرون انما ذلك اذا كان لا يعلم اهو
من شعبان ام من شهر رمضان فصامه الرجل فكان من شهر رمضان كان يوما وفق له؟
فاما و ليس علة و لا شبهة فلا» (91) ..

و لكن لا تترتب على ذلك التحقيق فائدة، لانها اما في مرجوحية الصوم مع عدم
المانع و عدمها معه، او في الاجزاء عن رمضان لو صامه و بان انه من رمضان و عدمه،
و لا يقول هو و لا احد من الاصحاب فيما اعرف-الا ما حكي عن المفيد-بمرجوحية صومه (92) ،
و لا بعدم الاجزاء ان امكن مع الصحو اتفاق ثبوت الهلال في بلد آخر، و مع ذلك تدل
على الاجزاء العلة المنصوصة و الدليل العقلي المتقدمان..و ان لم يمكن ذلك فعدم
الفائدة اظهر.

المسالة الرابعة:


الاصل في النية ان تكون مقارنة لاول جزء من العمل بحيث لا تتاخر عنه و لا تتقدم،
اذ لو تاخرت عنه لكان يقع جزء منه بلا نية و لا قصد قربة، فلا يكون عبادة، و ما لا يكون
جزؤه عبادة لا يكون كله كذلك.

و لا تقاس النية بالمميزات الخارجية المعينة للفعل المشترك، التي اكتفينا بحصولها
في اثناء الفعل، كما ذكرنا في بحث الوضوء و الصلاة، لان المطلوب منها مجرد رفع
الاشتراك الحاصل بذلك عرفا، فان عروض مميزات صلاة الآيات بعد قراءة الحمد يرفع
اشتراك العمل..بخلاف النية، فان المقصود الاعظم منها-الذي هو التقرب-لا يفيد لما
تقدم عليها، و لا يجعله متقربا به الى الله، فلا يجوز تاخيرها عنه.

و كذا التقديم الغير المستمر الى الجزء الاول فعلا او حكما، و اما المستمرة
حكما فهي كالمقارنة، كما بيناها في بحث الوضوء.

فالحاصل: انه تجب مقارنة النية الفعلية او الحكمية لاول جزء من العمل، و لا يجوز
التاخير مطلقا، و لا التقديم بدون الاستمرار الحكمي، و لا يجب التقديم مطلقا،
للاصل، فهذا هو الاصل في النية.

و قد تخلف الاصل في الصيام في مواضع ياتي ذكرها في المسائل الآتية بالدليل، فقد
يوجب التقديم و قد يجوز التاخير، و ليس المعنى في صورة التاخير ان معه يكون
مجموع اليوم متقربا فيه الى الله، بل المعنى: ان مجموع اليوم-الذي بعضه
يشتمل على نية القربة-قائم مقام الذي يشتمل جميعه عليها بالدليل الشرعي.

ثم ان مقتضى الاصل المذكور-مضافا الى النبويين المشهورين، احدهما: «لا
صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل » (93) و الآخر: «من لم يجمع الصيام قبل
الفجر فلا صيام له » (94) -ان يكون وقت نية الصيام الليل حتما، حيث ان مقتضاه
وجوب العلم بمقارنتها لطلوع الفجر الذي هو اول اليوم، و هو لما لا يحصل عادة
الا بايقاعها قبل الطلوع، لان الطلوع لا يعلم الا بعد وقوعه، فلا يحصل العلم بمقارنة
النية له الا بتقديمها عليه، فيكون التقديم واجبا.

قيل: الامر و ان كان كذلك لكن نفرض المسالة على تقدير وقوع المقارنة الحقيقية بدون
التقديم، فان غاية ما لزم عدم تمكن المكلف من ايقاع المقارنة بالاختيار، و هو لا
ينفي الاتفاق، فنفرض المسالة على تقديره، فلا يكون التقديم واجبا.

و ايضا نمنع اشتراط المقارنة المذكورة في النية مطلقا، بل النية للفعل المستغرق
للزمان تكون بعد تحققه لا قبله، كما صرح به بعضهم في نية الوقوف بعرفة و جعلها مقارنة
لما بعد الزوال.

و ايضا تشترط المقارنة لو لم تؤثر النية المتاخرة في الجزء المتقدم، و هي مؤثرة
في الصوم، فان من نسى النية فجددها في النهار صح صومه (95) .

و نجيب عن الاول: بان امكان الوقوع و الاتفاق غير مفيد، لوجوب اداء التكليف، مع
ان المكلف به هو تحصيل العلم، و هو غير ممكن عادة، و بناء التكاليف على الاحوال
العادية المتعارفة، و لذا يحكمون بوجوب غسل جزء من الراس في غسل الوجه للوضوء من
باب المقدمة مع امكان اتفاق البداة باعلى الوجه الحقيقي.

و عن الثاني: بان انتفاء المقارنة المذكورة موجب لخلو اول الجزء من النية، فلا
يكون من العبادة المطلوبة.

و اما ما كان كذلك فابتداء وقته حقيقة ما بعد الآن المشتمل على النية، و الزمان
فيه هو الزمان العرفي لا الحقيقي، فوقت الوقوف من اول الزوال عرفا لا حقيقة، و
ذلك لا يمكن في الصوم، للاجماع على ان وقته تمام اليوم حقيقة.

و عن الثالث: بان تاثير النية في الجزء المتقدم على خلاف الاصل كما عرفت،
فلا بد من الاقتصار فيه على ما ثبت فيه من الناسي و ذوي الاعذار كما ياتي، و
مرادنا هنا بيان الاصل في وقت النية.

و قد ظهر بذلك الجمع بين قول من ظاهره او صريحه تحتم ايقاعها ليلا-كالعماني و
المفيد و النافع و المفاتيح (96) -و قول من قال بجواز التاخير الى طلوع الفجر
بحيث يتقارنان-كآخرين (97) -بحمل قول الاولين على الوجوب التبعي، و قول الآخرين
على الاصلي.

و صرح بذلك في المنتهى، قال-بعد تجويز المقارنة للطلوع، و الاستدلال للمخالف
بالنبويين-: و الجواب: انه لما تعذر ايقاع العزم مع الطلوع-لعدم ضبطه-لم يكلف
الرسول به، و بعده لا يجوز، فوجبت القبلية، لذلك، لا انها في الاصل واجبة قبل
.و نحوه في التذكرة (99) .

/ 25