أوراق مشاکسة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
وهنا (المؤلف/ المرسل الحق، الحقيقة المطلقة) متعالٍ على (نصه) حيث لا يوجد إلا فيض من نور (لحظةِ إنشاء ما أرسل) لكنه، أو لكن معرفته دلالياً بمقاربة ما هو مخبوء وراء الستور النصية بتلقي البنيات الترميزية والحدس المثقف بمحمولاتها أو غاياتها. لا يطغى عليه ما أنشأ وأرسل. أي أن (المؤلف لا يموت) حسب مصطلح رولان بارت كما أن (سلطة النص) مقيدة به، ومتعة التلقي أو سلطة القراءة الجديدة/ سلطة القارئ كمنشئ جديد للنص/ محكومان بذلك التقييد وسقف الغايات الدلالية العليا الكامنة وراء ستور الترميز في الخطاب المرسل.إن البنيوية والألسنة والسيميولوجية- بمختلف تطوراتها- موجودة هنا في تناسق وتكامل مدهشين. ولنلاحظ أن المنشئ الإنساني، أي الكاتب في لحظة الكتابة أو برهتها، إنما يستند إلى حدوسه الواعية كي يقيم بناءه النصي الترميزي على أساس (الكليات) البشرية المشتركة المودعة فطرياً في كل مخلوق، والتي تبيح في النهاية قابلية التداول وإمكانية التناول للنص الواحد من قبل ما لا يحصى من البشر في ما لا يمكن تحديده من أزمنة ولغات. فالمنشئ الإنساني للنص هو -حسبما يوحي به ابن عربي مجازياً- إنما هو قارئ للنص الكوني حيث (لغز الأشياء).. ومنتج للنص البياني اللغوي، في حدود ما وهبه (المنتج الأعلى/ الحق المطلق) كي يزيح ستراً جديداً أو بعض الستر عن ذلك اللغز. وهل الكتابة في النهاية إلا تعبير عما استطاعت الذات من الحدس به وإدراكه من طبيعة الوجود كي تثبت ذاتها داخل هذه الطبيعة وتتفتح فيها نحو التفرد بواسطة ذلك (التعبير)؟!وتفسر عبارة (النظم محصور) فحوى ما ذهبنا إليه. والنظم هنا ليس نظم الشعر بل هو نظام الإبداع، وهو (محصور) بلغز الأشياء، أي بطبيعة الوجود، وبنيان الكون من جهة، ومحصورة ممارسته بأهل الشعور من جهة أخرى. ولا يقوم نظام الإبداع (النص) إلا بالرمز، فهو إذاً بنيان من بني ترميزية، يشير إلى (لغز الأشياء) ولا يتمكن من الإحاطة به.. فالوضوح والمباشرة المبسطة ليسا سمة هذا اللغز، وإلا.. لسلكه الجميع، خصوصاً أهل الشعور. ولكن القراءة تكون بذلك لمرة واحدة وتنتهي إلى الأبد، فيفقد الوجود الإنساني معناه ولذته وقيمته وغاياته.. ولهذا ختم ابن عربي القول على لسان الحق: (أنزلت الآيات النيرات لمعان لا تفهم أبداً) وفي اعتقادنا أن الشيخ الأكبر يشير هنا إشارة إلى آيات القرآن الكريم، ولكنه يقصد آيات الكون جملة، وآيات ما يبدو في روح الإنسان من نور الشعور بما وراء تلك الآيات من معنى وقصد يجب أن يسعى إليه محللاً ومفككاً ومركباً من غير أن يصل أبداً.. ففي الوصول إعدام لانفتاح القراءة.. إعدام لمتعتها.. إعدام لمعنى السعي الإنساني.. إعدام لإمكانية تفتح الشخصية البشرية وارتقائها دائماً في جهدها المعرفي لكشف المستور برموزه القريبة/ البعيدة في آن معاً. فهل ترانا بعد هذا قاربنا شيئاً ذا قيمة من مدلولات تلك العبارات التي أوردناها عن الشيخ الأكبر؟!