المسالة الرابعة عشرة:
ظاهر الاكثر انه لا يعطى فقير من الخمس ازيد من كفاية مؤنة السنة على وجه
الاقتصاد و لو دفعة واحدة، و نظرهم الى ما روي في المرسلة: ان الامام كان يفعل
كذلك وجوبا (228) ، فكذا غيره، سيما في نصف الامام اذا صرف على وجه التتمة، اذ
لم يثبت فيه الا جواز اتمام المؤنة. و الحق: ان حكم نصف الاصناف حكم الزكاة، و يجوز اعطاء الزائد عن المؤنة دفعة
واحدة-اي قبل خروجه عن الفقر-لاطلاق الادلة. و اما نصف الامام، فلا يجوز اعطاء الزائد من مؤنة السنة على وجه الاقتصاد قطعا،
لانه القدر المعلوم اذنه فيه، بل يعلم عدم رضاه بغير ذلك مع وجود المحتاج غيره،
بل يشكل اعطاء قدر مؤنة السنة كاملة لواحد مع وجود محتاج بالفعل.و اللازم فيه
مراعاة المواساة في الجملة و ملاحظة الحاجة.
المسالة الخامسة عشرة:
مقتضى الآية و الاخبار تعلق الخمس بالعين، فيجب اداؤه منها، و لا يجوز العدول
الى القيمة، الا اذا اعطى العين الى اهلها ثم اشتراها منه. نعم، الظاهر جواز تولي النائب العام للمبادلة، سيما في نصف الامام، فانه
يجوز له قطعا. و لرب المال القسمة، بالاجماع، و ظواهر الاخبار (229) المتضمنة لافراز رب
المال خمسه و عرضه على الامام و تقريره عليه.
تتميم في الانفال
جمع نفل-بسكون الفاء و فتحها-و هو: الغنيمة او العطية و الزيادة، و منه سميت
النافلة، لزيادتها على الفريضة. و المراد هنا: المال الزائد للنبي و الامام بعده على قبيلتهما من بني هاشم،
فالمطلوب ما يختص بالنبي عليه السلام ثم الامام. و هاهنا مسالتان:
المسالة الاولى:
الانفال-اي الاموال المختصة بالنبي ثم بعده بالامام-اشياء: الاول: كل ارض اخذت من الكفار من غير قتال- سواء جلا اهلها و تركوها للمسلمين،
او سلموها طوعا و بقوا فيها و مكنوا المسلمين منها- بلا خلاف فيها يوجد،
للاجماع، و المستفيضة من الاخبار: كحسنة البختري: «الانفال: ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، او قوم صولحوا، او
قوم اعطوا بايديهم، و كل ارض خربة و بطون الاودية، فهو لرسول الله صلى الله عليه
و آله و سلم و للامام من بعده » (230) و قريبة منها حسنة محمد (231) و موثقته (232) . و مرسلة حماد، و فيها: «و له بعد الخمس الانفال، و الانفال: كل ارض خربة قد باد اهلها،
و كل ارض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و لكن صالحوا صلحا و اعطوا بايديهم على
غير قتال، و له رؤوس الجبال و بطون الاودية و الآجام و كل ارض ميتة لا رب لها، و
له صوافي الملوك ما كان في ايديهم من غير وجه الغصب، لان الغصب كله مردود، و هو
وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له » الحديث (233) . و موثقة زرارة، و فيها-بعد السؤال عن الانفال-: «و هي كل ارض جلا اهلها من غير ان
يحمل عليها بخيل و لا رجل و لا ركاب، فهي نفل لله و للرسول » (234) . و رواية الحلبي: عن الانفال؟ فقال: «ما كان من الارضين باد اهلها» (235) . و موثقة سماعة: عن الانفال؟ فقال: «كل ارض خربة او شي ء كان يكون للملوك فهو خالص
للامام ليس للناس فيها سهم » قال: «و منها البحرين لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب » (236) .
و موثقة اسحاق بن عمار المروية في تفسير القمي: عن الانفال؟ فقال: «هي القرى التي قد خربت و انجلى اهلها، فهي لله و للرسول، و ما كان للملوك فهو
للامام، و ما كان من الارض الخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و كل ارض لا رب
لها، و المعادن منها، و من مات و ليس له مولى فماله من الانفال » (237) . و المروي في تفسير العياشي عن داود بن فرقد: و ما الانفال؟ قال: «بطون الاودية و رؤوس الجبال و الآجام و المعادن، و كل ارض لم يوجف عليها بخيل
و لا ركاب، و كل ارض ميتة قد جلا اهلها و قطائع الملوك » (238) . و فيه ايضا عن ابي بصير: و ما الانفال؟ قال: «منها المعادن و الآجام، و كل ارض
ميتة لا رب لها، و كل ارض باد اهلها فهو لنا» (239) ، الى غير ذلك من الاخبار
الكثيرة. الثاني: ما يختص به ملوك اهل الحرب من القطائع و الصوافي الغير المعلوم كونها
مغصوبة من مسلم او مسالم غير منقرض. و ضابطه: كل ما اصطفاه ملك الكفار لنفسه و اختص به من الاراضي المعبر عنها
بالقطائع، او من الاموال المنقولة المعبر عنها بالصوافي، للاخبار المستفيضة (240) ،
المتقدمة كثير منها. و المذكور في الاخبار: الملوك، فلا يشمل الحكام و الولاة و الامراء. الثالث: رؤوس الجبال و اذيالها و بطون الاودية السائلة و الآجام، و هي
الاراضي المملوءة من القصب و سائر الاشجار الملتفة المجتمعة، و المراد منها:
ما يقال بالفارسية: بيشه. فان كل ذلك من الانفال مع ما فيها من الاشجار و الاحجار و النبات و
السمك و الكنز و الماء و نحوها. و المرجع في معرفة هذه الامور: العرف، اي ما يقال في العرف: جبلا و واديا و اجمة. و تدل على الثلاثة مرسلة حماد، و رواية داود المتقدمتين، و على الثاني خاصة
الحسنان و الموثقة الاولى، و على الثالث رواية ابي بصير السابقة (241) ، و على
الاولين مرفوعة احمد: «و بطون الاودية و رؤوس الجبال و الموات كلها هي له »
الى ان قال: «و ما كان في القرى من ميراث من لا وارث له فهو له خاصة » (242) .و ضعف
بعض تلك الاخبار مرتفع للشهرة بالانجبار. و مقتضى اطلاقاتها اختصاص كل هذه الامور بالامام مطلقا، كما صرح به الشيخان (243) ،
و هو ظاهر الاكثر (244) ، لما ذكر من الاطلاقات. و قيدها الحلي بما لم يكن في ارض مسلم (245) ، اي كان في الاراضي المختصة بالامام
من الموات و المحياة المملوكة، و مال الى ذلك بعض من تاخر عنه (246) ، لضعف تلك
المطلقات. و رد بما مر من الانجبار، مع ما يستلزم التقييد من التداخل. اقول: ظني ان المنازعين في المقام غفلوا عن حقيقة الحال، و تحقيق المقال: انه لم
يثبت في الشريعة ان كل ما يتصرف فيه مسلم و يدعي ملكيته فيحكم له به، بل لا بد فيه
من احتمال كون يده عليه باحد الوجوه الموجبة للملكية شرعا، فلو لم يحتمله عقلا او
شرعا او عادة لا يحكم له بذلك اصلا. الا ترى انه لو كانت هناك جبال فيها وحوش و كان يتصيد فيها احد من مدة طويلة، لا
تسمع دعواه-لو منع غيره من الاصطياد-مدعيا ان هذه الجبال مع ما فيها من
الوحوش ملكي اتصيد فيها من القديم. و لو كان بحر لاشخاص فيه سفن يترددون فيه و يغوصون، لا يسمع ادعاؤهم الملكية. لعدم ثبوت اعتبار مثل ذلك اليد، و عدم احتمال تحقق التصرف المملك-اي
الموجب للملكية شرعا-فيهما. و على هذا، فنقول: انه ما ثبت ايجابه للتملك في الارضين و نحوها هو احياء
ببناء او غرس او زرع او حفر او نحو ذلك، و لا تحتمل هذه الوجوه في رؤوس الجبال
من حيث هي. نعم، يمكن تصرف مسلم في موضع منها ببناء او غرس شجر او حفر، و هو غير ما نحن فيه. فالوجوه الثابت ايجابها للتملك شرعا مما لا يمكن تحققها في الجبال و
رؤوسها من حيث هي، فدعوى احد: ان هذه الجبال برؤوسها ملك لي و يدي عليها لاني انقل
حجارها و احصد نباتها و نحو ذلك، مما لا يسمع، اذ لا يمكن تحقق الاسباب
الموجبة للتملك فيها. نعم، يمكن ذلك في بعض اجزائها، و هو غير تملك رؤوس الجبال من حيث هي هي. و لذا لو ادعى احد ملكية ارض ميتة لم يكن فيها بناء و لا قناة و لا زرع ابدا، و يقر
المدعي بذلك، و لكن يقول: انها في يدي، لاني احتطب فيها و احتشش و ارعى فيها
دوابي...لا يسمع منه، اذ محض هذه التصرفات لا يوجب التملك، و لذا جعل من مطاعن
الثاني ما فعل من حماية الحمى. و كذا الوادي، فان اسباب تملك المياه السائلة انما تتحقق بحفر قنوات او
حيازة عين او عيون و نحوها، و ما كان منتهيا الى مثل ذلك لا يطلق عليه الوادي
عرفا، بل حقيقة المياه العظيمة التي لا تنتهي الى عين او عيون او قناة او نهر
يحتمل ان يكون مستحدثا من شخص او اشخاص بقصد التملك، و ما يحتمل فيه ذلك لا يسمى
واديا الا مجازا. و كذا الآجام، و المراد بها-كما مر-ما يقال بالفارسية: بيشه.و الوجوه المملكة
للاشجار من الغرس او الابتياع او النمو في الملك انما هو امر لا يتحقق عرفا
في الآجام. فالوجوه الموجبة للملكية غير محتملة في هذه الثلاثة. و لو فرض وجود نادر-كواد صغير منته الى عيون محصورة في موضع معين، او اجمة
صغيرة محتملة لان تكون مغروسة، او ملكها في الاصل لواحد معين-فهو اما لا يطلق
عليه الوادي و الاجمة الا مجازا، او فرد نادر جدا لا تنصرف اليه الاطلاقات. اذا عرفت ذلك نقول: ان الكلام ليس في جزء من الجبال يتصرف فيه احد بقصد
التملك ببناء او حفر او غرس او غيرها من الوجوه الثابتة مملكيتها شرعا، بل في
الجبال من حيث هي هي. و لا في نهر شق من واد او نهر عظيم متصرف فيه لاحد ينتهي الى مبادئ كونها
مستحدثة من شخص او اشخاص بقصد التملك، فانه ليس واديا عرفا، و ان اطلق عليه
الوادي مجازا. و لا في محل محصور فيه اشجار و قصبات ملتفة محتملة لكونها مغروسة او اصل ملكها
مملوكة لاشخاص، فانه ليس اجمة عرفا و ان اطلقت عليه مجازا، لما عرفت من عدم
كونهما واديا او اجمة حقيقة. و لو سلمناه فمثلهما من الافراد الغير المتبادرة من الوادي و الاجمة. و اما ما عدا ذلك فلا يملكه احد، اذ لم يثبت من الشريعة وجه مملك لجميعه، فيكون
ملكا للامام بمقتضى الاطلاقات، و لا تعارضها يد المسلم و لا دعواه، لعدم احتمال
تحقق وجه مملك فيه عرفا، فافهم. الرابع: المال المجهول مالكه، كما مر في مسالة الحلال المختلط بالحرام. الخامس: الاراضي الميتة، سواء لم يعلم سبق احياء و ملك عليها -ككثير من المفاوز و
البوادي-او علم احياؤها في زمان و طريان الموتان عليها.و كونها من الانفال
مما لا خلاف فيه في القسم الاول، و الثاني اذا لم يكن له مالك معروف، بل في
التنقيح و المسالك و المفاتيح و شرحه و غيرها الاجماع عليه (247) . و تدل عليه مرسلتا حماد و احمد، و روايتا داود و ابي بصير المتقدمة المتضمنة للفظ
الميتة و الموات (248) ، و استدلوا له ايضا بحسنتي البختري و محمد و موثقات محمد و
سماعة و اسحاق المتضمنة للفظ الخربة (249) . و لا يخفى ان المتبادر منها هو القسم الاخير من الميتة-و هو المسبوق
بالاحياء و العمارة-فهي تصلح ادلة لبعض افراد المطلوب، بل يحتمل شمولها ما لم
يبلغ حد الموات من هذا القسم ايضا، كما هو الظاهر من جمعها مع الميتة في
المرسلة. ثم مقتضى اطلاق اكثر تلك الاخبار و ان كان كون القسم الثاني من الاراضي
الميتة و الخربة من الانفال مطلقا-سواء لم يكن لها مالك معروف او كان، و سواء
ملكها المالك المعروف بالاحياء او بغيره من وجوه الانتقالات، كما نقله في
الذخيرة عن بعض الاصحاب و نسبه الى ظاهر الارشاد ايضا (250) -الا ان اكثر
الاصحاب خصوه بالاولين، و جعلوا الثالث ملكا لمالكه المعروف (251) ، و منهم من خصه
بالاول خاصة، و جعل الاخيرين لمالكه. و منه يعلم ان كون ما لا مالك له معروفا من الاراضي الميتة و الخربة من الانفال
مما لا خلاف فيه، و استفاضت عليه الروايات ايضا. و اما ما له مالك معروف منها ففيه اقوال ثلاثة: الاول: انها من الانفال مطلقا كما مر. الثاني: انها ليست منها كذلك، اختاره الشيخ و المحقق (252) . الثالث: التفصيل بين ما ملكه مالكه بالاحياء فمن الانفال، و بغيره كالشراء و
الارث و نحوهما فمالكه، نقل عن الفاضل في بعض فتاويه، و عن التذكرة (253) ، و قواه
في المسالك (254) ، و استقربه في الكفاية (255) ، و ان استشكل اخيرا فيما ملكه المالك
بالبيع و الشراء ايضا. دليل الاول وجوه: الاول: المطلقات المذكورة المصرحة بان كل ارض ميتة او خربة باطلاقها للامام. و لا يعارضها تقييد الميته في بعضها بقوله: «لا رب لها» ، او الخربة بقوله: «باد
اهلها» او «جلا» ، اذ لا منافاة بين منطوقه و بين الاطلاق، و اما مفهومه فمفهوم
وصف لا حجية له، على ان القائلين بذلك القول يقولون: اذا ماتت الارض لا يكون لها رب البتة.فالوصف به توضيحي.و التوصيف بالجلاء
اعم من المعروفية بعده ايضا.و يمكن ارادة المربي و العامر من الرب، بل هو مقتضى
المعنى اللغوي، و على هذا فيرجع الى ما ياتي من كونها غير متروكة. الثاني: الاخبار المصرحة بان الارض كلها للامام. كصحيحة الكابلي، و فيها: «و الارض كلها لنا» (256) . و صحيحة عمر بن يزيد، و فيها: «يا ابا سيار، ان الارض كلها لنا» (257) ، خرج منها ما
ثبت خروجه، فيبقى الباقي. الثالث: المستفيضة المصرحة بان من احيى ارضا ميتة فهي له، ففي صحيحة محمد:
«ايما قوم احيوا شيئا من الارض و عمروها فهم احق بها و هي لهم » (258) . و في صحيحة زرارة او حسنته: «من احيى مواتا فهي له » (259) . و في صحيحة الفضلاء السبعة او حسنتهم: «من احيى ارضا مواتا فهي له » (260) ، الى غير
ذلك، كصحيحة السراد (261) ، و رواية السكوني (262) ، و صحيحة عمر بن يزيد (263) . وجه الاستدلال: انها تدل على ان بالاحياء تملك الموات و ان كان لها مالك
معروف، و لا يكون ذلك الا بكونها من الانفال، للاجماع المركب. و المعارضة بكون الاول ايضا مصداقا لذلك ياتي جوابه. الرابع: خصوص صحيحة ابن وهب: «ايما رجل اتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى
انهارها و عمرها فان عليه فيها الصدقة، فان كانت ارضا لرجل قبله فغاب عنها و
تركها و اخربها ثم جاء بعد يطلبها فان الارض لله عز و جل و لمن عمرها» (264) ، و
دلالتها-بضميمة الاجماع المركب المشار اليه- واضحة جدا.و جعل اللام للاختصاص
دون الملكية خلاف الظاهر. و اورد عليها: بان دلالتها متشابهة، اذ لو جعلنا اول الرواية مبنيا على ان تلك
الارض كانت معمورة قبل الاحياء-كما هو ظاهر لفظ الخربة و البائرة، و اضافة
الانهار الى الارض-فلا بد من حمل بقية الحديث على ان الارض كانت غير معروفة
المالك وقت الاحياء الثاني، ثم ظهر مالكها بعد الاحياء، فالرواية خارجة عن محل
النزاع. و ان جعلنا اولها مبنيا على كونها مواتا غير مسبوقة باحياء، فلا بد ان يحمل
آخرها على بيان حكم ما سبق اليها احياء قبل ذلك، فلا بد ان يكون المراد منها ان
الارض لله عز و جل و لمن عمرها اولا. و ان جعل الاول و الآخر مبنيا على مسبوقية الاحياء الثاني باحياء آخر، فيبقى
العطف و التعقيب بلا فائدة، و يصير الكلام في غاية الحزازة، بل المناسب حينئذ ان
يقال: و ان كان له صاحب قبله و جاء يطلبها، بكلمة ان الوصلية.انتهى. و لا يخفى ما فيه من الركاكة و السخافة، اما اولا: فلان اولها مبني على الاحياء
المسبوق.قوله: فلا بد من حمل بقية الحديث، الى آخره.قلنا: و لم ذلك و اي لا بدية فيه؟ !
بل يبقى على ظاهره. و توهم كونه خلاف الاجماع ممنوع، اذ بمجرد نقل الاجماع في التذكرة (265) لا يثبت
الاجماع الموجب لتاويل الرواية، و لذا قال صاحب الكفاية بعدم ثبوت الاجماع
المذكور (266) ، مع ان الاجماع المنقول ايضا مخصوص بصورة التملك بغير الاحياء،
فحمل آخر الرواية عليه ممكن. و ثانيا: ان ما ذكره-بقوله: فيبقى العطف و التعقيب، الى آخره-فاسد جدا، لان
بالجزء الاول يثبت ان على المحيي الثاني الصدقة، و لازمة احقيته، و لم يثبت حكم
ما اذا جاء طالب و يدعيه و ان احقيته هل هي بالملكية، فعطف عليه قوله: «فان جاء»
لبيان هذه الغاية. و بالجملة: دلالة الصحيحة على المطلوب في غاية الوضوح.و استدل ايضا بوجوه
خطابية لا حجية فيها. حجة الثاني ايضا وجوه: الاول: استصحاب الملك الاول و لا مزيل له. و فيه: ان جميع ما مر له مزيل. الثاني: عمومات: من احيى ارضا ميتة فهي له. و رد بان الاحياء الثاني ايضا احياء، بل هي ادل عليه، لكونه عارضا و طارئا على
الاحياء الاول، و السبب المملك الطارى ء اقوى. و اعترض عليه بان المتبادر من الروايات هو الاحياء الاول، و بين ذلك بما
لا يرجع الى محصل عند المحقق. و يرده منع التبادر جدا، بل المتبادر انها له ما دامت محياة.و لو قطع النظر عنه
فتكون نسبته الى الاحياءين على السواء، الا ترى انه اذا ورد: «من اشترى شيئا
فهو له » لا يتبادر منه الشراء الاول الغير المسبوق بشراء آخر من البائع. و لا يتوهم انه يحصل التعارض حينئذ بين الاحياءين لاجل تلك العمومات، لان
ذلك توهم فاسد جدا، لان الثابت من قوله: «من احيى مواتا فهي له » ليس الا سببية
الاحياء للتملك و حصول التملك بعده، و اما استمراره و بقاؤه حتى بعد الموتان
ايضا فلا يثبت من الخبر اصلا، بل هو امر ثابت بالاستصحاب فقط، و قد مر جوابه. و لذا يحكم بكون ما اشتراه ملكا للمشتري الثاني و لو كان بائعه ملكه بالاشتراء
ايضا. و لذا لا يحكم بكون الموضع الملاقي للنجاسة-مثلا-نجسا بعد غسله مرة بما دل على
تنجسه، بل بالاستصحاب، و هذا ظاهر جدا. الثالث: قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «من احيى ارضا ميتة فهي له، و ليس لعرق
ظالم حق » (267) . و فسر: بان المراد: ان ياتي الرجل الارض الميتة لغيره فيغرس فيها. و فيه: ان التفسير محكي عن هشام بن عروة و السيد في المجازات النبوية (268) ، و
مجرد قولهما ليس بحجة في التفاسير، مع ان اصل الرواية غير ثابت، و الجابر
لها-في صورة تملك الاول بالاحياء-مفقود. الرابع: صحيحة سليمان بن خالد: عن الرجل ياتي الارض الخربة فيستخرجها و يجري
انهارها و يعمرها و يزرعها، ماذا عليه؟ قال: «عليه الصدقة » قلت: فان كان يعرف
صاحبها؟ قال: «فليرد عليه حقه » (269) ، و قريبة منها مروية عن الحلبي عنه عليه السلام
في البحار (270) . و فيه اولا: ان المامور به رد الحق، و فيه اجمال، لاحتمال كونه الارض و
الطسق (271) و الاعيان التي منه فيها، و غير ذلك مما لم يعلمه، كقيمة التفاوت
بينها و بين الموات المطلق، كما اذا كان بعض انهارها او آبارها باقيا -و لا
يبعد ان يكون هذا هو الاظهر-و غير ذلك.و لا يلزم تخصيص بمجمل، اذ لا تخصص تلك
العمومات الا بعد تيقن ان المراد منه نفس الرقبة. و القول بان اطلاق الاعم يقتضي ارادة جميع الافراد.. سخيف جدا، لانه فرع ثبوت كون الارض حينئذ ايضا حقا للاول، مع ان اصل الاقتضاء
ممنوع. و بان مقتضى لفظ الصاحب انه مالك بالفعل، لان المشتق حقيقة في المتلبس بالمبدا..
اسخف، لانه وقع في كلام الراوي، و لا حجية فيه، و ليس فيه تقرير حجة، اذ غايته
تجوز من الراوي. و بان ذلك يستلزم حمل الرواية على غير صورة انتقال الملك الى المالك الاول
بالبيع و نحوه، مع انه غالب افراد المحياة، و حملها على المعنيين يوجب
استعمال اللفظ في المعنيين المتباينين في اطلاق واحد.. اسخف بكثير، لمنع الاستلزام اولا، بل يبقى على ظاهره من الاطلاق، و منع لزوم
استعمال اللفظ في المعنيين ثانيا، و انما هو استعمال للمشترك المعنوي في القدر
المشترك. و فيه ثانيا: انه لو سلم عدم الاجمال، فهي اعم مطلقا من صحيحة ابن وهب (272) ،
لاختصاصها بما تركها مالكها الاول و اخربها، و هذه اعم منه و مما اذا لم
يتركها و كان في صدد احيائها، بل مشتغلا بتهيئة اسبابه. سلمنا، فتكون معارضة لهذه الصحيحة، فتتساقطان، و يرجع الى المطلقات و العمومات
المتقدمة. الا انه يمكن ان يقال: ان هذه الصحيحة ظاهرة في ان المحيي الثاني كان يعرف
صاحبها حال الاحياء، و الصحيحة الاولى و غيرها اعم من ذلك، فلتخص بها.و هو كان
حسنا لو لا الاجمال المذكور. و دليل الثالث: الاجماع المنقول في التذكرة على عدم تملك الثاني اذا ملك
الاول بغير الاحياء (273) ، و صرح بعدم الخلاف فيه بعض آخر ايضا (274) . و الجمع بين الاخبار المتقدمة بحمل صحيحة سليمان على ما اذا ملكها الاول بغير
الاحياء، و ما تقدم عليها على ما اذا ملكها بالاحياء بشهادة صحيحة الكابلي، و
فيها: «و من احيى من المسلمين ارضا فليعمرها، و ليؤد خراجها الى الامام من
اهل بيتي، و له ما اكل منها، فان تركها او اخربها، فاخذها رجل من المسلمين
من بعده فعمرها و احياها، فهو احق بها من الذي تركها، فليؤد خراجها الى
الامام من اهل بيتي و له ما اكل، حتى يظهر القائم من اهل بيتي عليهم السلام
بالسيف » الحديث. و ردها بان الظاهر منها حكم زمان الحضور-كما يدل عليه اعطاء الخراج-و بانها لا
تدل الا على الاحقية و الاولوية، و هي اعم من الملكية. مردود بان قوله: «حتى يظهر القائم » صريح في ارادة العموم لزمان الغيبة ايضا، و
تخصيص اداء الخراج بزمان الحضور بالدليل لا يستلزم تخصيص الباقي ايضا، و
الاحقية و ان كانت اعم من الملك لكن المطلوب ثبت منه كما لا يخفى. و لا يخفى ان تلك الصحيحة و ان اختصت بما اذا كان المالك الاول ملكها
بالاحياء، الا انها لا تدل على نفي الحكم الثابت بادلة القول الاول في غير موردها.
نعم، لو كان دليل الثاني دالا على مطلوبه لصلحت هذه الصحيحة للجمع، لكونها اخص
منها، و لكن قد عرفت عدم تماميتها. و الاجماع المنقول ليس بحجة، و قد صرح في الكفاية بعدم ثبوته ايضا (275) ..الا ان
معه-مضافا الى عدم العثور على مصرح بخصوصه بالملكية مع تملك المالك الاول
بغير الاحياء-الفتوى بها خلاف الاحتياط. و منه يظهر ان اقوى الاقوال-بحسب الدليل-هو الاول، و الاحتياط في متابعة
الثالث فيما لم يعارضه احتياط آخر. و كيف كان، يجب تقييدهما بقيد آخر ايضا، و هو كون الملك مما تركها المالك
الاول المعروف، لمفهومي الشرط في صحيحتي ابن وهب و الكابلي المؤيدتين برواية
يونس: «فمن عطل ارضا ثلاث سنين متوالية لغير سبب او عله اخرجت من يده » (276) . و لتقييد الميتة و الارض في بعض ما تقدم من الاخبار بكونها لا رب لها، اي كانت
متروكة لا مربي لها و لا عامر، بل يدل على الترك و التعطيل الاجماع، فان الظاهر
ان عدم جواز التصرف في ارض لها مالك معروف لم يتركها و يريد احياءها و
عمارتها محل اجماع العلماء، بل الضرورة، بل و كذلك لو لم يعلم انها تركها ام هو
بصدد احيائها. و على هذا، فكل ارض ميتة لم يعلم سبق احياء عليها فهي ملك لمحييها مطلقا، و كذا
ما علم و لم يعرف مالكها الاول، او عرف و ملكها بالاحياء خاصة على الاحوط، و
مطلقا على الاظهر بشرط ان ترك احياء الارض و عطلها.
فروع:
ا: قالوا: المرجع في معرفة الموات الى العرف (277) ، وعرفوها فيه: بانه ما لا
ينتفع منه لعطلته، و حصول موانع الانتفاع منه بحيث يتعذر الانتفاع منه بدون عمل فيه.
و قد يشكل في بعض الاراضي في صدق الموات عليه عرفا و عدمه، الا انه لعدم انحصار
العنوان في الموات-بل علق الحكم بعينه للارض الخربة-يسهل الامر، لان معنى الخربة
عرفا اظهر و اجلى، و هي: كل ارض معطلة غير ممكن الانتفاع منها بالفعل لخرابها و
بوارها، و توقفه على عمارتها و اصلاحها. ب: ليس المراد بترك المالك للارض اعراضه عنها و اخراجها عن ملكه، لانه ليس معنى
عرفيا للترك و لا لغويا، بل المراد منه تعطيل اصلاحها و ترك عمارتها و ابقاؤها
على خرابها و عدم الاهتمام و الالتفات الى مرمتها و عدم عزمه على احيائها،
سواء كان لعدم حاجته اليها او عدم تمكنه من احيائها. و اما لو كان مهتما باحيائها عازما عليه مريدا له، فلا تكون متروكة و ان توقف
الاشتغال به على جمع آلات متوقعة الحصول، او انتظار وقت صالح له، او حصول مال
متوقع له. و لو كانت لاحد ارض خربة و لم يعلمها-كان تكون موروثة و هو غير عالم بها-فلا يصدق
الترك، بل اللازم اعلامه ثم اعتبار الترك و عدمه. و الظاهر انه يشترط في صدق الترك عرفا امران آخران: احدهما: ان لا يعزم على بيعها او صلحها و لو ببعض رقبتها لاحياء الجميع، اما
لعدم قصده بذلك، او عدم توقع من يشتريها او يقبلها توقعا مظنون الحصول. و ثانيهما: ان يمضي على ذلك زمان يعتد به، بحيث يصدق معه الترك عرفا من سنين
متعددة و لا اقل من ثلاث سنين، و لا يبعد ان يكون نظره عليه السلام الى ذلك في رواية
يونس المتقدمة. ج: القائلون-ببقاء الملك على ملكية المالك الاول في الاخيرين او احدهما-بين
قائل بجواز الاحياء و احقية المحيي الثاني في التصرف، و عليه طسقها للاول، و قائل
بعدم الاحقية ايضا فلا يجوز له الاحياء. و الظاهر عدم دليل يعتد به على الاول، فان جاز للثاني الاحياء و ثبتت احقيته
فلا طسق عليه، و الا فلا يجوز اصل التصرف. د: المناط في التملك بالاحياء و غيره - على الفرق بينهما - تملك من وقع الموتان
في حال تملكه، فلو تملك احد ارضا بالاحياء و ماتت حال تملكه لا تنتقل الى ورثته،
اذ بالموتان خرجت من ملكه و صارت من الانفال، فليس للورثة دعوى انها منتقلة
اليهم بالارث. ه: لو لم يعلم ان تملكه هل بالاحياء او بغيره، و لم يمكن تحقيق الحال، فحكمه حكم
المتملك بالاحياء، للعمومات و الاطلاقات المتقدمة، خرج منها ما تحقق فيه
الاجماع لو ثبت-و هو ما علم تملكه بغير الاحياء- فيبقى الباقي، مضافا الى
اصالة تاخر الحادث في كثير من الصور. و: لو كانت الارض موقوفة و طراها الموتان او الخراب تصير به من الانفال
مطلقا، اي من غير تفرقة بين الوقف العام او الخاص، و لا بين معلوم الجهة و
مجهولها، و لا بين ما تملكه الواقف بالاحياء او بغيره، للعمومات و الاطلاقات
الخالية عن المعارض، اذ ليس الا صحيحة سليمان المتضمنة للفظ صاحبها، و المتبادر
منها الشخص المعين و جهة الملكية لا غير ذلك.. او الاجماع، و تحققه في المقام غير معلوم، بل مفقود.. او استصحاب الوقفية، و هو
بما مر مزال.. او عمومات الوقف، و شمولها فرع تسليم الوقفية، و هي عين النزاع. نعم، يشترط في دخولها في الانفال و عدمه اعتبار الترك و عدمه، للاجماع، فان
الظاهر انه ما لم يتركها الموقوفة عليه او المتولي و لم يعطلها و كان بصدد
احيائها كان عدم جواز تصرف الغير اجماعيا، بل هي اجماعية مقطوع بها. و يدل عليه ايضا الاجماع المركب، فان الظاهر عدم تفرقة احد بين الموقوف و
المملوك فيما يدخل به في الانفال. بل يمكن الاستدلال عليه بمفهوم صحيحة ابن وهب (278) ايضا، فان اللام في قوله: «لرجل »
يمكن ان يكون للاختصاص الثابت للموقوف عليه الخاص او المتولي العام، الا ان
مجرد احتمال ذلك مع احتمال الملكية غير كاف في الاستدلال. نعم، يمكن الاستدلال باطلاق قوله: «فمن احيى » في صحيحة الكابلي (279) ، فانه شامل لمن
احياها و وقفها ايضا، فهو دليل على اعتبار الترك و عدمه هنا مع الاجماعين
القطعيين. و المناط في التارك في الوقف الخاص: متوليه الخاص ان كان، او الموقوف عليه، و
في العام المتولي الخاص ان كان، و الا فالحاكم مع وجوده في تلك النواحي، او
عدول المسلمين مع عدمه. و لا تكفي مشاهدة كون الارض بائرة لا عامل لها و عدم اهتمام المتولي الخاص او
العام في احيائها، لجواز عدم علم المتولي بالكيفية، و كذا الموقوف عليه، بل
اللازم الفحص و اعلام المتولي العام او الخاص او الموقوف عليه، فان قصدوا
الاحياء و نهضوا له و لو بعد حين يتوقع فيه تهيؤه عرفا فهو، و الا فيحييها من
اراد و يصير هو احق بها و ملكا له. ز: لو ترك المالك بالاحياء او بغيره ايضا على الاظهر ارضا مدة و عطلها، و لم
يهتم باحيائها او لم يكن في نظره، ثم اراد الاحياء، فهل يجوز لغيره السبق عليه
قبل شروعه في العمل؟ و لو سبق عليه فهل له ردعه و منعه؟ و كذا لو عطلها و تركها
مالكها و مات المالك، و اراد الوارث احياءها و سبق عليهم محيي آخر، فهل لهم
منعه و اخذهم الارض منه، ام لا؟ الظاهر: الثاني، لدخولها بالترك في الانفال، فلا تعود الى الملكية بلا موجب، و
لاستصحاب جواز احياء كل احد لها قبل ارادة الاحياء. ح: لو ماتت ارض الصغير، او انتقل اليه ملك خراب يريد مالكه عمارته فمات و
انتقل الى صغيره، فهل يعتبر الترك و التعطيل و عدمهما من وليه المعين او
الحسبي، او لا، بل ينتظر الى كبر الصغير و اعتبارهما بالنسبة اليه؟ الاحوط: الثاني، و الله العالم. ط: قد عرفت اناطة الحكم في بعض الاقسام على الاحتياط او الفتوى على عدم
معروفية المالك. و ظاهر ان المراد منه ليس عدم معروفيته عند احد من الناس، اذ حصول العلم بمثل
ذلك غير ممكن..و لا عدم معروفيته عند المحيي او شخص معين مطلقا، اذ ليست ارض الا و
مالكها غير معروف عند بعض الناس. بل المراد: كون مالكها غير معروف عند المحيي، و
يكون بحيث لا تحصل معرفته بعد التفحص عنه في مظانه، و هي بلد الارض و حواليه، فلا
تدخل في الانفال بدون ذلك التفحص، و معه تكون من الانفال، اذ لا يثبت من
الاجماع و لا صحيحة سليمان-اللذين هما الباعث لاعتبار معروفية المالك-ازيد
من ذلك. ي: لو فحص و احيى ثم بان له مالك آخر، لم يكن له حق، اذ لم يثبت من ادلة اعتبار
عدم معروفية المالك و خروج معروف المالك عن العمومات ما يشمل ذلك ايضا. يا: قد تلخص مما ذكرنا: ان الاراضي الخربة تملك بالاحياء ان لم يكن لها مالك
معروف بعد الفحص المذكور مطلقا، و ان كان لها مالك معروف يملك ايضا به بعد تعطيل
المالك اياها و تركها خربة كذلك، و ان كان الاحوط في صورة العلم بتملكه بغير
الاحياء تحصيل الاذن منه. يب: لو كانت هناك ارض خربة لها مالك معروف و لم يعلم انه عطلها او لا، و اراد احد
احياءها، يستاذن المالك، فان اذن فهو، و الا فيامره باحيائها، فان
احياها او نهض بصدده فلا يجوز لغيره احياؤها و ان علقه على امر متوقع له منتظر،
و لم يعلم من الخارج ان غرضه التعطيل. و ان لم ينهض او علقه على امر غير متوقع في حقه، او علم انه ليس بصدده و غرضه التعطيل،
يحييها من يريد. و الاولى-كما قيل (280) -الاستئذان من الحاكم. السادس من الانفال: كل ارض باد اهلها او لا رب لها - من غير تقييد بالخربة او الميتة-كما ورد في بعض
الروايات المتقدمة، و انما لم يذكروها على حدة لان معمورها داخل في مجهول
المالك، و خرابها في الخربة. السابع: ما يصطفيه الامام من غنيمة اهل الحرب، بمعنى: ان له ان يصطفي منها قبل
القسمة ما يريد من فرس او ثوب او جارية او نحو ذلك، بالاجماع، كما في المنتهى
و غيره (281) ، و عليه استفاضت الروايات (282) . الثامن: الغنيمة المحوزة في قتال بغير اذن الامام، و كونها من الانفال على
الحق الموافق للشيخين و السيد و الحلي و المحقق في الشرائع و الفاضل في جملة من
كتبه و الشهيدين (283) ، بل للشهرة العظيمة المحققة، و المحكية في كتب الجماعة (284) ، و في
الروضة: انه لا قائل بخلافها، و عن الخلاف و السرائر: دعوى الاجماع عليه صريحا، و
في التنقيح ظاهرا (285) . لمرسلة الوراق: «اذا غزى قوم بغير اذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها
للامام، و اذا غزوا بامر الامام فغنموا كان للامام الخمس » (286) و ضعفها -لو
كان-منجبر بما ذكر. و استدل له في الحدائق (287) بحسنة ابن وهب: السرية يبعثها الامام فيصيبون غنائم
كيف تقسم؟ قال: «ان قاتلوا عليها مع امير امره الامام عليهم، اخرج منها الخمس
لله تعالى و للرسول، و قسم بينهم ثلاثة اخماس، و ان لم يكن قاتلوا عليها المشركين
كان كل ما غنموا للامام يجعل حيث احب » (288) . و لا يخفى انها تدل فيما اذا كانت الغنيمة بغير قتال، و هي غير محل الكلام، و
ياتي حكمه في كتاب الجهاد ان شاء الله، مع ما في الرواية من الوهن من جهة قوله:
«ثلاثة اخماس » . و استجود في المدارك كونها كالغنيمة الماخوذة باذن الامام (289) ، و قواه في
المنتهى (290) ، و تردد في النافع (291) . لاطلاق الآية الكريمة (292) . و صحيحة الحلبي: في الرجل من اصحابنا يكون في لوائهم، فيكون معهم، فيصيب غنيمة، قال:
«يؤدي خمسها و يطيب له » (293) . و قوله في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة في تعداد ما يجب فيه الخمس: «و مثل عدو
يصطلم فيؤخذ ماله » (294) . و الآية لاطلاقها تقيد-للمرسلة-بما اذا كان الغزو باذن الامام، كما هو
المتبادر من حال المخاطبين المشافهين بها، و لاجل ذلك يحصل الضعف في
اطلاقها ايضا. و كذلك الصحيحان، لاطلاقهما بالنسبة الى حصول الغنيمة بالغزو و غيره، مع ان
الاولى محتملة لكونها من باب التحليل، حيث ان الرجل من الشيعة. ثم انه لا فرق في ذلك بين ما اذا كان الامام حاضرا او غائبا، كما صرح به في
الروضة (295) ، لاطلاق المرسلة..و لا فيما اذا كان الغزو للدعاء الى الاسلام او
الملك و السلطنة في دار الحرب او دار الاسلام، لما ذكر. نعم، لو كان فيما اذا كان يخاف من الكفار على بيضة الاسلام تكون الغنيمة كما
اذا كان الغزو باذنه، للاذن العام حينئذ. و تمام الكلام فيه ياتي في كتاب الجهاد. التاسع: ميراث من لا وارث له، و ياتي تحقيقه في بحث الميراث. العاشر: المعادن، و هي من الانفال على الاظهر، وفاقا لجماعة من اعيان القدماء،
كالكليني و القمي و الشيخين و القاضي و الديلمي و الفاضل في خمس التحرير، و اختاره
صاحب الحدائق (296) ، و هو مذهب ابن ابي عمير (297) . للمرويين في تفسيري القمي و العياشي المتقدمين (298) . و رواية جابر المروية في الكافي: «خلق الله تعالى آدم، و اقطعه الدنيا قطيعة، فما
كان لآدم فلرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و ما كان لرسول الله فهو للائمة
عليهم السلام من آل محمد» (299) . و رواية محمد بن ريان: «ان الدنيا و ما عليها لرسول الله صلى الله عليه و آله و
سلم » (300) . و مرسلة احمد بن محمد بن عبد الله: «الدنيا و ما فيها لله و لرسوله و لنا» الحديث (301) ،
دلت على ان الدنيا و ما فيها-و منه المعادن-للامام، خرج منها ما خرج فيبقى
الباقي. و بعد دلالة تلك الاخبار الكثيرة-التي اكثرها مذكورة في الكافي و عمل قدماء
الطائفة عليها-لا يضر ضعف سندها، و لا ضعف دلالة الاولى من جهة اختلاف النسخ بتبديل
لفظة: «منها» في بعضها «فيها» فلا تدل الا على المعادن التي في ارضه-كما هو مذهب
جمهور المتاخرين (302) -بل و كذلك على نسخة: «منها» ، لاحتمال رجوع الضمير الى
الارض لا الانفال، سيما مع قرب المرجع، و ايجاب الرجوع الى الانفال استئناف
الواو مع ان الاصل فيها العطف، سيما مع كونه مغنيا عن قوله: «منها» . و لا ينافي كون المعادن من الانفال ما دل على وجوب الخمس فيها -حيث انه لا معنى
لوجوبه في ماله على الغير-لجواز ان يكون الحكم في المعادن: ان من اخرجه
باذنه يكون خمسه له و الباقي له، كما صرح به الكليني و الديلمي (303) . و معنى كونه صلى الله عليه و آله و سلم مالكا للمجموع: ان له التصرف في المجموع
بالاذن و المنع، فمعنى اخبار وجوب الخمس: ان من اخرجها على الوجه الشرعي كان
عليه الخمس، و هو انما يكون مع اذنه عليه السلام. الحادي عشر: البحار، و هي على الاظهر من الانفال، وفاقا لصريح الكليني (304) ، و ظاهر
ابن ابي عمير، و المحكي عن المفيد بل الديلمي (305) ، للعمومات المتقدمة (306) . و حسنة البختري: «ان جبرئيل كرى برجله خمسة انهار و لسان الماء يتبعه: الفرات، و
دجلة، و نيل مصر، و مهران، و نهر بلخ، فما سقت او سقي منها فللامام، و البحر المطيف
بالدنيا» (307) . و تؤيده-بل تدل عليه ايضا-صحيحة عمر بن يزيد، و فيها: اني كنت و ليت البحرين
الغوص، فاصبت اربعمائة الف درهم، و قد جئتك بخمسها ثمانين الف درهم-الى ان قال:
-فقال عليه السلام: «او ما لنا من الارض و ما اخرج الله منها الا الخمس يا ابا
سيار؟ ! ان الارض كلها لنا، فما اخرج الله منها من شي ء فهو لنا» فقلت له: و انا
احمل اليك المال كله؟ فقال: «يا ابا سيار، قد طيبناه لك، و احللناك منه، فضم اليك
مالك، و كل ما في ايدي شيعتنا من الارض فهم فيه محللون، يحل ذلك لهم حتى يقوم
قائمنا» الحديث (308) . وجه الدلالة: ان المال الحاصل للسائل، و سؤاله كان عن الغوص، و منه يفهم ان مراده
عليه السلام من الارض و ما اخرج منها ما يشمل ارض البحار ايضا.