أوراق مشاکسة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
وخامسها هو توفر المقدرة الجيدة على التذوق الجمالي من قبل القارئ، وعلى الاستقراء والدمج الاستنتاجي لمحصلات القراءة في إطار نص نقدي متماسك ودال ومؤثر، بصورة ما، في الراهن.وبالطبع هناك أمور أخرى كان يمكن ذكرها ولكننا نكتفي بما أوردناه لاعتقادنا أنه يفي بالغرض.وهذه الأمور مجتمعة، نعتقد أنها توفرت -أو هي متوفرة على أرضية معرفية، أدبية وغير أدبية، جيدة للشاعر والناقد المعروف وفيق خنسة.ومؤخراً أنجز وفيق قراءة جديدة للمعلقات تحت عنوان سبق لنا ذكره "الآفاق القصية" وهو إذ يرى الكم الغزير من قراءات المعلقات، منذ القديم حتى اليوم، (بدءاً بالدراسات البلاغية وانتهاء بالدراسات البنيوية) يثبت أنها لم تكن فاشلة أو قاصرة (لكنها تخطئ إذ تظن أن بعداً واحداً- مهما كان أصيلاً وعميقاً- يمكن أن يستنفد عملاً كبيراً كالمعلقات). وهو بهذا يؤكد على مشروعية قراءته الجديدة، وعلى الأساس التالي:(إعادة كتابة ذلك التاريخ- يقصد التاريخ الجاهلي- ولكن على أساس أسئلة ننشئها نحن دون أن تكون تقليداً أو صدى لأسئلة أخرى. وعلى أساس أن نجيب على أسئلتنا بحناجرنا دون أن نستعير حناجر الآخرين).وإذاً، هناك وظيفة راهنة لهذه القراءة وهي إعادة امتلاك نقطة البدء في تاريخنا، أو نقطة الصفر كما يسميها وفيق، (ذلك أن أصحاب المعلقات يعبرون عن ثقافة العرب في الجاهلية.. في أصفى وأرفع مستوياتها) وهم في معلقاتهم يقدمون لنا -بالتالي- آفاق رؤية العربي الجاهلي للعالم ومفردات العالم، مثلما يقدمون كيفيات هذه الرؤية، والموقف من العالم في نهاية التحليل.وإذا كنا نختلف مع وفيق في أن العصر الجاهلي هو (نقطة الصفر) أو المنطلق لتاريخنا العربي، حيث نرى البدء قبل أربعة آلاف عام من هذه "النقطة" فإننا لن نخوض هنا سجالاً حول ذلك، ولكننا سنبين بعض المترتبات على هذا الاعتبار عند التعرض لتحليلاته اللاحقة.والأسس المنهجية في دراسة أديبنا الناقد هذه هي أسس تدل على توجهه نحو (المنهج التكاملي) الذي يتمثل سائر المناهج المعروفة ويعيد إنتاج منطلقاتها وأساليب أدائها في (كل) جديد يستفيد منها جميعاً، ناهيك عن تمثله لمناهجنا القديمة. فترابط الفن العظيم بوجود فكر عظيم، واعتبار اللغة نتاج الجماعة البشرية حيث الكلام الشعري ينزاح قليلاً أو كثيراً عن استعمالها الاجتماعي وكون كلام الشعر يقول معناه فيما هو يلعب على هوامش نشطة من حياة الأفراد والجماعات مستغلاً طاقات اللغة، وتعبير الشعر أو الشاعر الأصيل عن وجدان شعبه وعن حدوس ذلك الشعب في مرحلته التاريخية مع إطلاق أحلامه ورؤاه باتجاه المستقبل، والقول بتحول النص -رغم ما يبدو من ثباته- كما إن القارئ يتحول.. كل ذلك يعتمده وفيق كمنطلقات منهجية يقررها في المقدمة مثلما سنراه يتكئ على بعض من المنهج النفسي والمنهج التاريخي والوصفي والبنيوي.. حيثما يلزمه ذلك وبتناغم متساوق. على أن الأساس الأهم يتعلق برؤيته لدور الصورة في القصيدة إذ هي (مظهر جمالي لاكتشاف العلاقات بين الأشياء، فكما أن المفهوم أساس في الفلسفة فإن الصورة تلعب على المستوى الدلالي الدور نفسه)