أوراق مشاکسة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
ويبدو استنتاج هذه القسمة من سابقتها هدفاً لذاته، وإذا حاولنا المطابقة بين القسمتين وجدنا أن التعسف غير الموضوعي في قضية سيطرة اللفظ على المعنى يقود إلى موضوعة (كتابة التاريخ ذكورياً بما هو لفظ لا وجود للمعنى إلا تحت مظلته)، وهنا نعود إلى ما سبق أن تركناه مؤقتاً وهو [التعسف في علاقة متخيلة للفظ "الفحل" بالمعنى الذي هو "أنوثة" تلتغي ما لم تندرج في الفحولة الذكورية]:-ترى، ما الذي يساويه اللفظ إن لم يكن مطية للمعنى وحاملاً له؟! أليس المعنى هو الذي يفترض لفظه بالحدود التي يتطلبها، وحين تقال ألفاظ غير مقيدة بالمعنى تصبح مجرد أصوات عشوائية لا قيمة لها؟!إن أطروحة الجاحظ حول اللفظ والمعنى ظلت دائماً مثار شك وجدل فكري وتطبيقي، ولعل شعر أبي تمام ثم المتنبي بعده.. وأقوال المتصوفة وكتاباتهم منذ ابتداء التصوف إلى نهاياته.. كل ذلك كان نقضاً لمقولة (إن المعاني مبذولة في الطريق).. وهذا كله ينقض -في نهاية المطاف- تلك القسمة الأولى التي اعتمدها الأستاذ الغذامي، ثم قسرها على أن تولد القسمة الثانية.وتفتقر القسمة الثانية التي هي صحيحة بنسبة كبيرة: [أخذ الرجل "الكتابة".. وترك للمرأة "الحكي"] مع ما يتبعها بخصوص السيطرة الذكورية على الفكر والتاريخ، إلى (النظرة الطبقية) لحركة التاريخ ذاته. ففي التاريخ العام حتى زمن قريب نسبياً كانت هناك فئة قليلة من المجتمع هي طبقة الحكام والمتمولين وحاشياتهم ممن يبرعون في هذا الميدان المعرفي أو ذاك - حسب علوم أزمنتهم- فيلحقهم الحاكمون بالحاشية طوعاً أو كرهاً، ويصبحون بالتالي جزءاً من تلك الطبقة!..وإذا فليس الرجل عموماً هو من يكتب التاريخ، بل طبقة من الرجال فقط، أما "الحكي" فهو للنساء والرجال معاً في بقية المجتمع. ولهذا سنرى أن التطبيق الذي يجريه الأستاذ الغذامي عبر دراسته "الأنثوية" لألف ليلة وليلة يتجاهل أن "الذكر/ شهريار" ملك، وأن "الأنثى/ شهر زاد" هي ابنة وزير!..فالأنوثة المنتصرة هناك هي "أنوثة طبقية". ولهذا دلالته، حتى بالنسبة لقصة الجارية (تودد) التي يدرسها من المنظور غير الطبقي وفقاً لقسمتيه الأُولَيْين اللتين عرضناهما! فتلك الجارية هي جزء من الحاشية -جارية متمول أفلس- ولهذا لا تباع إلا لهارون الرشيد.. وانتصارها في مجلسه على جميع أهل العلوم وأرباب الصناعة المعرفية، بمن فيهم الفيلسوف المعتزليّ إبراهيم بن سيار النظام، ليس انتصاراً عاماً للأنوثة على الذكورة، بل هو انتصار "نسوة" الحاشية وحدهن على أهل العلم بمن فيهم النظام الذي كان متهماً بالمروق من الدين وقتها من قبل السلطة الحاكمة!.. أي أن الطبقة الحاكمة ذاتها هي التي تنتصر، حتى بوساطة جواريها، ناهيك عن حرائرها، على أهل العلم وعلى المجتمع ذكوراً وإناثاً في آن واحد!على أن الأستاذ الغذامي يخلص من (قسمتيه) الأوليين إلى نتيجة يقررها بإثباتها كيما يدرس نماذج من الكتابة الأنثوية المعاصرة، يقول الأستاذ الغذامي بعد ذكر "القسمتين السابقتين" مباشرة:(وهنا تأتي المرأة إلى اللغة بعد أن سيطر الرجل على كل الإمكانات اللغوية، وقرر ما هو حقيقي وما هو مجازي في الخطاب التعبيري، ولم تكن المرأة في هذا التكوين سوى مجاز رمزي أو مخيال ذهني يكتبه الرجل وينسجه حسب دواعيه البيانية والحياتية).