الأستاذ الناقد المعروف عبد الله محمد الغذّامي هو أحد النقاد العرب الكبار في هذا النصف الأخير من قرننا العشرين الموشك على الأفول. وأحد أهم كتبه النقدية وأمتعها هو كتابه (المرأة واللغة) الذي صدرت طبعته الأولى عام 1996 وصدرت طبعته الثانية عام 1997 عن المركز الثقافي في الدار البيضاء بالمغرب. ثم صار هذا الكتاب واحداً من ثلاثة كتب عن الموضوع ذاته.ويقوم هذا الكتاب على فكرة أساسية مؤداها: أن اللغة التي هي أنوثية في الأصل قد استولى عليها الرجل محولاً إياها إلى (قلعة) خاصة به، وفرض على الأنثى أن تعيش على هامشها غير متروك لها منها إلا ما يناسب الرجل!..ويلتقط الأستاذ الغذّامي الفكرة الأساسية تلك، بدئياً، من قولةٍ لعبد الحميد بن يحيى الكاتب- كاتب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية- إذ يقول: (خير الكلام ما كان لفظه فحلاً ومعناه بكراً)، ثم يستنتج من تلك القولة وجود (قسمة ثقافية يأخذ فيها الرجل أخطر ما في اللغة وهو "اللفظ" بما أنه التجسد العملي للغة والأساس الذي ينبني عليه الوجود الكتابي والوجود الخطابي لها، فاللفظ فحل "ذكر"، وللمرأة المعنى، لا سيما وأن المعنى خاضع وموجه بوساطة اللفظ، وليس للمعنى من وجود أو قيمة إلا تحت مظلة اللفظ).وقد يرى كثيرون أن في هذا الالتقاط لهذه الفكرة، وفي تأسيس هذه القسمة، كثيراً من التعسف غير الموضوعي، سيشيد عليه وعلى نواتجه الأستاذ الغذامي كتابه الممتع كله.. وربما هم في ذلك على حق كبير. ولكن، لنترك الآن هذا الأمر مؤقتاً ولنتابع مع ناقدنا، اللماح الألمعي بالفعل، ما يذهب إليه تالياً إذ هو يكمل:(هذه قسمة أولى أفضت إلى قسمة ثانية أخذ فيها الرجل "الكتابة" واحتكرها لنفسه وترك للمرأة "الحكي"، وهذا أدى إلى إحكام السيطرة على الفكر اللغوي والثقافي، وعلى التاريخ من خلال كتابة هذا التاريخ بيد من يرى نفسه صانعاً للتاريخ).